الاثنين 14 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الکیان الصهیونی وسلطته

سوسن البرغوتی

 

إن التصعید الأخیر، ولیس الآخر، على قطاع غزة المحاصر حتى اللحظة، بموافقة عربیة رسمیة، ودعم الدول الاستعماریة فی العالم، یدل على حقائق لا تشوبها أی شائبة تشکیک:

أولاً- إن الکیان الصهیونی وحلفاءه، عربا وغیر عرب، ماضون بسرعة البرق، للقضاء على المقاومة واستنزافها، والتصعید بین الفینة والأخرى، لمعرفة قدرة المقاومة على الرد، للقیاس على مواجهة عسکریة وجولة أخرى من القتل الجماعی والتدمیر، واختبار تطور أسلحة المقاومة، وتحدید من یدعمها لوجستیاً، لتبدأ معرکة من نوع آخر مع تلک الجهات العربیة تحدیداً، ومنها ما هو جاهز لأسباب عدیدة.

ثانیاً- الحرباء تغیر جلدها، فإذا فعلت لن تصبح فی یوم من الأیام أسداً، وأفعى الاحتلال تتحالف مع حرباء أوسلو على المقاومة، وهذا الأمر لیس جدیداً، ویعلمه الجمیع من خلال الاتفاقیات المبرمة مع الاحتلال والممارسات المنسجمة والمتطابقة مع الالتزام بها، ولکن سیاسة الانتظار والتکتیکات، حتى تتجلى أوضاع الوطن العربی بعد الزلزال الحاصل، ستضعف موقع المقاومة، وسیستطیعون اختراق صفوفها، بالعملاء والقضاء على عناصر وقیادات عسکریة وسیاسیة، من خلال التصعید، لا تلبث أن تهدأ الأمور وفق سیاسة العدو الاستراتیجیة، ما بین کرّ وفرّ.

ثالثاً- إن التهدئة المؤقتة ودعوة سلطة محمیة رام الله للمصالحة، موظفتان مؤقتاً، لإطالة عمر سلطة الاحتلال، وإعطائها فرصة إنهاء الانقسام، بینما هی فی الحقیقة من أجل توحید الضفة والقطاع، منزوعة من سلاح المقاومة، للعودة إلى المفاوضات والسلام المزعوم، حتى یستطیع الکیان الصهیونی فی الوقت نفسه، تهوید الأرض وتستطیع السلطة تدجین الشعب، بإلغاء ملف المقاومة المسلحة، طالما تلقى "المقاومة السلمیة" دعماً واستحساناً من قبل الکثیرین، لتصبح الخیار الاستراتیجی، فی بلد یخضع لاحتلال استیطانی إلغائی.

رابعاً- إن الأمن "الإسرائیلی" على سدة أولویات السلطة وجمیع حلفاء الکیان الصهیونی، الدولیین والإقلیمیین، والحجة الجاهزة، الحرب على "العنف"، فطالما وُجد هذا "العنف"- أی المقاومة- معنى ذلک أن القتل مستمر، وبعد هذا کله، یأتوننا بأکذوبة التهدئة، وأن تلک الاغتیالات والغارات على القطاع، هی للدفاع عن أمن جمهورهم، وماذا عن شعبنا، والمقاومة وُلدت من رحم المعاناة والظلم والاحتلال؟! إلا أنه من الواضح، أن ثمة تحرکات وتجهیزات جاریة لـ"ثورة السلام"، تبدأ بغارات متکررة على معاقل وقیادات المقاومة بالقطاع، واستمرار ذات النهج باغتیال واعتقال مجاهدین فی الضفة الغربیة المحتلة، وتبادل الأدوار لا تخفى على أحد.

خامساً- تنظیمات المنظمة، تقفز على خطین متوازیین، تارة بمقاومة الاحتلال فی القطاع، ولا یجرؤون على إطلاق رصاصة واحدة بالضفة الغربیة، وتارات أخرى، بالاصطفاف إلى جانب السلطة، وتفعیل شعار الدیمقراطیة والعدالة والمساواة، والسؤال، هل تحررت فلسطین؟!.. حرروا البلاد من الاحتلال، وفکوا قیود العباد من برامج التحقیر والتقزیم، ثم اختلفوا فیما بینکم، مع العلم وحتى اللحظة لم تحدد تلک التنظیمات موقعها من عملیة التسویة، والأصح، عملیة الاستسلام والخنوع والتهوید.

سادساً- صار للشعب الواحد، شِعب منها من ابتعد عن القضیة، ولا یعنیه إلا أمور هامشیة ثانویة، والمخلوقات المتوحشة تقتل الفلسطینیین، تساعدها أنیاب وأظافر محلیة مسمومة تنهش لحوم وعقول شعبنا، والسباق المحموم للنیل من شِعب صامد صابر، وبین الجزر والمد، تطمر آلة الاحتلال العسکریة، الأحیاء والشهداء. وفی طیاتها تحمل رسالة تخویف وترهیب لِشعب ثالث، بأن المقاومة فشلت بحمایة المدنیین العزل، بینما السلطة بالضفة، تبنی مؤسسات الدولة وتسعى للإزدهار الاقتصادی والأمن مستتب، فی الوقت الذی لا یجرؤ أی مواطن أو مسؤول الخروج من بیت إلى آخر، إلا بإذن من الاحتلال، وأن تلک المؤسسات لیست أکثر من مراکز تطبیعیة ومرتبطة مباشرة بموافقة ومراقبة الاحتلال، وتضاعف عدد المرتزقة والسارقین، وازدیاد نسبة الفقر بین الناس، فضلاً عن أن القوات الصهیونیة تصول وتجول فی الضفة والقدس، ولا تجد من یصدها، وما تعارفوا علیه بـ"مناطق فلسطینیة" مقیدة بحواجز وجدار یلتف حول أعناق المدنیین العزل. وعلى الرغم من ذلک، فإن المقاومة تقوم بعملیات بطولیة، کلما سنحت الفرصة لها، مما یعنی بالتالی، أن لیس کل الشعب ضُلل وأغرته الوعود الکاذبة، ولن یتخلى عن حقه الطبیعی، طالما بقی الاحتلال، وهذه المعادلة لا تحتاج إلى کثیر من التحلیل والتأویل. أما الشعب فی الداخل المحتل عام 1948 والآخر بالملاجئ والمهاجر، هم عبء على الاحتلال والسلطة والدول ولا استثناء لأی دولة، لکنهم الحلقة الأصعب فی تصفیة القضیة.

سابعاً- اقتناص الفرصة للاستفراد بالشعب الفلسطینی فی القطاع، ولیس جریمة استهداف الأطفال والأبریاء شرق الشجاعیة آخرها ولا أول ممارسة الهوایة المفضلة لدى عصابات الصهاینة. أما التعویل على المجتمع الدولی ومؤسساته، فلا یقدم ولا یؤخر من دعم ومساندة الاحتلال، طالما أن النظام العالمی، بواقعه الحالی، یدعم المجرم ویدین البریء، یشرعن منطق الاحتلال، ویستخدم وسائل عسکریة، لإثبات أن القوى العظمى، هی قوة استباحة القتل والتدمیر. ولعل تراجع جولدستون عن تقریره، آملاً أن یکون التقریر بدایة عهد جدید وعادل تجاه "إسرائیل"، على حد تعبیره، شرعنة ما فعله جیش الاحتلال من جرائم فی القطاع، وهو الوجه الحقیقی لما یُسمى المجتمع الدولی، وما کان جولدستون یوماً رافضاً لکیان توظیفی استعماری، ولن یکون.

ثامناً- أقولها بصدق وأمانة: إن التصریحات والبیانات المهددة والمتوعدة، لم تعد تأخذ حیزاً ولو ضیقاً فی ظل ما یحدث فی البلاد العربیة بشکل عام، ووفق سیاسة الاحتلال، التی لم تتزحزح قید أنملة عن استراتیجیتها المعلنة والمعروفة للقاصی والدانی، وهی إما أن تقبلوا بـ"دولة إسرائیل الیهودیة"، وإما تطهیر "أرض یهودا والسامرة من الأغیار"! فتعادل قوة الردع تغیر من حسابات العدو، وتخرس مزایدات رخیصة، بنعت مقاومة شعب فلسطین بالثرثرة والإفلاس الوطنی!. والحمد لله، فقد جاء الیوم الذی یتهجم فیه المنظرون، على مقاومة شعب لإبادة مستمرة من قرن، دون إعطاء أی مساحة فکریة، لأهمیة إعداد مواجهة عسکریة قادمة لا محالة، سواء أکانت على نطاق ضیق أم موسع، فالذی أدار وجهه عن الاعتداء الهمجی على القطاع المحاصر، وعن اغتیالات لقیادات عسکریة ملاحقة منذ سنوات، لا یمکنه رؤیة الأمور بطریقة أخرى أبداً، بإغفال مقصود لبرنامجین متناقضین، الأول وصل به الأمر المساومة على 6 بالمئة والثانی یصمد ویقاوم، ولم یفرط بذرة تراب من فلسطین، ولم یعترف بالعدو. والکل فی حساباته بسلة واحدة، دون ضوابط وطنیة وأخلاقیة؛ ونتساءل، لماذا یستهدفون قیادات عسکریة من المقاومة فی القطاع، إذا کانت المقاومة مجرد ثرثرة؟ وهل یعلم أن المقاومة لم تتوقف حسب الإمکانیات والمعطیات والظروف، أم أن إطلاق الأحکام هی الثرثرة واللغو التافه؟!.

السبب الجوهری لکل ما یحدث من عبث وتخریب مقصود لقضیة وجودنا کشعب یرید إنهاء الاحتلال، هو سلطة فرضها الاحتلال نتیجة ارتباطاتها الأمنیة والسیاسیة معه، ولا حل إلا بإنهاء المسخرة المسماة سلطة أوسلو أولاً.. فالثورة، الثورة والغضب وصل إلى حال لا یُطاق، یا شعب فلسطین الحر، ولنسقط سلطة أوسلو بالاعتصام والتظاهر أمام مؤسساتها أینما وُجدت، حتى طرد کل موظیفها وإغلاقها، وذلک لضرورة إنقاذ ما تبقى من قضیتنا بفرض مرجعیة وطنیة ثابتة، على قاعدة تحریر فلسطین العربیة من بحرها إلى نهرها، والتمسک بکل مقدساتنا وثقافتنا الإسلامیة، ووحدة السلاح والهدف، فهذه هی الثوابت، لا ثوابت التسویة والتعایش، ومن لا یقبل بها، فلیجد حلاً للصهاینة فی مواطنهم الأصلیة، فهم الآن فی الشتات، والأفضل لهم العودة لبلادهم، لأن لا استقرار ولا أمن لهم فی فلسطین، رغم تسلیحهم جمیعاً، حتى لو بقوا قروناً طویلة، وحق الشعب فی مقاومة محتله نبع لن ینضب.

ن/25

 

 

 


| رمز الموضوع: 143135







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)