الصهیونیة تقاتل على جبهة الأدب
الصهیونیة تقاتل على جبهة الأدب
أزراج عمر
منذ سنوات طویلة لم نقرأ دراسة، أو دراسات عمیقة وجدیة حول الثقافة الصهیونیة بشکل عام، والإسرائیلیة بشکل خاص. إنه یبدو بأن مؤسسات الدول العربیة المتخصصة فی قضایا العالم باتت غیر عاملة، وغیر مهتمة أصلا بالصراع الثقافی الدائر فی الشرق الأوسط.
فالواقع یؤکد لنا بأن الأدب الإسرائیلی یقدم صورا مشوهة عن تاریخ فلسطین، وعن الإنسان الفلسطینی، وکذلک فإنه یکرس تمثیلات نمطیة تسیء إلى الشخصیة العربیة ورمزیاتها المختلفة.
وهکذا، فإن هذه الممارسات لا تجد نقدا جدیا، أو حتى بسیطا من طرف المعنیین بالأمر على مستوى الإعلام الدولی المؤثر، وفی إطار النشریات المتنوعة التی تمس بشکل مباشر الرأی العام الدولی.
أمامی الآن عملان مهمان أولهما دراسة جامعیة للروائی والکاتب السوری الراحل هانی الراهب حول "الشخصیة الیهودیة فی الروایة الإنکلیزیة"، وثانیهما الدراسة المتمیزة التی أنجزها الروائی الفلسطینی الشهیر غسان کنفانی تحت عنوان "فی الأدب الصهیونی" والصادرة عن مرکز الأبحاث الفلسطینیة منذ ما لا یقل عن 43 سنة.
من العناوین التی شدتنی فی هذا الکتاب ما جاء فی الفصل الأول منه، وهو "الصهیونیة تقاتل على جبهة اللغة"، وکذلک الفصل الذی یدرس کیف "یستولد العرق والدین" فی الأدب، الصهیونیة السیاسیة.
مع الأسف الشدید فإننا فی أیامنا هذه لا نجد أی اهتمام بالجانب الثقافی الإسرائیلی باعتباره رکنا أساسیا فی الصراع الدائر والذی سوف یستمر لعدة سنوات، بل لعقود طویلة بین إسرائیل وأعدائها العرب.
یقول غسان کنفانی بأن الصهیونیة قد أولت ولا تزال تولی أهمیة مرکزیة للغة العبریة وأخضعتها للغایات السیاسیة.
ومن هنا فإن إسرائیل تشجع أدباءها کل التشجیع لیس فقط من أجل الإبداع، بل من أجل المحافظة على اللغة العبریة، وتطویرها، والترویج لها، ونشرها، وتحویلها بالتالی رابطة قومیة تربط أبناء إسرائیل حیثما کانوا. وبالمقابل فإن دولنا العربیة لا توفر هذا النوع من التشجیع لأدبائها لیطوروا اللغة العربیة وینهضوا بها.
ففی داخل صفوف الشعب الفلسطینی لا تزال الأمیة اللغویة قائمة طبعا بسبب الاحتلال من حیث الجوهر، ولکن بسبب عدم ضخ الأنظمة العربیة للأموال لصالح المنظومة التعلیمیة الفلسطینیة سواء فی قطاع غزة والضفة الغربیة أو فی المهاجر المختلفة حیث توجد الجالیات الفلسطینیة فی الغیتووات، وتعانی من شتى أشکال التهمیش بما فی ذلک آفة الأمیة بکل صورها السلبیة.
أما مستوى التمثیل الثقافی والأدبی فی المهرجانات والمحافل الدولیة فإننا نجد وزارة الثقافة الإسرائیلیة، وکذلک الجمعیات التابعة للمجتمع المدنی تعمل بکل طاقاتها، ووفقا لمخططات مدروسة لتشکیل حضور قوی فیها، وإبراز إنتاج أدباء إسرائیل وایصال مضامینها إلى القراء فی الدول المختلفة حیث تنعقد هذه الملتقیات والندوات.
إنه من المستحیل أن تغیب إسرائیل عن هذا النوع من اللقاءات الدولیة. أما نحن فإننا لا نشکل أی حضور جدی على المستوى الدولی، وفضلا عن ذلک فإن مشارکتنا فی حالة حصولها تتمیز باستمرار بالضعف فی التمثیل غالبا، وبهزال الفاعلیة على نحو لا یساعد على تقدیم الصورة الحقیقیة عن مستوى ثقافتنا، وعن عدالة القضایا التحرریة وفی طلیعتها حرکة التحرر الوطنی الفلسطینی .
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS