الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

یهودیة الدولة.. ومهمة طرد «الغزاة الفلسطینیین»!

 

یهودیة الدولة.. ومهمة طرد «الغزاة الفلسطینیین»!

ماجد الشّیخ

 

فی مفاوضات "یهودیة الدولة" الجاریة فصولها، منذ أوائل شهر أیلول "سبتمبر"، تتعدّد سردیات التفاوض؛ المتبادلة أحیانا، والأحادیة فی أحایین أخرى، بینما "المباشرة" فیها لم تتعدّ الظهور الإعلامی، فیما قضایا التفاوض الست، تترنح على طاولة لا تستقیم أرجلها على أرض ثابتة، بقدر ما أرادها الأمریکیون ویریدونها أکثر براغماتیة، لتخدم مصالحهم أو مصلحتهم المباشرة فی استعادة علاقاتهم الطبیعیة الجوهریة بحکومة نتانیاهو، حیث سبق وتوترت على خلفیة موضوع الاستیطان الذی لم یُحل أساسا، ولن یُحل إلاّ لمصلحة الائتلاف الیمینی المتطرف، بغض النظر عن ثبات الموقف الأمریکی من عدمه، إزاء استیطان یتواصل ویواصل معه سلب المزید من أراض، یُفترض أنها سوف تتبع الدولة الفلسطینیة الموعودة، على أمل إیجاد تسویة عقاریة/ دیموغرافیة مستقبلا، لا تسویة سیاسیة، فی إطار "دولة الیهود" أو "أرض إسرائیل الکبرى"، وهی تسمیات ضمن تنویعات تلعب على وتر "یهودیة الدولة"، تلک القائمة عملیا فی نطاق أرض فلسطین التاریخیة.

إن مفاوضات تتجاوز کافة المرجعیات الوطنیة "فلسطینیا" والدولیة "الشرعیة الدولیة"، لا یمکنها أن تبلغ سویة المفاوضات الندیة بین طرفین تتقارب قوة کل منهما، فی حدود توازن نسبی، لا یمیل میلا راجحا لمن یمتلک القوة العدوانیة، والصلف الاحتلالی، والعنجهیة الاستعماریة الإحلالیة، کما هو حال إسرائیل وموقعها الوظیفی فی مخطط الهیمنة الکولونیالیة، مفاوضات کهذه لا تتعدى کونها إسماع الطرف الفلسطینی، مجموع الإملاءات التی تتناسب ومشروع إعلان "یهودیة الدولة"، فی ذات الوقت الذی تؤکد الولایات المتحدة دعمها هذا المشروع، أو على الأقل عدم اعتراضها علیه، کونه یلبی مصالح وتطلعات إستراتیجیة فی إطار "الشرق الأوسط الجدید" أو الکبیر، الساعیة إلى بنائه منذ سنوات طویلة، ولو بالقوة العسکریة، منذ حرب لبنان الثانیة عام 2006.

وها هی تتابعه وترعاه دبلوماسیا وعبر طرق وأسالیب شتى، یقع فی جوهرها، أو فی القلب منها محاولة ترتیب أوضاع المنطقة فی المشرق والخلیج العربی والجزیرة العربیة، خاصة فی ضوء تداعیات انسحابها من العراق، ومحاولتها اقتسام کعکة الهیمنة والنفوذ مع طهران فی لحظة قادمة، قد تهجع فیها القوة الإیرانیة باتجاه موازنة طابع تسویة ممکن، تنحاز إلیه، مع طابع حرب مدمرة فی حال اتجهت الأمور لفشل أو لإفشال التسویة والصفقة الممکنة بین طهران وواشنطن.

على هذه الخلفیة، فإن "حلم" تحقیق تسویة إسرائیلیة- فلسطینیة، لا یمتلک رصیدا کافیا لإنجازها، هذا "الحلم" الأمریکی الطابع الذی جسدته الدعوة إلى المفاوضات المباشرة، وإن جرى استغلاله إسرائیلیا لمقاربة مشروع "یهودیة الدولة"، فلأن موازین القوى الراهنة تتیح لحکومة ائتلاف الیمین المتطرف إمکانیة إجراء هذه المقاربة، من دون ضمان نجاحها، رغم الوضع الذاتی السیئ والهش الذی یعیشه الفلسطینیون؛ سلطة وشعبا وفصائل على اختلاف أطیافها، داخلا وشتاتا، فما تریده حکومة نتانیاهو فی حلقة التفاوض الراهنة، ولا یستطیع المفاوض الفلسطینی تأمینه بالنیابة عن الذات الجماعیة والمجتمعیة للشعب الفلسطینی، بالرغم من اضطراب موقع وموقف القیادة التاریخیة المسؤولة، وغیاب البوصلة التوجیهیة، وواقع الانقسام السیاسی والجغرافی، وما تبلور من جرائه من مصالح طبقیة کومبرادوریة، أحلّت مصالح ورؤى بعض نخب الطبقة "السلطویة" محل المصالح والرؤى الجماعیة العامة لمجموع الشعب الفلسطینی، وهو یشهد المزید من مواسم الخسارات المفجعة حسما من قضیته الوطنیة.

إن ما یؤشر إلى أن الوضع الفلسطینی فی أسوأ حالاته، ولا یمکن للحفلة التفاوضیة الراهنة التی دعی إلیها بالإکراه، أن تبلغ سویة الحد الأدنى من النجاح، بتأمین طلبات الطرف الإسرائیلی المغالی فی تشدیده على ضرورة منحه الضوء الأخضر للمضی فی إنجاز مشروع "یهودیة الدولة" أولا، قبل الدخول فی زحمة معالجة قضایا المفاوضات الست، وأولها الترتیبات الأمنیة، وتوفرها على صیانة الأمن الإسرائیلی أولا؛ إن مثل هذا الوضع الأکثر سوءا من سوءات سابقة اکتنفت کل مراحل المفاوضات التی أعقبت أوسلو، وإذ یتعرض للمزید من اقتسامه وتقاسمه على مذبح المزید من التدخلات الإقلیمیة والدولیة الضارة، لا یمکنه أن ینجح فی معرکة إدارة المفاوضات، فی وقت یجری فیه تجاهل إدارة معرکة القدس وهبّاتها المتناثرة، الجاریة بالتقسیط على خلفیة محاولات استکمال تهوید وأسرلة القدس، مقدمة لإخراجها من دائرة التفاوض.

وما یجری على الأرض عملیا من جانب الحکومة الإسرائیلیة ومستوطنیها، فی کامل المواقع الفلسطینیة التی یراد استکمال تهویدها وأسرلتها؛ من عکا إلى الرملة ومن النقب حتى القدس، إلى جانب ما أضحى مفروغا منه، لجهة الحفاظ على الکتل الاستیطانیة الکبرى التی تحولت أو یأمل الإسرائیلیون فی تحویلها إلى نطاق جغرافی ودیموغرافی یهودی، یتبع "دولة یهودیة" لا حدود لها، وإن تکن فی نطاق کامل أراضی فلسطین التاریخیة.

وإن اضطروا للموافقة نظریا على إقامة دویلة فلسطینیة بلا سیادة، ومنزوعة السلاح، وبلا حدود خارجیة مع الأردن، فلکی تکون حلا لترانسفیر مقنّع یخص مواطنی العام 1948، بحیث یجری ترحیلهم من مناطق أصبحت وعلى امتداد أکثر من ستین عاما ذات أغلبیة یهودیة، إلى مناطق تخضع لإشراف السلطة الفلسطینیة، حیث وجود الأقلیات ممکن فی دولة بلا ملامح، ولا عقد للمواطنة یمکن أن یلزمها بضم مواطنین تابعین لها، أو حتى من غیر مواطنیها کالأقلیات الیهودیة المتصادمة مع المشروع الصهیونی، أو حتى بعض کتل إستیطانیة یمکن أن تجری مقایضتها بوجود القلیل من مواطنی العام 1948، کأقلیة غیر متماسکة، ومتناثرة لا تجمعها جامعة الهویة الوطنیة؛ بحیث یمکن للکتل الاستیطانیة التی ستبقى تحت حکم السلطة الفلسطینیة أن تتحول مع الوقت، إلى "مسمار جحا یهودیة الدولة"، الملزمة غدا، وبتشریع من الکنیست، باسترداد مواطنیها و"ممتلکاتهم" ومناطق سکناهم من أیدی "الغزاة الفلسطینیین".

وبذا، وجراء الوضع الفلسطینی الداخلی والإقلیمی والدولی، المساند والراعی لکیان إسرائیل الوظیفی فی بلادنا، لم یبق أمام مشروع "یهودیة الدولة" إلاّ أن یقوم المفاوض الإسرائیلی؛ بالمناورة أو بالمباشرة، عبر المفاوضات وبغیرها، بهندسة تواجدها فوق أرض فلسطین التاریخیة، بینما یُمنع المفاوض الفلسطینی، حتى من قبل الأشقاء، من هندسة وجوده فوق تراب وطنه التاریخی، بل یُفرض علیه القبول بدویلة تتسع أیضا لیهود، بینما لا یُراد لـ"دولة الیهود" أن تُبقی مواطنین أصلانیین فی وطنهم وعلى أرضهم وأرض أجداد أجدادهم عبر آلاف السنین. فأی معادلة هی تلک التی تحتمل إمکانیة أن تکون دولة ما دیمقراطیة، فیما هی تنزع منزعا عنصریا وفاشیا فی رؤیتها للأغیار؟.

وفی المقابل إن من یرفض حلا دیمقراطیا وعلمانیا للمسألة الفلسطینیة، علیه أن یواجه "یهودیة الدولة" بتشکیلة واسعة من النضالات؛ الدیمقراطیة، کما المسلحة، وبکامل أسالیب وخیارات الکفاح الشعبی، أما استطراد الحلول الدینیة والعنصریة والإیمان بها وإحلالها المرجعیة الأولى والأخیرة للصراع مع الحرکة الصهیونیة، فهو ما لا یقود إلاّ إلى إنتاج کارثة جدیدة، ونکبات متجددة بحق شعب آن له أن ینتج ویبلور قیادة تاریخیة مسؤولة من بین صفوفه، تقود کفاحه الموحّد وفق برامج موحدة عامة وخاصة، تأخذ بعین الاعتبار أماکن تواجده فی کامل مساحة الوطن؛ من الجلیل شمالا حتى أقصى الجنوب، ومن البحر وحتى نهر الأردن، وفی المنافی القریبة والبعیدة، وذلک حتى یمکن لمواجهة "یهودیة الدولة" أن تکون ناجعة؛ نجاعة الکفاح التحریری الوطنی لشعب موحد.

ن/25

 

 

 


| رمز الموضوع: 143055







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)