مفاوضات عباس ومفاوضات عمر المختار

مفاوضات عباس ومفاوضات عمر المختار

سمیح خلف

بدایة، یشدنی الحنین والرهبة لهذا القائد الشیخ عمر المختار، وهو رائد من رواد الجهاد والمقاومة العربیة، یأخذنی الحنین إلى موقع الصمود العربی لشخصیات وقیادات عربیة سجل لها التاریخ والأمة النقاء والصلابة أمام کل الظواهر التی استهدفت کرامة ووجود أمتنا العربیة على أرضها.

لیبیا الأرض العربیة التی أنجبت القائد الشیخ عمر المختار الذی قاد حرکة النضال الوطنی العربی على أرضها ضد الاستعمار الإیطالی والمتعاونین معه، هذا الاستعمار الجاهل البغیض غیر المتحضر الذی استهدف لیبیا وشعبها بکل مظاهر التخلف والهمجیة العدوانیة التی مارستها القوات الإیطالیة على الأرض اللیبیة.

قام عمر المختار بحرکته الجهادیة مع إخوته من الشعب العربی اللیبی بصناعة المستحیل فی عصره وفی ظروفه، لقد صنع إرهاصات الفجر الجدید للشعب العربی اللیبی، بل للشعوب العربیة، لقد کان عمر المختار وثورته الجهادیة المعلم لمن بعده.

نتیجة الضربات القاسیة والحاسمة التی قادتها الثورة اللیبیة بقیادة المجاهد الکبیر عمر المختار، قامت إیطالیا بالتوجه إلى المفاوضات کوسیلة لإخماد الثورة وشعلتها وإحباط عزیمة الثوار والمجاهدین، لم یرفض القائد عمر المختار مبدأ التفاوض على أرضه لأجل تحریرها، وذهب إلى خیمة التفاوض لکی یفاوض اعدائه وقتلة الشعب اللیبی متوشحاً ثوب العزة والکبریاء والثورة، ذهب للتفاوض مع أعدائه وأنفه للسماء وبندقیته شامخة فی شرق الأرض اللیبیة ومغربها ووسطها، وعندما عرض علیه الطلیان بین سیاسة الترغیب والترهیب والشراء بالمال قال لهم "اخرجوا من أرضنا فهذه الأرض عربیة لأجدادنا ولأبنائنا ولا وجود لمستعمر علیها". هکذا قال لأعدائه الطلیان المتعمقین فی ممارسة القتل والتبشیع فی الشعب العربی اللیبی.

خرج عمر المختار من خیمة التفاوض لیخوض أعنف المواجهات فی شرق لیبیا، لقد سطر ملحمة من الشجاعة والصمود بعد أن حاصرته القوات الإیطالیة وحوصر فی الإمکانیات والعتاد أمام دولة باغیة.

قابل عمر المختار حکم الإعدام بمحکمة صوریة عبرت عن رغبات الحکم الإیطالی بإعدام الشیخ المجاهد قبل البدء فی التحقیق والمحاکمة، کان الإیطالیون یعتقدون أن لیبیا هی قطعة من إیطالیا بمؤسساتهم ورغباتهم وآمالهم لأن تکون لیبیا خنجرا فی المغرب العربی أمام طموحات قادمة للقومیة العربیة والوحدة العربیة التی رعى منطقها قائد الثورة اللیبیة العربیة المجاهد والقائد معمر القذافی فیما بعد، حیث أکمل مشوار العزة والکرامة للشعب العربی اللیبی عندما اعتذرت إیطالیا عن فترة استعمارها للأرض العربیة اللیبیة واعتذرت لحفید عمر المختار.

عندما ذهب عمر المختار للتفاوض مع أعدائه فی خیمة فی الصحراء لم یکن فیها تبادل للویسکی والمکیفات ولم یکن أمامها حمامات سباحة ولم یکن محیطا بها فنادق الخمس نجوم والسبع نجوم، وأثناء جلسات التفاوض کانت الصلابة وکانت الجسارة والشجاعة فی طرح متطلبات التصور للیبیا خالیة من الاستعمار الإیطالی، لم تکن فیها ابتسامات ولا عناق، وکان للوفد المفاوض اللیبی رؤیة بأن کل الحکومة الإیطالیة هی مشترکة فی ذبح الشعب اللیبی؛ ولم تکن تأمل فی هذا الحزب أو ذاک فی إیطالیا لیخلص لیبیا من الاستعمار، بل کان فی تصوره أن کل القطاعات والأحزاب الإیطالیة هی مشارکة فی ذبح لیبیا.. بعکس عواطف عباس ومواقفه فی المفاوضات التی لها أبواب خلفیة من التنسیق الأمنی أذلت البندقیة الفلسطینیة وأهانت تاریخها، وأهانت شهدائها!!

مفاوضات عباس التی لا تنطلق إلا فی أجواء الویسکی وحمامات السباحة والمکیفات لا یمکن أن تحرر وطنا، ولا یمکن أن تکون استمراریة ودعما لاستمرار ثورة..

هذا هو الفارق بین مفاوضات الشهید القائد عمر المختار الذی حافظ على التاریخ العربی من الشجاعة والشهامة والإرادة، وبین من فاوض المحتلین والمغتصبین للأرض الفلسطینیة على قاعدة الابتسامات والقبلات التی لا تحرر وطنا ولا ترد کرامة.

ن/25