الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

وعود ومواعید أمریکیة

وعود ومواعید أمریکیة

نقولا ناصر

 

من ما زال یراهن من مفاوضی منظمة التحریر الفلسطینیة على الولایات المتحدة لکی "تهدیه" دویلة فلسطینیة "بالاتفاق" مع دولة الاحتلال الاسرائیلی قبل شهر اغسطس/ آب المقبل، فالأحرى به أن یدقق فی ما قالته وزیرة الخارجیة الأمریکیة هیلاری کلینتون فی العشرین من أکتوبر/ تشرین الأول: "أنا أعلم أن المستقبل ینطوی على إمکانیة إحراز تقدم، إن لم یکن خلال حیاتنا فبالتأکید خلال حیاة أطفالنا... وأنا لا أستطیع أن أقف هنا اللیلة لأقول لکم إننی اکتشفت صیغة سحریة ما سوف تخترق الطریق المسدود الراهن".

أی أن کلینتون وإدارتها ورئیسها باراک أوباما بعد مضی أقل من عامین على دفق وعودهم المعسولة لـ"شرکاء السلام" العرب یعترفون الیوم بأنهم عاجزین عن تحقیق تلک الوعود بحجة أنهم لیسوا "سحرة" وبالتالی لا یملکون عصا سحریة لتحقیقها ویعلنون بأنهم غیر ملزمین بأی "موعد" للوفاء بها.

لکنهم فی الوقت نفسه یؤکدون کل یوم بأنهم یملکون کل العصی اللازمة لاکراه مفاوض منظمة التحریر على استمرار التفاوض علیها فی "عملیة سلام" مفتوحة لا نهایة لها یتوارثها الأطفال عن الآباء وربما الأجداد کوعد أمریکی بالدولة الفلسطینیة الموعودة.

وبغض النظر عن مضمون "الاتفاق" الذی حددت إدارة أوباما مدة عام للتوصل إلیه عندما أطلق أوباما استئناف المفاوضات من واشنطن أوائل سبتمبر/ أیلول الماضی، فإن الرئیس الأمریکی ووزیرة خارجیته ومبعوثه الرئاسی جوج میتشل حددوا موعدا مدته سنة للتوصل إلى هذا الاتفاق، لکن کلینتون الآن تعلن صراحة ودون لبس أن المواعید الأمریکیة لیست مقدسة وأن إدارتها لا تملک "صیغة سحریة" للوفاء بها.

وهذه رسالة واضحة إلى جامعة الدول العربیة بأن مهلة الشهر التی منحتها لإدارة أوباما کی تقوم بمساعیها الحمیدة لدى دولة الاحتلال الاسرائیلی لکی تجمد مؤقتا توسعها الاستیطانی فی الضفة الغربیة المحتلة کاستحقاق مسبق لاستئناف التفاوض سوف تنقضی بالتأکید فی الثامن من تشرین الثانی/ نوفمبر بالفشل الذریع لإدارة أوباما والجامعة العربیة على حد سواء.

وکان أوباما قد أکد قبل ذلک بنحو عام بأنه "یجب على الاسرائیلیین أن یقروا بأنه تماما مثلما لا یمکن انکار حق إسرائیل فی الوجود، فإنه لا یمکن انکار حق فلسطین أیضا. والولایات المتحدة لا تقبل استمرار شرعیة المستوطنات الاسرائیلیة. فهذا البناء ینتهک الاتفاقیات السابقة وینسف جهود تحقیق السلام. لقد حان الوقت لکی تتوقف هذه المستوطنات". وفی خطابه الأخیر أمام الجمعیة العامة للأمم المتحدة، أعرب أوباما عن أمله فی أن تحتل دولة "فلسطین" مقعدها فی الهیئة الأممیة العام المقبل.

لکن أوباما بالرغم من هذه التأکیدات والآمال وأمثالهما قد أکد ایضا خلال عامین تقریبا من ولایته بأنه فشل فی "اقناع" دولة الاحتلال بها، فتراجع عنها، لتؤکد وزیرة خارجیته الیوم بأن إدارته لا تملک "صیغة سحریة" لتحویلها إلى واقع بینما تملک کل الصیغ لحل کل مشکلة فی العالم مهما کبرت أو صغرت، سلما أو حربا، حد اللجوء إلى الحرب العدوانیة السافرة والاحتلال المباشر لتدمیر دول وتغییر الأنظمة الحاکمة فیها، کما حدث ویحدث فی العراق وأفغانستان، إلآ فی فلسطین، حیث وقفت الادارات الأمریکیة السابقة وحیث تقف الادارة الحالیة "عاجزة" عن الفعل.

ویتأکد الیوم بأن "التغییر" الذی وعد أوباما به فی السیاسة الخارجیة الأمریکیة کان مجرد شعار انتخابی سرعان ما تخلى عنه بعد وصوله إلى سدة البیت الأبیض، لیؤکد کذلک بأن وعوده ومواعیده للعرب لا تختلف عن وعود ومواعید أسلافه فی کونها للاستهلاک الداخلی أو الخارجی لکنها بالتأکید لیست وعودا للتنفیذ، فالوعد بدولة "فلسطین" سوف یظل مجرد تکرار لوعود سلفیه جورج بوش وبیل کلینتون لا یمنع تحقیقه سوى عقبة واحدة فقط هی "الفیتو" الأمریکی والانحیاز الأمریکی لدولة الاحتلال و"العجز" الأمریکی الکامل حیالها، لیتحول إلى مجرد "جزرة" تلوح بها الادارات الأمریکیة المتعاقبة کی یستمر مفاوض منظمة التحریر فی اللهاث وراءها دون توقف ودون نهایة فقط من أجل أن تستمر "عملیة السلام" ومفاوضاتها کهدف فی حد ذاته.

وقد کانت سیاسة مبعوث أوباما الرئاسی، جورج مبتشل، أکثر صدقا تجاه "مواعید" إدارته، فقد قال إنه أبلغ الرئیس أوباما عندما قبل القیام بهذه المهمة بأنه لن یحدد أی جدول زمنی لمهمته، لأنه کما قال: "لم أرد أی فهم ضمنی بأننی ملتزم لمدة أربع سنوات أو لأی فترة محددة".

وربما یفسر تصریح میتشل القدیم هذا التقاریر الاعلامیة الأمریکیة التی تکررت مؤخرا فی وسائل إعلام رئیسیة مثل النیویورک تایمز والواشنطن بوست عن "تهمیش" میتشل، وعن توجه إدارة أوباما نحو "تغییر اللاعبین" کمخرج من الطریق المسدود الذی وصلت إلیه المفاوضات بین منظمة التحریر ودولة الاحتلال، لیعود اسم دنیس روس إلى التردد کمسؤول أول عن هذا الملف فی السیاسة الخارجیة الأمریکیة تجاه الصراع العربی- الإسرائیلی.

وهذا سبب کافی لوحده لکی یعید مفاوض منظمة التحریر النظر فی استمرار رهانه على الادارة الأمریکیةـ فدنیس روس هو الخبیر المخضرم فی إطالة أمد التفاوض کهدف مطلوب فی حد ذاته لإدارة الصراع لا لحله، و"خبرته" هذه هی التی قادت إلى انهیار قمة عرفات- باراک- کلینتون عام ألفین واندلاع انتفاضة الأقصى ثم استشهاد یاسر عرفات وصولا إلى الوضع الراهن.

إن من یراجع کلمة روس فی اجتماع منظمة "ایباک" الصهیونیة الأمریکیة فی الخامس والعشرین من أکتوبر/ تشرین الأول، التی قال فیها: "بصراحة، إن درجة التنسیق "الأمریکی- الاسرائیلی" هذه غیر مسبوقة"، یتذکر ما نقلته لورا روزین فی "بولیتیکو" فی 28 آذار/ مارس الماضی عن مسؤول فی إدارة أوباما: "یبدأ "دنیس روس" من منطلق أن المصالح الأمریکیة والاسرائیلیة تتداخل بدرجة 100 بالمئة تقریبا، وإذا انحرفنا عن ذلک عندئذ، یقول روس، فإن العرب سیرفعون مطالبهم بصورة غیر معقولة، ولأننا لا یمکننا القبول بعرب لدیهم مطالب، فإنه یجب علینا المسارعة إلى سد الفجوات مع الاسرائیلیین، مهما کان الثمن الذی ندفعه من مصداقیتنا الأوسع".

وإذا کان لهذا التلاعب الأمریکی بمصیر الشعب الفلسطینی وقضیة السلام الاقلیمی مسوغاته الأمریکیة والإسرائیلیة، فإن مفاوض منظمة التحریر لم یعد یملک أی مسوغات لاستمراره "شریکا" فی هذا التلاعب.

فکل الدلائل والمؤشرات تؤکد أن لا دولة الاحتلال ولا الولایات المتحدة معنیتان حقا بأی سلام وعدل یجاهد عرب فلسطین من أجلهما طوال ما یزید على قرن من الزمان، لأن الشعب الفلسطینی هو المستفید الوحید من العدل والسلام، بینما تثبت الأحداث والتطورات أن التحالف الاستراتیجی الأمریکی- الاسرائیلی یستفید فقط من الحرب والعدوان والتوسع والاستیطان ولا مصلحة لهذا التحالف فی أی سلام یتسم بالعدل حتى فی حده الأدنى کما أثبتت تجربة السنوات العشرین الماضیة.

وخلاصة التجربة العربیة والفلسطینیة مع الوعود والمواعید الأمریکیة تؤکد حتى الآن بأن الولایات المتحدة إنما تعمل فقط لتنفیذ الوعد الذی قطعه رئیس وزراء دولة الاحتلال الأسبق اسحق شامیر عندما جره الرئیس الأمریکی الأسبق جورج بوش الأب إلى مؤتمر مدرید عام 1991 بأنه سوف یطیل أمد المفاوضات لفترة لا تقل عن عشرین عاما، وها هی کلینتون الیوم تعد بأن یرث "أطفالنا" الوعد الأمریکی بالدولة الفلسطینیة الموعودة ویرثوا معه التفاوض علیها، لتطیل أمد وعد شامیر إلى أجل غیر مسمى بعد أن کادت العشرون عاما التی وعد شامیر بها تنقضی فعلا.

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 143065







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)