الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

لیتها کانت فی مقرّرات قمّة لیبیا

 

صبحی غندور مدیر مرکز الحوار العربی فی واشنطن

 

انتهت القمّة العربیة فی لیبیا "على خیر". فلم یتکرّر الانقسام أو المقاطعة أو تبادل الإهانات کما کانت تشهد قمم سابقة. ربما هذا "إنجاز" فی حدِّ ذاته، لکن معظم الفضل فی ذلک یعود للأسف إلى التغییر الذی حصل فی الولایات المتحدة الأمیرکیة لا فی المنطقة العربیة. فالإدارة الأمیرکیة السابقة کانت تضغط من أجل إقامة محاور عربیة متصارعة تحت تسمیاتٍ ومضامین لا علاقة لها بالعروبة. فمحور "الإعتدال" أرادته إدارة بوش آنذاک لیکون جمعاً لأطراف عربیة مع إسرائیل فی مواجهة قوى المقاومة فی فلسطین ولبنان وضد الدول الإقلیمیة الداعمة لها، وفی مقدّمتها سوریا وإیران، مما یُسهّل إقامة "شرق أوسطی جدید" سعت له إدارة بوش وإسرائیل ومارستا من أجله الحروب فی العراق ولبنان وفلسطین.

الظروف الآن تغیّرت کثیراً، خاصّةً بعد مجیء إدارة أوباما وبعد القمّة الاقتصادیة فی الکویت (ینایر 2009) التی "تزامنت" مع نتائج انتخابات أمیرکیة أسقطت حکم "الجمهوریین" و"المحافظین الجدد"، وحیث شهدت "قمّة الکویت" مصالحات بین زعماء عرب کبدایة لمرحلة جدیدة.

لکن التغییر الحقیقی لم یحدث بعد فی البلاد العربیة، ولا فی طبیعة العلاقات العربیة/العربیة، ولا فی صیغة "الجامعة العربیة"، ولا فی نوعیة أو سیاسات الحکومات السائدة منذ عقود.

لذلک، یمکن القول، حسب "المثل الأمیرکی": إن نتائج قمة لیبیا کانت "أقلّ بکثیر ممّا کان منتظراً منها، ومتأخّرة جداً عمّا کان علیها فعله"، تحدیداً تجاه سیاسة إسرائیلیة ترفض حتّى ما تطالب به واشنطن فکیف بما یطالب به العرب!.

خرجت قمّة لیبیا بقرارات متواضعة، حتى أیضاً فی کیفیة ومضمون الدفاع عن عروبة القدس ودعم صمود الشعب الفلسطینی الخاضع للاحتلال والحصار. فالدعم العملی المطلوب هو لیس بالمال أو فی تأمین "الغطاء السیاسی العربی" لمواقف "السلطة الفلسطینیة" فقط، بل إنّ الدعم الحقیقی یکون فی إجبار إسرائیل على إنهاء احتلالها سلماً أم حرباً.

إنّ التطورات الأخیرة فی المنطقة العربیة، وفی العلاقات الأمیرکیة/الإسرائیلیة، کان محورها، وما یزال، هو موضوع المستوطنات، بینما کان محور الاهتمام قبل ذلک، عربیاً ودولیاً، هو موضوع الحصار على غزّة أو موضوع عزل المناطق الفلسطینیة وجدار الفصل العنصری. وهذه المواضیع هی کلها إفرازات لقضیة واحدة اسمها: "الإحتلال". ولا تحتاج قضیة "الاحتلال" إلى کثیر من المفاوضات والمشاریع والاجتهادات على المستویات الدولیة والعربیة والفلسطینیة. فالاحتلال، کما هو منصوص فی القوانین الدولیة، یتوجّب أن ینتهی فی فترة محدّدة وإلاّ تُتَّخذ بحقّ من قام به العقوبات الدولیة. کما تنص أیضاً هذه الشرائع والقوانین الدولیة على بطلان کل ما یقوم به الاحتلال من إجراءت، وعلى حقِّ مقاومة المحتل على الأرض المحتلّة.

فأین السلطة الفلسطینیة والحکومات العربیة من هذا الأمر؟

لقد جرى فی "اتفاق أوسلو" عام 1993 التسلیم من قیادة منظمة التحریر بنصوصٍ فی الاتفاقیة تتحدّث عن "إعادة انتشار" القوات الإسرائیلیة ولیس عن انسحاب مُتوَجَّب على "قوّاتٍ محتلّة". وقد کان ذلک کافیاً لتواصِل إسرائیل نهج الاستیطان والتهوید فی الضفة والقدس طیلة 17 سنة، وهی، أی إسرائیل، أخذت أیضاً من الطرف الفلسطینی فی اتفاق أوسلو إلغاء حقّ المقاومة المسلّحة واعتباره "عملاً إرهابیاً"!!.

إذن، دعم الشعب الفلسطینی والحفاظ على عروبة القدس یتحقّقان من خلال التراجع عن خطیئة "أوسلو وملحقاتها"، ومن خلال عودة الوحدة الوطنیة الفلسطینیة على قاعدة برنامج وطنی یجمع بین ممارسة العمل السیاسی التفاوضی وبین المقاومة بمختلف أشکالها المدنیة والعسکریة.

أمّا على المستوى العربی، فالسؤال لا ینبغی أن یکون "کیف ستتعامل إدارة أوباما مع حکومة نتنیاهو"، بل: کیف ستتعامل الحکومات العربیة مع الاحتلال الإسرائیلی وکل من یدعمه دولیاً؟. فما یحدث الآن بین واشنطن وتل أبیب لیس بمباراة ریاضیة، العرب فیها بموقع المتفرّج والمساند لفریق ضدّ آخر، بل هو أمر أوّلاً وأخیراً من صمیم المسؤولیة العربیة. فهل ستقبل الحکومات العربیة بأیّة صیغة تفاهم أمیرکی/إسرائیلی قد تحدث لمعالجة الخلاف بین الطرفین بشأن الأراضی العربیة المحتلّة أو فی کیفیة تحقیق تسویة شاملة بالمنطقة؟.

لدى الحکومات العربیة الآن وسائل کثیرة لکی تُحسِّن من وضعها التفاوضی، ولا نتحدث طبعاً –معاذ الله- عن خیارات عسکریة غیر واردة الآن لدى هذه الحکومات. فالحدّ الأدنى الذی تستوجبه مسؤولیة هذه الحکومات یمکن عمله من خلال:

1-   وقف کل أشکال التطبیع العربی مع إسرائیل، ودعوة دول العالم الإسلامی لفعل ذلک أیضاً.

2-   تجمید الحکومتین المصریة والأردنیة للعلاقات الدبلوماسیة والتجاریة مع إسرائیل. فالمعاهدات القائمة لا تلغی حقّ الدول بتجمید العلاقات، وهو أمر تمارسه الدول العربیة مع بعضها البعض أو مع دول أخرى فی العالم الإسلامی، أوَلیست إسرائیل "أحقّ" بهذا السوء من العلاقات؟.

3-     التشجیع على تحقیق المصالحة الفلسطینیة وفق مبدأ "حقّ المقاومة ضدّ الاحتلال" وترک تحدید أشکال هذه المقاومة لمستلزمات المواجهة الفلسطینیة مع تحدّیات الاحتلال الإسرائیلی.

4-     دعم کافّة أشکال المقاومة (المدنیة والعسکریة) فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة.  

5-     دعوة مجلس الأمن الدولی للانعقاد الفوری من أجل اتّخاذ قرار مبرمج زمنیاً یُطالب إسرائیل بالانسحاب من الأراضی التی احتلّت العام 1967 وبإقامة دولة فلسطینیة مستقلة وببطلان کل ما یقوم به الاحتلال الآن فی القدس والضفة الغربیة من تهویدٍ واستیطان.

6-     إرسال وفد عربی، یرأسه مثلاً العاهل الأردنی، إلى مجلسی الکونغرس الأمیرکی ولمخاطبة الإعلام الأمیرکی برسالة واحدة مضمونها دعوة الأمیرکیین لإعادة النظر فی رؤیتهم للدور الإسرائیلی بالمنطقة. فمعظم الحکومات العربیة أقامت الآن اتفاقیات أمنیة وعسکریة مع واشنطن تتیح للأمیرکیین تسهیلات وقواعد، وهو ما لا تتیحه إسرائیل على أرض ممتدّة من الخلیج الفارسی إلى المحیط الأطلسی مروراً بمصر والیمن!. کذلک القول للأمیرکیین إنّ ثروات العرب "یستقرّ" معظمها فی أمیرکا، وأنّ ما تدفعونه ثمناً للطاقة یعود إلیکم کثمن لمشتریات عسکریة لا تستخدمها عادةً الحکومات العربیة (إلاّ فی حال الاضطرار الداخلی المحدود أحیاناً). فما الذی تقدّمه إسرائیل لکم وهی التی تعیش على مساعداتکم المالیة والعسکریة وتُسبّب لکم الآن الأذى الکبیر فی عموم العالم الإسلامی بسبب دعمکم المفتوح لعدوانها على الشعوب العربیة وعلى المقدّسات الإسلامیة والمسیحیة فی فلسطین؟!.

إنّ تحرکاً عربیاً من هذا النوع یُحافظ على "موزاییک" الواقع العربی و"لا یُحمّل الحکومات إلاّ وسعها"، لکن یحفظ على الأقلّ ماء وجهها أمام شعوبها ویُکسبها شیئاً من الاحترام الدولی.

ن/25


| رمز الموضوع: 142949







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)