الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الفیاضیة والرؤى الأمریکیة!

الفیاضیة والرؤى الأمریکیة!

 

 

ماهر الجعبری

 

فی ظل الجمود السیاسی فی المسیرة التفاوضیة، یدور جدل فی الأوساط الأمریکیة حول البرامج السیاسیة على الساحة الفلسطینیة، وقد راج مصطلح "الفیاضیة"، بشکل لافت فی الفترة الأخیرة، بین أوساط المراقبین والمحللین الغربیین، مما یستوجب وقفة إعلامیة حول هذه الظاهرة مع استشراف لمآلاتها ومفاعیلها.

فقد نشرت مجلة الشؤون الخارجیة الأمریکیة "Foreign Affairs" والتی یصدرها مجلس العلاقات الخارجیة الأمریکیة، أحد کینونات أو خزانات التفکیر الإستراتیجیة الشهیرة "Think Tank"، تقریرا حدیثا یتحدث عن "الفیّاضیة" کطریق ثالث نحو فلسطین، بعد طریق المفاوضات الذی حل محل طریق الکفاح المسلح الذی تخلت عنها القیادات الفلسطینیة، کما یتحدث التقریر.

وکالعدید من تقاریر مجلة الشؤون الخارجیة الأمریکیة، یتضمن هذا التقریر رؤیة أمریکیة للتوجهات السیاسیة نحو القضیة الفلسطینیة، حیث أعده روبرت دینن، الذی کان جزءا من فریق "الرباعیة" فی القدس الذی یترأسه مبعوثها بلیر، وکان مسؤولا فی مجلس الأمن القومی الأمریکی فی مجال الشؤون "الإسرائیلیة"- الفلسطینیة.

ویذکر تقریر الشؤون الخارجیة أنه: بعد ما یقرب من قرن من هیمنة شعار "الکفاح المسلح" على الحرکة الوطنیة الفلسطینیة، تأتی إستراتیجیة فیاض کإضافة تکمیلیة لمسیرة أوسلو، بل وتبدو ظاهریا کبدیل عنها. وبوتیرة هادئة، أطلقت حکومة فیاض خطة یصفها التقریر المذکور -مُمجدا- بأنها "مختصرة ومقتضبة جدا"، بل وأنیقة فی بساطتها وعصیة على النقد بمنطقها، وهی ترسم الطریق نحو الدولة والاستقلال، ویؤکد أن الوقائع على الأرض تبرهن أن خطة فیاض أصبحت أهم من "العشاء" "الأخیر!" الذی جمع عباس ونتنیاهو فی واشنطن، والذی لم یتمخض عنه شیء جوهری.

ومن ثم ینظر التقریر للفیاضیة على أنها "واعدة"، ویوصی "إسرائیل" بدعم فیاض فی تحقیق رؤیته.

وعلى خلاف توصیات هذا التقریر، کانت مؤسسة کارنیغی للسلام الدولی "کینونة تفکیر أمریکیة أخرى" قد نشرت تقریرا لناثان براون فی أیلول الماضی، بعنوان "فیاض کشخص لیس المشکلة، لکن "الفیاضیة" کبرنامج لیست الحل للأزمة السیاسیة فی فلسطین"، حیث عقّب الکاتب فیه على دراسة ناقدة للفیاضیة کان قد نشرها، وبیّن کیف تلقّى براون عاصفة من الأسئلة والانتقادات حول دراسته تلک.

ویدافع براون عن نقده للفیاضیة، من خلال تأکیده على فشل منطق "الادعاء" بأن العملیة السیاسیة نجحت فی العراق وأفغانستان، ویصر على أهمیة التنمیة المؤسسیة فی سیاق "العملیات السیاسیة المتجذّرة". ویحذر ویخلص بالقول: "فالاعتماد على "الفیاضیة" وحدها -...- یُحتمل أن یؤدی إلى الفشل وخیبة الأمل"، لأنها کإدارة تکنوقراطیة قد تُحسّن الأداء المؤسساتی، ولکنها "لا تدّعی تقدیم حل للمشاکل الأعمق التی تعانی منها الحیاة السیاسیة الفلسطینیة، المُتمثّلة بالانقسام والقمع والاحتلال والعزلة والفساد المؤسسی واسع المدى". ومن ثم یؤکد: "ینبغی ألا تُستخدم کذریعة، کما هی الآن، لتأجیل وتجاهل القضایا السیاسیة الصعبة. فقد حان وقت التصدی للأزمة العمیقة فی الحیاة السیاسیة الفلسطینیة".

إذن، نحن أمام موقفین أمریکیین من "الفیاضیة": موقف المتبنی لها والموصی بها خیرا، وموقف المشکک فی جدواها وخصوصا إذا لم ترتبط بالعملیة السیاسیة التفاوضیة، ولعل هذا یسهم فی تفسیر جمود المشهد السیاسی الفلسطینی الذی لا یراوح مکانه، إذ یُجرّ فی أکثر من اتجاه.

وبغض النظر عن الموقف الرسمی للإدارة الأمریکیة، وترتیبها للأولویات فی ظل تزاحم "الفیاضیة" مع "التفاوضیة"، لا بد من وضع الظاهرة الفیاضیة فی إطارها الصحیح کمشروع لبلدیة "کبیرة"، ولذلک من الأجدر أن یتحول معها اسم "المشروع الوطنی الفلسطینی" إلى "المشروع البلدی الضفاوی"، وخصوصا بعدما انقسم إلى غزاوی وضفاوی، ولعل هذا الاسم الجدید یدفع "المناضلین القدامى!" إلى التفکیر ملیا بمآلات ما تمجّدوا بها من مسیرة نضالیة تختصر الیوم فی مشروع البلدیة.

إن هذا التوصیف لمشروع "الفیاضیة" واضح فی تقریر روبرت دینن المذکور، الذی یصف الدور الذی یلعبه فیاض على مسرح البراغماتیة "الثالث"، بأنه یدور حول إعادة تشکیل المشروع الوطنی من خلال البناء المؤسسی، حیث یُعید فیاض، کاقتصادی ورجل مال دولی، صیاغة "الوطنیة الفلسطینیة"، لتصبح قائمة على مفهوم التمویل والتمکین الذاتی، ویرکّز فیاض فی خطته، على ما یسمیه التقریر "الحکم الرشید"، وتعزیز الفرص الاقتصادیة، والنظام والقانون، وبالتالی ضمان أمن "إسرائیل"، ومن ثم سد ذرائع الاحتلال.

ولا شک أن منطق فیاض هذا مستمد من خلفیته "المهنیة!"، حیث تقتضی أن تُراعى فی المشروعات مبادئ "الدیمومة الاقتصادیة" وتحقیق "الجدوى الاستثماریة"، لبقاء التدفق المالی بما یحقق تشغیل المشروع دون انقطاع، ولذلک فهو یرکز فی مشروعه "البلدی" على الوصول إلى مرحلة دفع الالتزامات المالیة من ریع "مشروع البلدیة".

ولعل هذا المنطق هو فحوى ما أکده الناطق الرسمی باسم الحکومة الفلسطینیة "غسان الخطیب" لمعا "فی 3/ 1/ 2010"، حیث قال: "ماضون فی الاعتماد على مواردنا".

ولا یجد القارئ فی تفاصیل الخبر توضیحا لتلک الموارد خارج سیاق مفهوم الجبایة والضرائب، وخصوصا أن الخبر نص على "تفعیل جبایة الضرائب، وبالتالی زیادة الإیرادات الذاتیة". وبالطبع لا أحد من الحکومة یدعی أن السلطة تستخرج موارد طبیعیة من "جبال یطا" أو "مسافر بنی نعیم"، ولا حتى من آبار المیاه الجوفیة فی أحواض الضفة الغربیة الرئیسة -بدون إذن الاحتلال الذی یسیطر علیها- فأی موارد ذاتیة -غیر الضرائب- یقوم علیها مشروع "الفیاضیة"!؟

طبعا، لا یخفى أن فیاض دخل ساحة العمل الفلسطینی على حین غرة بعدما نجح فی عالم المال والإدارة، وبینما تنظر بعض القیادات الفتحاویة لفیاض بالریبة التنافسیة، یتقدم فیاض بهدوء نحو مشروعه الذی أخذ یحشد حوله مجموعة من "المدراء"، الذین یحملون أوصاف الساسة لا صفاتهم، وإذ تشاکسه بعض القیادات الفتحاویة بین الحین والآخر کحال عزام الأحمد والزعاریر، یستمر فیاض فی التقدم نحو بلدیته "الکبیرة" دون أن یتورط معهم فی جدل سیاسی، لأنه یدرک أن من یملک مفتاح الخزنة هو من یستطیع أن یصمد، خصوصا فی ظل هیمنة "المنطق الاستثماریة".

إن اصطناع الرجال عبر تبنی القوى الغربیة لهم کان طریقا أساسیا فی تنفیذ البرامج الغربیة، وهو سیظل کذلک، وخصوصا بعدما اضمحلت ثقافة الشعارات، وتمخضت عنها ثقافة الدولارات. لکن الرجال المصطنعین لا یمکن أن یصنعوا تاریخا مشرقا للأمة، فهم لیسوا أکثر من فقاعة تنتفخ فی عمر زمنی لا یکاد یذکر من تاریخ الأمة، ثم یتلاشون بلا أثر، کما تتلاشى الفقاعة بعد أن تفرغ ما فیها من غازات "ملوثة"، أما الرجال الذین یصنعون التاریخ فهم یبقون حتى بعد أن تذوب أجسادهم فی الأرض.

ولا شک أن فقاعة "الفیاضیة" زائلة؛ ولذلک یؤکد ناثان براون: "الفیاضیة قد تبقى فی موقع المسؤولیة والقیادة لفترة قصیرة، لکنها لن تُحقق بما یعد به مؤیدوها".

إن "الفیاضیة" والتفاوضیة منطقان متهافتان، وقد جربت الناس منطق التفاوضیة على مدار عقدین، وهی الآن تجرب "الفیاضیة" کمؤسسة جبایة- لا رعایة! وکم یجب على الناس أن تجرب حتى تتیقن أن الحل الواحد معلوم یقینا فی ثقافة الأمة! وقد أثبته التاریخ، وهو غیر مطروح للتجریب، بل للتطبیق.

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 143108







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)