لا تتحدثوا عن المؤامرة

لا تتحدثوا عن المؤامرة

فیصل جلول

ربما حان الوقت لکی نرمی نحن العرب مصطلح "المؤامرة" فی سلة المهملات بعد أن أفرطنا فی استخدامه طیلة النصف الثانی من القرن العشرین. ضاعت فلسطین وسقطنا فی أحضان الاستعمار الأوروبی فتحدثنا عن مؤامرة سایکس- بیکو. هزمنا فی حرب العام 1948 فتحدثنا عن مؤامرة السلاح الفاسد. تعرضنا للعدوان الثلاثی فی العام 1956 فتحدثنا عن مؤامرة أجنبیة قبیحة، هزمنا فی العام 1967 فأشرنا إلى المؤامرة الأمریکیة الصهیونیة. وقعت انتفاضات واحتجاجات أو محاولات انقلابیة فاشلة فقلنا إنها المؤامرة... وهکذا دوالیک حتى صارت المؤامرة لفرط اللجوء إلیها فی الملمات تفسر ما ینبغی وما لا ینبغی تفسیره.

من نافلة القول إن سقوط فلسطین واعتماد مخطط سایکس بیکو لم یکن مؤامرة أجنبیة، فقد شارک الشریف حسین زعیم العرب فی حینه بالحرب على الأتراک لصالح الأوروبیین، فکان من الطبیعی أن یعمد المنتصرون إلى تثبیت عناصر انتصارهم على الأرض وبالتالی تشطیر البلدان العربیة وزرع الصهاینة فی وسطها، وبالتالی ما کان یحق لنا أن نتحدث عن مؤامرة، فالذین یحق لهم ذلک هم الشرکاء والحلفاء فی الحرب ولیس الأدوات التنفیذیة کحالتنا..

نحن نخضع لنتائج الحرب عندما لا نصنعها، وبالتالی لا یحق لنا أن نتحدث عن خیانة أو مؤامرة أو خدعة فکل هذه المصطلحات تعنی أننا کنا مغفلین نصدق ما یقال لنا، بغض النظر عن حسابات القائل وعن نظرتنا نحن للصراع وموقعنا فیه.

وفی حرب العام 1948 کان من الطبیعی أن یبیعنا المعنیون أسلحة فاسدة، ولماذا لا یفعلون عندما نبدوا لهم جدیرین بالخداع! وفی العام 1956 رتب المعتدون سیناریو مخادع، أی مؤامرة، لم نفضحه ولم نکتشفه نحن وإنما الولایات المتحدة والاتحاد السوفییتی معا.

ولماذا نفاجأ بهذا السیناریو؟ ألم یقل نبینا الکریم- علیه الصلاة والسلام- إن الحرب خدعة؟ وقال ذلک من بعد کل علماء الحرب، وبالتالی صار لزاما على کل ضابط درس فی کلیة عسکریة أن یحسب أن فی کل حرب خدعة، وبالتالی علیه أن یکون جاهزا لمواجهة کل السیناریوهات المخادعة.

أما فی حرب العام 1967 فقد کانت واشنطن تقول علنا إنها ترید وتسعى لهزیمة جمال عبد الناصر، وکان کل الغربیین یریدون الثأر من الزعیم المصری الذی ألحق بهم إهانة تاریخیة فی العام 1956، ما یعنی أن نیة الدولة الأعظم وحلفائها فی العام 67 کانت معروفة ورهانهم على القضاء على النظام المصری کان معروفا للقاصی والدانی، ولذلک لا جدوى من الحدیث عن مؤامرة أمریکیة أو التذرع السخیف بالعدو الذی جاء من الغرب فی حین انتظرناه من الشرق.

أما النظم الثوریة الانقلابیة التی تعرضت بدورها لمحاولات انقلابیة فاشلة فقد کان علیها أن تحسب أن ما أخذته بالقوة المسلحة یمکن لآخرین أن یأخذوه بالطریقة نفسها وبذلک فلا أحد أفضل من أحد فی هذا المجال غیر الأخلاقی وغیر الأدبی.

بالعودة إلى فرضیة أعلى الصفحة حول وجوب رمی مفهوم المؤامرة فی سلة المهملات أقول إن المصطلح ما عاد قادرا على تبریر هزائم جدیدة فی صفوفنا، ناهیک عن تفسیرها؛ فالغربیون عملوا ویعملون صراحة على فصل جنوب السودان عن شماله، وهم یعملون فی رابعة النهار على استخدام المحکمة الدولیة الخاصة باغتیال الرئیس رفیق الحریری لتنظیم حرب أهلیة حول المقاومة اللبنانیة ومن ثم تحطیمها بواسطة الانقسام الداخلی بعد أن أخفقت إسرائیل بتحطیمها بواسطة الحرب أو الضغوط النفسیة ولا یتآمر الغربیون على المقاومة اللبنانیة ولا یخفون خططهم، فالسید جیفری فیلتمان جاء مؤخرا إلى بیروت لشد عصب الفریق اللبنانی الذی یرغب بتحطیم المقاومة ویتحدث عن رغبته لیل نهار بصیغة نزع سلاح المقاومین وتسلیم الدفاع عن لبنان إلى الجیش اللبنانی المسلح بمعدات عمرها خمسة عقود.

ومن غیر المنطقی أن نتحدث عن مؤامرة على إیران عندما یقول الرئیس الفرنسی نیکولا سارکوزی علنا فی مؤتمر الأطلسی الأخیر إن "إیران هی عدو الحلف" الذی یبحث عن أعداء بعد انهیار الحرب الباردة، وإن "شق الوحدة الداخلیة الإیرانیة" هو الهدف، بحسب الرئیس الفرنسی السابق جاک شیراک.

ویشق على النفس حدیث المؤامرة فی أفغانستان عندما یرسل المحتل الجنرال باتریوس لشراء القسم الأکبر من البیئة الباشتونیة المقاومة وحملها على التفاوض مع کرزای، تماما کما فعل مع البیئة المقاومة فی العراق وشراء ولاء القسم الأکبر منها وحملها على الاشتراک فی العملیة السیاسیة.

ومن غیر المجدی الحدیث عن مؤامرة عندما یقول قادة کثر فی الغرب صراحة ودون تحفظ: من حسن الحظ أن المسلمین منقسمون! فهل تتخیلون لو کانوا موحدین ما الذی سیحصل فی هذا العالم؟

وفی الختام لا بد من رجاء خاص لقادتنا ولمراکز الأبحاث ولوسائل الإعلام: من فضلکم اطرحوا ذریعة المؤامرة فی سلة المهملات. فما وقع وما یقع لنا لیس ناجما عن مؤامرة وإنما عن خطط صریحة وواضحة یراد منها أن نبقى حیث نحن فی موقع هامشی لا یسر صدیقا ولا یرهب عدوا.

ن/25