نصر الله نصف المعرکة، نصف هزیمة إسرائیل
نصر الله نصف المعرکة نصف هزیمة إسرائیل
أربع سنوات على الحرب العدوانیة الإسرائیلیة على لبنان. وعلى الانتصار التاریخی للمقاومة اللبنانیة. أربع سنوات على الهزیمة الإسرائیلیة الحارقة التی لم تأت فی حساباتهم الإستراتیجیة أبدا. أربع سنوات وما تزال تلک الدولة مذهولة لا تصدق ولا تستوعب ما جرى هناک فی المیدان اللبنانی.
والنتائج التی خرجت بها التحقیقات التی أجراها نحو اثنین وخمسین طاقما عسکریا إسرائیلیا فی أعقاب الهزیمة الإسرائیلیة أمام حزب الله فی صیف/2006 کلها أجمعت على التفوق الاستخباری لحزب الله.
وفی إطار هذا التفوق، وبعد کل ذلک القصف المکثف المرعب للضاحیة الجنوبیة والمواقع الأخرى والتی أخفقت تماما فی اصطیاد أی قائد من قادة حزب الله، کتب یوسی ملمان المحلل العسکری فی هآرتس (1/8/2006) صارخا: أین یختبئ قادة حزب الله بحق الجحیم؟".
ولذلک، شرع الثالوث الاستخباری الإسرائیلی -الاستخبارات العسکریة والموساد والشاباک- عملیا بمهمة لجمع أکبر کم من المعلومات عن قیادات حزب الله استکمالا لاستعداداتهم الحربیة. فالمسألة مسألة وقت وتوقیت، والتوقیت بالنسبة لهم رهن -کما أشرنا فی مقال سابق- باستکمال أکبر کم من المعلومات الاستخباریة حول خریطة منظومة الصواریخ لدى حزب الله، بل إن مصادر غربیة تنبأت بـ"أن إسرائیل ستبدأ الحرب فی اللحظة التی یتاح لها اکتشاف مخبأ الأمین العام لـ"حزب الله" السید حسن نصر الله، مهما کانت الساعة أو الظروف أو أی شیء آخر. وعندها تکون ساعة الصفر فی المواجهة المفتوحة، التی تعتقد إسرائیل أنه من خلال اکتشاف مکان وجود نصر الله تصبح قادرة على حسم نصف المعرکة".
هزیمة لن تنسى على مدى الأجیال
"ترکت حرب 2006 تداعیات مرعبة بالنسبة للإسرائیلیین على مختلف الصعد المتعلقة بالثقة بقیاداتهم وجیشهم ومعنویاتهم ومستقبل دولتهم، تداعیات توجت بسلسلة من الاعترافات والشهادات بأن ذلک الجیش الذی لا یقهر، قد قهر وتقهقر وهزم فی لبنان
"
وذلک لیس عبثا، ففی حساباتهم الإستراتیجیة فی المواجهة مع حزب الله، فإن السید نصر الله کان بمثابة نصف الحرب آنذاک.
فعسکریا بات هناک لدیهم منذ 2006 استسلام للحقیقة الصارخة بأن جیشهم الأسطوری قد هزم، ما فرخ بدوره تداعیات مرعبة بالنسبة لهم على مختلف الصعد المتعلقة بالثقة بقیاداتهم وجیشهم ومعنویاتهم ومستقبل دولتهم، تداعیات توجت بسلسلة من الاعترافات والشهادات بأن ذلک الجیش الذی لا یقهر، قد قهر وتقهقر وهزم فی لبنان، بل أکثر من ذلک فإن النظریات الحربیة لذلک الجیش تساقطت، ما کان أکده المحلل العسکری أمیر أورن فی هآرتس 1/7/2008 حیث قال: "إن نصر الله أفقد إسرائیل أرکان نظریتها الأمنیة".
فحینما یعلن الجنرال فیلنآی فی أعقاب الحرب: "لم نعرف من نقاتل"، ویضیف محلل إستراتیجی إسرائیلی: "أن الصفعة التی تلقیناها من حزب الله أضاعت قوة ردعنا"، ویوثق الجنرال دیسکین: "أن أجهزة السلطة فی إسرائیل انهارت بشکل مطلق أثناء الحرب"، ویعززه الباحث میرون بنفنستی قائلا: "إن الحرب تعید إسرائیل جیلا کاملا للوراء"، ویشهد الجنرال احتیاط بن العیزر بـ"أن الحکومة الإسرائیلیة ذهلت من قدرة حزب الله على البقاء"، لیتبعه الجنرال احتیاط أوری ساغی مؤکدا: "أن حزب الله أصبح مشکلة إقلیمیة إستراتیجیة"، ولیستخلص المؤرخ المعروف توم سیغف: "أن نتائج الحرب على لبنان تحتاج إلى لجنة تحقیق تتألف من مؤرخین".
یضاف إلى ذلک مئات الوثائق والشهادات الإسرائیلیة وغیرها فی السیاق ذاته، فإننا نغدو عملیا أمام حقیقة کبیرة ساطعة تکرست على مستوى الوعی الجمعی الإسرائیلی وهی: "أن"إسرائیل العظمى" منیت عملیا بهزیمة حارقة على ید حزب الله لن تنسى على مدى الأجیال الإسرائیلیة"، وأن ذلک "الجیش الذی لا یهزم" قد هزم وتمرغ أنفه وردعه وهیبته فی المستنقع اللبنانی.
بل إنه کان من المحتمل أن تذهب الهزیمة إلى ما هو أبعد من ذلک، إذ کتب المحلل العسکری رون بن یشای فی یدیعوت أحرونوت 22/8/2006 یقول: "ما حصل للجیش الإسرائیلی فی الواقع یشبه الهزیمة التی منی بها الجیش الأمیرکی فی فیتنام، وتلک التی منی بها "الجیش الأحمر" فی أفغانستان"، بل وبرأی بن یشای فإن "وقف إطلاق النار منع وقوع هزیمة أکبر بکثیر أمام حزب الله".
فکلهم یعترفون الیوم إذا أن "إسرائیل" هزمت على مستوى الإستراتیجیة والاستخبارات ونظریة القتال والاستعداد والتنظیم، والقیادة والسیطرة، غیر أن الهزیمة الإسرائیلیة الکبرى أیضا کانت على مستوى الحرب الإعلامیة السیکولوجیة، فإن کان نحمان شای -الإعلامی العسکری الإسرائیلی المعروف- قد ثبت فی صحیفة معاریف: "أن الإعلام ذاته هو ساحة الحرب، وهو وسیلة غیر عادیة، وإسرائیل تدیر أمورها عبر ثلاث وسائل: الجهد العسکری، والسیاسی، والإعلامی"، فإن حصیلة الحرب على لبنان، کانت هزیمة "إسرائیل" عسکریا وسیاسیا وإعلامیا.
الإسرائیلیون ینتظرون خطابات نصر الله
وفی هذا السیاق المتعلق بالتأثیر الدرامی لشخصیة وخطابات السید نصر الله، تحدثت ولا تزال مصادر إسرائیلیة عدیدة عن المصداقیة العالیة التی یتمتع بها السید نصر الله لدى الرأی العام الإسرائیلی، لدرجة أن الإسرائیلیین ینتظرون منذ ذلک الوقت وعلى مدى أربع سنوات خطاباته بفارغ الصبر ویعتبرونها بوصلة لهم لما هو آت.
وتبین من دراسة إسرائیلیة عالجت الحرب الإعلامیة النفسیة المعنویة التی جرت بین "إسرائیل" وحزب الله إلى أی حد وأی مدى نجحت الحرب النفسیة المعنویة التی خاضها حزب الله فی التأثیر على المجریات الحربیة وعلى الرأی العام الإسرائیلی الذی منح ثقته للسید حسن نصر الله على حساب "قادة إسرائیل".
وأشارت إلى "أن الجمهور الإسرائیلی کان ینتظر -خلال الحرب- بفارغ الصبر خطابات الأمین العام لحزب الله، حسن نصر الله، بسبب صدقیتها أساساً وأن الجمهور یمنح نصر الله علامة أفضل بالمقارنة مع الناطقین باللغة العبریة(النص نقلا عن موقع عرب 48 على الإنترنت 4/9/2006).
وفی إطار الدراسة -التی کان عنوانها "إدارة الإعلام أثناء حرب لبنان الثانیة"- طلب من أعضاء ست مجموعات مشاهدة شریط فیدیو -عرض فیه الإعلام الإسرائیلی فی الداخل والخارج- الإجابة على نماذج أسئلة.
"
لا تزال مصادر إسرائیلیة عدیدة تتحدث عن المصداقیة العالیة التی یتمتع بها نصر الله لدى الرأی العام الإسرائیلی، لدرجة أن الإسرائیلیین ینتظرون منذ ذلک الوقت خطاباته ویعتبرونها بوصلة لهم لما هو آت
"
وبحسب أقوال د. لیفل من جامعة بن غوریون -الذی أجرى فی السابق عدة دراسات حول الإستراتیجیة الإعلامیة وعلم النفس السیاسی وعلاقات الجیش مع وسائل الإعلام- فإن نتائج البحث أظهرت أنه فی حالات کثیرة کان الجمهور یضطر إلى الاعتماد على تصریحات الأمین العام لحزب الله حسن نصر الله، ویقول: "مقابل قائد إعلامی مثل نصر الله، کان على المؤسسة الإسرائیلیة أن ترد بنفس المستوى على الأقل"، ویضیف: "القائد الإعلامی یمنح المشاهد ثلاثة مرتکزات: تأملات وتأکید وصدقیة"، وبحسب أقواله، فإنه لدى سؤال المشارکین فی الدراسة حول من قدم لهم "التأکید" حول مواصلة الحرب، ولمن ینسبون "الصدقیة"، کانت الأجوبة تقول إن الجمهور الإسرائیلی أشار إلى خطابات نصر الله کمن زودته بالعنصرین".
ویستخلص لیفل: "وصلنا إلى وضع جنونی. حالة نفسیة لا تخطر ببال أحد، فبدلاً من أن ینتظر الجمهور الإسرائیلی ناطقاً قومیاً یوضح له ماذا یحصل فی کل یوم، ویقلص الفوضى ویرتسم کصادق، فقد حصل ما لم یحصل من قبل. الجمهور لجأ إلى القائد الذی نحاربه، وجلس بفارغ الصبر ینتظر خطاباته".
صواریخ سیکولوجیة عابرة للمعنویات
ولذلک تفوق السید کما جاء فی استطلاع مثیر للرأی العام الإسرائیلی أجراه د. شاؤول کمحی من کلیة علم النفس فی جامعة تل حی، والبروفیسور یوحنان أشیل من جامعة حیفا على قادة "إسرائیل" وجاء أیضا: "أن حسن نصر الله هزم أولمرت -حینما کان رئیسا للوزراء- وفق کافة المعاییر. إذ عرض نصر الله کأیدیولوجی وصاحب رؤیة ویعمل وفق تخطیط بعید المدى. وقد حصل نصر الله على 5.5 نقاط مقابل 3.9 فقط حصل علیها أولمرت"، ویضیف الباحثان الإسرائیلیان "أنه رغم کونه عدوا صعبا إلا أن الإسرائیلیین وجدوه أنسب من أولمرت لموقع القیادة خلال الحرب/یدیعوت أحرونوت".
وما بین ذلک الوقت والیوم، أی بعد أربع سنوات على الحرب تعززت الاستخلاصات المشار إلیها أعلاه على نحو مذهل، فکشف تقریر استخباراتی عسکری "أن السید حسن نصر الله هو أول "زعیم عربی" یکون لخطبه تأثیر على الرأی العام الإسرائیلی منذ الرئیس المصری الراحل جمال عبد الناصر فی الستینیات من القرن الماضی"، ونقلت صحیفة هآرتس 15/7/2010 أن ضابط الاستخبارات الرئیسی فی القیادة المرکزیة للجیس الإسرائیلی قام بدراسة خطب نصر الله خلال حرب لبنان الثانیة، وحللت الدراسة عشر خطب له أذیعت خلال الحرب التی استمرت 33 یوما، وقال الضابط –کولونیل رونین-: "إن الخطب کانت إلى جانب الصواریخ التی أطلقت على إسرائیل سلاحا
هجومیا فی الحرب مع إسرائیل، کما أنها کانت الوسیلة الوحیدة التی یمکن أن یوصل من خلالها نصر الله رسالته إلى جمهوره على اختلافاتهم".
ویجمع الإسرائیلیون الیوم -من الجنرال إلى القائد السیاسی إلى الأیدیولوجی إلى المواطن العادی- على أن السید حسن نصر الله الأمین العام لحزب الله کان نصف الإعلام، ونصف المعرکة، ونصف "هزیمة إسرائیل"، وأن خطاباته شکلت صواریخ سیکولوجیة عابرة للمعنویات الإسرائیلیة.
مصداقیة نصر الله فی الحرب القادمة
"
إسرائیل بکل مؤسساتها -إضافة إلى الرأی العام- تتابع متابعة حثیثة تحرکات وخطابات وتحذیرات وتهدیدات نصر الله ببالغ الاهتمام والترقب والتحسب، لأنه یفعل ما یقول
"
واستتباعا -ونحن الیوم أمام أربع سنوات على العدوان وهزیمتهم- فإن المؤشرات تؤکد أن الکیان یستعد لعدوان جدید على لبنان. والمؤشرات حول النوایا العدوانیة الجدیدة تتراکم.
فلم یعد سرا أن المؤسسة العسکریة الأمنیة السیاسیة الإسرائیلیة تجمع منذ ذلک الوقت على أن "إسرائیل" لا یمکنها أن تتعایش مع حزب الله مدججا بالعقیدة والإرادة والقیادة الفذة والإستراتیجیة والتدریب والتنظیم الفولاذی، کما لا یمکنها أن تتعایش على نحو حصری مع ذلک المخزون الصاروخی الهائل بحوزته الذی یطال کافة المدن والأهداف الإسرائیلیة على امتداد مساحة فلسطین. والأهم من کل ذلک أنها لا یمکنها أن تتعایش مع قائد کبیر فذ صادق تفوق شعبیته -کارزمیته- ومصداقیته شعبیة ومصداقیة أی زعیم عربی أو حتى أممی على الإطلاق.
ولذلک غدت "إسرائیل" بکاملها -مؤسسات عسکریة أمنیة استخباریة سیاسیة أکادیمیة بحثیة وإعلامیة، إضافة إلى الرأی العام الإسرائیلی- تتابع متابعة حثیثة تحرکات وخطابات وتحذیرات وتهدیدات السید نصر الله ببالغ الاهتمام والترقب والتحسب، فهو یفعل ما یقول، ویقرن الأقوال بالأفعال على نحو یثیر ذهولهم على مختلف انتماءاتهم ووظائفهم وأدوارهم.
ما ینسحب على احتمالات الحرب القادمة
ففی آفاق الحرب القادمة التی تعد"إسرائیل" العدة لها، فعندما یعلن نصر الله على سبیل المثال:" أن إسرائیل یمکن أن تشن حربا على لبنان .. نحن لا نرید هذه الحرب، لکن إذا هجمت إسرائیل علینا.. فإن مقاوتنا ستسحق وتدمر وتشتت جیشها وستضیع فلوله .. وسیتغیر وجه المنطقة لأنه إذا حطمنا جیشها (إسرائیل ) وسنحطمه وندمره فی لبنان، عندها أی مستقبل لإسرائیل.. عندها سنذهب بالسیارات والباصات إلى بیت المقدس/ السبت 19/ 9 / 2009"، فإن فی ذلک دلالات حقیقیة ومصداقیة یلتقطها الإسرائیلیون بلا شک وبلا تردد، بل وبمصداقیة عالیة.
وحینما یعود لیعلن مرة أخرى:" سنغیر وجه المنطقة فی أی مواجهة مقبلة مع إسرائیل وسنصنع النصر التاریخی الکبیر/الجمعة 15 / 1 / 2010 "، فان ذلک یعنی بالنسبة لهم أن حزب الله بات یمتلک المزید من الأسلحة الإستراتیجیة والمفاجآت القادرة على تغییر مجریات الحرب والنتائج والخرائط، وهم أیضا یصدقون السید فی ذلک.
"
إن کان نصر الله یحظى بشعبیة ومصداقیة عربیة إسلامیة جارفة على امتداد مساحة الأمة, فإن مصداقیته على مستوى الکیان الصهیونی کبیرة وراسخة ومتزایدة
"
وحینما یعود علینا مرة ثالثة لیعلن:"أن حزب الله سیقصف البنى التحتیة فی إسرائیل، وهو "یملک الإمکانات لذلک"، فـ"إذا ضربتم مطار الشهید رفیق الحریری الدولی فی بیروت سنضرب مطار بن غوریون فی تل أبیب، إذا ضربتم موانئنا سنقصف موانئکم، إذا ضربتم مصافی النفط عندنا سنقصف مصافی النفط عندکم، وإذا قصفتم مصانعنا سنقصف مصانعکم، إذا قصفتم مصانع الکهرباء عندنا سنقصف الکهرباء عندکم/ وکالات- 16/2/2010"، فإنهم هناک فی الکیان یفتحون أفواههم ذهولا من هول التهدید.
ولیس فی ذلک أیة مبالغة أبدا..
فإن کان السید نصر الله یحظى بشعبیة ومصداقیة عربیة إسلامیة جارفة على امتداد مساحة الأمة کما تثبت مجسات الرأی العام فی کل مکان، فإن مصداقیته على مستوى الکیان الصهیونی کبیرة وراسخة ومتزایدة ومدعمة باقتران أقواله بأفعاله فی کافة محطات الحروب والمواجهات فی الساحة اللبنانیة.. بل إنه یحظى بمصداقیة تفوق مصداقیة قیاداتهم العسکریة والسیاسیة والإعلامیة.
بل إنهم یعتقدون أن حزب الله بقیادته یشکل خطرا وتحدیا إستراتیجیا حقیقیا یقض مضاجع المؤسسة والقیادات والجماهیر الإسرائیلیة.
کاتب المقال: نواف الزرو
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS