جردة حساب محزنة
جردة حساب محزنة
رشاد أبوشاور
بعد ساعات محدودة یمضی عام 2010 تارکا الحسرات والأسى فی النفوس على أحوالنا.
والساعات القلیلة المتبقیة ربما تحمل لنا أنباء عن عدد جدید من الشهداء الذین ستتصیدهم صواریخ الاحتلال، وتضیفهم إلى من فقدناهم منذ بدأ هذا العام الذی لم نتفاءل به، بحیث اننا وکما لا نتفق على رقم الأسرى فی سجون الاحتلال لأنهم یزدادون یومیّا، فإننا لا نتوقف عند عدد الشهداء لأن العدد غیر نهائی.
نبدأ بجردة الحساب فندوّن: ما زال الانقسام بین سلطتی رام الله وغزّة على حاله، بل ویزداد صراعهما احتداما، فأجهزة أمن رام الله منهمکة فی ملاحق أعضاء حماس، وبشراسة لیست أقّل من مطاردتها لأعضاء الجهاد الإسلامی!
وجهاز أمن حماس یطارد الفتحاویین، ومطلقی الصواریخ على مستوطنات العدو، لأن حماس تجنح للتهدئة..بشرط: أن یجنح لها الاحتلال، وکأن الأمر یتعلّق باشتباکات حدودیة بین دولتین!
لسنا متفائلین بتحقیق المصالحة بین الطرفین فی العام 2011، فهما لن یتصالحا، لأن الشقّة بینهما تتسع، وکل طرف یدیر ظهره للطرف الآخر، ویضمر له شرّا، فأحدهما یراهن على انهیار سلطة حماس فی غزّة، والآخر یراهن على انهیار السلطة فی رام الله، مؤملاً أن لا یبقى فی الساحة سواه، فیصبح مطلوبا عندئذ!
هذا الرهان المتبادل یتّم فی غیاب الشعب الفلسطینی، وعجز فصائله، من توصف بأنها فصائل منظمة التحریر الفلسطینیّة، أو فصائل الممانعة والمقاومة مع وقف التنفیذ!
القضیة الفلسطینیة ستدخل العام 2011 ومن یفترض أنهم یمثلونها منقسمون، وشعبنا متوّه بسبب المنقسمین المتصارعین الذین یکیدون ببعضهم، وعملیّا بالقضیة.
العام 2011 یضمر لغزّة أیام شؤم، ودم، وموت، وهذه لیست نبوءتی، فأنا لست عرّافا، ولکننی أرى النُذر، وأتابع تساقط الشهداء، واسمع وعید قادة الکیان الصهیونی.
المحتلون الصهاینة مرتاحون للانقسام، للتآکل الفلسطینی، لتشوّه صورة الشعب الفلسطینی بجریرة الفصیلین المتصارعین المتحاربین، وهم یلعبون على الصراع، ویستثمرون جیدا حالة الضعف، والخوف المتبادل بین السلطتین البائستین، ویواصلون الاستیطان بشراهة واستهتار، وهو ما لم یکن ممکنا قبل أوسلو والسلطة.
تعالوا نتأمل واقع الحال، وما جرى فی العام 2010: سلطة رام الله خابت آمالها فی إدارة أوباما کلینتون، لا لعجزها، ولکن لأنها أسوة بکل من سبقها منحازة للکیان الصهیونی، والمشروع الصهیونی، مع اختلافات طفیفة بین إدارة وأخرى ألعن منها!
سلطة غزّة محاصرة، والشعب هناک محاصر معها، وهو الذی یعانی رغم أنفه، فهو محتجز تحت قبضة سلطة الحکومة المقالة التی لا تقاوم، بل تعمل على التهدئة، وتقمع مطلقی الصواریخ، وتطارد کل من ینتقد، وتشغل نفسها بما ترتدیه النساء، والمانیکانات فی واجهات المحّال، وبالأمکنة التی یتنفّس فیها مواطنو غزّة على البحر، فشمّة الهواء حرام ورجس من عمل الشیطان!
سلطة رام الله لم تبدّل خیارها رغم کل ما جرّته مسیرتها الأوسلویة على قضیتنا، وتحدیدا أرضنا التی هی جوهر الصراع، ورغم خذلانها من إدارة أوباما، ورفع یدها عن موضوع الاستیطان، وادعاء العجز عن التأثیر على حکومة نتنیاهو، ودعوة الطرفین للتفاوض المتوازی، وحدهما وبدون مرجعیة، مع تحذیر سلطة رام الله بأن لا تتوجه للجمعیة العمومیة للأمم المتحدة، لأن الفیتو الأمریکی الذی یشهر دائما إنقاذا للکیان الصهیونی سیکون جاهزا لرفعه فی وجه أی قرار لا یعجب نتنیاهو وحکومته...
بدلاً من توحید الجهود لمواجهة حرب جدیدة ستشّن على غزّة، وخروجا من مأزق الرهان على الإدارة الأمریکیة، والرباعیة، والجامعة العربیّة البائسة، ولجنة المتابعة..فإن حملة الاعتقالات التی تشنها أجهزة سلطة رام الله تتصاعد وتزداد ضراوة، فی حین تلتف سلطة حماس على خیار المقاومة بإعلان قبولها لنتائج أی استفتاء شعبی فلسطینی على اتفاق سلام مع الکیان الصهیونی ـ کما جاء فی خطاب إسماعیل هنیّه یوم 1 کانون أوّل/دیسمبر 2010ـ وتواصل رهانها على انهیار سلطة رام الله لتکون البدیل الوحید، وهذا ما أفصح عنه أحد قادة حماس، ونشره موقع المستقبل قبل أیّام من أفول العام 2010!
کتبت سابقا، وأعید: السلطتان لیستا مع المقاومة، فإذا کانت سلطة رام الله لا خیار لها سوى التفاوض، وتضخیم أمر اعترافات بعض الدول الأمریکیة اللاتینیّة وغیرها بدولة فلسطینیّة فی حدود الـ67، فإن سلطة غزة تعلن قبولها بدولة فی حدود الـ67، وتعمل علنا وسرّا على القبول بها أوروبیّا وأمریکیّا، فهی مع (هدنة) طویلة، وهی مع وقف متبادل لإطلاق النار، وهی تلجم أی طرف یحاول إطلاق الصواریخ المتواضعة التی یرید مطلقوها أن یعلنوا عن خیارهم للمقاومة، وهو الخیار الذی یختلفون به مع سلطتی غزّة ورام الله!
جردة الحساب مع نهایة العام 2010 هی خسارات تامة لقضیتنا، وشعبنا، وسبب الخسائر هو ذاتی، یتحمّل المسؤولیة عنه طرفان یطرحان سیاسیا نفس الطرح، ویختلفان على التفاصیل، بخلفیة باتت مفضوحة: صراع على السلطة، ولیس بین نهجین: مقاوم یخوض معرکة تحریر فلسطین حتى النهایة، ومساوم خیاره التفاوض رغم کل ما جرّه من خسائر!
لو أن هذین الطرفین یریدان لقضیتنا أن تخرج من المأزق، لبادرت سلطة رام الله لإعلان فشل مسیرة أوسلو، وتحمّل رموزها مسؤولیة ضیاع الأرض، والقدس، وتغوّل الاستیطان، وفشل الرهان على أمریکا، والرباعیة، وإدارة الظهر للشعب وخیار المقاومة، وانعدام أی إمکانیة لدولة فلسطینیّة (قابلة للحیاة)..والعودة للشعب، والاتفاق على برنامج وطنی حقیقی، لو..ولکن هذا لن یکون، ففاقد الشیء لا یعطیه!
ولو أرادت حماس أن تخرج قضیتنا من المأزق، لأعلنت خطأها فی الدخول فی انتخابات التشریعی، والصراع على السلطة، ولبدأت فی تشکیل قیادة وطنیة فی قطاع غزة، وأنهت الحکومة المؤقتة، ولعادت لبرنامج المقاومة والتحریر لفلسطین کاملةً..ولکنها حتى اللحظة تراهن على قبولها أمریکیا وأوروبیا، وأن یفّک عنها الحصار لحسن أخلاقها فی ضبط الأمور، وبخاصة منع إطلاق الصواریخ من القطاع، والرضى بدولة فی حدود الـ67!
ندخل العام 2011 ومأزقنا الفلسطینی یتفاقم، فالبدیل عن هذین الفریقین، البدیل المُنقذ، البدیل الذی یضع أمام شعبنا نهجا یستند إلى تراثنا فی المقاومة، وإلى وحدة وطنیة حقیقیة، وبرنامج وطنی لا یساوم..غائب حتى اللحظة!
جردة حسابنا محزنة، فمن سیخرج شعبنا وقضیتنا مما یخبئه2011 من مصائب جدیدة؟!
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS