السر الکامن وراء هذا الإمتیاز أو الحصانة التی تتمتع بها (إسرائیل)؟
بقلم البروفیسور رمضان غوزن *
حسناً ما هو السر الکامن وراء هذا الإمتیاز أو الحصانة التی تتمتع بها (إسرائیل)؟ ومن أین تستمد (إسرائیل) قوتها؟
عند مقارنة (إسرائیل) مع الشعوب المسلمة التی تُشکل الأغلبیة فی المنطقة؛ أی العرب والأتراک والإیرانیین، سنرى أن لها سکانا ورقعة جغرافیة وجیشا وإقتصادا أصغر نسبیاً. غیر أن هذا الوضع لا یعنی أن (إسرائیل) ضعیفة. وذلک لأن القوة هی ظاهرة تخص النوع ولیـس الکم. فقوة (إسـرائیل) نابعـة من النوع أکثر من الکم. ومن المعلوم أن (إسرائیل) أکثر تقدماً من دول المنطقة فی مجالات التقنیة العسکریة والمعلوماتیة واستراتیجیة السیاسة الخارجیة، کما أنها متطورة کثیراً فی المیادین الصناعیة والزراعیة والأکادیمیة والعلمیة والمیادین الأخرى. والمصدر الأهم لقوة (إسـرائیل) هذه هو شـتات الیهود المنتشـرین فی أنحاء العالم. ومن المعروف أن الیهود القاطنین فی جمیع الدول المتقدمـة وفی مقدمتها الولایات المتحدة الأمریکیـة وبریطانیا، ویُحولون إلى (إسـرائیل) کمیات کبیرة من الأموال والمعلومات والتقنیات. بل أن کل یهودی من شـتات الیهود یُقدم دعماً مادیاً (لإسـرائیل) وکأنـه یدفع لها الضرائب. إن قوة هذا الشـتات هی قوة (لوبی)؛ أی أن الأشـخاص الموالین (لإسـرائیل) فی الدول الغربیـة یقومون باسـتمرار بنشـاطات (لوبی) فی سـبیل التأثیر على السـیاسـة الخارجیـة لتلک الدول التی یقطنون فیها والتأثیر على قرارات حکومات وبرلمانات تلک الدول لتصب فی صالح (إسـرائیل). وفی معظم الأحیان تتکلل هذه النشـاطات بتقدیم الدعم (لإسـرائیل).
إن تقدیم الدول الغربیـة الدعم إلى (إسـرائیل) لیـس نابعا من تأثیر (اللوبی) (الإسـرائیلی) فحسـب، بل إنـه نابع فی ذات الوقت من إنسـجام هذا الدعم مع المصالح الذاتیة لتلک الدول. وثمة مصلحتین وراء لجوء الحکومات الغربیة إلى دعم (إسرائیل)؛ فأولاً یتم العمل على نیل دعم (اللوبی) (الإسرائیلی) فی دول هذه الحکومات، ومن ثم یتم السعی لزیادة المصالح الإقتصادیة والإستراتیجیة والثقافیة والعسکریة لهذه الدول فی الشرق الأوسط عن طریق (إسرائیل). ولهذا السبب فإن (إسرائیل) تُعد "الطفل الذهبی" للدول الغربیة فی المنطقة.
غیر أننا نخطىء لو قلنا أن (إسرائیل) تستمد قوتها تماماً من مساعیها الذاتیة ومن دعم الدول الغربیة لها فقط، وذلک لأن القوة فی السیاسة الدولیة هی ظاهرة نسبیة؛ أی أنه لا یمکن قیاس قوة أو ضعف أی لاعب إلا من خلال مقارنته مع اللاعبین الآخرین. ومن هذا المنطلق یمکن القول "أن قوة أی لاعب هی ضعف للاعب آخر".
وضمن هذا الإطار یُمکن أن ندعی أن قوة (إسـرائیل) تأتی من ضعف جمیع دول المنطقـة وعلى رأسـها فلسـطین، ویأتی إنشـقاق الفلسـطینیین أنفسـهم فی مقدمـة هذا الضعف؛ فالفلسـطینیون قد ارتکبوا أخطاءً فادحـةً فی أوقات حرجـة لأسـباب ایدیولوجیـة وأخرى فردیـة، کما حصلت لاحقاً إنقسـامات لا تُصدق بین حرکتی "فتح" و"حماس"، الأمر الذی أدى إلى فقدان القوة، ودون الدخول فی نقاش حول من الجانب المُحق أو غیر المُحق بهذا الشـأن، نُلاحظ أن الخاسـر الأول فیه هو القضیـة الفلسـطینیـة!
والضعف الثانی یتمثل بعدم قدرة الدول العربیـة والإسـلامیـة التی تقدم دعماً "رسـمیاً" للفلسـطینیین، عدم قدرتها على إنتهاج سـیاسـة حازمـة ومنطقیـة؛ إذ تعذر على جمیع دول الشـرق الأوسـط وفی مقدمتها البلدان العربیـة النهوض بدور فاعل ومؤثر بشـأن القضیـة الفلسـطینیـة، کما تعذر علیها اسـتخدام مصادر قوتها، وإن کانت محدودة، بصورة صحیحـة وحکیمـة وجماعیـة، بل أدعی أن بعض دول المنطقـة ممتنـة من إسـتمرار المشـکلـة الفلسـطینیـة، وحسـب هذا الإدعاء فإن بقاء القضیـة الفلسـطینیـة بلا حل هو من صالح إدارات بعض الدول السـلطویـة.
وحسب اعتقادنا فإن السبب الأهم وراء بقاء بلدان المنطقة غیر ذی تأثیر بشأن القضیة الفلسطینیة، هو حسابات المصالح الدولیة لهذه البلدان؛ إذ أن کل دولة من دول المنطقة تسعى إلى کسب مصالح وطنیة أو زیادة هذه المصالح من خلال تطویر العلاقات مع الدول الغربیة ومع (اللوبی) (الإسرائیلی) فی هذه الدول. کما أن دول المنطقة تتجنب القیام بما یلزم بشأن القضیة الفلسطینیة وذلک بهدف نیل الدعم العسکری والتقنی والمالی والإقتصادی والدبلوماسی أو السیاسی من الدول الغربیة، کما أنها تشعر بالقلق من تعرض مصالحها لأضرار فی حال تقدیمها الدعم على مستوى متقدم إلى الفلسطینیین أو الوقوف بحزم ضد (إسرائیل)!
ویمکن أن نخلص إلى القول أن قوة (إسرائیل) نابعة جزئیاً من مساعیها الذاتیة، بید أنها ناجمة بالدرجة الأولى عن الظروف السلبیة لبلدان الشرق الأوسط والدول الإسلامیة، ولهذا فإن (إسرائیل) لا تشعر بالخشیة من التعرض لضغوط أو عقوبات سواء بشأن موضوع غزة أو بشأن الموضوعات الأخرى.
* رئیس قسم العلوم السیاسیة والعلاقات الدولیة جامعة جانکایا / أنقرة
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS