الاثنين 14 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الدیمقراطیة الإسرائیلیة «المحتمیة»

 

الدیمقراطیة الإسرائیلیة «المحتمیة»

 

عبد اللطـیف الحنـاشی

 

یُنسب إلى المؤرخ الفلسطینی عادل مناع أنه قال "عندما تشعر إسرائیل بأنها معزولة ومهددة تصبح أقل تسامحاً مع النقد من داخل الدولة، وخاصة من الأقلیة العربیة الفلسطینیة، التی تعتبرها خطراً استراتیجیاً". کما ترى الکثیر من القیادات السیاسیة العربیة ومن عامة المواطنین العرب أن ممارسات قادة المجتمع الیهودی- الصهیونی إنما تعبّر عن مأزق تاریخی یمر به المشروع الصهیونی ککل الذی یسیر فی اتجاه واحد یبدو مسدودا، الأمر الذی یشیر إلى تفاؤل متزاید عند قادة المجتمع العربی بالنسبة إلى السنوات القادمة التی قد تشهد تغیرات عمیقة فی المنطقة..

وتشیر کل المعطیات والوقائع إلى أن إسرائیل تشعر لأول مرة، منذ قیامها، بالعزلة وأن مکانتها الدولیة مهزوزة بل مهددة، کما تبرهن ممارسات الدولة والنخب فی إسرائیل تجاه الفلسطینیین سواء فی الداخل أو فی الضفة والقطاع على هذا الأمر.

أما داخل فلسطین المحتلة 48 فتجمع کل الأطراف على خطورة الأوضاع التی یعیشها أکثر من 1.2 ملیون من سکان عرب فلسطین. وکان وزیر الأمن الداخلی الإسرائیلی یتسحاک اهرنوفیتش قد حذّر خلال اجتماعه بممثلی الأجهزة الأمنیة والجهاز القضائی الإسرائیلی مؤخرا من "انفجار محتمل للأوضاع فی الوسط العربی" بالتوازی مع "تنامی المشاعر السلبیة لدى فلسطینیی الـ48 تجاه مؤسسات الدولة بسبب عملیة هدم المنازل ودخول زعیم الحرکة الإسلامیة الشیخ رائد صلاح إلى السجن". کما نقلت صحیفة "ذی غاردیان" البریطانیة عن النائبة، حنین الزعبی، أن "إسرائیل یمکن أن تشعل انتفاضة ثالثة إذا واصلت دفع المواطنین العرب إلى الزاویة".

وتعود الجذور القریبة لحالة الاحتقان هذه إلى أوائل سنة 2007 بعد أن اعتبر رئیس جهاز المخابرات العامة "الشاباک"، یوفال دیسکین، أن فلسطینیی الداخل یمثلون خطرا استراتیجیا على الدولة الیهودیة. ویظهر أنه توصل إلى هذه النتیجة بعد فشل تل أبیب فی عدوانها على لبنان سنة 2006 وما تبع ذلک من تحولات استراتیجیه فی مفهوم الأمن القومی وطبیعة الحروب القادمة والدور المحتمل لفلسطینیی الداخل فی مقاومة العدوان.

أما مشارکة کل من الشیخ رائد صلاح والسید محمد زیدان، رئیس لجنة المتابعة العلیا لشؤون المواطنین العرب والنائبة حنین الزعبی والناشطة لبنى مصاروة والشیخ حماد أبو دعابس فی رحلة أسطول الحریة إلى غزة فی أواخر مای/ أیار 2010 فشکلت انعطافة للحملة الهستیریة التی باشرتها الطبقة السیاسیة الصهیونیة فی إسرائیل، بمختلف أطیافها، وذلک باستخدام جمیع مؤسسات الدولة التشریعیة والتنفیذیة "الأجهزة الأمنیة المختلفة" والقضائیة ووسائل الإعلام ضد القیادات الفلسطینیة الفاعلة.

أخذت الحملة مظاهر وأشکالا عدة، مثل سن القوانین ذات الطابع العنصری واعتقال الأفراد وتوجیه الاتهامات إلیهم وإبقائهم رهن الاعتقال لمدة طویلة دون محاکمة، ومحاکمة بعضهم بعد طول حبس. واستهدفت الحملة فی البدایة الناشط المدنی أمیر مخول والسیاسی عمر سعید فزُجا بهما فی السجن بتهم لم تثبتها المحکمة لحد الآن وصولا إلى محاکمة الشیخ رائد صلاح ثم تجرید المناضلة حنین الزعبی من الکثیر من حقوقها، وامتیازاتها البرلمانیة کمنعها من مغادرة البلاد ومصادرة جواز سفرها الدبلوماسی ومنعها من المطالبة بالتکالیف القانونیة، وهی إجراءات یعتبرها رجال القانون تمهیدیة لإخضاع حنین الزعبی للمحاکمة خاصة وأن التحقیقات ما تزال جاریة معها حول "محاولتها دخول منطقة عسکریة مغلقة "أی غزة" وممارستها العنف ضد جنود الکوماندوس"!.

وبالتوازی مع ذلک یخضع نحو 14 مشروع قانون للبحث والدراسة داخل البرلمان الإسرائیلی، حسب اتحاد حقوق الإنسان فی إسرائیل، وتتراوح مشاریع القوانین تلک، حسب نفس المنظمة، بین المطالبة بأن یؤدی المواطنون العرب یمین الولاء لإسرائیل، باعتبارها دولة یهودیة ودیمقراطیة، وبین مشروع قانون یهدد بسجن أو فرض عقوبات مالیة على من یُحْیُون ذکرى "النکبة" عن طریق الاحتجاج، بالإضافة إلى مشروع قانون بتجریم کل من یدعو إلى مقاطعة إسرائیل أو یقاطعها.

وتبدو هذه القوانین حسب أغلب المختصین مخالفة للدیمقراطیة. أما الفلسطینیون فیعتبرونها أحدث مؤشر لإجبار السکان الأصلیین للاختیار بین هویتهم ومواطنتهم کما ینظرون إلیها کترجمة فعلیة لمحاولات الحکومة وغالبیة أعضاء الکنیست لتثبیت الطابع الیهودی للدولة وتقلیص الحقوق المدنیة للمواطنین الفلسطینیین بواسطة القانون.

وأبعد من ذلک یعتبر الباحث إمطانس شحادة مُعِدّ تقریر "مدى الکرمل" الدوریّ للرصد السیاسیّ فی أراضی 48 أن "النظام الإسرائیلی الحالیّ یستغلّ أدوات قد تبدو دیمقراطیّة، ویستغلّ ما یسمَّى حسْمَ الأکثریّة، ابتغاءَ سَنّ قوانین وتعالیم عنصریّة ضدّ المواطنین الفلسطینیّین. فالکنیست والحکومة یعملان فی سبیل تقلیص حیّز العمل السیاسیّ للمواطنین العرب والأحزاب العربیّة، ویحاولان الانتقاص من حرّیّتهم، المقلَّصة أصلاً ومشاریع القوانین المقترَحة، وسیاسة الحکومة التی یجری تطبیقها، تشیر جمیعها إلى تحوُّل طغیان الأکثریّة إلى شکل النظام المقبول فی إسرائیل..".

کما تعود حالة الاحتقان الموجودة بین الجماهیر العربیة أیضا إلى جرائم الهدم شبه الیومیة فی المثلث والنقب، وإلى سیاسات الخنق والإفقار التی تحیل القرى والمدن العربیة فضاءات للبطالة والعنف والیأس، إذ شهدت سنة 2009 لوحدها هدم أکثر من 165 منزلا عربیا، بادعاء عدم البناء المرخص، إلى جانب وجود 45 قریة عربیة فی النقب تضم 45 ألف منزل، فی حین تظل البقیة مهددة بالهدم، وبعد یومین من سجن الشیخ رائد صلاح قامت جرافات الحکومة الإسرائیلیة فی 27 تموز 2010 بهدم جمیع بیوت قریة العراقیب فی النقب عن بکرة أبیها، من ذلک هاجم مستوطنون یهود، بحمایة قوات الشرطة وحرس الحدود الإسرائیلی، بنایة کبیرة فی حی السعدیة فی القدس المحاذی للمسجد الأقصى وأخلوا بالقوة 7 عائلات فلسطینیة تسکن بشکل شرعی، فی الوقت الذی تکثفت عملیات الاستیطان ومنع العرب من استعمال نحو 80 فی المائة من أراضی "الدولة" لأی أغراض کانت اجتماعیة أو اقتصادیة..

وقد وصف الکاتب الیساری الإسرائیلی جدعون لیفی فی عدد هآرتس لیوم 15/ 8/ 2010 حیاة العربی فی أراضی 48 بأنها.. "لا تشبه فی شیء حیاة الیهودی الإسرائیلی. فقد ولد فی محیط مکتظ ومهجور ولم تنشأ للسکان العرب منذ 62 سنة بلدة جدیدة واحدة. الظلم یرضعه الفلسطینی منذ ولادته، التمییز یرافقه من فجر عهده. محظور علیه أن یتذکر ماضیه، محظور علیه أن یحدد حاضره کما یشاء، وأحیانا لیس لطیفا له حتى التکلم بلغته، حوله مؤسسة صهیونیة مجندة لاستغلاله، من الصندوق القومی الإسرائیلی وحتى مدیریة أراضی إسرائیل، منظومة قوانین جدیدة تستهدف إلحاق الظلم به، منظومة عقاب تمیز بینه وبین المواطن الیهودی- صورة حیاة کاملة لمواطن من الدرجة الثانیة بکل معنى الکلمة صبح مساء یسمع بأنه "خطر دیموغرافی" أو "طابور خامس"، النقب والجلیل یجب تهویدهما، والذی یعنی بالعبریة طرد الفلسطینی من أرضه.. والآن هو یسمع بأن حتى الکنیست یجب تطهیرها من ممثلیه.. صحیح، ربما یحظى العرب هنا بحریات أکثر من أی دولة فی العالم العربی لکن هذا لیس ذا موضوع، ألسنا دیمقراطیة؟ لکن وفی مقابل ذلک فإن وضع العرب هو أسوأ من وضع أکثر الیهود فی العالم الیوم".

وکانت مناقشة مشارکة النائبة زعبی فی أسطول الحریة فی لجان الکنیست وفی الهیئة العامة قد أفصحت وکشفت أکثر من أی وقت مضى عن الطبیعة العنصریة الشرسة التی تمیز الطبقة السیاسیة الصهیونیة، بمختلف توجهاتها السیاسیة والأیدیولوجیة، تجاه کل ما هو عربی. فمثلا وصف نائب من حزب کدیما النائبة زعبی بـ"مریقة الدماء"، ولم یتردد فی سحب نفس الوصف على جمیع النوّاب العرب فی الکنیست وتمنى النائب یوحنان فلسنر "کدیما" للزعبی الذهاب إلى غزّة لأسبوع على الأقل، لعلّنا نراک تتحدّثین هناک عن حقوق النساء وحقوق الإنسان وحقوق المواطن".

أما النائب آریه بیبی "هبایت هلئومی" فقال إن "وجود النوّاب العرب هو تحقیر لجمیع نوّاب الکنیست". واتجهت النائبة یولیا شملوف-بیرکوفیتش "کدیما" إلى النواب الحاضرین بالقول "..أنتم جواسیس برلمانیّون..". أما النائب محمد برکة، رئیس الجبهة الدیمقراطیة للسلام والمساواة فاعتبر أشغال تلک الجلسة بأنها "صورة مصغرة للیهودی الملاحق فی القرن الماضی فی أوروبا بسبب انتمائه الدینی والاجتماعی..".

إنها الدیمقراطیة "المحتمیة" أو "المدافعة" التی تعنی بحسب بعض علماء الاجتماع والسیاسة الإسرائیلیین "حق النظام الدیمقراطی الدفاع عن ذاته وجوهره أمام ما یتعرض إلیه من عدوان من قبل أعدائه". أما فی الممارسة فلا تعدو أن تکون صیغة "تبریریة للمفهوم الصهیونی للدولة الیهودیة الدیمقراطیة وسلاحا یرفع فی مواجهة الأقلیة العربیة الفلسطینیة فی الأرض المحتلة"، وهو نفس المفهوم الذی یمکن توظیفه عقب أی عمل عدوانی تقوم به المؤسسة العسکریة والأمنیة خارج فلسطین المحتلة.

وحرصت الدعایة الصهیونیة، منذ قیام الکیان، للترویج لهذه الصیغة الفریدة من الدیمقراطیة المهددة من قبل أنظمة دیکتاتوریة والأصولیات الدینیة التی تنشر الإرهاب. غیر أن الحرب الأخیرة المدمرة على لبنان ثم محرقة غزة وحصارها وعملیة اغتیال محمود المبحوح قد بینت حجم الإرهاب الدولی الرسمی الذی تقوم به "دولة" عضو فی الأمم المتحدة، الدولة الوحیدة التی اشترطت علیها المنظمة الدولیة تأمین احترام حقوق الإنسان..

صحیح أن هذا المفهوم الصهیونی للدیمقراطیة أخذ فی التآکل والتراجع وفقدان بریقه عالمیا، وذلک بفضل المقاومة الفلسطینیة واللبنانیة، غیر أنه لا یزال مستمرا وفاعلا فی الممارسة الیومیة الإسرائیلیة خاصة أمام تواصل تخاذل الأنظمة العربیة وعجزها عن اتخاذ القرارات الصائبة تجاه الممارسات الإسرائیلیة العنصریة والعدوانیة..

ن/25

 


| رمز الموضوع: 143014







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)