الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

خطة لیبرمان: عدة عصافیر بحجر واحد

 

صالح النعامی

 

منذ أن خاض غمار الحیاة السیاسیة قبل ربع قرن، لم یحظ وزیر الخارجیة الإسرائیلی أفیغدور لیبرمان بهذا المدیح الذی بات یغدق علیه من قبل کل حلفائه فی الیمین وخصومه فی الیسار والوسط على حد سواء، إثر تقدیمه خطته لإنفصال إسرائیل "النهائی" عن قطاع غزة. فقد باتت الخطة التی بلورها مرکز الأبحاث الإستراتیجیة التابعة لوزارة الخارجیة الإسرائیلیة وتبناها لیبرمان فی قلب الجدل فی إسرائیل. وعلى الرغم من أن الخطة لم یتم تبنیها من قبل الحکومة الإسرائیلیة إلا أن الکثیر من النخب الإسرائیلیة باتت تدعو لتبنیها وجعلها نقطة الإنطلاق فی تعاطی إسرائیل مع القضیة الفلسطینیة.

وقبل الخوض فی تفاصیل الخطة وأهدافها وتداعیاتها، فإنه یمکن القول إن خطورتها تکمن فی أنها تهدف عملیاً إلى تصفیة القضیة الوطنیة الفلسطینیة، وإعادة زمام المبادرة لإسرائیل بشکل یمکنها من تحقیق مصالحها الاستراتیجیة فی أقل قدر من الممانعة العربیة.

بنود الخطة

تنص خطة لیبرمان على استکمال عملیة "فک الارتباط" عن قطاع غزة التی بدأها رئیس الوزراء الإسرائیلی الأسبق أرئیل شارون والتی تم خلالها تفکیک المستوطنات الیهودیة فی قطاع غزة وإعادة انتشار الجیش الإسرائیلی فی محیطه. ویرى لیبرمان أن غایة خطته أن یعترف العالم بانتهاء الاحتلال الإسرائیلی لقطاع غزة. ولتحقیق هذا الهدف یتطلب من إسرائیل التالی:

1- التسلیم بحکم حرکة حماس فی غزة والتوقف عن المحاولات لإسقاط حکم الحرکة أو إضعافه.

2- فک الارتباط بین الاقتصاد الإسرائیلی واقتصاد قطاع غزة، بحیث تتوقف إسرائیل عن مد قطاع غزة بالکهرباء والماء وذلک عبر إقامة محطة تولید کهرباء ومنشأة لإزالة ملوحة میاه البحر بتمویل دولی، ومحطة لتنقیة المیاه العادمة، والتوقف عن استخدام العملة الإسرائیلیة "الشیکل" فی المعاملات المالیة فی قطاع غزة؛ مع العلم أن إسرائیل قطعت شوطاً فی الانفصال الاقتصادی عن قطاع غزة عبر قرار بنک إسرائیل قطع العلاقات بین الجهاز المصرفی الإسرائیلی والبنوک العاملة فی قطاع غزة.

3- الاتفاق مع الاتحاد الأوروبی على آلیة لتفتیش السفن المتجهة إلى غزة، بحیث تکف إسرائیل عن المطالبة بتفریغ حمولات السفن المتجهة إلى غزة فی الموانئ الإسرائیلیة؛ حیث تقترح الخطة أن یتم تفتیش هذه السفن فی میناء لیماسول القبرصی، أو فی موانئ یونانیة تحت إشراف الإتحاد الأوروبی، وبالتنسیق مع إسرائیل.

4- نشر قوات أوروبیة خاصة على الحدود بین قطاع غزة وإسرائیل، وقطاع غزة ومصر، وذلک لمنع عملیات إطلاق الصواریخ والتسلل من القطاع إلى إسرائیل، وللحد من عملیات تهریب السلاح والوسائل القتالیة من مصر إلى قطاع غزة. وعلى الرغم من أن الخطة لم تتحدث عن ذلک بصراحة إلا أنه من الواضح أن لیبرمان یرى أن خطته تستبعد أن تکون إسرائیل طرفاً فی أی اتفاقیة بشأن تشغیل معبر رفح، بحیث إن إسرائیل سترى فی هذه القضیة شأنا یخص کلا من مصر وحرکة حماس.

5- تحرک دبلوماسی إسرائیلی مکثف فی الساحة الدولیة لحشد التأیید للخطة، بحیث تحصل إسرائیل بعد تطبیقها على اعتراف دولی بانتهاء احتلالها لقطاع غزة.

ظروف بلورة الخطة

لقد تمت بلورة خطة لیبرمان فی ظل ظروف دفعت الکثیر من النخب فی تل أبیب للاقتناع بأن إسرائیل لم یعد أمامها إلا أن تخسر فی حال حافظت على طابع تعاطیها الحالی مع قطاع غزة. فقد فرضت الحصار على القطاع لتحقیق هدفین أساسیین:

أولاً: توفیر الظروف التی تسمح بالإفراج عن الجندی الإسرائیلی المختطف لدى حرکة حماس جلعاد شلیت مع أقل ثمن یمکن أن تدفعه تل أبیب لقاء ذلک.

ثانیاً: العمل على إضعاف حکم حرکة حماس وصولاً إلى إسقاطه، وذلک لیس فقط خدمة للمصالح الإسرائیلیة، بل خدمة لکل من السلطة الفلسطینیة برئاسة محمود عباس والحکومة المصریة، فإسقاط حکم حماس یسمح بعودة حکم حرکة فتح، علاوة على أنه یضع حداً لقلق النظام المصری من وجود حکومة یدیرها خصومه من الإخوان المسلمین.

لکن دلت التجربة على أن إسرائیل مع الأیام لم تزدد إلا بعداً عن تحقیق هذین الهدفین، فالجمع بین الحصار والعملیات العسکریة العلنیة والسریة لم ینجح فی إقناع حرکة حماس بتقلیص قائمة المطالب التی تطرحها للإفراج عن شلیت. وفی کل ما یتعلق بهدف إضعاف حکم حرکة حماس، فإن العملیات العسکریة والحصار قد أدیا عملیاً إلى تحقیق نتائج عکسیة تماماً.

فقد أدت مظاهر التضامن الدولی مع قطاع غزة بسبب الحصار إلى تعزیز حکم حرکة حماس، علاوة على أن الحصار وسع من دائرة الاهتمام الشعبی فی العالمین العربی والإسلامی بما یجری فی قطاع غزة، وهو ما بات یهدد بتوریط إسرائیل فی مواجهات مع الکثیر من دول العالم، على غرار ما حدث فی أعقاب أحداث أسطول الحریة، التی کانت أهم محصلة لها تدهور العلاقات بین إسرائیل وترکیا، مع العلم أن ترکیا کانت تعد الدولة ذات العلاقات الاستراتیجیة الأوثق مع إسرائیل. وبدلاً من إضعاف حکم حماس فقد مس الحصار بمکانة إسرائیل الدولیة وشکل مصدراً للتشکیک بشرعیتها.

وقد استفاد لیبرمان فی طرح خطته من الدعوات التی صدرت عن النخب السیاسیة والأمنیة فی إسرائیل التی باتت تدعو إلى بلورة السیاسة تجاه قطاع غزة استناداً لمصالح إسرائیل الاستراتیجیة فقط ولیس وفق بوصلة مصالح سلطة عباس والنظام المصری.

تصفیة القضیة الفلسطینیة

لا شک أن مرامی خطة لیبرمان الاستراتیجیة خطیرة جداً، وتهدف بشکل أساسی إلى تصفیة القضیة الوطنیة الفلسطینیة، وذلک من خلال تکریس الفصل السیاسی والقانونی والإداری بین قطاع غزة والضفة الغربیة فی ظل اعتراف دولی؛ والقضاء على أی فرصة لإقامة دولة فلسطینیة، وتوفیر بیئة سیاسیة مناسبة تسمح بإطلاق ید إسرائیل فی الضفة الغربیة والقدس المحتلة، سیما على صعید تعاظم المشروع الاستیطانی. فی نفس الوقت فإن الخطة ستعمل على سد منافذ العمل السیاسی أمام السلطة الفلسطینیة وحرکة "فتح".

وسیکون أمام محمود عباس خیاران لا ثالث لهما فی حال تم تطبیق الخطة، فإما أن یسارع لإعادة خلط الأوراق والإعلان عن حل السلطة الفلسطینیة، وإما أن تتحول سلطته إلى نسخة أکثر تشوهاً من سلطة أنطوان لحد فی جنوب لبنان. ومن أسف فإنه لا یوجد ما یدلل على أن عباس یمکن أن یصل إلى حد إعلان حل السلطة، فی حین أن سلطته قطعت شوطاً کبیراً على سبیل التحول إلى کیان متعاون مع إسرائیل، فلم یعد یمکن الحدیث عن تنسیق أمنی فقط بین هذه السلطة وإسرائیل فی محاربة المقاومة، بل إن هناک تکاملاً فی الأدوار.

فالسلطة التی تدعی حنقها على إسرائیل بسبب المشاریع الاستیطانیة والتهوید هی نفس السلطة التی یستضیف قادة أجهزتها الأمنیة یوفال دیسکین رئیس جهاز المخابرات الإسرائیلیة "الشاباک" ویطلعونه على خططهم لمواجهة المقاومة والشوط الذی قطعوه فی تحقیق هذا الهدف، وهی نفس السلطة التی لا تتورع عن دعوة قائد المنطقة الوسطى فی الجیش الإسرائیلی آفی مزراحی لحضور مناورة لحرس الرئاسة الفلسطینی.

والذی یزید من خطورة خطة لیبرمان حقیقة أنها تزامنت مع تعاظم الدعوات فی الساحة الیمینیة لفرض السیادة الإسرائیلیة على الضفة الغربیة مع منح مواطنیها الفلسطینیین الهویة الإسرائیلیة. فنجد جهداً مکثفاً یعکف على القیام به عدد کبیر من منظری الیمین ابتداءً من وزیر الحرب والخارجیة الأسبق موشیه أرنس، القیادی البارز فی حزب اللیکود ومروراً بنواب فی اللیکود وانتهاءً بأبرز قادة المستوطنین، مثل أوری إلیتسور، الذین باتوا ینظرون لهذه الفکرة، ولا یخشون أن یتم اتهامهم من قبل الکثیر من الأوساط الإسرائیلیة بأنهم ینظرون عملیاً لفکرة الدولة الواحدة.

من الواضح أن خطة لیبرمان کما الأفکار التی ینظر لها أرنس تنتمی إلى مدرسة الواقعیة السیاسیة التی تهدف إلى المحافظة على المصالح الإسرائیلیة ولو عن طریق کسر "المحرمات" السائدة. فلیبرمان مستعد للقبول بحکم حرکة حماس و"ازدهاره" فی قطاع غزة، والتضحیة بسلطة عباس، کما أن أرنس مستعد للمخاطرة بمنح الفلسطینیین فی الضفة الهویة الإسرائیلیة مقابل ضمان تحقیق أهداف إسرائیلیة بعیدة المدى.

أهداف استراتیجیة

وترمی خطة لیبرمان إلى تحقیق أهداف إستراتیجیة أخرى، مثل: تعمیق التناقضات والخلافات بین حکم حماس فی قطاع غزة والنظام المصری الذی لن یروق له استقرار حکم حماس فی القطاع، مما قد یؤدی إلى المزید من مظاهر الاحتکاک بین الجانبین. فی نفس الوقت فإن لیبرمان ینطلق من افتراض مفاده أن خطته ستعمل على تهیئة الظروف الإقلیمیة والدولیة لمواجهة المشروع النووی الإیرانی الذی یعتبر فی إسرائیل مصدر الخطر الوجودی الأول.

فحسب منطق لیبرمان فإن تنفیذ خطته سیکون بدیلاً عن التقدم فی المسار التفاوضی مع السلطة الفلسطینیة، وبالتالی یتم سحب البساط من تحت أقدام بعض الأطراف التی تربط بین تعاونها فی التصدی للبرنامج الذری الإیرانی وبین حصول تقدم على المسار التفاوضی الفلسطینی الإسرائیلی.

واقعیة الخطة

على الرغم من أن کل الحرکات الفلسطینیة أعلنت رفضها لخطة لیبرمان، إلا أنه لیس بوسع القوى الفلسطینیة إحباطها، سیما وأن تطبیقها لا یحتاج إلى موافقة الجانب الفلسطینی، ویسهم الانقسام الداخلی فی تقلیص قدرة الفلسطینیین على مواجهة الخطة وتداعیاتها، بل إن انسداد آفاق المصالحة قد یؤدی إلى تشکل بیئة فلسطینیة موائمة لتطبیق الخطة.

من هنا فإن مصیر الخطة یتوقف على مدى التعاطی الدولی وتحدیداً الأمریکی معها، وهذا ما جعل لیبرمان یشدد على أهمیة الجانب الدبلوماسی فی حشد التأیید الدولی لها. ومن الواضح أن الإدارة الأمریکیة ستتحفظ علیها لأنها تدرک مرامی لیبرمان الحقیقیة منها، وهی تعی أنها وإن لم تضف کثیراً لمعسکر "الممانعة" فی العالم العربی فإن تطبیقها بکل تأکید یمثل ضربة قویة لمعسکر "الاعتدال"، وهذا ما لا یتوافق مع المصالح الأمریکیة.

لکن فی المقابل وفی ظل عجز إدارة أوباما على إملاء خطة بدیلة على إسرائیل سیما بعد تراجع الإدارة الأمریکیة عن مطالبها بوقف الاستیطان والتهوید، فإن إدارة أوباما قد تجد نفسها مضطرة للتعاطی معها، سیما فی ظل حاجة أوباما للتوافق مع حکومة نتنیاهو عشیة انتخابات مجلسی الشیوخ والنواب لاسترضاء اللوبی الیهودی.

مما لا شک فیه أن خطة لیبرمان تهدف بشکل أساسی إلى تصفیة القضیة الفلسطینیة، والملاذ الوحید لمواجهتها وما یشابهها من الأفکار والخطط یتجسد فی التفاف الفلسطینیین حول برنامج وطنی شامل یعید الاعتبار للمقاومة کخیار لمواجهة المشروع الصهیونی، فمن الواضح أنه لو کانت جذوة المقاومة مشتعلة فی الضفة الغربیة لما حظیت مبادرة لیبرمان بقبول متزاید فی أوساط الصهاینة.

ن/25

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143004







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)