عندما یقع السفیر الإسرائیلی فی مصیدة القضاء المصری
الکاتبة المصریة شیرین المنیری
المکان: محکمة استئناف القاهرة دائرة 4 تعویضات.
المدعی: ورثة الشهید مجند عامر أبو بکر سعد.
المدعی علیهم: وزیر الداخلیة المصری والسفیر الإسرائیلی فی مصر.
موضوع الدعوى: مجموعة من الجنود الإسرائیلیین فوق دبابة إسرائیلیة تابعة للکتیبة 77 یقومون بإطلاق النار على المجند 'عامر أبو بکر سعد' ورفیقیه أثناء دوریاتهم على أرض سیناء.. فیردوهم قتلى: الحکم الصادر: وحیث أنه بتاریخ 17/11/2004 قامت مجموعة من الضباط والجنود الإسرائیلیین فی دبابة تابعة للکتیبة 77 الإسرائیلیة بقطاع جنوب غزة بإطلاق النار على الموقع مما أدى إلى استشهاد أفراد الموقع الثلاثة، ویعتبر ما ارتکبه الجنود الإسرائیلیون خرقاً فاضحاً للمعاهدات والأعراف الدولیة ولمعاهدة کامب دیفید..، کذلک انتهى التقریر المفصل عن الحادث والذی قامت قوات المراقبة الدولیة بإعداده إلى إدانة قتل الجنود..، وأنه کانت توجد نیة مبیتة ومقصودة لقتلهم..، وحذرت التقاریر الدولیة من سیطرة الأفکار الدینیة المتشددة التی انتشرت أخیراً فی إسرائیل..،
حکمت المحکمة.. (بإلزام المستأنف ضده الثانی سفیر إسرائیل فی مصر بصفته ممثلاً لحکومة إسرائیل بأن یؤدی إلى المستأنفین مبلغ عشرة ملایین دولار أمریکی تعویضاً أسوة بضحایا لوکیربی.
حکم تاریخی، یصدر فی مصر لأول مرة فی واقعة لیست الأولى ولن تکون الأخیرة طالما استمر النظام الحالی فی الحکم.. ویؤکد البعض بأن سلسلة اصطیاد المصریین على الحدود المصریة الفلسطینیة برصاص القناصة مقصودة فعلى سبیل التذکر فقط.. فی 30 حزیران/یونیو 2001 قتل المجند السید الغریب محمد أحمد بعدة أعیرة ناریة فی المنطقة الفاصلة بین مصر والأراضی المحتلة، وفی27 کانون الثانی/ینایر قتل (حمدان سلیمان سویلم فی سیناء وفی 28 کانون الثانی/ینایر قتلت ابنة أخته الطفلة سماح نایف سلیمان سویلم (8 سنوات) أمام منزلهم على الحدود قرب معبر کرم سالم والموجود بها برج المراقبة الذی یعتلیه الجندی الإسرائیلی فی الأرض المملوکة لعائلة (حمدان سویلم) وفی 21 آذار/مارس 2008 قتل المواطن سلیمان عابد مرسى، وفی الیوم التالی 22 قتل ابنه عایشی سلیمان موسی، ثم تلاهم فی الأیام التالیة قتل (خمسة من المصریین) وتم تسلیم الجثامین للجانب المصری الذی قام مشکوراً بتسلیمهم لذویهم فی سیناء.. وبعدها بشهرین 9 تموز/یولیو قتل الضابط المصری محمد القرشی ثم......... ثم.........
ثم قتل المجند الشهید 'عامر أبو بکر سعد' موضوع الدعوى ورفیقاه والذین استشهدوا فی 17/11/2004.
أین سیادة مصر وأمنها القومی فی تلک الحادثات، إنهم لا یشعرون بکرامة مصر.. لا یرونها إلا حینما یُذکر أهل غزة.. ویظهر أمامهم شبح حماس الذی یخیفهم ویرعبهم لمجرد أنه فصیل من الإخوان مصدر الرعب الأول للنظام القائم.. الجاثم على صدر وقلب مصر.
تزامن صدور هذا الحکم المشرف مع توقیت صدور عدد (الأهرام المسائی) لیوم الأربعاء 27 کانون الثانی/ینایر وفی الصفحة الأولى صورة خالد مشعل کتب فوقها: الوثیقة القنبلة.. الفضیحة.. خالد مشعل یستجدی خادم الحرمین الشریفین. طرقت بابکم مرات عدیدة... ومازلت أطرق الباب حتى یفتح - علاقتنا مع إیران لیس على حساب أمتنا العربیة.
کان السماح بنشر هذه الرسالة صدمة للکثیرین إذ کیف یسمح بتسریب الرسالة وبهذه العناوین الفاضحة الکاشفة لمدى الکراهیة والخوف الشدیدین الذین یحملهما الأمن المصری لنظام حماس حتى یعنون الخطاب فی الصفحات الداخلیة بـ: [نص خطاب استجداء] مشعل لخادم الحرمین.
وعند قراءة محتوى الخطاب لا یوجد استجداء أو غیره وإنما هی رسالة صیغت بدبلوماسیة سیاسیة تلیق بالراسل والمرسل إلیه.. وموضوعها.. تحدید موعد لمقابلة الملک عبدالله..
مصر قد وصلت إلى حافة الهاویة فی علاقتها بفلسطین، بعد نشر 'الأهرام المسائی' لهذا الخطاب خاصةً أن رئیس تحریره هو الصحافی الموهوب بحق/ طارق حسن والذی یشغل منصب رئیس لجنة الإعلام بالحزب الحاکم وهو الذی شبه خالد مشعل وجماعته بأنهم [حوثیون] على حدود مصر یجب محاربتهم ویهددون [الأمن المصری والسیادة المصریة].
أی سیادة وأی أمن تهددهما حماس وأمامنا حوالى 55 جریمة قتل على الحدود المصریة من قناصة إسرائیلیین.. کانت.. ولازالت فی نفس مکانها: برج المراقبة على حدود رفح المصریة مع رفح الفلسطینیة الواقعة تحت الاحتلال الصهیونی.
ثم.. هل تذکرون سلیمان خاطر وسعد إدریس حلاوة ،سلیمان خاطر المجند الذی أطلق النار على مجموعة من الصهاینة فی آب/أغسطس عام 1985 الذین یمرحون لیل نهار على أراضی سیناء المصریة حیث قامت السیدات اللاتی فی المجموعة السیاحیة بخلع ملابسهن أمام المجند المصری صلاح الذی استفزت کرامته من رؤیة الیهودیات یخطون فوق سیناء عاریات تماماً أمامه حاول تنبیههن إلى أن ذلک مخالف لعادات وتقالید وموروثات الشعب المصری.. فسخرن منه وسخرن من بندقیته التی یحملها ولا یستطیع أن یصوبها إلیهن. ووسط ضحکهن وسکرهن قام (خاطر) بتوجیه البندقیة إلى الجمیع بشکل هستیری.. فأوقع منهم القتلى والمصابین، وتم القبض علیه فوراً وقدمت (حکومة دولة إسرائیل الصدیقة) أشد التوبیخ للجانب المصری لقتله أبریاء حضروا لمصر مطمئنین.. إلا أن المجند سلیمان خاطر قد أغتال طمأنینتهم ببندقیته التی ما کان فی الحسبان أن تشرع فی مواجهة أصدقاء مصر..؟
وحین عمت المظاهرات فی بر مصر وخاصة الجامعات، استیقظ الناس صباح یوم 6 کانون الثانی/ینایر 1986 على خبر انتحار المجند (سلیمان خاطر) فی زنزانته بملاءة السریر!
للأسف هذا هو نظام دولة مصر القائم.. الجاثم.. وهذه هی دولة إسرائیل التی تحافظ على مواطنیها .. تحاول أن، تصنع بهم دولة.. على حساب فلسطین الحبیبة.
کانت رسالة (الأرکان حرب) للبکباشی (جمال عبدالناصر) عن مصر وأمنها القومی الذی یبدأ من (بئر سبع) فی فلسطین!؟
وکذلک جاءت دراسة للجنرال اللمبی بنفس المعنى، أما وزیر خارجیتنا الذی هو عار على مدرسة الدبلوماسیة المصریة فیرى أن أمن مصر القومی یبدأ بالقضاء على حماس بل وقطع رجل ثم رقبة من یتجرأ منهم على حدود مصر.
ذلک الحکم العظیم الذی أصدره قضاة مصر الشرفاء وأقرته قوات المراقبة الدولیة فی تقریر مفصل عن الحادث یوضحه نص الحکم، (وجود نیة مبیتة ومقصودة لقـــتل الجنود المصریین الثلاثة) لابد أن یکون هذا الحکم هو بدایة لرفع عشرات.. بل مئات الدعاوى أمام المحاکم المصریة لإدانة الصهاینة والنظام المصری المتواطئ معهم لاغتیال الاثنین: المدنیین والجنود المصریین على الحدود.
لابد من تعریة الحقیقة التی تختفی تحت مظلة إعلام مصری یجهل المعلوم من الحقائق حتى بات کثیر من المصریین یتصورون أن أهل غزة یشکلون خطراً على حدود مصر والدلیل على ذلک اصابة المجند المصری (شعبان) على الحدود برصاصة مجهولة القوا تبعتها على حماس.. بل.. ودعوا للحداد وارتداء السواد على الشهید الذی اغتاله أهل غزة..، وحینما سأل الدکتور مصطفى الفقی رئیس لجنة العلاقات الخارجیة بالبرلمان المصری یومها على قناة 'الجزیرة 'عن رأیه فی الجنود المصریین الذین قتلوا بالقناصة الإسرائیلیین أجاب: لیس من المستغرب على إسرائیل قتلها للمصریین، لکن بماذا نبرر قتل الفلسطینیین لمصریین؟
إننا أبریاء مما یحدث لفلسطین على أیدی نظامنا.. فنحن کذلک نعانی على أرضنا من مستعمرین لا یشعرون بنا ولا یعبرون عنا.. إنهم المستعمرون الجدد أو.. الحکام العرب.
وفی النهایة: لابد من تحیة قضاة مصر الشرفاء الذین جاء فی منطوق الحکم بالدعوى المقدمة رقم 33043 ل 124ق.
(إن تخلى القاضی الوطنی یتعارض مع النظام السیاسی والاقتصادی لمصر ویحولها لبلد مستباح... حتى وإن کان بعض من أبنائها (غیر البررة) الذین اختطفوها تعودوا الانبطاح والخضوع للاجانب ولا تهمهم مصلحة المصریین. وإنما تهمهم مصالحهم الضیقة التی باعوا کل شیء من أجلها.
بقى أن نعرف أن الحکم قد صدر برئاسة المستشار أحمد عبدالرحمن البردیس رئیس محکمة الاستئناف وعضویة المستشارین حمدی غانم وأحمد محمود سلیمان وأن محامی المدعین هو أشرف محروس. وإذا کان الحکم قد أدان السفیر الإسرائیلی بأسباب.. فإنه قد برأ وزیر الداخلیة لأسباب مأساویة مضحکة.. کما قال المتنبی منذ ألف عام کم ذا بمصر من مضحکات.. لکنه ضحک کالبکاء.
فقد ذکرت المحکمة فی حیثیات براءة وزیر الداخلیة (أما بالنسبة لخطأ وزیر الداخلیة المصری.. فقد قیدت (کامب دیفید) الحکومة المصریة بالنسبة لأعداد الجنود ونوعیة تسلحهم على الحدود وبالتالی..
فإن وزیر الداخلیة المصری لا یستطیع أن یحمی نفسه فی هذا المکان وفی مثل هذا الظروف فضلاً عن حمایة غیره.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS