مرّةً أخرى.. العرب على لائحة الانتظار
مرّةً أخرى.. العرب على لائحة الانتظار
وصل وکالة قدسنا هذا المقال من السید صبحی غندور مدیر مرکز الحوار العربی فی واشنطن :
لن تکون هناک "فترة استراحة" للرئیس الأمریکی باراک أوباما بعد الانتخابات "النصفیة"، التی ستترک آثاراً کبیرة على أجندته الداخلیة وعلى طموحاته لفترة رئاسیة ثانیة، فما ینتظره من جدول قضایا وزیارات خارجیة هو أیضاً مهم وحاسم للإدارة الحالیة وللمصالح الأمریکیة عموماً. بل ربّما یمکن القول أنّ شهر نوفمبر الحالی هو شهر الاستحقاقات لإدارة أوباما داخلیاً وخارجیاً. فمن جولة الرئیس الأمریکی على عدّة بلدان آسیویة، إلى حضور قمّة مجموعة العشرین فی سیول، إلى استئناف المفاوضات "السداسیة" مع إیران، إلى المأزق الحکومی السیاسی فی العراق والمأزق العسکری فی أفغانستان، وصولاً إلى التعامل من جدید مع "الملف الفلسطینی" وصلاته بالعلاقة مع حکومة نتنیاهو وبالمواقف الأمریکیة من سوریا وأوضاع لبنان، ذلک کله سیجعل من الأسابیع القادمة فترة حرجة جداً للسیاسة الخارجیة للرئیس أوباما، کما کانت الانتخابات "النصفیة" بالنسبة لسیاساته الداخلیة.
لکن ما هو غیر مفهوم وغیر مبرّر هذا "الانتظار" الرسمی العربی والفلسطینی لنتائج الانتخابات الأمریکیة، کما هو الحال منذ عقود عند محطات الانتخابات الأمریکیة والإسرائیلیة، لمعرفة ما الذی یجب فعله أو ما الخیار الممکن اللجوء الیه!! فالبقاء على "لائحة الانتظار" هو سمة حال السیاسات العربیة الراهنة والتی انضمّ الیها بعد ولادة "السلطة الفلسطینیة" الحال الفلسطینی.
فجذور أزمة السیاسة الأمریکیة فی المنطقة العربیة لا ترتبط بحالةٍ دینیة أو ثقافیة طبعاً، حیث لا یمکن حلّها، ولا أیضاً بتغییر فی الحاکم هنا أو هناک، یسهل الحل بحدوثه. ربَّما مشکلة الحکومات العربیة أنَّها تدرک ذلک جیداً، لکنَّها لا ترید أن تعترف أمام شعوبها بأنَّ المشکلة هی مع النّفس العربیة أولاً حیث المراهنة على دور الخارج فقط بعدما جرى أصلاً التخلّی عن مرجعیة "الأمم المتحدة" للصراع العربی- الإسرائیلی، وقبول واشنطن کمرجعیة وحیدة لرعایة التسویات بینما یمزِّق الحال العربی بعضه بعضا!!
ولکی لا تتوه مراکب الوهم العربی کلَّما صدرت تصریحات شکلیة إیجابیة عن مسؤولین أمریکیین بشأن "الدولة الفلسطینیة"، فإنَّ وضع المعاییر هنا یصبح کالبوصلة التی تحدّد الاتجاه الصحیح:
1- هل ستقبل واشنطن بالحدِّ الأدنى فیما نصَّت علیه الشرعیة الدولیة من رفض احتلال الأرض بالقوّة، ومن حقّ الشعوب الخاضعة للاحتلال بمقاومة المحتل؟
2- هل تعتبر واشنطن أصلاً الأراضی العربیة التی جرى احتلالها عام 1967 أراضٍ عربیة محتلة أم أنَّ واشنطن تأخذ بالادّعاء الصهیونی فی اعتبارها "خاصَّةً القدس ومناطق عدة من الضفة والجولان" "أراضٍ إسرائیلیة محرَّرة"؟!
3- هل تقبل واشنطن أن تکون الأمم المتحدة هی المرجعیة الدولیة أم ترید مواصلة الانفراد بتحدید مفاهیم الصراع العربی- الإسرائیلی وبوضع جدولة أمریکیة لکیفیة إنهاء هذا الصراع بغضِّ النظر عن اعتبارات الحقِّ والباطل، وعن التمییز الصحیح بین الظالم والمظلوم، وعن القرارات الدولیة المتعلقة بهذا الصراع؟!
هنا تقع الملامة على من قَبِلَ من العرب بمرجعیة واشنطن وحدها لمعالجة الصراع العربی- الإسرائیلی، فی وقتٍ لم تمیِّز فیه واشنطن نفسها عن السیاسة الإسرائیلیة، خاصّةً لجهة کیفیة رؤیة الأراضی المحتلة ومدى حقّ الشعب الخاضع للاحتلال بأن یقاوم هذا الاحتلال..
وإذا کان مفهوماً هذا الدعم الأمریکی المفتوح لإسرائیل طوال سنوات الحرب الباردة، فما هو مبرّره منذ مطلع التسعینات؟ وما مبرّر استعداء حتى من کانوا أصدقاء أمریکا فی المنطقة خلال فترة الحرب الباردة بحیث أصبحت المنطقة العربیة الآن موحَّدة فی مشاعرها السلبیة ضدَّ أمریکا وإسرائیل رغم ما هی علیه من تمزّق وصراعات على أمورٍ عدیدةٍ أخرى.
فواشنطن تکون مرجعیة مقبولة حینما تکون حیادیة فی سیاستها ومواقفها لا داعمةً للمعتدی ضدَّ المعتدى علیه. والتمایز الأمریکی الإسرائیلی الحاصل الآن بشأن المستوطنات هو تمایز فی کیفیة رؤیة حدود إسرائیل ودورها، ولیس فی رؤیة حقوق الشعب الفلسطینی. فلم یظهر بعد أیّ تباینٍ بین أمریکا وإسرائیل حول جوهر القضایا المرتبطة بالصراع، ولا حول کیفیة رؤیة حق مقاومة الاحتلال حیث ما یزال ذلک بنظر واشنطن وتل أبیب معاً "عملاً إرهابیاً"!.. ولا أعتقد أنَّ المرحلة القادمة ستشهد تناقضاً بین المواقف الأمریکیة والإسرائیلیة حول جوهر قضایا الصراع العربی الإسرائیلی بالرغم من الخلافات القائمة بشأن مسألة تجمید الإستیطان، ولا یمکن إعتبار ذلک وحده دلالة على نزاهة الموقف الأمریکی.
فالسیاسة الأمریکیة فی منطقة الشرق الأوسط تتمسَّک بأسسٍ لم تتغیَّر مع تغیّر الإدارات والحکومات منذ معاهدة کامب دافید بین مصر وإسرائیل، وهی أسس تقوم على:
• ضرورة المفاوضات المباشرة بین العرب وإسرائیل کأسلوبٍ وحید لحلِّ الصراع.
• الاعتراف العربی الشامل بإسرائیل وإقامة علاقاتٍ معها، حتى قبل التوصّل لاتفاقیاتٍ نهائیة على المسارات کلّها.
• وضع تسویات بشکل اتفاقاتٍ ثنائیة منفردة وشرذمة المواقف والمسارات العربیة.
• بقاء واشنطن المرجعیة الأولى للاتفاقات مع دور "فولکلوری" للأمم المتحدة ولدول کبرى مثله الآن من خلال صیغة "اللجنة الرباعیة".
فالإدارات الأمریکیة المتعاقبة تؤکّد على هذه الأسس وعلى ما تحقَّق أولاً بین مصر وإسرائیل ثمَّ بین منظمة التحریر وإسرائیل ثمَّ بین الأردن وإسرائیل بعد مؤتمر مدرید، کما تؤکّد أیضاً على إنهاء أیَّة حالة مقاومة للاحتلال الإسرائیلی وعلى جعل أسلوب التفاوض مع إسرائیل هو الأسلوب الوحید المتَّبع فی المنطقة رسمیاً وشعبیاً، وطبعاً فی ظلِّ التفوّق العسکری الإسرائیلی.
إنّها مشکلة السیاسة الأمریکیة التی تخدم مصالح إسرائیل أکثر من المصالح الأمریکیة والتی تضع مصداقیة واشنطن على المحکّ فی کلِّ مرَّةٍ تحاول فیها واشنطن أن تفرض تسویاتٍ سیاسیة وأمنیة على الصراع العربی - الإسرائیلی.
إنّ الشعب الفلسطینی کان ممزَّقاً أصلاً بین من هم فی الخارج، وبین من هم فی الضفّة وغزّة، وبین من هم مواطنون الآن فی إسرائیل. فکیف إذا کان الانقسام الآن أیضاً بین حکومة سلطةٍ فی الضفة ترید العودة للمفاوضات، وبین حکومة غزّة المحاصرة سیاسیاً وعسکریاً واقتصادیاً!؟ وکیف یقدر هذا الواقع الفلسطینی الممزّق على مواجهة الاحتلال الإسرائیلی وعلى تحصیل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطینی؟
إن المناطق الفلسطینیة المحتلّة محکومة حالیاً بمنهجین متناقضین قد ذهب کلٌّ منهما إلى أبعد مدى فی نهجه مع إسرائیل: الأول فی نوع المفاوضات والاتفاقات، والثانی فی نوع المقاومة وأسالیبها. وعوضاً عن التکامل بین العمل السیاسی والعمل العسکری على الساحة الفلسطینیة، نجد التصادم قائماً فی رأسی الجسم الفلسطینی وبین "الید التی تحمل غصن الزیتون والید التی تحمل البندقیة"!.
إنّ الواقع العربی العام تحکمه الآن سمات مشترکة ولیس مواقف مشترکة. سمات تبرز فیها سیئات "حالة الانتظار" لما ستقرّره واشنطن ثمَّ التعامل مع هذه "القرارات" بشکلٍ انفرادی عربی عوضاً عن التنسیق المسبَق وإعداد القرار العربی المشترک للتعامل مع نتائج المرحلة واحتمالاتها المستقبلیة.
تُرى متى ینتقل الحال العربی من "لائحة الانتظار" إلى وضعٍ تضامنی فاعل، یُقنع العالم کلّه- ومن ضمنه أمریکا- بعدالة حقّ مقاومة الاحتلال- خاصّةً بعدما تخلَّت المرجعیات الدولیة عن مسؤولیتها- ویضغط على إسرائیل سیاسیاً بالحدّ الأدنى المتوفّر وهو قطع کافة أشکال العلاقة والتطبیع معها، فیضمن العرب حقّهم المشروع من جهة وتکون لهم، من جهةٍ أخرى، قوّة سیاسیة ضاغطة لإحداث تسویات عادلة؟!.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS