الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

دائرة مغلقة.. ولکن!

دائرة مغلقة.. ولکن!

محمد السهلی

 

وضعت الإدارة الأمریکیة المفاوض الفلسطینی فی دائرة ضیقة مغلفة بقرار منع مغادرة المفاوضات تحت أیة ذریعة وإن کانت تتعلق بعدم تمدید فترة تجمید الاستیطان، لأن واشنطن بمعرض إیجاد حلول مقاربة لهذه المسألة تأخذ بنظر الاعتبار شروط نتنیاهو وتقدم فی الوقت نفسه للجانب الفلسطینی ما یمکن أن یبقیه مشدودا إلى طاولة المفاوضات.

فی هذا السیاق، کانت الاقتراحات الاعتراضیة الإسرائیلیة جاهزة فاقترح رئیس الوزراء الإسرائیلی ما أسماه کبح التوسع الاستیطانی ودخل على الخط وزیر حربه إیهود باراک مقترحا تأجیل تنفیذ العطاءات الاستیطانیة السابقة وکلا الاقتراحین لا یعنیان مجرد الاقتراب من المطلب الفلسطینی المتعلق بالتجمید الکامل والشامل للاستیطان. ومع ذلک یعتقد المراقبون أن الجانب الأمریکی سیقوم بعمل تولیفة تتحدث عن ربط التوسع الاستیطانی بالآفاق التی یمکن أن یفتح علیها نقاش موضوعة الحدود. فهل ینتبه المفاوض الفلسطینی إلى هذه المناورة أم أنه سیجد فیها مخرجا یعفیه مما لا یقصده.. مغادرة المفاوضات؟!

مع اقتراب الانتخابات النصفیة فی الولایات المتحدة تکثف إدارة أوباما جهودها للإبقاء على مشهد المفاوضات المباشرة. وهی هنا تفسر بوضوح ما قصدته عندما قالت بأن إطلاق التسویة السیاسیة یعبر عن المصلحة الأمریکیة وهی غیر مستعدة لتلاشی هذا المشهد مهما کانت الأسباب والاعتبارات. وربما کان نتنیاهو وائتلافه الحکومی قد فهم هذه المعادلة بشکلها الصحیح وأدرک أنه فی موقع یستطیع فیه أن یوظف کل مصادر القوة فی الموقف الإسرائیلی من أجل تمریر شروطه وبالتالی یستفید فی تعزیز موقعه على رأس کل من الائتلاف الحکومی وحزبه اللیکود. یضاف لصالح موقفه المساحة الواسعة التی تجمع ما بین موقفی تل أبیب وواشنطن تجاه قضایا عدة فی موضوعة التسویة السیاسیة وآفاق الحل على صعید الصراع الإسرائیلی ـ الفلسطینی وکذلک الأمر بما یخص ملفات إقلیمیة.

من هذه الزاویة یستفید نتنیاهو من التجاذبات القائمة بین الحزب الجمهوری و"الدیمقراطی" على أبواب الانتخابات. وسبق أن تحرکت مراکز قوى أمریکیة اعترضت على تصاعد التصریحات المتقابلة بین إدارة أوباما وحکومة نتنیاهو وربما تکون هذه التحرکات من أحد الأسباب التی جعلت إدارة أوباما تلتفت بضغوطها نحو الجانب الفلسطینی وهو "الأنسب" لاستقبال هذه الضغوط والاستجابة لها وهذا سیان بالنسبة لهذه الإدارة طالما أن مشهد المفاوضات وانعقاده هو هدف للاستهلاک المحلی والخارجی.

على الصعید الإسرائیلی الداخلی، وظف بنیامین نتنیاهو مواقف کل من یمکن أن یصنف على "یمینه" من أجل تقدیمه أمام الولایات المتحدة وغیرها کعائق جدی أمام الاستجابة لأیة مطالب تتعلق بالاستیطان وکان هذا التوظیف محفزا لأطراف الائتلاف الحکومی فواصلوا التمسک بالبناء الاستیطانی حتى فی ظل ما أعلن عن أنه تجمید للاستیطان وکان هذا یتکرر على أبواب أی لقاء أمریکی ـ إسرائیلی بل وصل الأمر فی آذار "مارس" الماضی إلى الإعلان عن عطاءات استیطانیة فی القدس خلال زیارة بایدن نائب الرئیس الأمریکی إلى إسرائیل.

ومنذ أن بدأ الحدیث عن المفاوضات المباشرة بقی الموقف الإسرائیلی على حاله بشأن الاستیطان واعتبر نتنیاهو أن ما قام به من إعلان التجمید لمدة عشرة أشهر إنما یشکل سابقة لم یقم بها أی رئیس حکومة سابق، على الرغم من معرفتنا بأن إعلان التجمید المذکور کان مجرد مبادرة إعلامیة لیس أکثر لأنه تم استثناء القدس وما یسمى بدواعی النمو الطبیعی ومعها تنفیذ العطاءات السابقة، التی وصل عدد الوحدات المنجزة تحت هذا العنوان 3000 وحدة استیطانیة. وبعد انطلاقة المفاوضات رفض بنیامین نتنیاهو التهدید الذی أشهره المفاوض الفلسطینی بأنه سیترک المفاوضات فی حال عدم تمدید تجمید الاستیطان معتبرا أن من یدخل هذه المفاوضات من غیر شروط کما جاء فی نص الدعوة الأمریکیة.. علیه أن یواصلها من غیر شروط أیضا.

على المقلب الفلسطینی، من الواضح أن المفاوض لم یقرأ جیدا الأسباب الأمریکیة التی تفسر حماستها لإحیاء التسویة السیاسیة وتعامل مع خطاب الرئیس الأمریکی فی القاهرة باعتباره خطة عمل سیاسیة غیر قابلة للتعدیل لیأتی الموقف والأداء الإسرائیلیین لیثبتا خطأ هذه القراءة. واستتباعا حافظ المفاوض الفلسطینی على سلة رهاناته على الوعود والتطمینات الأمریکیة متجاهلا ما ذکرناه عن المساحة الواسعة التی تجمع مواقف الحلیفین إسرائیل والولایات المتحدة وخاصة تجاه قضایا رئیسیة فی الصراع تتعلق باللاجئین والأمن ومن ثم الاستیطان کما أثبتت الوقائع السیاسیة.

وبینما سجل للمفاوض الفلسطینی فی وقت سابق أنه طالب بالوقف التام والشامل للاستیطان وأتبعها بتحدید مرجعیة المفاوضات تراجع عن هذا الموقف ولم یتح المجال لباقی مکونات العمل الوطنی الفلسطینی لکی تلتف حول هذا الموقف وتسنده وهو ما یجعلنا نستخلص بأن السیاسة التفاوضیة المعتمدة لم تصمم لکی یتم تطویرها بتوظیف العوامل الوطنیة الأخرى على المستویین السیاسی والجماهیری، لأن هذا یفتح على خیار أوسع یعاد فیه الاعتبار للمقاومة الشعبیة واستنهاض عناصر القوة فی الوضع الفلسطینی وهو أمر یخشى المفاوض الفلسطینی أو لا یرید بالأساس التعامل مع استحقاقاته.

إذاً، نجد أنفسنا أمام أدائین سیاسیین مختلفین تماما حیث الاحتلال یتمسک بشروطه بکل ما یعنی ذلک من إدامة لهذا الاحتلال بأشکاله المختلفة مفرجا عن کیان مجزوء تحت مسمى الدولة المستقلة، بینما الجانب الذی یجب أن یکون أکثر حرصا على التمسک بإقرار إسرائیلی بوجوب إنهاء الاحتلال، یتخلى عن هذا المطلب ویدخل بوابة المفاوضات بجمیع مراحلها التی أدت إلى ما أدت إلیه سابقا وربما تفتح الآن على نتائج أخطر بکثیر.

وعلى الرغم من وضوح الموقف الإسرائیلی بما یخص عناصر الحل وطبیعة الأداء السیاسی الأمریکی المنحاز له، فإن المفاوض الفلسطینی لا یزال یتوقع الاستجابة لمطالبه بشأن الاستیطان. ومع ذلک فإننا نرى وعلى اعتبار أن النقاش أصبح غیر مجدٍ بما یخص دخول المفاوضات من عدمه أن الثبات على موقف الانسحاب من هذه المفاوضات فی حال استمر الاستیطان أمر تفترضه الضرورة الوطنیة. لکن هذا یستدعی أن یکون قرارا وطنیا وفی إطار الهیئات والمؤسسات الائتلافیة والتزاما أمامها لا یتم الرجوع عنه تحت عنوان أیة مقاربات التفافیة أخرى. فهذا فی حال حصوله یساعد المفاوض الفلسطینی فی کسر الدائرة المغلقة التی وضع نفسه فیها وأحکمتها حوله الإدارة الأمریکیة وسیجد حوله وإلى جانبه أطراف العمل الوطنی الفلسطینی الحریصین على إعادة الاعتبار للمشروع الوطنی التحرری.

والأمر لا یتعلق فقط بالتجاذب حول موضوعة الاستیطان وتجمیده جزئیا أو کلیا، حیث البحث جار عما یسمى اتفاق إطار تذکر فیه القضایا الأساسیة للصراع کعناوین مجردة عن حلولها الوطنیة وإحالتها إلى مدى زمنی طویل حتى تتآکل بمرور الزمن ولا یبقى من اتفاق الإطار هذا ما یصلح للتنفیذ سوى ما تریده المصلحة الإسرائیلیة فی موضوعة الأمن ومستقبل الاستیطان بضم بنیته الأساسیة إلى إسرائیل ورسم حدود الدولة الفلسطینیة کنتیجة إجباریة للإیفاء بالاعتبارات الأمنیة الإسرائیلیة داخل الضفة وعلى حدودها، وإلى جانب هذا کله تشریع نهب القسم الأکبر من الثروات الطبیعیة وبخاصة الخزانات الرئیسیة للمیاه.

ما جرى ذکره یستند إلى مؤشرات عبر عنها بوضوح الجانب الإسرائیلی لیس فقط فی التصریحات السیاسیة بل فی السیاسة العملیة منذ أن بدأ الحدیث عن تسویة تتعلق بمستقبل الأراضی الفلسطینیة المحتلة فی العام 1967.

الدائرة مغلقة.. ولکن لا یزال أمامنا مسرب للخلاص قبل أن یفوت الوقت وتتواصل هذه الخطوات التی لا توصل إلا إلى الهاویة.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 143042







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)