الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

بعد إفلاس عباس

 بعد إفلاس عباس

عبد الحلیم قندیل

 

یستطیع الرئیس عباس أن یدخل التاریخ لو أنه قرر الاستقالة من الدور، وأمر بحل سلطة فلسطینیة لا یخدم وجودها أحدا غیر إسرائیل .

الکل یتحدث الآن عن انسداد طریق التفاوض المباشر وغیر المباشر، حسنا، ولکن.. ماذا بعد؟ هل من وظیفة أخرى لسلطة الرئیس عباس؟ وهو الذی أدمن التفاوض تلو التفاوض، ومن عشرین سنة إلى الآن، وبغیر نتیجة محققة سوى خیبة الأمل الراکبة للجمل، وسوى توحش الاستیطان الإسرائیلی، والتهام القدس، وتحویل السلطة الفلسطینیة إلى مجرد وکیل أمنی تحت قیادة جنرال أمریکی، وتکلیفها بمطاردة واعتقال المقاومین الفلسطینیین فی الضفة الغربیة بالذات، ومقابل بقاء وظائف اسمیة لعباس وفریقه، وبرواتب خیالیة من معونات الأمریکیین والأوروبیین، والإیحاء بوجود طرف فلسطینی یتحاورون معه، ویعدونه بتسویة لا تأتی أبدا، ویقطعون فراغ الوقت بالانتقال من 'مفاوضات التقریب' إلى المفاوضات المباشرة، ثم إلى 'المفاوضات المتوازیة' على طریقة السیدة هیلاری کلینتون ومبعوث الإدارة الأمریکیة جورج میتشل.

تبدو القصة کلها کعمل مأساوی على مسرح عبث، والضحیة الوحیدة هی الشعب الفلسطینی الذی یتحدثون باسمه، وهی الحقوق الثابتة غیر القابلة للتصرف، وبینها حق المقاومة المسلحة الذی ینکره عباس على الشعب الفلسطینی، ویتسلى بلقاءات صحافیة مع عشرات الإسرائیلیین فی مقر إقامته برام الله، وکأنه یفتح عکا، أو یستعید القدس، ولمجرد أن یعرض قضیة الشعب الفلسطینی بطریقة أقرب إلى أدب التسول، ویتوهم أنه یکسب الرأی العام الإسرائیلی، ویرقق قلوب الإسرائیلیین، وهم الذین لا یفقهون سوى لغة القوة، ویتعاملون مع عباس بروح من عدم الاکتراث، فالرئیس عباس نفسه لا یستطیع أن یتحرک من مکتبه بدون إذن مسبق من ضابط إسرائیلی.

والأعجب، أن إدارة الرئیس عباس تضحک على ذقون الفلسطینیین، وتبیع لهم الهواء، وتتحدث عن بدائل لانسداد طریق المفاوضات، بینها طلب اعتراف دول بالدولة الفلسطینیة، والذهاب بقضیة الاستیطان إلى الجمعیة العمومیة أو إلى مجلس الأمن الدولی، وکأن مئات القرارات الدولیة التی صدرت لصالح قضیة الشعب الفلسطینی لا تکفی، أو أنها وجدت سبیلا للتنفیذ، أو کأن إسرائیل تعیر للأمر انتباها، وهی التی لم تنفذ سوى قرار الانسحاب من الجنوب اللبنانی، لیس باختیارها، ولکن تحت ضغط المقاومة المسلحة الباسلة العبقریة لحزب الله .

وحکایات اللجوء للمجتمع الدولی هی مجرد کلام فارغ، وشغل للناس بذهاب 'فلان' أو قدوم 'ترتان'، وباجتماعات عقیمة لأوصیاء عباس فی ما یسمى بجامعة الدول العربیة، وهی التی تحولت إلى قبر من رخام على کورنیش النیل القاهری، لا تکاد تسمع فیها غیر أصوات الموتى، ورغبات الانتقال إلى التسول من أمریکا بدلا من التسول من إسرائیل، وتکلیفات تصدر للمندوبین العرب فی نیویورک، وإیحاءات بالتحرک لاستصدار قرارات دولیة جدیدة، وبإعادة صیاغة لقرارات قدیمة، جف فیها الحبر فوق الورق، ولا تبرئ ذمة أحد من الملوک والأمراء والرؤساء العرب، الذین لا یقولون 'ربنا الله '، بل ربهم ساکن فی کعبة البیت الأبیض، ووحیهم تحمله الفاتنة البیضاء هیلاری کلینتون.

وتکاد تکون المحصلة عند الرئیس عباس کالتالی، أن الحکام العرب أوصونا بالصبر، وأن أمریکا لا ترید أن تضغط على إسرائیل، وأن إسرائیل لا ترید أن تعطینا شیئا، ولا حل ـ عنده ـ سوى استمرار الدوران فی الدائرة المفرغة، والعودة کل مرة بالسلال الفارغة، وتلقی أوامر اعتقال للمقاومین الفلسطینیین من السلطات العسکریة الإسرائیلیة، ولا نعرف، بعد ذلک کله، ماذا یتبقى للرئیس عباس من فلسطینیته؟ وهل ینظر فی المرآة؟ أو ینام على مخدة فی آخر اللیل لیحاسب نفسه عما یفعل؟ أغلب الظن أن الرئیس عباس لا یفعل، وینام غالبا بالحبوب المهدئة، وحتى لا یستیقظ له ضمیر، ولا یعلن ساعة النفیر .

وبحسب ما تعلنه سلطة الرئیس عباس، فإن الحل النهائی هو حل السلطة، وهی تعرف أنها لیست سلطة بل قبضة هواء، وهی، بوصفه الشخصی، سلطة وهمیة، فلماذا لا یبدأ بالتخلص من الأوهام، خاصة أن بدائله الأخرى، من نوع اللجوء إلى مجلس الآمن هی مجرد أوهام، أم أن الرئیس عباس یفضل الهروب إلى الأمام، وتأجیل استقالته أو حل سلطته إلى إشعار لا یجیء، فهو یتخوف إن حل السلطة لا یجد عملا، أو أن یتحول إلى موضوع انتقام من الفلسطینیین بعد رفع الحمایة الاسرائیلیة عنه، وهی الحمایة التی ستنتهی حتما بعد استنفاد المزایا الإسرائیلیة من وجوده، وربما یجد نفسه وقتها طالب لجوء إلى الإسرائیلیین، وبطریقة أقرب إلى مصیر جماعة سعد حداد فی الجنوب اللبنانی، وهم الذین خدموا إسرائیل خدمة العبد للسید، وبعد أن انتهت أدوارهم، هاموا على وجوههم، فمنهم من تعطفت علیه إسرائیل بإیوائه فی دورات المیاه کالصراصیر، ومنهم من کتبت علیه المهانة الأبدیة فی لبنان المحرر بدم الشهداء .

یخاف الرئیس عباس، على ما یبدو، أن یشهر إفلاسه، وأن یعترف بخطایاه فی حق الشعب الفلسطینی، وهو الذی تنکر لانتفاضة الشعب الفلسطینی، وسخر منها، واعتبر المقاومة المسلحة عبثا، وحطم ما تبقى بعد رحیل عرفات من حرکة فتح، واستبدل العداء لحرکة حماس بالعداء للاحتلال الإسرائیلی، وجعل غایة جهده أن یکید لحماس بالتعاون مع الإسرائیلیین، ویسعد بإطاله أمد حصار أهله فی غزة، ویصب اللعنات على أی دولة أو جهة عربیة أو إسلامیة تدعم مقاومة الفلسطینیین بالمال أو بالسلاح، ویطابق سیاساته مع سیاسة إسرائیل وأولویاتها، ویعتبر أن إیران هی الخطر الأعظم ولیست إسرائیل.

ولا تبدو لدى الرئیس عباس نیة فی العدول عن غیه، وإن تظاهر، أحیانا، بالقرف والضجر من الدور الذی أوکل إلیه، لکنه یخشى على نفسه بأکثر مما یحرص على قضیة الشعب الفلسطینی، وربما یفضل الرحیل عن الدنیا قبل أن یرحل عن السلطة، وقبل أن یجد نفسه مهانا من الإسرائیلیین الذین خدمهم، ومن الفلسطینیین الذین تنکر لحقوقهم، رغم أن الاسرائیلیین یهینونه کل یوم، ورغم أن الفلسطینیین لا یکادون یلحظون وجوده، ویملک الرئیس عباس أن یذکرهم بوجوده، لو أنه ملک الرغبة فی إشهار افلاسه، واعترف بخطایاه، واستعجل تنفیذ وعوده بالاستقالة وحل السلطة، وترک قضیة الشعب الفلسطینی لأبنائها وأجیالها، فالشعب الفلسطینی لیس بالعجز الذی یبدو علیه عباس، ویستطیع أن یتصرف کأی شعب وقع تحت الاحتلال، وأن یقاوم بما ملکت الأیدی من سلاح وصواریخ وحجارة وقنابل استشهادیة، وهذا هو الطریق الوحید لإنهاء الانقسام وکسب الوحدة الوطنیة الفلسطینیة، فالمصالحة بین حماس وعباس مستحیلة، المصالحة بین المقاومة والمساومة مستحیلة، وحتى لو جرى توقیع ألف اتفاق، فالاتفاق الوحید المطلوب هو التوحد على مبدأ المقاومة، ولیس على أی شیء آخر مما ثبت إفلاسه وتکریسه للعدوان على الشعب والوجود الفلسطینی .

ویکاد لا یتبقى للرئیس عباس سوى واحدة من نهایتین، فإما أن یبادر بالهروب من خدمة الاحتلال الإسرائیلی، أو أن یظل فی الخدمة، وینتظر نهایة دوره فی التوقیت الذی یحدده الاسرائیلیون.

ن/25

 

 

 


| رمز الموضوع: 143102







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)