الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

وعد بلفور مقدمة تأسیس الکیان الصهیونی

ترجع البدایات الأولى لفکرة إنشاء وطن خاص بالیهود، یجمع شتاتهم ویکون حارسًا على مصالح دول (أوروبا) الاستعماریة فی الشرق إلى ما قبل الحملة الفرنسیة على مصر، وظهرت أولى العلامات فی وعد "نابلیون" بإنشاء دولة للیهود، وتصوروا أین؟ فی فلسطین، حیث دعاهم "لإعادة بناء الهیکل بإعتبارهم ورثة إسرائیل الشرعیین!"، هذه الدعوة جاءت فی شهر آذار/مارس من عام 1799 أی قبل أکثر من قرنین من الزمن ولیس کما بقال الان 90 عاما...

کان نابلیون یحلم باقامة دولة تابعة له فی فلسطین لتشکل شوکة فی حلق غریمته انجلترا ولتصبح اداته فی السیطرة على مصر وطرق المواصلات إلى الشرق، وبعد ان فشلت حملة نابلیون إلى مصر عاد إلى اوروبا وحقق فیها انتصارات باهرة. وتألق تاج الامبراطوریة على رأسه ولکنه ظل یحلم بمشروعه وخشی ان یستفید الانجلیز من فکرته ببناء دولة للیهود فی فلسطین. ولکی یسد الطریق علیهم وانطلاقا من قانون المصلحة الاستعماری دعا فی عام 1807 إلى اجتماع السانهدرن وهو المجلس الکهنوتی الاعلى للیهود فی اوروبا. وجعل الکهنة یتخذون قرارا یعلنون فیه ان الیهود ینتمون إلى قومیات البلاد التی یعیشون فیها وان الیهودیة هی دینهم فقط.

وقد وجدت هذه الدعوة صدى لها لدى کثیر من الیهود، فقد کتب المفکر الیهودی (موسى هس) یقول: إن "فرنسا" لا تتمنى أکثر من أن ترى الطریق إلى "الهند" و"الصین" وقد سکنها شعب على أهبة الاستعداد لأن یتبعها حتى الموت.. فهل هناک أصلح من الشعب الیهودی لهذا الغرض؟!

لقد التقت المصالح الاستعماریة الاوروبیة فی انتزاع فلسطین من الوطن العربی مع المصالح الصهیونیة بإقامة وطن قومی للیهود، بل إن قادة أوروبا هم الذین عرضوا على الیهود إقامة وطن لهم فی فلسطین، قبل أن تطرح الحرکة الصهیونیة الفکرة بسنوات طویلة، وعلى الأخص من جانب فرنسا وبریطانیا فی محاولة للتخلص من المشکلة الیهودیة فی أوروبا وتحقیق مکاسب استعماریة من الدولة الیهودیة .

کان التنافس الاستعماری بین بریطانیا وفرنسا واضحاً فی الشرق الأوسط، حتى قبل قیام الحرکة الصهیونیة، وکان هدف کل منهما حمایة مصالحه فی المنطقة، وملاحقة الدولة الأخرى من إجل إیذائها أو منافستها على تلک المصالح، وإیجاد الوسائل المختلفة التی تحمی مصالحها واعتقدت بریطانیا بعد فشل نابلیون بونابرت فی مصر وبلاد الشام، أنه من المفید إیجاد بدائل اخرى فی الشرق الأوسط، لاستمرار تفوقها على فرنسا. وقد وجدت فی فلسطین مکاناً ملائماً لبسط نفوذها بسبب الموقع الجغرافی الذی تتمتع فیه وسط الوطن العربی وباعتبارها البوابة التی تربط بین أسیا وأفریقیا، ولهذا فإن من مصلحة الاستعمار الاوروبی والبریطانی بالذات، فصل الجزء الاسیوی عن الجزء الأفریقی من الوطن العربی، وخلق ظروف لا تسمح بتحقیق الوحدة بین الجزءین فی المستقبل .

بدأ الموقف البریطانی یتضح بعد حملة محمد علی باشا والی مصر الى الشام، عندما أرسل ابنه ابراهیم باشا الى المنطقة، مما أثار بریطانیا لأنها خشیت أن تتوحد مصر مع بلاد الشام فی دولة واحدة، لهذا ساهمت بریطانیا مع الدولة العثمانیة فی إفشال حملة ابراهیم باشا على بلاد الشام .

وبعد تدخل بریطانیا، أرسل بالمرستون رئیس وزراء بریطانیا مذکرة إلى سفیره فی استانبول فی عام 1840، شرح فیها الفوائد التی سوف یحصل علیها السلطان العثمانی من تشجیع هجرة الیهود إلى فلسطین وقال :« إن عودة الشعب الیهودی إلى فلسطین بدعوة من السلطان وتحت حمایته یشکل سداً فی وجه مخططات شریریة یعدها محمد علی أو من یخلفه » .

وفی مارس / آذار 1840 وجه البارون الیهودی روتشیلید خطاباً إلى بالمرستون قال فیه : «إن هزیمة محمد علی وحصر نفوذه فی مصر لیسا کافیین لأن هناک قوة جذب بین العرب، وهم یدرکون أن عودة مجدهم القدیم مرهون بإمکانیات اتصالهم واتحادهم، إننا لو نظرنا إلى خریطة هذه البقعة من الأرض، فسوف نجد أن فلسطین هی الجسر الذی یوصل بین مصر وبین العرب فی آسیا. وکانت فلسطین دائماً بوابة على الشرق. والحل الوحید هو زرع قوة مختلفة على هذا الجسر فی هذه البوابة، لتکون هذه القوة بمثابة حاجز یمنع الخطر العربی ویحول دونه، وإن الهجرة الیهودیة إلى فلسطین تستطیع أن تقوم بهذا الدور، ولیست تلک خدمة للیهود یعودون بها إلى أرض المیعاد مصداقاً للعهد القدیم، ولکنها أیضاً خدمة للامبراطوریة البریطانیة ومخططاتها، فلیس مما یخدم الامبراطوریة أن تتکرر تجربة محمد علی سواء بقیام دولة قویة فی مصر أو بقیام الاتصال بین مصر والعرب الآخرین».

ذهبت احلام نابلیون ادراج الریاح ،وإصطدمت طموحات بالمرستون بالواقع، ذلک لان الیهود انفسهم لم یکونوا معنیین ولا راغبین بما یطرح علیهم، فلقد کانت حرکة الاندماج الیهودیة (هسکلاة) فی اوج نشاطها وکان مجرد دعوتهم لمغادرة اوطانهم لیذهبوا إلى بلاد اخرى لا تربطهم بها ایة مصالح یضربهم کمواطنین فی البلاد التی ینتمون الیها.

إلا أن الفکرة لم تمت، ولم یستسلم خلفاء بالمرستون خاصة بعد افتتاح قناة السویس فعادوا للتمسک بمخططهم الصهیونی الاستعماری والدعوة لتوطین الیهود فی فلسطین. ولقد تمکن دیزرائیلی رئیس وزراء بریطانیا من شراء حصة الخدیوی من قناة السویس عام 1875 وکان دیزرائیلی ووزیر خارجیته اللورد سالزبری یتبنیان مشروع بالمرستون فشجعا اللورد لورنس اولیقانت بالتفاوض مع الحکومة العثمانیة حول ارض یمکن للیهود استیطانها، ولکن الاحداث تلاحقت ففی عام 1880 فاز حزب الاحرار فی الانتخابات وتولى غلادستون محل دیزرائیلی، وبحث الصهاینة الیهود عن صهاینة بریطانیا امثال (بالمرستون وشافنسری ودیزرائیلی وسالزبری)… فلم یجدوهم!

الدور الأمریکی:

قد یستغرب القاریء وجود دور أمریکی فی سیاق الحدیث عن "وعد أو وعود بلفور" ولکن الحقیقة أن الجمیع تآمر، ویمکن تلخیص الدور الأمریکی فی النقاط التالیة:

 

· لقد کان المهاجرون البروتستانت الأوائل إلى أمریکا یؤدون صلواتهم باللغة العبریة ، ویطلقون على أبنائهم وبناتهم أسماء أنبیاء ، وأبناء وبنات بنی إسرائیل ، الوارد ذکرهم فی التوراة ، کما قاموا بفرض تعلیم اللغة العبریة فی مدارسهم، حیث شبهوا خروجهم من أوربا إلى أمریکا ، بخروج الیهود أیام موسى علیه السلام ، من مصر إلى فلسطین ، حیث نظروا إلى أمریکا على أنها (بلاد کنعان الجدیدة) أی فلسطین ، ونظروا أیضاً إلى الهنود الحمر وهم سکان أمریکا الأصلیین – على أنهم الکنعانیون العرب ، وهم سکان فلسطین الأصلیین!

· وعندما أسسوا جامعة (هارفارد) عام 1636م کانت اللغة العبریة هی اللغة الرسمیة للدراسة فی الجامعة ، وفی عام 1642م نوقشت أول رسالة دکتوراه فی جامعة (هارفارد) وکان عنوانها (اللغة العبریة هی اللغة الأم)

· قامت أمریکا فی عام 1844م بفتح أول قنصلیة لها فی القدس ، وهناک بدأت تقاریر القنصل الأمریکی تتوالى على رؤسائه ، وقد کانت تتمحور حول ضرورة التعجیل فی جعل فلسطین وطناً للیهود

· وفی عام 1891م قام أحد أبرز زعماء الصهیونیة المسیحیة فی ذلک الوقت ، وهو القس (ویلیام بلاکستون) بعد عودته من فلسطین برفع عریضة إلى الرئیس الأمریکی (بنیامین هاریسون) دعاه فیها إلى الاقتداء بالإمبراطور الفارسی ( قورش) الذی أعاد الیهود من السبی البابلی إلى فلسطین

· کذلک قام القس (بلاکستون) بعد انعقاد المؤتمر الصهیونی الیهودی الأول عام (1897م) بتوجیه انتقاده إلى زعیم المؤتمر ( تیودور هرتزل) لأنه وجد منه تساهلاً فی إقامة الدولة الیهودیة فی فلسطین.

هذه کانت أهم نقاط التوجه الأمریکی فی مجتمع ودولة ناشئة، وبالتأکید لم ینته الأمر هنا ولکن لنا عودة للموقف الأمریکی لاحقا.

 

 

الدور الروسی - الألمانی:

 

وفی مواجهة دعاة الهجرة إلى امریکا من الیهود والذین کانوا یعتبرونها اورشلیمهم ویعتبرون واشنطن بمثابة ارض صهیون. سعى هرتزل إلى التقرب من الامبراطور غلیوم لدعم مشروعه وقد تحقق له اللقاء على رأس وفد صهیونی مع الامبراطور فی مدینة القدس التی کان الامبراطور یزورها عام 1898. وقد اکد الامبراطور للوفد الصهیونی بان "المساعی الصهیونیة فی فلسطین التی تحترم سیادة حلیفته ترکیا تستطیع ان تعتمد على رعایته الکاملة" وقد ترجم الامبراطور وعده بهذه الرعایة بتوثیق العلاقة بین المستوطنین والصهاینة والمستوطنین الالمان من جماعة هوفمان الذین بدأوا عام 1870 بانشاء مستعمرات زراعیة المانیة فی القدس وحیفا ویافا تنفیذا لمشروع القائد العسکری الالمانی "مولتکه" بجعل فلسطین مستعمرة المانیة.

وفی عام 1881 وقعت المذابح المعادیة للیهود فی روسیا اثر اغتیال القیصر. وقد نتج عن هذه المذابح هجرة واسعة من یهود روسیا إلى اوروبا الشرقیة والغربیة مما اسرع فی انهیار حرکة الاندماج کما ان صدور قوانین ایار فی روسیا عام 1882 والتی تضیق الخناق على حیاة الیهود زادت فی هذه الهجرة. وتشکلت مراکز یهودیة متبنیة دعوة لیوبنسکر فی کتابه (التحرر الذاتی) وظهرت منظمة احباء صهیون فی أوکرانیا، الداعیة إلى الهجرة إلى فلسطین والاستیطان فیها.

 

حاول الصهاینة الألمان إدخال أطروحتهم القومیة معلنین أنهم:

"مرتبطین سویة بانحدارهم وتاریخهم المشترک یؤلف یهود کافة الأقطار جماعة قومیة. وهذا الاعتقاد لا یناقض بحال من الأحوال مشاعرهم الوطنیة النشیطة وقیامهم بواجبات المواطنة وخاصة تلک التی یشعر بها الیهود الألمان حیال وطنهم الأم ألمانیا"

لقد کان مقر المنظمة الصهیونیة فی وقت اندلاع الحرب العالمیة الأولى فی برلین. وحاول قادتها، وجلهم من الصهاینة الموالین لألمانیا، أن یسخروها خدمة لأغراضهم ومطامعهم.

 

الموقف العثمانی:

 

حاول الحرکیون الیهود بزعامة هرتزل - بدعم أوروبی شارکت فیه آنذاک ألمانیا وبریطانیا - الضغط على الخلافة العثمانیة لانتزاع میثاق من السلطان عبد الحمید الثانی یمنح الیهود حق الإستیطان فی فلسطین والسماح بهجرتهم إلیها، غیر أن السلطان العثمانی رفض الضغوط الأوروبیة وإغراءات الیهود .

وفی الفترة بین عامی 1900- 1901 أصدر السلطان عبد الحمید بلاغاً یمنع المسافرین الیهود من الإقامة فی فلسطین لأکثر من ثلاثة أشهر، کما أمر بمنع الیهود من شراء أی أرض فی فلسطین، خشیة أن تتحول هذه الأراضی إلى قاعدة لهم تمکنهم من سلخ فلسطین عن بقیة الجسد المسلم .

وفی عام 1902 تقدم الیهود بعرض مغر للسلطان عبد الحمید یتعهد بموجبه أثریاء الیهود بوفاء جمیع دیون الدولة العثمانیة وبناء أسطول لحمایتها، وتقدیم قرض بـ(35) ملیون لیرة ذهبیة لخزینة الدولة العثمانیة المنهکة، إلا أن السلطان رفض العروض وکان رده کما جاء فی مذکرات ثیودور هرتزل: (انصحوا الدکتور هرتزل ألا یتخذ خطوات جدیة فی هذا الموضوع، لأنی لا استطیع أن أتخلى عن شبر واحد من الارض، فهی لیست ملک یمینی بل ملک شعبی، لقد ناضل شعبی فی سبیل هذه الارض ورواها بدمائه، فلیحتفظ الیهود بملایینهم، وإذا مزقت امبراطوریتی یوماً فإنهم یستطیعون أن یأخذوا فلسطین بلا ثمن، أما وأنا حی فإن عمل المبضع فی بدنی لأهون علی من أن أرى فلسطین قد بترت من الامبراطوریة الاسلامیة، وهذا أمر لا یکون، فأنا لا استطیع الموافقة على تشریح أجسادنا ونحن على قید الحیاة .. ) .

وعندما أیقن الیهود بفشل جمیع المحاولات الممکنة بدأوا بالعمل على إسقاط الخلافة العثمانیة، حیث استطاعوا التسرب عن طریق طائفة یهود الدونمة التی تظاهر أفرادها بالإسلام وحملوا الأسماء الترکیة، ودخلوا فی جمیعة "الاتحاد والترقی" ووصلوا الى الحکم سنة 1907، وتصاعد النشاط الصهیونی فی فلسطین بدعم من أنصار الاتحاد والترقی ویهود الدونمة الذین سیطروا على مقالید السلطة فی الاستانة حیث سمح الحاکم العثمانی الجدید للیهود بالهجرة إلى فلسطین وشراء الأراضی فیها، مما فتح الباب أمام المنظمات الصهیونیة للبدء بالنشاط العملی على نطاق واسع حتى سقطت الخلافة رسمیاً سنة ( 1924).

 

فی المقابل: الدور العربی

 

 

کان العرب وقبل صدور الوعد مباشرة مشغولون فی قتال الدولة العثمانیة/ترکیا تحت لواء الثورة العربیة فتحالفوا مع بریطانیا ، ومارست بریطانیا بدورها سیاسات الخداع والمراوغة والوعود البراقة بالإستقلال والحریة والإنعتاق التی لم یتحقق منها شیء.

أما الشریف حسین فقد غرق حتى أذنیه فی الوعود والمراسلات التی عرفت بمراسلات "حسین-مکماهون" فی تشرین أول/أکتوبر 1915 والتی إستطاعت بریطانیا من خلالها تخدیره ومن معه حتى تطبیق المخطط الرهیب.

فی المقابل، یلاحظ أن الفلسطینیین، فی تلک الفترة کانوا یصرون على اعتبار فلسطین جزءاً من سوریة الکبرى، ویرفضون تجزئة النضال، أو طرح مطالب إقلیمیة خاصة بهم، على الرغم من خصوصیة قضیتهم لاختلاف الخطر علیهم عن بقیة أبناء سوریة الکبرى حیث إنهم کانوا مهددین بالهجرة الیهودیة إلى بلادهم، بینما کانت بقیة الأقطار العربیة تعانی من الاستعمار البریطانی او الفرنسی من دون أن تشکل الهجرة الیهودیة أی تهدید ضدها.

لکن کیف إستطاعت الحرکة الصهیونیة بلورة المشروع الإستیطانی؟ وما هی الخطوات التی أوصلتها لإنتزاع وعد بلفور المشؤوم وما ترتب علیه؟ هذا ما ستشرحه النقاط السریعة التالیة:

· رغم أن جذور إنشاء وطن للیهود سبقت بعقود الحرکة الصهیونیة إلا أن بدایات تنفیذ المشروع لم تتبلور إلا بهذه الحرکة العنصریة الإستیطانیة، والتی لم تترک بابا إلا طرقته ومشت حسب برنامج واضح وبخطوات سنویة محددة لم تخلو من الخلافات والنزاعات التی کانت تصب أساسا حول التطرف وسرعة تحقیق "الحلم" الصهیونی.

· الحرکة الصهیونیة، کجسم سیاسی منظم، هی من صنع تیودور هیرتزل (1860 ـ 1904)، الیهودی المجری، الذی نشر فی سنة 1896 کتابه "دولة الیهود" ، وعرض فیه مفهومه لجذور "المسألة الیهودیة"، وبالتالی وجهة نظره فی حلها، عبر انشاء "امة یهودیة" مستقلة، على ارض تمتلکها. والمنظمة التی اسسها فی المؤتمر الصهیونی الاول (بازل،1897) کانت من اجل تحقیق ذلک الهدف، ومن خلالها تحرک هیرتسل بین الجوالی الیهودیة، کما على الساحة السیاسیة الدولیة، داعیاً الى مشروعه، کما بینّا سابقا، بینما یقر فی مذکراته بانه "یدیر شؤون الیهود من دون تفویض منهم، لکنه مسؤول ازاءَهم عما یعمل." وفی المحصلة، فانه رأى فی المسألة الیهودیة قضیة دولیة، وعلیه، یجب حلها فی هذا الاطار، ومن على منبر السیاسة الدولیة. وادعى ان مسألة الیهود فی العالم تخص جمیع شعوبه، وبالتالی فعلى الامم المساهمة فی حلها، وواجبه هو وضع المسألة فی جدول أعمال السیاسة الدولیة، الامر الذی یستلزم اقامة هیئة منظمة لذلک الغرض.

· المؤتمر الصهیونی الأول

· المؤتمر الثانی

· المؤتمر الثالث

· توالت بعدها المؤتمرات واللقاءات وفی کل سنة کانت المنظمة الصهیونیة تسجل إنجازا جدیدا نحو تحقیق الهدف بإنشاء وطن قومی للیهود حتى افتخر زملاء هرتسل وتلامذته بأن إنجاز الزعیم الصهیونی تلخص فی أنه "جعل الصهیونیة عاملاً سیاسیاً تقر به دول العالم (الکبرى) وتبجح ماکس نوردو زمیل هرتسل الأقرب فی خطابه أمام المؤتمر الصهیونی السادس (بال- 24 آب/ أغسطس 1903) بأن أربع دول هی أعظمها وتسیطر على الکرة الأرضیة أعربت عن عطفها إن لم یکن على الشعب الیهودی فعلى الأقل على الحرکة الصهیونیة، الإمراطوریة الألمانیة أعربت عن عطفها.. بریطانیا قرنت عطفها بالاستعداد العملی لتساعد الصهیونیة.. الحکومة الروسیة (القیصریة) أعلنت خططها لمساعدتنا... والولایات المتحدة اتخذت خطوات دبلوماسیة توحی بالأمل بأنها ستکون عطوفة حین یحین الوقت.

 

· لم یتوقف دور المنظمة الصهیونیة بعد موت هرتزل بل إستمر بنفس الوتیرة ولنفس الهدف وبعد اتفاقیة سایکس - بیکو (1916) التی حصلت فرنسا بموجبها على أجزاء من سوریا وجنوب الأناضول وعلى منطقة الموصل فی العراق (لونت باللون الازرق)، وحصلت بریطانیا على أراضی جنوب سوریا إلى العراق شاملة بغداد والبصرة والمناطق الواقعة بین الخلیج العربی والأراضی الممنوحة لفرنسا ومیناءی عکا وحیفا (لونت باللون الأحمر) ، أما بقیة مناطق فلسطین فقد لونت باللون البنی، واتفق على أن تکون دولیة. فی أعقاب تلک الاتفاقیة عمد قادة الحرکة الصهیونیة وعلى رأسهم اللورد روتشیلد وحاییم وایزمان لاجراء اتصالات مع بریطانیا أدت إلى إصدار وعد بلفور، وکان من الأسباب التی دفعت بریطانیا للموافقة على الوعد هو أن تکون الدولة الیهودیة خط الدفاع الأول عن قناة السویس واستمرار تجزئة الوطن العربی.

إستمرت الضغوطات الصهیونیة والمؤامرات الدولیة دون توقف ومرت بعدة مراحل تمهیدا لصدور وعد بلفور المشؤوم وبمشارکة الجمیع کما سبق وأوضحنا حسب تسلسل للأحداث سریع ومتلاحق فی ظل غیاب بل غیبوبة عربیة وإسلامیة، وکان الدور البریطانی فی هذه المؤامرة حاسما بدعم وتأیید من الآخرین:

· ما إن وضعت الحرب ترکة الإمبراطوریة الترکیة على جدول الأعمال حتى تقدم هربرت صموئیل الذی اشترک فی الوزارة البریطانیة فی هذه الفترة وکان أول مندوب سام بریطانی فی فلسطین فیما بعد بمشروع یقوم على ضم فلسطین إلى الإمبراطوریة البریطانیة وزرع ثلاثة أو أربعة ملایین یهودی فیها وبذلک یتحقق حلف بین الفریقین یخدم مصالح بریطانیا

· وفی هذا الوقت بالذات فی نهایة عام 1914 ومطلع عام 1915 کان حاییم وایزمن یکتب لأحد أساطین الإمبریالیین س.ب. سکوت محرر مانشستر غاردیان: "فی حالة وقوع فلسطین فی دائرة النفوذ البریطانی وفی حالة تشجیع بریطانیا استیطان الیهود هناک.. فستستطیع خلال عشرین أو ثلاثین سنة من نقل ملیون یهودی أو أکثر إلیها فیطورون البلاد ویشکلون حارساً فعالاً یحمی قناة السویس" (کتابه التجربة والخطأ طبعة نیویورک شوکن 1966 ص 149).

· کتب رئیس وزراء بریطانیا هربت اسکویث فی کتابه "شکریات وتأملات 1852-1928" تحت التاریخین 28 کانون الثانی/ ینایر و 13 آذار/ مارس 1915 یصف بعض ملامح مشروع هربرت صموئیل ولاحظ أن "الغریب فی الأمر أن یکون نصیر المشروع الوحید الآخر (فی الوزارة) لوید جورج ولا حاجة بی للقول انه (لوید جورج) لا یهتم بالمرة بالیهود، لا بماهیتهم ولا بمستقبلهم ولکنه یعتقد أنه من انتهاک الحرمة السماح بانتقال الأماکن المقدسة (فی فلسطین) إلى حوزة أو حمایة "فرنسا اللا إداریة الملحدة" (الجزء 2 ص 71 و 78). لقد تعلم الإمبریالیون منذ وقت طویل تغلیف مطامعهم بغلافات الحماس الدینی والقلق على مصیره. فلوید جورج، وفی عهد رئاسته الوزارة صدر وعد بلفور. کان فی هذا الوقت المبکر من الحرب یرى فائدة العامل الصهیونی فی ضم فلسطین للإمبراطوریة البریطانیة بشکل من الأشکال. وفی سبیل ذلک کان مستعداً أن "یمنح الأماکن المقدسة للیهود" حمایة لها من "فرنسا اللا إداریة الملحدة"!!

· کما کتب لوید جورج الذی رأس الوزارة البریطانیة فی الفترة الأخیرة من الحرب وبعدها فی کتابه "الحقیقة حول معاهدات الصلح" (لندن 1938 المجلد الثانی ص 1115): ان نوایا الدول الحلیفة بشأن فلسطین حتى عام 1916 جسدها اتفاق سایکس- بیکو بموجبه "کانت البلاد ستشوه وتمزق إلى أقسام لا تبقى هناک فلسطین".

· کان وزیر الخارجیة البریطانیة عام 1917 من أکثر المتحمسین للفکرة الصهیونیة وحاول إقناع أعضاء الحکومة فی إجتماعهم یوم 04/10/1917 بأن یهود روسیا وفرنسا یدعمون فکرته بإنشاء وطن قومی للیهود فی فلسطین معتمدا على تقاریر من الصهاینة المقیمیین فی لندن ومتجاهلا التقاریر الرسمیة من مندوبی وسفراء الحکومة فی مواقع الحدث.

· وفی اجتماع الوزارة البریطانیة بتاریخ 31 تشرین الأول/ أکتوبر أوضح بلفور نفسه ما یفهمه من التعبیر "وطن قومی یهودی". یعنی شکلاً من أشکال الحمایة البریطانیة أو الأمریکیة أو غیرهما ستتوفر للیهود فی ظلها مرافق وتسهیلات کافیة تتیح له بناء مقومات خلاصهم الذاتی فیرسون بالمؤسسات التربویة والصناعیة قواعد مرکز حقیقی للثقافة القومیة وموئلاً للحیاة القومیة، وهو لا ینطوی بالضرورة على تأسیس دولة یهودیة مستقلة فی أمد قریب، إذ یتوقف هذا الأمر على التطور التدریجی وفقاً لسنة التطور السیاسی المعهودة" .

هذه بإختصار مراحل الوصول لوعد بلفور الذی نسمه به کل عام فی مثل هذا الوقت ولم نقرأ أو نسمع یوما عن الأحداث والمؤامرات التی أوصلتنا إلیه. لکن یبقى السؤال: هل إنتهت المؤامرة بصدور القرار أو الوعد؟ الإجابة بکل تأکید لا، ورغم أن الموضوع کان من المفترض أن ینتهی بحلول یوم 02/11/1917 إلا أننی أستمیح القاریء عذرا لأستمر قلیلا فی الفترة التی تلت الإعلان/الوعد مباشرة لنعلم جمیعا أن الجمیع دون إستثناء شارک ویشارک فی المؤامرة علینا، وهاکم باقی القصة:

 

· نص الوعد/الإعلان: نشر فی الصحف البریطانیة صباح (23 من المحرم 1336هـ : 8 من نوفمبر 1917م) وکان نصه:

وزارة الخارجیة

عزیزی اللورد "روتشلد"

یسرنی جدًّا أن أبلغکم بالنیابة عن حکومة صاحب الجلالة التصریح التالی الذی ینطوی على العطف على أمانی الیهود والصهیونیة، وقد عرض على الوزارة وأقرّته:

 

"إن حکومة صاحب الجلالة تنظر بعین العطف إلى تأسیس وطن قومی للشعب الیهودی فی فلسطین، وستبذل غایة جهدها لتسهیل تحقیق هذه الغایة، على أن یکون مفهومًا بشکل واضح أنه لن یؤتى بعمل من شأنه أن ینتقص الحقوق المدنیة والدینیة التی تتمتع بها الطوائف غیر الیهودیة المقیمة الآن فی فلسطین، ولا الحقوق أو الوضع السیاسی الذی یتمتع به الیهود فی البلدان الأخرى.

وسأکون ممتنًا إذا ما أحطتم اتحاد الهیئات الصهیونیة علمًا بهذا التصریح.

 

المخلص آرثر بلفور

 

2 من نوفمبر 1917م

 

ن/25


| رمز الموضوع: 143096







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)