السمات الفاشیة للنظام التربوی الإسرائیلی
السمات الفاشیة للنظام التربوی الإسرائیلی
بمجرد انتخاب تسیفی لیفنی لتکون الزعیمة الجدیدة لحزب " کادیما " الإسرائیلی الحاکم، ورئیسة الوزراء الإسرائیلیة المقبلة، سارعتْ وسائل الإعلام العربیة إلى نَشْرِ ترجماتٍ لتقاریر فی الصحف العبریة والأجنبیة حول سیرة لیفنی الشخصیة، والترکیز بشکلِ خاصٍّ على فترة خدمتها کضابطة فی جهاز " الموساد "، ودورها فی تنفیذ العدید من التصفیات التی طالت قیادات فلسطینیة فی أوروبا.ودائما ما نُولِی- نحن العرب- أهمیةً کبیرةً للخلفیة الشخصیة والمهنیة والعسکریة للقیادات الإسرائیلیة، ونحاول أن نبنى تصوراتنا إزاء مستقبل تعاطی هؤلاء الزعماء مع قضایا الصراع، من خلال تَتَبُّعِ السیرة الذاتیة لها.
ولا شک أن السلوک المستقبلی لقادة إسرائیل یتأثر بماضیهم، لکننا نتجاهل دور النظام التربوی، الذی یُعَدُّ أکبر مصدرٍ من مصادر التأثیر، لیس فقط على هؤلاء الزعماء، بل على المجتمع الصهیونی بأسره، والذی کان له بَالِغُ الأثر فی دَفْعِ هذا المجتمع بأسره نحو التطرف والغلو الأیدلوجی، وتشَرُّبِ الأفکار العنصریة نحو العرب.
فحسب الأبحاث التی صدرت فی إسرائیل ذاتها، یَتَبَیَّنُ بشکلٍ واضحٍ أنّ کُتُبَ التعلیم التی تُدَرَّسُ فی المدارس الیهودیة لعبت دورًا أساسیًّا فی تشدُّدِ النُّخَبِ السیاسیة والمجتمع الصهیونی، وحالت دون التَّوَصُّلِ لتسویةٍ سیاسیة للصراع.
تربیة على الحرب
وعلى سبیل المثال: تؤکِّدُ دراسةٌ أعَدَّهَا الباحث الصهیونی إیلی بودیا، أنّ کتب التدریس الإسرائیلیة أشعلتْ طیلةَ نصف القرن الماضی جذوة َالصراع الفلسطینی العربی، وکرَّسَتْ حالة الحرب، وحالتْ دون التَّوَصُّل للسلام بین العرب والیهود.
ووصف بودیا مناهجَ التدریس الیهودیة بـ " المنحرفة "، مُنَوِّهًا إلى أن هذه المناهج تتمیز بطغیانِ الصورة النمطیة، والأفکار المقولبة حیال العرب، وزَرْع کراهیتهم فی نفوس التلامیذ الإسرائیلیین. ویستنتج بودیا بأنّ ما جرى داخل جدران المدارس الإسرائیلیة قد أَثَّرَ إلى مَدًى بعیدٍ فی قرار الحرب والسلام لدى قادة الدولة العبریة.
ولا خلاف بین الباحثین الصهاینة على أنّ جهاز التعلیم الإسرائیلی قد اختارَ النَّهْجَ القَوْمِیَّ الذی یُخْضِع الماضی لاحتیاجات الراهن والمستقبل، على حساب الحقیقة والموضوعیة فی کتابة التاریخ، بهدف خَلْقِ ذاکرة جماعیة تَحْفِلُ بالمواقف المسبقة عن العرب، وتکرس التعاطی العنصری معهم.وتُعْنَى کتب التدریس الصهیونیة بتعمیق القیم الصهیونیة، ورعایة الأساطیر، والتمجید بأبطالها من أجل ضمان صهر المستوطنین، الذین قَدِمُوا من بلدان مختلفة، فی بوتقةٍ وذاکرةٍ جماعیة واحدة.
شیطنة العرب
وتُؤَکِّدُ الدراسات التی عَنَتْ بتأثیر مناهج التدریس على طبیعة الأفکار التی یُبَلْوِرُها الصهاینة نحو العرب: أنّ هذه المناهج سَعَتْ لـ"شیطنة" العرب، وتجریدهم من إنسانیتهم، وساهمتْ فی ترسیخ صورة نمطیة لدى الصهاینة عن أنفسهم، بحیث ظهروا دائمًا بصورةِ الغربیّین الْمُتَحَضِّرین صانِعِی السلام، فی حین عرضت مناهج التدریس العرب على أنهم " الخونة العدوانیون المتخلفون والمجرمون، والخاطفون القذرون، والمبادرون دوماً نحو التدمیر ". وتشیر دراسة للباحث باروخ کریملنغ إلى أنّ کتب التدریس تحفل بالإشارات إلى أوضاع القبائل الیهودیة فی الجزیرة العربیة قُبَیْلَ البعثة المحمدیة وبعدها؛ حیث یتم وصف هذه القبائل بأنها "شریفةٌ ومحترمة وشجاعة، بینما وصف العرب بأنهم ماکرون وخونة، وبأنهم هزموا الیهود بالخدعة والمؤامرة ".
ویؤکد الباحث بودیا أنّ العربی یظهر فی کتب التدریس الإسرائیلیة " کمتوحش ومحتال، ومخادع ولص، وسارق وإرهابی "، مؤکدًا أن الذین صمموا المناهج الإسرائیلیة حرصوا على تجرید العرب من إنسانیتهم.
ویقول الباحث الیهودی سیغرید لیحمان: "نحن کیهود نمیل إلى رؤیة العربی کغیر الیهودی کأحد الأغیار، نحن کأوروبیین نراه آسیویًّا، خصمًا لتطلعاتنا القومیة، وکاشتراکیین نحن نراه کممثل لأشد أنماط الرجعیة سوادًا ". واللافت هنا الإشارة إلى أن القائمین على النظام التربوی الصهیونی حرصوا على إعطاء تفسیرات شاذة وعنصریة حتى لمبادرات بعض الأنظمة العربیة " السلمیة ". فوزیر التعلیم الصهیونی الأسبق زبولون هامر عَلَّق فی حینه على الزیارة التی قام بها الرئیس المصری السابق أنور السادات لإسرائیل؛ حیث قال: "هناک زعماء عرب یظنون أنهم إن لم یکونوا قادرین على القضاء علینا فی میدان المعرکة، فإنهم سینجحون فی فِعْلِ ذلک عن طریق عملیة " السلام ". وتؤکد دراسةٌ حدیثةٌ صادرةٌ عن جامعة حیفا أنّ کتب التدریس الإسرائیلیة تُحَاوِلُ تکریس قناعةٍ مفادُهَا أن السلام مع العرب " یُهَدِّدُ إسرائیل المهزوزة، ویستلزم تحصین الناشئة بتقویة الوعی الصهیونی"..
تکریس الروایة الصهیونیة
وتشیر الدراسة إلى أنه عندما حاول وزیر التعلیم الصهیونی الأسبق إسحاق نافون إحداثَ تقارُبٍ بین التلامیذ العرب والیهود داخل إسرائیل، لم یشارک فی هذه الأنشطة إلا 2% من المربین الیهود. وأشارت الدراسة للموقف الصارم للمؤسسة الدینیة الیهودیة الرافض لعقد مثل هذه اللقاءات. وینوه الباحث الصهیونی سام سموحا أنّ مناهج التدریس الإسرائیلیة باتتْ تَغْرِسُ قیمة الفاشیة لدى الشبیبة الیهودیة؛ حیث تم إخراج کل ما یتعارض مع الروایة الصهیونیة من کُتُبِ التدریس، وذلک من أجل المساهمة فی تکریس هذه الروایة فی عقول وقلوب النشء الصهیونی.
قصارى القول: لا یمکن بناء تصورات مستقبلیة لسلوک قادة الصهاینة ونخبهم السیاسیة، بمعزل عن التعرف على سمات النظام التعلیمی ومناهج التدریس التی تربى علیها هؤلاء القادة وتلک النخب.
وواضح تمامًا مما سبق أن النظام التربوی الصهیونی قد غرس بذور الحقد والکراهیة والفاشیة عمیقًا، عمیقًا فی ذاکرة الصهاینة حکامًا ومحکومین، بشکلٍ لا یجوز معه لعاقل تَوَقُّع إمکانیةِ حَلِّ الصراع القائم بالطرق السیاسیة.
( بقلم الباحث الدکتور صالح النعامی )
ن/25