الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

هـل تقدم إسرائیل على تهجیر عرب 48؟

هـل تقدم إسرائیل على تهجیر عرب 48؟

 

عبـد اللطیـف الحنـاشی

 

أشار المعلق والکاتب الصحافی فی صحیفة "هآرتس" جدعون لیفی، مؤخرا إلى أن "دولة إسرائیل مدینة دَیْناً کبیرا للجمهور العربی وللنواب الذین یمثلونهم. فهم أقل انعزالیة من الباسکیین فی إسبانیا "ولکن مع قدر أکبر من الأسباب"، وأقل عنفا وأقل تآمرا منهم بکثیر- حقیقة أنهم لم یختاروا بأنفسهم مقاطعة الدولة ومؤسساتها ووقف التعاون فی اللعبة الدیمقراطیة.. وبدلا من الاعتراف بالامتنان لهم لقاء ذلک، وبدلا من تقدیر تسامحهم وطول نفسهم وولائهم الأساسی فنحن بالذات ندفعهم الآن إلى الخارج...".

فإذا کان هذا حال عرب 48 وسلوکهم تجاه الدولة بهذه الصفات، کما کتب أحد أبرز المعلقین الإسرائیلیین، فلماذا یُقدم الکنیست الإسرائیلی، فی الیوم العاشر من هذا الشهر، على تعدیل "قانون المواطنة" الذی یلزم هؤلاء العرب بإعلان الولاء لدولة إسرائیل بصفتها "دولة یهودیة ودیمقراطیة"؟ وما هی بالتالی الخلفیات والأبعاد التی تدفع باتجاه إصدار هذا القانون؟

رغم اضطرار بنیامین نتنیاهو، رئیس الوزراء الإسرائیلی، للتصریح یوم الاثنین الماضی، بأن قانون الولاء "لإسرائیل کدولة یهودیة" سیسری على المتقدمین الیهود أیضا فی حال طلبهم للحصول على الجنسیة الإسرائیلیة، فمن الواضح أنه، ورغم هذا الاستدراک المتأخر، فإن هذا القانون یستهدف بالأساس الأقلیة العربیة فی فلسطین المحتلة باعتبار أنه یستمد "شرعیته" و"جذوره" من مرتکزین اثنین:

یتمثل الأول فی الأیدیولوجیة الصهیونیة التی ترتکز على تلازم ثلاث أسس وهی: الاستیطان والهجرة والترانسفیر "إجلاء العرب عن أرضهم". فی حین یتمثل المرتکز الثانی فی معطى تاریخی سیکولوجی وهو عدم ثقة الیهودی فی الآخر، غیر الیهودی. فالیهودی، والصهیونی تحدیدا، نشأ على مقولة ثقافیة متوارثة مفادها أن العالم کله ضد الیهود، وأن "من یؤیدهم إما أن یکون منافقا أو انتهازیا"..

ورغم ما تحقق للیهود فی دولتهم من تقدم وما امتلکوا من وسائل القوة والدمار وما قاموا به من عدوان ضد العرب والفلسطینیین، غیر أنهم ما زالوا یعیشون على هاجس عدم الثقة بالآخر والخوف والریبة من کل شیء. أما أکثر الأقوام التی یخشاها هؤلاء فهم العرب وخاصة الفلسطینیین حتى بعد أن سلبوا أرضهم واحتلوا وطنهم وشردوا شعبهم... ولکن ظلّ طیف اللاجئین یلاحقهم وبقاء أکثر من ملیون ونصف من عرب فلسطین یعیشون فی وطنهم التاریخی متشبثین بأرضهم وبثقافتهم وقیمهم یؤرقهم وینغّص حیاتهم ویشکل تحدیّا وجودیا لهم ولدولتهم..

لذلک وأمام استعصاء القیام بعملیات تهجیر قسری لهؤلاء التجأت الدولة الصهیونیة إلى عدة أسالیب من شأنها دفع العرب إلى ترک بلادهم، فمارست ضدهم تمییزا عنصریا متنوعا مسّ تفاصیل حیاتهم الیومیة، وحاصرتهم اقتصادیا مما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة فی صفوفهم إلى أن وصلت إلى نحو ثلاثة أضعاف النسبة التی توجد بین الیهود، کما ظلت نسبة انخراط العرب فی القطاع العام محدودة جدا مقارنة بحجمهم السکانی، فهی لا تتجاوز 8 فی المائة، وبالکاد تصل إلى 1 فی المائة فی القطاع الخاص، کما أن نسبة عملهم فی سلک التعلیم العالی لا تتجاوز نحو 8 فی المائة بالرغم من وجود أعداد کبیرة من الأکادیمیین الحاصلین على أعلى الشهادات من الجامعات الإسرائیلیة والعالمیة، کما ظل الوسط العربی یفتقر إلى أهم الخدمات الأساسیة الصّحیّة والتّربویّة والبنیة التحتیة..

ویظهر أن فکرة "الترانسفیر" وطرد الفلسطینیین بدأت تحوم "بخجل" فی دوائر ضیقة عند أصحاب القرار، ثم أخذت تخرج شیئا فشیئا إلى العلن بالتوازی مع تطور الوعی السیاسی والقومی لدى المجتمع العربی الفلسطینی وتفاعله مع مجریات الأحداث العربیة ذات العلاقة بفلسطین وتحدیدا منذ حرب أکتوبر 1973، ثم مبادرة هؤلاء بإحیاء یوم الأرض بدایة سنة 1976، ثم تفاعلهم مع الحرب التی استهدفت لبنان سنة 1982، وتضامنهم مع الانتفاضة الأولى سنة 1987، وخروجهم خلال "انتفاضة" أکتوبر سنة 2000 للتعبیر عن احتجاجهم إزاء القمع الذی تعرض إلیه الفلسطینیون فی الأراضی المحتلة سنة 1967، واستشهاد 13 شابا عربیا، نتیجة المواجهات، برصاص قوى الشرطة الصهیونیة، إضافة إلى اعتقال الکثیر من النشطاء العرب... وعارضوا العدوان على لبنان صیف 2006 وتحرکو إبان العدوان الإسرائیلی على غزة "نهایة 2008 وبدایة 2009" لوقف المجزرة وکسر الحصار، وشارکت بعض قیاداتهم السیاسیة فی باخرة الحریة لکسر الحصار على غزة... ویظهر أن کل تلک المواقف والنشاطات الاحتجاجیة والتضامنیة التی قام بها فلسطینیو 48 قد نبهت الدوائر الصهیونیة لحیویة هذه الأقلیة الرافضة "للأسرلة" والمتمسکة بثوابتها القومیة والثقافیة... وأحیت من جدید فکرة التهجیر.

والواقع أنه ومنذ الثمانینات أخذت بعض الأحزاب الصهیونیة ترفع علنا شعار طرد العرب بعد أن کان ذلک حکرا على أنصار الحاخام العنصری مائیر کهانا. کما خصصت أغلب الأوراق المقدمة إلى مؤتمر هرتسیلیا سنة 2003، لموضوع الخطر الدیمغرافی الفلسطینی على کل أرض فلسطین التاریخیة ومنها البحث الذی قدمه أرنون سوفر، أستاذ متقاعد من جامعة حیفا وأکبر علماء الدیمغرافیا الصهاینة، الذی أوضح أن عدد غیر الیهود فی کل فلسطین التاریخیة سیصل إلى 60 فی المائة فی 2025، مما یعنی أنهم سیتحولون إلى أقلیة تشکل 40 فی المائة فقط من السکان. ومنذ ذلک التاریخ أخذ "الشیطان" الدیمغرافی یوجه مواقف وسلوک القیادات الصهیونیة یمینا ویسارا، وبدأت الحکومة الإسرائیلیة بتطویر رؤیة إستراتیجیة تهویدیة؛ ومن ثم صیاغتها على شکل أربع خطط رئیسیة نشرت سنة 2005 وهی: مخطط تطویر الجلیل، ومخطط تطویر النقب، ومخطط القدس الیهودیة الکبرى، وخطة الانفصال أحادیة الجانب من الضفة والقطاع.

أما نتنیاهو، وزیر المال فی حکومة آرییل شارون آنذاک، فلخص موقفه من عرب الداخل فی خطاب أمام مؤتمر هرتسیلیا مؤکدا أن "مشکلة إسرائیل الدیمقراطیة هی عربها ولیس عرب فلسطین، معتبراً أنه فی حال اندماجهم ستصل نسبتهم إلى 35 فی المائة من السکان، ما یجعل إسرائیل دولة ثنائیة القومیة، أما إذا بقی عددهم بحدود 20 فی المائة أو أقل وبقیت العلاقة متوترة، فإن ذلک یضر بالنسیج الدیمقراطی لإسرائیل".

وعلى خلفیة شعار "لا مواطنة من دون ولاء" حقق أفیغدور لیبرمان، وزیر الخارجیة الحالی، وحزبه الیمینی "إسرائیل بیتنا" نجاحاً لافتا فی انتخابات 2009 العامة وکسب 15 مقعداً، لیصبح ثالث أکبر کتلة فی الکنیست. وبعد وصول الیمین والیمین المتطرف إلى السلطة وجدت الکثیر من الأطراف الیمینیة الدینیة والقومیة المتطرفة المناخ مناسبا للتعبیر عن هواجسها العنصریة الداعیة إلى ترحیل الفلسطینیین بحجج مختلفة، من ذلک التوصیة التی أطلقها الجنرال احتیاط شلومو غازیت رئیس الاستخبارات العسکریة الإسرائیلیة سابقاً والداعیة إلى "إقامة نظام طوارئ دیمغرافی فی إسرائیل یفرض قیوداً على نسبة الموالید العرب لما تشکله نسبة الزیادات المرتفعة عندهم من خطر دیمغرافی على إسرائیل".

وبالتوازی مع ذلک أخذت حکومة بنیامین نتنیاهو تمارس شعاراتها على الأرض، فطرحت فی أقل من سنة، من حکمها، أکثر من 15 مشروع قانون عنصری على الکنیست یمهد أغلبها لترسیخ فکرة یهودیة الدولة وحرمان العرب من حقوقهم القومیة الأساسیة، بالإضافة إلى إجراءات تنفیذیة وزاریة مثل قرار وزیر البنى التحتیة یسرائیل کاتس من حزب اللیکود الذی استهدف تغییر و"عبرنة" أسماء المدن والبلدات العربیة الفلسطینیة... فهل یمهد کل ذلک إلى عملیة ترانسفیر محتملة ضد عرب 48؟

یذهب بعض المحللّین والسیاسیین من عرب 48 إلى تأکید هذا الأمر استنادا للکثیر من المعطیات والممارسات والتصریحات الرسمیة أو شبه الرسمیة، إذ یرون أن فئات واسعة من الرأی العام الإسرائیلی مهیأة لمثل هذه الفکرة منذ وقت طویل، وهی بالتالی لیست انعکاسا أو نتیجة لسنوات الصراع الطویلة فحسب، بل هی نتیجة طبیعیة للأیدیولوجیة الصهیونیة وممارستها العنصریة تجاه العرب، بأشکالها ومضامینها السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة الهادفة إلى وضع العرب أمام خیارین لا ثالث لهما: فإما الهجرة "الطوعیة"، أو القبول بالأمر الواقع أی الاندماج الکلی فی المجتمع الإسرائیلی کمواطنین من درجة أدنی حتى من الدرجة التی هم علیها الآن، وبالتالی القبول بالطابع الیهودی للدولة..

ویستشهد هؤلاء المحلّلون بما یُطرح الآن من مشاریع للتبادل السکانی وبمضمون خطاب لیبرمان فی الجمعیة العامة للأمم المتحدة، وبما کتبه دانی روبنشتاین، المحلل السیاسی، فی مقدمة مقالة نشرتها صحیفة هآرتس حول تنامی أفکار وآمال ترحیل الفلسطینیین، الذی قال "إذا انجرت إسرائیل إلى الحرب نتیجة للمخاطر المحدقة بها، وإذا تجرأ الفلسطینیون فی المناطق خلالها على التشویش علینا، فإنهم سیجدون أنفسهم وراء الحدود".

کما یستشهد بعض الناشطین الفلسطینیین، لتأکید هذه الفکرة، بالتدریبات على حرب المدن داخل القرى العربیة وبجوارها التی قام بها الجیش الإسرائیلی مؤخرا، وکان یتعامل خلالها مع القرى العربیة کنموذج للقریة أو المدینة العربیة التی سیقاتل فیها الجیش مستقبلا. وبالإضافة إلى ذلک یتحدث هؤلاء أیضا عن أنظمة التخطیط والبناء والقوانین العنصریة التی تستهدف 42 ألف بیت فلسطینی والتی تنتظر أوامر بالهدم، إلى جانب ما نفذته إسرائیل مؤخرا من هدم بعض القرى فی النقب والجلیل التی لا تعترف بها أصلا.

ومن بین أهم المؤشرات على سیاسة الترحیل الصامتة التی تمارسها السلطات الإسرائیلیة أن وجود وزارة النقب والجلیل والتطویر بالمفهوم الإسرائیلی، تتضمن ضمنا وفعلا فکرة التطهیر العرقی. وقد یکون استعمال بعض القرارات الخاصة للأوضاع الاستثنائیة وخاصة حالة الحرب مقدمة لعملیات تطهیر عنصری واسعة تستهدف الأقلیة، بل هناک من یتحدث فی بعض الأوساط العسکریة والأمنیة عن فرصة ذهبیة تقتنصها إسرائیل لتنفیذ عملیة تطهیر عرقی واسعة أو "تغییر حدود" أو إلغاء سحب مواطنة جماعیة عن فلسطینیی الـ48 أو جزء منهم، وقد یکون اندلاع الحرب بین إسرائیل وإیران، التی قد یضطر حزب الله المشارکة فیها وکذا بالنسبة إلى سوریة، مناسبة تستغلها إسرائیل للتخلص من عرب 48 بتعلّة تعاطف هؤلاء مع أعداء إسرائیل..

لا شکّ أن کل شیء جائز فی السیاسة، وخاصة بالنسبة إسرائیل التی تعودت على دوس کل المواثیق الدولیة دون اعتبار لمواقف الآخرین حتى حلفائها، ولکن متى کانت إسرائیل بحاجة إلى الحجج حتى تنفّذ ما ترید وترغب؟!.

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 143058







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)