الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

عرب 48 وظلم ذوی القربى!

عرب 48 وظلم ذوی القربى!

 

عبد اللطیف الحناشی

 

اعتقد الکثیر من الملاحظین أن استقبال الزعیم العربی معمر القذافی، بصفته رئیسا للقمة العربیة، لوفد فلسطینی 48، ضم أعضاء من الکنیست ورؤساء أحزاب ورجال دین وأکادیمیین وأدباء برئاسة محمد زیدان رئیس لجنة المتابعة، أواخر شهر أفریل من هذه السنة، قد وضع حدّا للصورة النمطیة التی ألصقت بالأقلیة العربیة الفلسطینیة على خلفیة حجج واهیة تفتقد فی الغالب إلى المنطق مما حرم تلک "الأقلیة القومیة" لوقت طویل من ربط علاقات سیاسیة واقتصادیة وثقافیة مع الوطن العربی هی فی أشدّ الحاجة إلیها.

لذلک تبدو هذه الخطوة التی أقدم علیها رئیس القمة العربیة آنذاک، حسب الکثیر من المحللین، تاریخیة بکل المقاییس والمعانی، إذ راهن الکثیر من المخلصین العرب على تلک المبادرة التی قد تُشکّل أرضیة مناسبة لمراجعة موقف النظام العربی من هذه الأقلیة الحیة الصامدة تحت احتلال فرید من نوعه، وهی مراجعة تبدو ضروریة وحیویة لکلا الطرفین. غیر أن منع السلطات الجزائریة زیارة وفد من عرب 48 الذی ضم محمد زیدان، رئیس لجنة المتابعة، وبعض الأسرى الفلسطینیین السابقین من عرب 48 الذین رغبوا فی المشارکة فی المؤتمر الأول عن الأسرى الفلسطینیین، الذی عُقد مؤخرا فی الجزائر، طَرح مجددا مسألة التطبیع من زاویة تعامل الدول العربیة مع سکان فلسطین 48 فی الوقت الذی یبقى الإجراء الجزائری قرارا سیادیا لا یناقش فی حدّ ذاته..

أما فی الداخل الفلسطینی فلم تتردّد بعض القیادات فی وصف هذا الإجراء الجزائری الرسمی تجاه أعضاء الوفد بـالسلوک الـ"مهین للوفد ولرئیسه بما یمثله من مکانة ومعنى"، بل اعتبرت ذلک "مهانة لجمیع الجماهیر الفلسطینیة"، خاصة وأن الحجة التی استندت إلیها السلطات الجزائریة تبدو واهیة، حسب هؤلاء، إذ إن حَمْل أعضاء الوفد لـ"جواز سفر إسرائیلی" یبدو أمرا طبیعیا، فهم فلسطینیون یعیشون فی أرضهم التاریخیة تحت الاحتلال.

فکیف تسمح الجزائر الرسمیة لنفسها- یقول بعض الفلسطینیین- بالتعامل مع إسرائیل والسماح لوفد إسرائیلی بزیارتها فی حین ترفض زیارة وفد عرب 48 وهم من خیرة المناضلین الفلسطینیین ضد الصهیونیة العنصریة؟ وهل کان الجزائریون زمن الاحتلال الفرنسی یتنقلون خارج وطنهم بجوازات غیر الجوازات الفرنسیة؟ وهل کان العرب یصنفون هؤلاء کعملاء وخونة لمجرد حملهم لجواز سفر دولة الاحتلال؟ بل هل کانت لهم خیارات أخرى غیر ذلک؟ وکان حالهم، حال الجزائریین بالأمس أجبرتهم ظروف الاحتلال على "کسب" جنسیته!.

ومن المفید الإشارة هنا إلى أن قرار إسرائیل منح المواطنة الإسرائیلیة لمن تبقى من الفلسطینیین لم یکن نابعا من خلفیات أخلاقیة أو إنسانیة تبدو بعیدة جدا عن الأیدیولوجیة الصهیونیة العنصریة، بل کان نتیجة ضغوط فرضتها الأمم المتحدة کأحد الشروط للاعتراف بدولة إسرائیل مقابل منح الأقلیّات الجنسیة الإسرائیلیة. کما أنّ الجنسیة الإسرائیلیة فُرضت على عرب الـ48 فرضا، إذ إن السلطات الصهیونیة لم تستشر المعنیین بالأمر فی ما إذا کانوا یوافقون على حملها.. تماما کما کان الأمر بالنسبة إلى الجزائریین بعد احتلال فرنسا لوطنهم سنة 1830 وإلغاء کیانهم السیاسی...

أما الناشط والمحامی الفلسطینی جواد بولس، فیذهب أبعد من ذلک إذ اتهم الرئیس الجزائری، عبد العزیز بوتفلیقة، شخصیا بمنع زیارة الوفد الفلسطینی إلى الجزائر! غیر أن، الرئیس الجزائری، وحسب إحدى الصحف الجزائریة، لم یکلف أیا من مستشاریه لتمثیله ولقراءة کلمته، خلال افتتاح أشغال المؤتمر وذلک عکس ما دأب علیه فی مثل هذه المناسبات الدولیة التی تحتضنها الجزائر. کما تغیّب الوفد الممثل للحکومة عن مؤتمر الأسرى الفلسطینیین على مدى یومین، ما طرح تساؤلات حول خلفیات الازدواجیة التی تعاطت بها السلطة مع هذا الحدث، من حیث إنها رعته فی بادئ الأمر ثم تجاهلت إعطاءه الطابع الرسمی بعد ذلک.

وحول تهمة التطبیع التی استخدمت کمبرر من قبل الجهات الجزائریة لرفض مشارکة وفد عرب 48 ذکّر بعض المحللین الفلسطینیین فی الداخل، بالمصافحة الشهیرة بین الرئیس الجزائری عبد العزیز بوتفلیقة ورئیس الوزراء الإسرائیلی أیهود باراک أواخر سنة 1999، والتحادث معه لمدة 10 دقائق، الأمر الذی فتح المجال لزیارة وفد صحافی جزائری زار إسرائیل بعد نحو عام من تلک المصافحة، بدعوة من الجمعیة الإسرائیلیة لتطویر العلاقات بین دول البحر الأبیض المتوسط وبرعایة وزارة الخارجیة الإسرائیلیة. وأمام المعارضة الداخلیة الواسعة لزیارة ذلک الوفد اضطر الرئیس بوتفلیقة شخصیا لشجب تلک الزیارة، ووصف من قام بها بالخونة قائلا "إنها تمت مخالفة للقواعد والأصول".

کما أشار البعض الآخر إلى البرقیة التی کشف عنها موقع "ویکیلیکس" مؤخرا، عن اجتماع اللجنة التحضیریة لندوة تقییم اتفاقیة حظر انتشار الأسلحة النوویة، والتی عقدت بجنیف فی 13 مای 2009 برئاسة إدریس الجزائری سفیر الجزائر بسویسرا الذی قال فی کلمته إنه "سیکون سعیدا بأن یضع نفسه تحت تصرف الإسرائیلیین"، وذلک بعد سلسلة تدخّلات بخصوص العراقیل التی تعترض اتفاقیة حظر انتشار الأسلحة النوویة، إضافة إلى موضوع مفاوضات السلام فی الشرق الأوسط وکذا الملف النووی الإیرانی، فضلا عن موقف إسرائیل من الاتفاقیة..

لذلک یجد عرب فلسطین 48 أنفسهم بین المطرقة والسندان، فهم یعتبرون مسألة التواصل مع العرب حقا وهدفا من أجل فک طوق العزلة عنهم، ومن أجل تبادل الرأی، غیر أن الإسرائیلیین وأغلب الأنظمة العربیة ینظرون إلیهم نظرة فیها الکثیر من الریبة والشبهة. فأغلب الأقطار العربیة ینظرون إلیهم کإسرائیلیین وجواسیس فیرفضون التعامل معهم ویقاطعونهم تحت بند التطبیع والحیطة، فی حین ینظر إلیهم فی إسرائیل کخونة.

فحسب تقریر "الرصد السیاسی" الذی صدر حدیثا عن "مرکز مدى الکرمل" شهدت السنة الحالیة ارتفاعا کبیرا فی درجة عداء الإسرائیلیین تجاه النواب والقیادات العربیة الفلسطینیة، إذ قامت الکنیست والحکومة وقطاع واسع من الرأی العام بمهاجمة الأعمال والمواقف السیاسیة التی اتخذها النواب والقیادات الفلسطینیة، وهی مواقف ونشاطات عبّر هؤلاء من خلالها عن هویتهم القومیة ورغبتهم فی التواصل بحریة مع مجالهم الثقافی والحضاری العربی الواسع...

ولم تتردد الدولة الإسرائیلیة ومؤسساتها المختلفة، خلال السنوات الأخیرة، على قمع کل مبادرة تقوم بها النخب الفلسطینیة للتواصل مع النخب العربیة أو إقامة العلاقات مع الدول العربیة، وخاصة بالنسبة إلى تلک الدول التی لا تقیم علاقات دبلوماسیة مع إسرائیل، کما لا تتردد فی عرقلة کل نشاط أو موقف یعارض الحصار على غزة بخاصة.

فمنذ بدء وفد لجنة المتابعة العلیا إلى الجماهیریة اللیبیة، ومن بعدها، بدأت حملة شعواء فی إسرائیل تطالب بمعاقبة النواب العرب الذین شارکوا فی الوفد، من ذلک توجه النائب زفولون أورلیف "البیت الیهودیّ- المفدال" إلى لجنة الانتخابات المرکزیة مطالبا بمنع النواب المشارکین فی الوفد من الترشح فی الانتخابات المقبلة. أمّا النائب میخائیل بن آری ""الاتحاد القومی""، فتوجه إلى رئیس الکنیست، رئوفین ریفلین، مطالبا بإلغاء بعض حقوق النواب العرب المشارکین فی الوفد؛ وقال إن: "النوّاب العرب الذین التقوا القذّافی یعملون منذ فترة طویلة ضدّ دولة إسرائیل، وهم یشکّلون عملیًّا طابورًا خامسًا داخل الکنیست".

أما البرلمان "الکنیست" فعقد جلسة خاصة بعد رجوع الوفد من الجماهیریة لبحث قضیة التلویح بسحب الجنسیة الإسرائیلیة من کل مواطنٍ عربیّ أجرى اتصالا مع من یعتبرهم القانون فی الدولة العبریة أعداء، وقال ممثل الشاباک خلال الجلسة بأنّه یؤید سحب الجنسیة من هؤلاء بهدف ردع الآخرین عن القیام بأعمال تمس، بحسب منطقه، بأمن الدولة الیهودیة.

لقد کان هدف جمیع مؤسسات الدولة الصهیونیة منذ الخمسینات من القرن الماضی ترویض عرب الداخل وتدجینهم بکل الطرق وأسرلتهم، غیر أنها فشلت فشلاً ذریعا فی تحقیق أهدافها تلک، وهی حقیقة أکدها المؤرخ الإسرائیلی الصهیونی د.هیلل کوهین، فی کتابه "العرب الصالحون أو العرب الجیّدون"، بقوله: إن تلک "المحاولات جمیعها کان مصیرها مزبلة التاریخ". فقد تزاید حجم الأقلیة العربیة التی بقیت على أرضها من 120 ألفاً فی 1948 إلى أکثر من ملیون ومئتی ألف نسمة حالیاً ومع مرور الزمن أفرز المجتمع العربی فی مناطق 48 نخبة متمیزة فی العلوم والمعارف والسیاسة حتى غدوا "قنبلة دیمغرافیة" تخشاها إسرائیل وتحطاط منها... کما واصلت تلک الأقلیة تمسکها بعروبتها وبفلسطینیتها، ودفعوا، وما زالوا یدفعون، ثمن تشبثهم بأرضهم وبأمتهم العربیّة وبشعبهم الفلسطینی...

ورغم أن سکان عرب الداخل یعتبرون أنّ الساحة السیاسیة فی إسرائیل هی ساحة نضالهم المرکزیة لتحقیق حقوقهم الإنسانیة والقومیة والدیمقراطیة ومواجهة السیاسات والممارسات الإسرائیلیة غیر أنه ومع صعود حکومة الیمین والیمین المتطرف بقیادة بنیامین نتنیاهو- لیبرمان إلى السلطة حاول هؤلاء التوجه إلى الخارج وذلک باتجاهین اثنین: الوطن العربی وذلک لفک العزلة عنهم والتلاحم الثقافی والحضاری مع المجتمع العربی، من جهة، وإلى المؤسسات الدولیة الحقوقیة والدبلوماسیة مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبی ومنظمات المجتمع المدنی، من جهة أخرى، لفضح النوایا الإسرائیلیة الهادفة لفرض نظام أبارتهایدی وللحصول على الدعم السیاسی والمعنوی، وهو ما اعتبره رئیس جهاز الشین بیت "جهاز المخابرات الداخلیة" یوفال دیسکین "نشاطا تخریبیا وتهدیدا وجودیا" لإسرائیل...

وإن وَجدت قیادات وهیاکل عرب 48 الدعم والمساندة من قبل الأطراف الدولیة الرسمیة وغیر الرسمیة فإنها لا زالت، للأسف، تعانی من عدم تفهم الإخوان العرب لوضعیتهم المرکبة والمعقدة التی یتصادم فیها انتماؤهم القانونی، بحکم الأمر الواقع، بهویتهم وأصولهم العربیة. فمتى تضع الأنظمة العربیة وتحدیدا الجامعة العربیة، حدّا لهذا الخلط تجاه الأقلیة العربیة الفلسطینیة وتنصفها؟!.

ن/25

 

 

 


| رمز الموضوع: 143099







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)