مرامی خطة لیبرمان لإنهاء احتلال غزة
صالح النعامی
بَلوَر مرکز الأبحاث الاستراتیجیَّة التابعة لوزارة الخارجیَّة الإسرائیلیة خطة للانفصال عن قطاع غزَّة بشکلٍ نهائی، وبهدف أن یعترف العالم بأن إسرائیل قد أنهت احتلالها للقطاع، ولقد تبنى هذه الخطة وزیر الخارجیة نفسه أفیغدور لیبرمان، مما جعلها فی قلب الجدل فی إسرائیل، حیث بات یُطلق على هذه الخطة "خطة لیبرمان"، وهی تنصُّ على استکمال عملیة "فک الارتباط" عن قطاع غزة التی بدأها رئیس الوزراء الإسرائیلی الأسبق أرئیل شارون، والتی تَمَّ خلالها تفکیک المستوطنات الیهودیة فی قطاع غزة وإعادة انتشار الجیش الإسرائیلی فی محیطه، ویرى لیبرمان أن غایة خطتِه أن یعترف العالم بانتهاء الاحتلال الإسرائیلی لقطاع غزة، ولتحقیق هذا الهدف یتطلب من إسرائیل التسلیم بحکم حرکة حماس فی غزة والتوقف عن المحاولات لإسقاط حکم الحرکة أو إضعافه.
وتدعو الخطة إلى فکّ الارتباط بین الاقتصاد الإسرائیلی واقتصاد قطاع غزة، بحیث تتوقف إسرائیل عن مد قطاع غزة بالکهرباء والماء، وذلک عبر إقامة محطة تولید کهرباء ومنشأة لإزالة ملوحة میاه البحر بتمویل دولی، ومحطة لتنقیة المیاه العادمة، والتوقف عن استخدام العملة الإسرائیلیة "الشیکل" فی المعاملات المالیة فی قطاع غزة؛ مع العلم بأن إسرائیل قطعت شوطًا فی الانفصال الاقتصادی عن قطاع غزة عبر قرار بنک إسرائیل قطع العلاقات بین الجهاز المصرفی الإسرائیلی والبنوک العاملة فی قطاع غزة.
وتقترح الخطة أن یتم التوصل لاتفاق مع الاتحاد الأوروبی على آلیة لتفتیش السفن المتجهة إلى غزة، بحیث تکفّ إسرائیل عن المطالبة بتفریغ حمولات السفن المتجهة إلى غزة فی الموانئ الإسرائیلیة؛ حیث تقترح الخطة أن یتم تفتیش هذه السفن فی میناء لیماسول القبرصی، أو فی موانئ یونانیة تحت إشراف الاتحاد الأوروبی، وبالتنسیق مع إسرائیل.
وتطالب الخطة أیضًا بنشر قوات أوروبیة خاصة على الحدود بین قطاع غزة وإسرائیل، وقطاع غزة ومصر، وذلک لمنع عملیات إطلاق الصواریخ والتسلُّل من القطاع إلى إسرائیل، وللحدّ من عملیات تهریب السلاح والوسائل القتالیة من مصر إلى قطاع غزة، وعلى الرغم من أن الخطة لم تتحدث عن ذلک بصراحة إلا أنه من الواضح أن لیبرمان یرى أن خطتَه تستبعد أن تکون إسرائیل طرفًا فی أی اتفاقیة بشأن تشغیل معبر رفح، بحیث إن إسرائیل سترى فی هذه القضیة شأنًا یخص کلًّا من مصر وحرکة حماس.
وقد التزم لیبرمان شخصیًّا بالشروع فی تحرک دولی مکثف فی الساحة الدولیة لحشد التأیید للخطة، بحیث تحصل إسرائیل بعد تطبیقها على اعتراف دولی بانتهاء احتلالها لقطاع غزة.
لا شک أن مرامی خطة لیبرمان ترمی إلى تحقیق مصالح إسرائیلیة صرفة، وذلک لأنها تقوم على تکریس الفصْل السیاسی والقانونی والإداری بین قطاع غزة والضفة الغربیة فی ظلّ اعتراف دولی؛ والقضاء على أی فرصة لإقامة دولة فلسطینیة فی الضفة الغربیة وقطاع غزة، وتوفیر بیئة سیاسیة مناسبة تسمح بإطلاق ید إسرائیل فی الضفة الغربیة والقدس المحتلة، لا سیَّما على صعید تعاظم المشروع الاستیطانی، فی نفس الوقت فإن الخطة ستعمل على سد منافذ العمل السیاسی أمام السلطة الفلسطینیة وحرکة "فتح"، وسیکون أمام محمود عباس خیاران لا ثالث لهما فی حال تم تطبیق الخطة، فإما أن یسارع لإعادة خلط الأوراق والإعلان عن حل السلطة الفلسطینیة، وإما أن تتحوَّل سلطتُه إلى نسخَة أکثر تشوهًا من سلطة أنطوان لحد فی جنوب لبنان.
ومن أسف فإنه لا یوجد ما یدلِّل على أن عباس یمکن أن یصل إلى حد إعلان حل السلطة، فی حین أن سلطته قطعت شوطًا کبیرًا على سبیل التحوُّل إلى کیان متعاون مع إسرائیل، فلم یعدْ یمکن الحدیث عن تنسیق أمنی فقط بین هذه السلطة وإسرائیل فی محاربة المقاومة، بل إن هناک تکاملًا فی الأدوار؛ فالسلطة التی تدعی حنقَها على إسرائیل بسبب المشاریع الاستیطانیة والتهوید هی نفس السلطة التی یستضیف قادة أجهزتها الأمنیة یوفال دیسکین رئیس جهاز المخابرات الإسرائیلیة "الشاباک" ویطلعونه على خططِهم لمواجهة المقاومة والشوط الذی قطعوه فی تحقیق هذا الهدف، وهی نفس السلطة التی لا تتورَّع عن دعوة قائد المنطقة الوسطى فی الجیش الإسرائیلی آفی مزراحی لحضور مناورة لحرس الرئاسة الفلسطینی.
على الرغم من أن کل الحرکات الفلسطینیة أعلنتْ رفضها لخطة لیبرمان، إلا أنه لیس بوسع القوى الفلسطینیة إحباط الخطة، لا سیما وأن تطبیقها لا یحتاج إلى موافقة الجانب الفلسطینی، ویسهم الانقسام الداخلی فی تقلیص قدرة الفلسطینیین على مواجهة الخطة وتداعیاتها، بل إن انسداد آفاق المصالحة قد یؤدی إلى تشکُّل بیئة فلسطینیة موائمة لتطبیق الخطة.
من هنا فإن مصیر الخطة یتوقف على مدى التعاطی الدولی وتحدیدًا الأمریکی معها، وهذا ما جعل لیبرمان یشدِّد على أهمیة الجانب الدبلوماسی فی حشْد التأیید الدولی لها، ومن الواضح أن الإدارة الأمریکیة ستتحفظُ علیها لأنها تدرک مرامی لیبرمان الحقیقیة منها، وهی تعِی أن الخطة وإن لم تضِفْ کثیرًا لمعسکر "الممانعة" فی العالم العربی فإن تطبیقها بکل تأکید یمثِّل ضربةً قویة لمعسکر "الاعتدال"، وهذا ما لا یتوافقُ مع المصالح الأمریکیة، لکن فی المقابل وفی ظلّ عجز إدارة أوباما على إملاء خطة بدیلة على إسرائیل -لا سیما بعد تراجع الإدارة الأمریکیة عن مطالبها بوقف الاستیطان والتهوید- فإنها قد تجد نفسها مضطرَّةً للتعاطی مع الخطة، لا سیما فی ظِلِّ حاجة أوباما للتوافق مع حکومة نتنیاهو عشیة انتخابات مجلسی الشیوخ والنواب لاسترضاء اللوبی الیهودی.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS