هل تتناقض المصالحة الفلسطینیة واستمرار المفاوضات؟!
هل تتناقض المصالحة الفلسطینیة واستمرار المفاوضات؟!
زیاد أبو شاویش
رغم أهمیة الجولة القادمة للحوار الذی سیجری بین حرکتی "فتح" و"حماس" حول التفاهم على الشق الأمنی فی ورقة المصالحة المصریة "الملیئة بالثغرات والنواقص" لیکتمل عقد الاتفاق والتوقیع علیه فی القاهرة إلا أن هناک جملة من القضایا والعناوین التی تحتاج لتفاهم فلسطینی داخلی حولها ولا تجیب علیها الورقة المصریة بدقة، أهمها ما یرتبط بالجانب السیاسی وحراجة اللحظة التی تجری فیها حوارات المصالحة وانسداد الأفق أمام أی مخرج حقیقی من أزمة الاستیطان والتهوید التی وضعتنا فیها دولة الاحتلال، ولا یقلل من صعوبة المرحلة کل الحدیث عن وجود خیارات أو مخارج لما نحن فیه.
فی هذا العنوان هناک قضیة العودة للمشروع الوطنی والاتفاق على مرجعیة برنامجیة تمثل القواسم المشترکة، وهذه دونها ضغوط وتهدیدات الولایات المتحدة الأمریکیة التی ترى فی أی مصالحة فلسطینیة عاملاً مساعداً لتقدیم المزید من التنازلات الفلسطینیة أو ما تطلق علیه المرونة، والمعروف أن برنامج القواسم المشترکة یمثل سقفاً أعلى مما تطرحه السلطة الفلسطینیة فی مفاوضاتها مع الکیان الصهیونی وتصریحات رموزها العلنیة، حیث لا مجال فی هذا البرنامج للمرونة فی قضیة حق العودة، وأغلبیة الفصائل داخل منظمة التحریر الفلسطینیة وخارجها لا تقبل الانتقاص من هذا الحق، بینما خطة خارطة الطریق تتجاهل هذا الحق وتعتبره منجزاً بمجرد قیام دولة فلسطینیة على أراضٍِِِ محتلة فی الضفة وغزة.
وفی جانب آخر یرتبط بالعنوان السیاسی هناک خلاف جوهری یرتبط برؤیة "فتح" و"حماس" والفصائل الأخرى للمفاوضات مع تل ابیب والمرجعیة التی یجب أن تجری على أساسها مثل هذه المفاوضات حیث تبدی سلطة رام الله مرونة غیر مقبولة لاستمرار انخراطها فی هذه المفاوضات على اعتبار أن الولایات المتحدة یمکن أن تنظر بعین العطف للمطالب الفلسطینیة بینما فصائل رئیسیة تمثل أغلبیة کبیرة تجد فی هذه المفاوضات انتقاصاً من حقوق الشعب الفلسطینی وکرامته، بل إن "حماس" التی ستجری معها حرکة "فتح" حوارات المصالحة ترفض مثل هذه المفاوضات من حیث المبدأ.
وفی جانب آخر هناک الخلاف حول أنجع الطرق لإدامة الصراع مع العدو ومن ثم توفیر إمکانیة استعادة حقوقنا الوطنیة، وهنا سنجد الخلاف کبیراً ونوعیاً، فالأخ محمود عباس وبعض مشایعیه یرون أن الوسائل العنفیة بما فیها الکفاح المسلح غیر مجدیة ویجب وقفها ومنعها وتمارس السلطة فی الضفة سیاسة أمنیة تنسجم مع هذا الفهم تصل حد اعتقال وتعذیب مقاومین من فصائل مختلفة، بینما لا ترى فصائل مهمة کحماس والجهاد والجبهة الشعبیة وغیرها أی إمکانیة لتحصیل حقوقنا بغیر المقاومة وعلى رأسها الکفاح المسلح رغم حالة التهدئة الحالیة المعلنة فی کل من الضفة وقطاع غزة.
إذن لدینا نقاط خلاف کبیرة لیس من السهل جسرها وتحتاج لنوایا صادقة وإرادة قویة لتجاوزها نحو وحدة جدیة وحقیقیة تخرج القضیة والشعب الفلسطینی من مأزقه الراهن، ورغم الصعوبات التی أشرنا لها إلا أن الظرف الصعب والموقف الإسرائیلی المتغطرس ومطالب حکومة نتنیاهو المتطرفة لا تترک مجالاً سوى استعادة الوحدة بأی ثمن حتى لو کان بغضب أمریکا والدول المانحة.
إن قصة الجانب الأمنی یمکن التفاهم حولها برغم ظهورها کعقدة مستعصیة على الحل، غیر أنه من الواضح أن هذه النقطة على وجه الخصوص ترتبط بالعنوان السیاسی سیما من زاویة المشارکة الحمساویة فی أجهزة أمن تعمل فی الضفة والفیتو الأمریکی الاسرائیلی فی هذا المجال ربطاً بالتسویة المتعثرة تحت الرعایة الأمریکیة.
إن النظر للمسألة من جوانبها الصعبة ستدفع للتشاؤم حتماً لکن المسار المؤلم لحالة الانقسام والصراع الذی تجاوز السنوات الثلاثة کما العراقیل التی تضعها تل أبیب أمام أی تسویة مقبولة توفر الظرف الموضوعی لنجاح المصالحة، والأهم من کل ذلک أن الشعب الفلسطینی یرید هذه المصالحة ویعتبرها مسألة حیاة أو موت بالنسبة لقضیته العادلة.
لن یعدم المتحاورون الوسائل لردم الفجوات وابتداع الصیغ القادرة على جمع المتناقضات، هذا الجمع الضروری للتعامل مع مستویات مختلفة للعلاقات العربیة والدولیة ارتباطاً بعملیة الصراع بمجملها فی المنطقة، ومن المؤکد أن حرکة "فتح" والسلطة ستتفهم الموقف الذی تأخذه "حماس" من عدة عناوین بما فیها قصة الاعتراف بالدولة العبریة والاتفاقات المبرمة معها، کما ستتفهم حرکة "حماس" المعادلات التی تحکم عمل السلطة والتزاماتها الدولیة دون الانتقاص من مشروعیة المقاومة والنضال بکل أشکاله وهو الخط الفاصل بین عودة الوحدة الوطنیة وبقاء الانقسام، واستطراداً بین جدیة المصالحة واستمرار المفاوضات بالنسق والطریقة السابقة.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS