زیارة عمرو موسى وغیاب برنامج لرفع الحصار
بقلم أزراج عمر
کثرت زیارات الوفود البرلمانیة العربیة، ووفود المجتمع المدنی لغزة دون أن تسفر عن کسر نهائی للحصار المفروض على مواطنیها من قبل الجیش الاسرائیلی أمام مرأى العالم بأسره. فالأمر المثیر للدهشة والاستغراب هو أن جمیع الدول العربیة تدعو شکلیا إلى رفع المعاناة عن أهالی غزة ولکن لا یوجد موقف عملی موحد وفاعل لتحقیق ذلک.
والعجیب فی الأمر هو أن الضفة الغربیة والسلطة الفلسطینیة فی شبه حل مما یحدث من طغیان اسرائیلی فی جزء من الشخصیة الوطنیة الفلسطینیة المتمثلة فی قطاع غزة. فی هذا المناخ قام خلال هذا الأسبوع الأمین العام للجامعة العربیة السید عمرو موسى بزیارة لغزة تضاف إلى تلک التی قام بها قبل وفاة الرئیس الفلسطینی الراحل یاسر عرفات.
کما هو واضح من تصریحات السید عمرو موسى فإن زیارته هذه یلخصها جوهریا هکذا: "نحن جئنا لنتضامن ولنستمع ولنشاهد، ثم لنشارک فی الاعمار". ومن جهة أخرى فقد تحدث السید الأمین العام بلغة التسویف والمستقبل غیر المنظور: "لأننا سوف نکسر الحصار".
إنه یمکن التعلیق ببساطة على مضمون تصریحات السید عمرو موسى بأن زیارته تبدو جدّ دبلوماسیة، وجدّ شخصیة، أی أنها لیست تعبیرا عن تکلیف حازم من الإجماع الرسمی العربی، کما أنها تخلو من أی برنامج واقعی وواضح المعالم، ورزنامة زمنیة محددة للبدء عربیا فی کسر شوکة الحصار الظالم، واتخاذ إجراءات ضد اسرائیل.
رغم أن لهجة الأمین العام للجامعة العربیة قد حمّلت الدولة العبریة مسؤولیة ما آلت إلیه الأوضاع الصعبة والمؤلمة واللاإنسانیة فی قطاع غزة، فإنه لم یشر من قریب أو من بعید إلى المسؤولیة العربیة المتمثلة فی شقین إثنین، ویتلخص الأول فی عدم فتح معبر رفح بشکل دائم، أما الثانی فیخص مواصلة الدول العربیة التی لها علاقات دبلوماسیة مع اسرائیل لهذه العلاقات وعدم قطعها، أو تجمیدها على الأقل حتى تکون بمثابة ردع رمزی للسلوک الاسرائیلی الذی یتناقض جملة وتفصیلا مع حقوق الانسان، والأخلاقیات الدولیة.
أما بخصوص إعمار غزة وإعادة بناء بنیتها التحتیة التی حطمتها الآلة العسکریة الاسرائیلیة بشکل منهجی فإن وعد السید عمرو موسى بأن الدول العربیة مستعدة لتنفیذ عملیة الإعمار فإن هذا الوعد قد طال أمده من ناحیة. أما من الناحیة الأخرى فإن إعادة الإعمار لا یمکن تصورها من طرف أی إنسان عاقل فی ظل الحصار، وفی ظل التهدیدات الاسرائیلیة بشن الحرب مجددا وبقوة أکثر وحشیة وقسوة فی أیة لحظة یحددها الجیش العبری ویراها مناسبة له.
على أساس ما تقدم فإن قضیة غزة ومعها القضیة الفلسطینیة ککل قد تحولت فی نظر الجامعة العربیة إلى مسألة إدخال الطعام واللباس والدواء إلى قطاع غزة، والعمل على بناء العمارات، والمقرات الحکومیة التی سوف تکون لقمة سائغة للصواریخ الاسرائیلیة.
إن إختزال القضیة الکبرى فی مثل هذه الجزئیات ذات الطابع الإنسانی الاستهلاکی یؤکد بشکل غیر مباشر غیاب الموقف العربی الرسمی الجدی لإنشاء الدولة الفلسطینیة الحرة والمستقلة وفقا للشرعیة الدولیة ولمضامین المبادرة العربیة التی تعلقها اسرائیل فی خزائن متحف النسیان دون أی رد فعل عربی یکون فی مستوى حجم المسؤولیة الأخلاقیة والتاریخیة. وفضلا عن ذلک فإن زیارة الأمین العام للجامعة العربیة لغزة قد إکتفت بملامسة شبه رومانسیة للتباین الفلسطینی– الفلسطینی الذی هو فی الجوهر خلاف حول مصیر القضیة المرکزیة.
فالمسألة لیست بسیطة، بل هی تناقض ما بین الخیار الرادیکالی الداعی إلى تصفیة الاستعمار الاسرائیلی بالمقاومة المشروعة، والمعترف بها دولیا کحق من حقوق أی شعب محتل، وبین خیار استجداء اسرائیل وحلفائها التاریخیین دون أیة نتیجة تذکر منذ أوسلو إلى مدرید وهلم جرا.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS