الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

فلسطین.. بین محکمة العدل «الوهمیة» وفوهة البندقیة

فلسطین.. بین محکمة العدل «الوهمیة» وفوهة البندقیة

أسماء شلاش

 

أین ذلک الصوت العربی الذی کان یردد بملء الحناجر"فلسطین عربیة" ویشق عنان الصمت، دون أن یتعثر بالحواجز الخرافیة التی رسمها العابثون بتلک العبارة التی کان من المفترض ألا تقترب من الأسطورة؟ ودون أن نظن أو لا نظن أن کل الطرق تؤدی إلى فلسطین حتماً.. وأن الفراغ العابق برائحة الدم والبارود والانتظار یجب ألا یکون فراغاً اعتباطیاً نملؤه بتصوراتنا الشاعریة فقط لنعزی الخیبة لحظة الانکسار.. لحظة لم تعد واحدة..

تلک هی فلسطین.. عروبة تشتعل لتضیء عروبتنا الباهتة المختبئة وراء الغیاب.."فلسطین عربیة" تقاوم الجفاف لتمر من خندق الفعل أو من فوهة بندقیة قدیمة جداً.. لکن لم نکن نتوقع کم سیغدو ذلک الصوت العربی جافاً إلى درجة الخذلان، غائباً إلى درجة الموت.. ضائعاً فی ذاته الضائعة.. ولا زال ذلک الفراغ عابقاً برائحة الدم والأمل؛ ولا زلنا نشتاق فعلاً أن تبقى فلسطین عربیة، لکن هل تأخرنا حقاً بما فیه الکفایة حتى ضاعت فینا أمنیة یجب ألا تضیع أکثر من ذلک.. فأین هی فلسطین إذن؟.

اتفقنا یوماً أنها قضیتنا الأولى ثم انقسمنا على ذاک وانقسمت ملامحها.. بین طول التقاضی فی الضمیر العالمی والضمیر العربی! بین غزة والضفة!.. بین فتوى تحرم دخول القدس وأخرى تجیزها! بین مفاوضات "تنازلات" ومقاومة!. بین قوافل کسر الحصار- التی لم تکن یوماً عربیة- والجسد العربی المیت خذلاناً وصمتاً..! بین أولئک الذین یختارون من المصطلحات ما یرضی إسرائیل وبین حجر ثائر یتعثر بصفة الإرهاب..! بین القانون الدولی الذی تفلتُ منه إسرائیل دوماً وتتربع على ناصیته بوقاحة واستخفاف وبین الفیتو الأمریکی الذی یقتل أحلام العرب لتحیا على أنقاضها أحلام إسرائیل؛ ودعوات خجولة جداً تطالبها بالانصیاع، انصیاع لم یتحقق یوماً فی أروقة المحاکم الدولیة، أو فی عمق ضمیر العالم، أو حتى فی الأحلام الممکنة، وإسرائیل خارج معادلة الجریمة والعقاب!. ولیت هذا العقاب یأتی یوماً ما دمنا نعیش فی زمان "لیت"..!

أین هی فلسطین إذن؟ هل هی فی الحبر الذی یرزح تحت وطأة الخوف والترقب لو فاض بقوة وأفصح، أم فی رائحة النفط العربی الذی لم یکن إلا وقوداً لحرق العواطف العربیة، أم فی فوح الدم الذی- وحده- غیّر المعادلات وقلب المعطیات، وأزاح الذل عن ثوب العروبة؟!..

أین هی عروبة فلسطین إذن؟ خریطة متواضعة فی مناهج الدراسة العربیة، وقصیدة تملیها العواطف الثائرة فی اللاشیء، أم مقولة تختصرها المسمیات والشعارات فقط؟، مسمیات نعزی بها الذات ابتداء بوعد بلفور الذی نسمیه "مشؤوماً" أو بقیام ما یسمى دولة إسرائیل والتی نسمیها "نکبة" أو بحرب حزیران 1967 والتی نسمیها "نکسة"..الخ. التسمیات تبدو أسهل مروراً إلى فلسطین وأکثر تأثیراً، لکنه تأثیر یشبه "جعجعة بلا طحن". وسنقف مراراً هناک حیث یملی علینا وقار العبارة، وقارٌ مات فی أفعالنا..!

"فلسطین عربیة" عبارة شعریة ثائرة لم یبق منها إلا نزیف الدم والإحساس.. وبقایا فی إناء عربی قدیم ترکه صلاح الدین على حافة المروءة العربیة.. وفی نظریة العدل التی نراها على الورق.. أو لا نراها.. وسنظل نحلم بها أبداً ما دمنا نحن عاجزین عن إنصاف أنفسنا..

فی لحظة ما وقف العالم مذهولاً أمام صورة یقال إنها الصورة التی هزَّت العالم.. صورة تختزل القضیة "بطلها طفل فلسطینی" ولا ندری حتى الآن ما درجة ذلک الاهتزاز، وعلى أی مقیاس نقیسه؟ فنحن نسمع به فقط.. والآن لم نعد نسمع باسم محمد الدرة ولا نراه مکتوباً إلا على واجهة مدرسة ابتدائیة..! بقی من محمد دمه، وبقی منا شهادة زور.. ولم نعثر على تداعیات تلک الهزات، ولم تخرج المفردات من زمن المجاز إلى زمن الحقیقة.. نتکئ على التاریخ لیحاسب المجرمین، لکن الهرب إلى التاریخ لا ینفع دائماً..

وتأخذنی الدهشة کلما تمعنتُ بذلک السؤال العجیب على ألسنة المحللین السیاسیین والإعلامیین العرب، بماذا تفکر إسرائیل، وماذا ترید؟؟!! أولئک الذین یسألون کأنهم یقنعوننا من جدید بأن الدم الذی على قمیص یوسف هو دمه..!

هل هذا السؤال هو مکابرة على الوجع أم مجاملة للخذلان العربی الذی لم یکن بریئاً فی یوم ما من طعن فلسطین؟! ستسألون کثیراً بماذا تفکر إسرائیل؟ وسوف تتناثر حولکم الإجابات مقنعة تماماً.. وستهربون من القناعات حیث تملی علیکم دبلوماسیتکم العقیمة المهزومة؛ ثم هل قراءة الأفکار- خصوصا إذا کانت الأفعال تدلل علیها- أمر مستحیل؟ وهل نحتاج إلى کل تلک الأسئلة والفرضیات والتنظیر لنفهم سیکولوجیا السیاسة الإسرائیلیة وأیدیولوجیتها القائمة على العنصریة والتطرف الأعمى وتسییس الدین وتزویر الحقائق والتاریخ، أم هو اختباء مکشوف وراء الوقت؟ لعبة أخرى لا یتقنها العرب! جواب ستجدونه فی قناعاتکم لو بحثتم جیداً أو فی قانون یقول "النتائج محکومة بالمقدمات"؛ فلکل شیء معادلته، وستتسولون الکثیر من قرارات الأمم المتحدة والهیئات الدولیة الأخرى.. قرارات مطعونة بالفیتو الأمریکی، والصمت العربی أیضاً..

فی التاسع من تموز عام 2004 اتخذت محکمة العدل الدولیة قراراً یطالب إسرائیل بوقف بناء الجدار العازل أو جدار الفصل العنصری؛ ومنذ صدور ذلک القرار وحتى الآن والجدار یزداد طولاً یوماً بعد یوم وتزداد معه مساحة الأراضی المقتطعة- وهی من أخصب الأراضی الفلسطینیة وأغناها بالمیاه- کما ازدادت المستعمرات الیهودیة التی یتضمنها مشروع جدار الفصل، والبیوت الفلسطینیة المدمرة التی یقوم على أنقاضها، وتزداد معه معاناة الفلسطینیین بقطع شرایین الحیاة. بهذا الشکل اعتادت إسرائیل أن تجیب على کل قرار دولی وعلى تساؤلاتکم أیضاً، لکن هل ستجیبون على تساؤلات الذات والتاریخ؟ وهل ما زالت فلسطین تعنی لکم ما تعنیه؟!.. إجابة قد تجدون بعضها أو کلها فیما قاله الشاعر:

فقصةُ السلام مسرحیّه..

والعدلُ مسرحیّه..

إلى فلسطینَ طریقٌ واحدٌ..

یمرُّ من فوهةِ بندقیّه..

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 143104







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)