تصحیحاً لـ"الخطأ" الذی ارتکبه العرب..!
تصحیحاً لـ"الخطأ" الذی ارتکبه العرب..!
جواد البشیتی
زیارة "الشرعیة العربیة"، ممثَّلةً بالأمین العام لجامعة الدول العربیة عمرو موسى، لقطاع غزة لیست فی حدِّ ذاتها بـ"الزیارة التاریخیة"، فاکتسابها هذه الصفة، من عدمه، یتوقَّف على نتائجها العملیة، فإذا أفضت، فی زمن یقاس بالأیام أو الأسابیع، أو بالأشهر، فی أسوأ الأحوال، إلى کسر عربی حقیقی للحصار الإسرائیلی الـمضروب على القطاع منذ أربع سنوات، والـمشدَّد منذ ثلاث سنوات، فإنَّها تستوفی، عندئذٍ، شرط وصفها بـ "الزیارة التاریخیة"، أو بأنَّها کانت کذلک.
والزیارة، مع ذلک، یمکن ویجب أن تکون تدشیناً لزیارات عربیة وإسلامیة ودولیة مشابهة لها، لجهة وزن الزائر، وطریقة الزیارة، فلقد حرص عمرو موسى على أنْ یؤدِّی زیارته بما یدرأ عنها "الشبهات" حتى بدت زیارته "حضوراً للشرعیة العربیة بما یراعی غیاب الشرعیة الفلسطینیة".
موسى "الـمحاصَر" منذ حصار القطاع بمواقف "غیر إسرائیلیة"، أفادت إسرائیل کثیراً فی سعیها إلى تشدید الحصار الذی تضربه على نحو ملیون ونصف الـملیون إنسان فلسطینی، کَسَر الإسرائیلیون أنفسهم "حصاره" إذ ارتکبوا جریمتهم فی حق "أُسطول الحریة"، فجاء إلى "الـمحاصَرین" وهم یعلـمون أنَّه لا یملک ما یشبه "عصا موسى" لجهة رفع وإنهاء الحصار؛ ثمَّ تذکَّر وهو بینهم حصاراً إسرائیلیاً آخر هو الحصار الذی تضربه حکومة نتنیاهو، بمواقفها ضدَّ "السلام"، على "عملیة السلام"، فاعترف بأنَّ العرب ارتکبوا "خطأً" إذ دخلوا فی "عملیة سلام لا نهایة لها"، مؤکِّداً أنَّ العرب، وابتداءً من بدایة أیلول الـمقبل "نهایة الـمهلة العربیة للـمفاوضات غیر الـمباشِرة" سیقفون "موقفاً جدیداً وحاسماً إذا لـم یتحقَّق تقدُّم حقیقی فی عملیة السلام".
وحتى لا ننشغل کثیراً بالتوقُّع والتخمین أوضح الأمین العام لجامعة الدول العربیة أنَّ هذا الـموقف العربی "الجدید والحاسم" سیکون قراراً عربیاً بالذهاب إلى مجلس الأمن، ووضع کل أعضائه أمام مسؤولیاتهم، أی نقل "الـملف" کله إلى الـمجلس الدولی لیقرِّر هو فیه ما یراه مناسباً.
وقبل بضعة أیام من هذا الکلام للـممثِّل الأعلى لـ"الشرعیة العربیة"، نُسِبَ إلى رئیس السلطة الفلسطینیة محمود عباس القول إنَّ "حلَّ الدولتین" قد شرع یتلاشى. ولولا الخشیة من عواقب تعلیل أنفسنا بمزید من الأوهام لتفاءلنا بهذا "الیأس" وذاک؛ ولکن، لِنَدَعْ "الوسیط" میتشل، الذی یعتصم بحبل الصمت، یستنفد محاولته، التی "لها نهایة" زمنیة عربیة، لـ"التقریب" فی وجهات النظر والـمواقف والشروط والـمطالب بین الإسرائیلیین والفلسطینیین، بما یمکِّنه من اجتراح "معجزة" الانتقال بالطرفین من هذه الـمفاوضات غیر الـمباشِرة إلى الـمفاوضات الـمباشِرة، التی تمخَّضت بعد 16 سنة من التورُّط فیها عمَّا یشدِّد الحاجة إلى الـمفاوضات غیر الـمباشِرة طریقاً إلى استئنافها!.
وإنَّنی لا أعرف ما إذا کان "الوسیط"، أو "الـمُقرِّب"، میتشل یحتاج إلى هذا القدر الهائل من "الضغط الـمزدوج" على حکومة نتنیاهو، فـ"الـمُفوِّض العربی" یلوِّح بورقة ضغطه الکبرى وهی الذهاب إلى مجلس الأمن، و"الـمفاوِض الفلسطینی" یلوِّح هو أیضاً بورقة ضغطه الکبرى وهی "تلاشی خیار حل الدولتین"، أی الذهاب إلى خیار "الدولة الواحدة ثنائیة القومیة"، والـممتدة "من النهر إلى البحر"!.
إنَّ على إدارة الرئیس أوباما، على ما نفهم من "تهدید" عمرو موسى، أنْ تُسلِّح هی "وسیطها" میتشل، فمن دون ضغوط حقیقیة تمارسها الولایات الـمتحدة على حکومة نتنیاهو لن تجنح هذه الحکومة لـمواقف جدیدة من شأنها إنجاح "وساطته"، التی إنْ منیت بالفشل، لا سمح الله، لن یبقى من خیار لدى العرب سوى نقل القضیة برمَّتها إلى مجلس الأمن الدولی؛ وقد یصبح خیار "حل الدولتین" أثراً بعد عین!.
وهذا التلویح العربی بورقة، أو بسلاح، الذهاب إلى مجلس الأمن یبدو متناقِضاً بعض الشیء مع منطق الفهم العربی لأسباب وحیثیات التراجع الـمشین لإدارة الرئیس أوباما، فی موقفها من الاستیطان، أمام الضغوط التی مارستها علیها حکومة نتنیاهو فی عقر دارها، أی من داخل الولایات الـمتحدة، فبحسب هذا الـمنطق، تراجع أوباما؛ لأنَّ لنتنیاهو من النفوذ فی داخل الولایات الـمتحدة، وفی الکونغرس على وجه الخصوص، ما جعله یبدو أقوى من أوباما هناک، وفی کل ما یخُصُّ إسرائیل على الأقل.
وعملاً بهذا الـمنطق، الذی لا یختلف من حیث الجوهر والأساس عن الـمنطق الصوری أو الشکلی، یمکن القول إنَّ نتنیاهو یحکم إسرائیل، التی تتحکم فی إدارة الرئیس أوباما، التی تحکم الولایات الـمتحدة، التی تتحکم فی مجلس الأمن الدولی؛ والعرب سیذهبون إلى هذا الـمجلس الذی یتحکَّم فیه نتنیاهو فی نهایة الأمر!.
ولکنَّ الـمأساة الکامنة فی هذه الـمهزلة هی أنْ لیس من "فأرٍ" یخیف نتنیاهو؛ فذات مرَّة، قال تشرتشل إنَّ زوجتی تحکمنی، وأنا أحکم بریطانیا، التی تحکم العالـم؛ ولکنَّ زوجتی یخیفها الفأر.. إنَّ الفأر "الذی لو سُئِل "أیُّ الوحوش أقوى؟"، لأجاب على البدیهة قائلاً "إنًَّه القط"" هو، بحسب هذا الـمنطق الذی یأخذ به العرب، الذی یحکم العالـم!.
لِنَذْهَب، إذا ما ذهب نتنیاهو بـ"وساطة" میتشل، إلى مجلس الأمن، فالأمم الـمتحدة هی التی باسمها، لا باسم الرئیس بوش، ولا باسم خلفه الرئیس أوباما، سُجِّلت براءة اختراع "حل الدولتین"؛ أوَلَمْ تکن هی مُخْتَرِع "حل الدولتین" إذ قرَّرت، فی قرارها الرقم 181، تقسیم فلسطین إلى دولتین، واحدة یهودیة وأخرى عربیة؟!.
ولِمَ لا تفعلها ثانیةً وهی التی یُفْتَرَض فیها أن تکون الآن أکثر اقتناعاً من ذی قبل بأنَّ "حل الدولتین" یُفْرَض "دولیاً" فرضاً، ولا یتحقَّق من طریق التفاوض بین طرفی النزاع؟!
التقسیم "الدولی" الأوَّل لفلسطین فشل؛ لأنَّ الدول العربیة وقفت "ضدَّه"، و"حاربته"، وکأنَّها جزء من محاولة دولیة لجعل "الدولة الیهودیة" فی حدود الرابع من حزیران 1967!
ولقد حان للأمم الـمتحدة "ولـمجلس الأمن على وجه الخصوص" أنْ تقرِّر تقسیماً ثانیاً لفلسطین، مستفیدةً من فشل تجربة الـمفاوضات، فإنَّ 16 سنة من التفاوض بین الطرفین لـم تُفْضِ إلاَّ إلى ما یقیم الدلیل على أنَّ "حل الدولتین" یتلاشى إنْ هو اتَّخَذ الـمفاوضات إلیه سبیلا.
إنَّ "التقسیم الأوَّل" لـم یأتِ من طریق التفاوض بین طرفی النزاع حتى تَصْدُق الولایات الـمتحدة فی زعمها أنَّ "حل الدولتین"، أو "التقسیم الثانی"، یمکن ویجب أن یأتی من هذه الطریق.
وأحسب أنَّ "التقسیم الثانی"، وإذا ما أرید له أن یصبح حقیقة واقعة، وحلاًّ نهائیاً للنزاع، یجب ألاَّ یکون نفیاً تاماً لـ "االتقسیم الأوَّل"، فإذا قرَّرت الأمم الـمتحدة، فی "تقسیمها الثانی" لفلسطین، أن یکون خط الرابع من حزیران 1967 هو الخط الحدودی النهائی "من حیث الـمبدأ والأساس" بین "الدولتین"، فلیس ثمَّة ما یمنع، أو ما ینبغی له أن یمنع، الـمزاوجة بین "یهودیة" دولة إسرائیل، بالـمعنى الدیمغرافی، أی بمعنى أن یبقى الیهود أکثریة دیمغرافیة، وبین حل مشکلة اللاجئین الفلسطینیین بما یسمح لجزء کبیر منهم بأنْ یعودوا إلى ما هو الآن جزء من إقلیم دولة إسرائیل؛ ولکن لیس بصفة کونهم مواطنین إسرائیلیین؛ فهل للسلام من أهمیة إذا لـم تسمح إسرائیل بوجود "جالیة فلسطینیة کبیرة" فیها، لا تشمل، ویجب ألاَّ تشمل، ما یسمَّى "عرب إسرائیل"؟!.
"عملیة السلام"، أی عملیة التفاوض توصُّلاً إلى السلام، یجب ألاَّ تکون بلا نهایة؛ وحتى تصبح عملیة لها نهایة، لا بدَّ من الذهاب إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار دولی جدید، یُقرِّر فیه الـمجلس تقسیماً ثانیاً لفلسطین، لتبدأ من ثمَّ عملیة تفاوض بین دولتین معترف بهما دولیاً، وبالخط الحدودی الـمبدئی بینهما، توصُّلاً إلى معاهدة سلام، ینتهی بها الاحتلال الإسرائیلی لأراضی "دولة فلسطین"؛ فإذا لـم یقرِّر مجلس الأمن هذا "التقسیم الثانی"، یقرِّر العرب والفلسطینیون إنهاء "عملیة السلام" التی لا نهایة لها؛ ثمَّ یقرِّرون الأخذ بما یتَّفِق مع هذا القرار.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS