أزمة الخیار".. فلسطینیا وعربیا! (2)
أزمة الخیار".. فلسطینیا وعربیا! (2)
جواد البشیتی
الفکرة، أی فکرة الدولة ذات الحدود المؤقتة لیست فی حد ذاتها مدعاة للرفض أو القبول فلسطینیا، فهی یمکن أن تصبح موضع قبول فلسطینی أو أن تقبل فلسطینیا فی طریقة تجعل إسرائیل هی الرافضة والمتشددة فی رفضها لها.
أولا وقبل کل شیء، یجب توضیح أن فکرة الدولة ذات الحدود المؤقتة یجب ألا تتعارض مع فکرة أن بعضا من حدودها یجب ألا یکون مؤقتا وإنما دائما، فقطاع غزة "وبصفة کونه جزءا من إقلیم الدولة الفلسطینیة أکانت دائمة أم مؤقتة الحدود" یجب أن تعین حدوده الدائمة مع إسرائیل ومصر.
أما الضفة الغربیة، المستثناة منها القدس الشرقیة، فیجب أن تصبح کلها باستثناء المستوطنات جزءا من إقلیم الدولة الفلسطینیة "ذات الحدود المؤقتة". والمؤقت من حدود الضفة الغربیة یجب أن یقترن بالدائم منه ألا وهو حدودها مع الأردن.
یبقى القدس الشرقیة التی فیها یتجسد بعض من أهم معانی فکرة الدولة ذات الحدود المؤقتة، فالأحیاء العربیة "الفلسطینیة" منها تضم إلى إقلیم الدولة ذات الحدود المؤقتة وما یسمى الأحیاء الیهودیة یظل خاضعا لسیطرة إسرائیل، أما ما بقی من القدس الشرقیة، بعد هذا الاقتطاع وذاک، فیخضع لإدارة دولیة مؤقتة.
وهذا المؤقت من حدود الدولة الفلسطینیة یصبح مشترکا بینها وبین إسرائیل، فإقلیم الدولة الفلسطینیة فی الضفة الغربیة یکون فی هذه الحال بحدود مؤقتة مع إسرائیل، التی تکون هی أیضا بحدود مؤقتة مع هذا الإقلیم.
وهذا التطویر لفکرة الدولة الفلسطینیة ذات الحدود المؤقتة بما یجعلها موضع قبول فلسطینی، یجب أن یشمل أیضا مقایضة لا بد منها، فقیام الدولة ذات الحدود المؤقتة یجب أن یقترن بسیادة تامة لهذه الدولة على إقلیمها بشطریه وإلا تحولت الدولة ذات الحدود المؤقتة إلى دولة مؤقتة!
هذا الحل والذی یسمى الدولة الفلسطینیة ذات الحدود المؤقتة، یمکن ویجب أن یضمن فی اتفاقیة بین الطرفین، على أن یوضح فی هذه الاتفاقیة أن معاهدة السلام بین الدولتین والتی یعلن فیها نهایة النزاع لن توقع إلا عندما یتفقا على تعیین الحدود الدائمة والنهائیة بینهما وأن الاتفاقیة نفسها تبقى وتستمر ملزمة لطرفیها حتى تحل محلها تلک المعاهدة.
أعلم أن هذه الاتفاقیة والتی یمکن أن تستمر زمنا طویلا لا تحل مشکلة اللاجئین الفلسطینیین، لکن تضمنها ما یؤکد أن الدولة الفلسطینیة ذات الحدود المؤقتة وذات السیادة التامة، فی الوقت نفسه هی دولة للشعب الفلسطینی بأسره یمکن ویجب أن یؤسس لحل هذه المشکلة.
وأعلم أیضا أن إسرائیل وبفضل هذه الاتفاقیة والدولة ذات الحدود المؤقتة التی ستنبثق منها ستمضی قدما فی نشاطها الاستیطانی ضمن المستوطنات فی الضفة الغربیة وضمن الأحیاء الیهودیة فی القدس الشرقیة لکن هذا النشاط لن یکون هذه المرة بلا ضدیده الفلسطینی، فزیادة عدد المستوطنین ستقترن "ویجب أن تقترن" بزیادة عدد اللاجئین الفلسطینیین الذین ترکوا مخیماتهم فی البلدان العربیة وجاءوا إلى الدولة الفلسطینیة ذات الحدود المؤقتة للعیش فیها مواطنین حتى تحل مشکلتهم نهائیا.
لقد جرب الفلسطینیون أو بعضهم ما یسمى خیار الحل عبر التفاوض السیاسی، فانتهت تجربتهم إلى نتائج لا تصلح إلا لاتخاذها دلیلا على أن هذا الخیار أقرب إلى مملکة الوهم منه إلى العالم السیاسی الواقعی والحقیقی ولابد من ثم من نبذه والتخلی عنه، وجربوا أو جرب بعضهم ما یسمى خیار الحل عبر المقاومة المسلحة، فانتهت تجربتهم إلى نتائج لا تصلح إلا لاتخاذها دلیلا على أن هذا الخیار غیر مجد، ولا یحقق لهم شیئا یعتد بوزنه إذا ما قیس بالمیزان السیاسی الواقعی.
لنتفق أولا على أن تجربة الخیارین لم تعط حتى الآن وفی حیزها الفلسطینی من النتائج إلا ما یقیم الدلیل على أن القیادة الفلسطینیة بوجهیها قد فشلت فی أن تهیئ وتعد لتجربة الخیارین أسباب نجاحها، فثمة سؤالان للنجاح أو لتحویل الفشل إلى نجاح لم یجب عنهما فلسطینیا بعد ألا وهما: لماذا فشلت تجربة خیار الحل عبر التفاوض وتجربة خیار الحل عبر المقاومة المسلحة؟ وکیف یمکن التأسیس لتجربة ناجحة لهذا الخیار ولذاک؟
وأحسب أن الشرط الأولی لنجاح هذا المسعى الذی لم یبدأ بعد "من وجهة نظر الواقع" هو نبذ وهم التضاد المیتافیزیقی بین الخیارین، فإن أی فلسطینی یستمسک بأحد الخیارین نابذا فی الوقت عینه الخیار الآخر لا یمکنه إلا أن یخوض التجربة "أی تجربة الخیار الوحدانی" بما یجعل فشلها أمرا حتمیا.
الوهم بعینه فلسطینیا الآن هو أن یفاضل الفلسطینیون بین الخیارین، فلا مفاضلة بین شیئین لا وجود لهما فی الواقع السیاسی الحقیقی الذی یعیشه الفلسطینیون.
إن مهمة الساعة لدى الفلسطینیین والتی یعینها لهم واقعهم السیاسی الحقیقی، لیست أن یتفقوا على الأخذ بخیار المقاومة المسلحة مع نبذ خیار التفاوض السیاسی، بل أن یتفقوا على الأخذ بخیار التأسیس لخیار المقاومة ولخیار المقاومة المسلحة على وجه الخصوص، فخیار المقاومة المسلحة هو الآن کخیار التفاوض السیاسی لا وجود له فی الواقع السیاسی الحقیقی الذی یعیشه الفلسطینیون ولا بد أولا من السعی إلى إظهاره إلى حیز الوجود، فالمرء لا یستعمل شیئا لا وجود له أو کف عن الوجود.
فی داخل القطاع المحرر والمحاصر من جهاته الأربع ومن البر والبحر والجو، لا وجود لجنود أو مستوطنین إسرائیلیین ولا وجود من ثم من وجهة نظر منطقیة صرف لمقاومة فلسطینیة مسلحة.
قطاع غزة، إذا لم یغزه الجیش الإسرائیلی برا، فإنه یمکن أن یکون فحسب منطلقا لأعمال عسکریة فلسطینیة ضد إسرائیل تستعمل فیها على وجه الخصوص الصواریخ والقذائف والقنابل البشریة.
مصر الآن، ولجهة علاقتها بالمقاومة الفلسطینیة المسلحة فی قطاع غزة لا یمکنها أن تکون کسوریة لجهة علاقتها بمقاتلی حزب الله فی لبنان وفی جنوبه على وجه الخصوص، فسیناء "الشرعیة" لیست بممر لأسلحة وذخائر للمقاتلین الفلسطینیین فی القطاع. وبحر القطاع لیس کبحر لبنان لجهة ضعف الحصار العسکری الإسرائیلی له، فالحصار الإسرائیلی لبحر القطاع یکاد أن یمنع منعا مطلقا وصول أسلحة وذخائر إلى المقاتلین فی قطاع غزة.
ولقد تبین أخیرا أن تهریب أسلحة وذخائر إلى القطاع أصبح من الضآلة بمکان، فاشتدت الحاجة من ثم إلى التصنیع والتطویر الذاتیین للسلاح والذخیرة هناک.
وحتى الآن، لا یملک المقاتلون الفلسطینیون فی قطاع غزة من الفاعلیة القتالیة أو العسکریة للسلاح والذخیرة ما یسمح لهم بردع إسرائیل عن مهاجمة القطاع عسکریا، أما إسرائیل فتملک عبر جیشها من قوى الموت والدمار ما یردع حرکة "حماس" هناک عن ضربها بالصواریخ وعن السکوت عن قیام منظمات فلسطینیة أخرى بأعمال عسکریة ضد الدولة العبریة انطلاقا من القطاع الذی تسیطر علیه "حماس".
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS