الدوران فی الحلقة المفرغة..!!
الدوران فی الحلقة المفرغة..!!
راسم عبیدات
من المعروف والمتعارف علیه أن أمریکا وإسرائیل خبراء فی إدارة الأزمات وهم یعالجون الأزمة بأزمة جدیدة، وإذا لم تکن هناک أزمة فهم یفتعلونها من أجل حرف الأنظار عن الأزمة القائمة وإشغال الآخرین بالأزمة الجدیدة، ونحن العرب والفلسطینیین على المستوى الرسمی بسبب حالة انعدام الوزن وفقدان الإرادة والقرار، ینطبق علینا مثل "مثل حمیر الساقیة" نستمر فی الدوران فی نفس الحلقة والدائرة المرسومة لنا، ولا نملک إلا الدعاء بدفع البلاء والاستجابة لما یطلب منا فی کل مرة.
وفی کل مرة أیضاً نختلق الحجج والذرائع لما نقوم به من تصرفات، ونصور الأمور على نحو ما لیس هی علیه، ونعید ونجتر نفس الکلام بأن الاستمرار فی العملیة التفاوضیة هو مصلحة فلسطینیة وعربیة، والکرة الآن فی الملعب الإسرائیلی، ونتنیاهو هو من یمتلک مفاتیح الحل، وهذا الوحید الصحیح من أقوالنا مئة بالمائة، فهذا النتنیاهو صامد وثابت على مبادئه وبرامجه التی على أساسها تم انتخابه، فهو یؤکد بالعمل والفعل لا بالقول والشعار بأن القدس ستبقى موحدة وعاصمة لإسرائیل وأن الاستیطان سیتواصل ویستمر فیها دون أیة قیود أو عوائق، وهو رفض الضغوط الأمریکیة علیه فی هذا الجانب، بل وطوع الجانب الأمریکی لصالح رؤیته، وهو الذی سرعان ما یتراجع ویتخلى عن التعهدات والالتزامات التی یقدمها للجانب الفلسطینی من أجل الاستمرار فی المارثون التفاوضی العبثی.
فعندما أقرت لجنة المتابعة العربیة العلیا عودة الطرف الفلسطینی الى المفاوضات غیر المباشرة لمدة أربعة شهور، رد على ذلک نتنیاهو ووزیر داخلیته بالإعلان عن مناقصة لبناء 1600 وحدة سکنیة استیطانیة لتوسیع مستعمرة "رامات شلومو" على أراضی شعفاط وبیت حنینا شمال القدس، واتفق الجانبان الأمریکی والفلسطینی على عدم الانتقال إلى المفاوضات المباشرة دون حصول تقدم فی ملفی الحدود والأمن ووقف الأنشطة الاستیطانیة فی الضفة والقدس، ولکن عاد الطرف الأمریکی ونقض کل تعهداته والتزاماته للجانب الفلسطینی، بل وأبعد من ذلک زاد من ضغوطه وتهدیداته على الجانب الفلسطینی إما العودة إلى المفاوضات المباشرة وإما عزل الجانب الفلسطینی اقلیمیا ودولیاً وزیادة الضغوط الأمریکیة والإسرائیلیة علیه والتهدید بقطع المساعدات عنه، وعدم تجدید أوامر التجمید الشکلیة والجزئیة للاستیطان فی الضفة الغربیة.
وبالفعل أثمرت هذه الضغوط الأمریکیة والإسرائیلیة على الفلسطینیین والعرب بأن اتخذت لجنة المتابعة العربیة التی التقت فی القاهرة فی 29/7/2010 قراراً یعطی الضوء الأخضر للرئیس عباس بالعودة للمفاوضات المباشرة یقرر هو وقت العودة إلیها، وهذا معناه وتفسیره أن هذه العودة تمت دون کل ما جرى الاتفاق علیه وحوله سابقاً، بل وکما قالت عضو اللجنة التنفیذیة لمنظمة التحریر الفلسطینیة السیدة حنان عشراوی فی تصریحاتها للقدس العربی بأن الجانب الفلسطینی تعرض لتهدید وابتزاز غیر مسبوق من قبل الطرف الأمریکی، ویقر ضمناً بذلک رئیس الطاقم التفاوضی صائب عریقات عندما یقول بأن الرئیس عباس تلقى رسالة من الرئیس الأمریکی أوباما یطلب منه الانتقال إلى المفاوضات المباشرة لأن ذلک مصلحة فلسطینیة وأمریکیة، وفی حال عدم موافقة الطرف الفلسطینی على ذلک، فسیکون من الصعب تحقیق حل الدولتین.
المهم هناک عدة قضایا على ضوء هذه الموافقة یجب النظر إلیها على درجة عالیة من الخطورة، یقف فی المقدمة منها تغیب المؤسسات الفلسطینیة الشرعیة من لجنة تنفیذیة ومجلس مرکزی وغیرها عن القرار والفعل وتحویلها إلى مؤسسات استخدامیه ووقت الحاجة، بل وتجویف وضرب عرض الحائط بقراراتها وعدم احترامها والالتزام بها، وأبعد من ذلک الاستقراء علیها عربیاً،وهذا مؤشر خطیر یجب التوقف أمامه من کل فصائل العمل الوطنی الفلسطینی بما فیها "فتح".
الطرف الإسرائیلی سیستغل تلک الموافقة من أجل ان یقوم بعملیة توغل واسعة تجاه القدس وشعبنا فی الداخل، وبما یخرج القدس من دائرة الصراع فهو سیقوم بالإجهاز علیها، وخصوصاً أن الطرف الفلسطینی سیدخل هذه العملیة لیس لدیه ولا یمتلک من أوراق القوة شیء، بل أدرک الجانب الإسرائیلی أن هذا الطرف مع کل ضغط علیه مستعد لتقدیم المزید من التراجعات والتنازلات، فهو أحرق کل أوراقه السیاسیة وهو غیر قادر على التراجع والرفض، وخاصة انه لم یصمد أو یثبت على مواقفه ولو مرة واحدة، وکذلک الحالة العربیة الرسمیة فی أعلى حالة من حالات ودرجات الانهیار والسقوط، وهی غیر قادرة على مساعدة نفسها لکی تساعد الوضع الفلسطینی، ناهیک عن أن الحالة الفلسطینیة ضعیفة ومنقسمة على ذاتها، ومن هنا حتى یجری الاتفاق على المفاوضات وبدئها وما هو جدول الأعمال والأساس الذی ستقوم علیه تلک المفاوضات والتی ستمتد لعدة شهور، یکون نتنیاهو قد أکمل ما یریده من خطط وإجراءات وممارسات على صعید تهوید القدس واسر لتها، وعندما یرید الجانب الفلسطینی أن یعترض على ذلک أو یمارس سیاسة الحرد، فهو لن یجد أحداً یقف إلى جانبه، خصوصاً أنه لأکثر من مرة عاد إلى نفس المسلک والممارسة والموقف ولم یثبت علیها، وکان یعلق آماله على ممارسة ضغوط أمریکیة وأوروبیة غربیة على إسرائیل وهو "کمن یستجیر من النار بالرمضاء" من أجل التراجع عن موقفها وممارساتها، وهو الذی یدرک جیداً أن أمریکا وأوروبا الغربیة ومعهن المبعوث الأمریکی للرباعیة میتشل لم ینجحوا فی إعادة بطاقات الهویة لنواب القدس ووزیر شؤونها السابق المهددین بالطرد عن بلدهم وقدسهم، وهم الذین شارکوا وفازوا فی انتخابات تشریعیة فلسطینیة وافقت علیها إسرائیل وأمریکا وأوروبا الغربیة. وبالتالی لن یضغطوا على إسرائیل لا لوقف تهوید وأسرلة القدس ولا للانسحاب حتى حدود عام 1967، بل سیلجئون إلى افتعال واختلاق أزمة جدیدة یشغلون فیها العرب والفلسطینیین، وصناعة عدو وهمی یحرفون فیه الصراع عن أسسه وقواعده الحقیقیة، نحو تأجیج الصراعات الطائفیة والأثینیة فی أکثر من بلد عربی.
وما تتمخض عنه هذه المفاوضات المجرد فیها الجانب الفلسطینی من کل أوراق القوة حتى الفلسطینیة منها، لن تقود إلا إلى تنفیذ المخططات المشبوهة بحق شعبنا ومشروعنا الوطنی الفلسطینی، وأولى هذه المخططات تکریس الانقسام کأمر واقع، وقد عبر لیبرمان بشکل واضح عما یحاک ویخطط للقطاع من التخلی الکلی عنه کجغرافیا وسکان وربطه مع مصر وغیره من دول المحیط العربی، على أن تتولى الإشراف على معابره البریة والبحریة، أما الضفة الغربیة والتی یتواصل مسلسل قضمها فی الأغوار ویلتهم جدار الفصل العنصری ما لا یقل عن 46 % من أراضیها فما سیتبقى منها سیتم إلحاقه بالأردن.
وبالاستناد إلى ذلک أرى ضرورة الانتباه جیداً بأن الطرف الفلسطینی المفاوض سیقدم على مغامرة غیر محسوبة، سیکون ثمنها هذه المرة باهظاً ویصل لیس درجة الانتحار السیاسی للفریق المفاوض فقط، بل وللمشروع الوطنی برمته.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS