یبحثون عن أسرار حزب الله / عبد الستار قاسم

عبد الستار قاسم

نشر مرکز أبحاث الأمن القومی التابع لجامعة تل أبیب تقریرا حول قوة حزب الله العسکریة، وأکد فی مجمله أن هذه القوة العسکریة تعاظمت منذ حرب تموز/2006، إنما دون إعطاء معلومات إحصائیة صلبة یمکن الاستناد إلیها فی فهم میزان القوى بین الحزب وإسرائیل. ربما کانت مسألة عدید قوات حزب الله هی الأکثر وضوحا من المسائل الأخرى التی تطرق لها التقریر. لقد صیغ التقریر إجمالا بعبارات عامة لا توحی بتوفر معلومات دقیقة یمکن استخلاص بعض النتائج منها.

مسألة المعلومات هی المسألة الشائکة بالنسبة لإسرائیل، وهی العنصر الأول فی حیرة وتردد المؤسسة العسکریة الإسرائیلیة. خاضت إسرائیل حرب تموز وهی تظن أنها تعلم، واکتشفت هی وأمریکا فی الیوم الثانی للحرب أنهما لا تعلمان، وأن الحزب قد أعد جیدا للحرب، وخیر إعداده تمثل فی بقاء قدراته العسکریة سرا. تمکن الحزب من مفاجأة العدو، وحول کل أهدافه إلى سراب، واضطره إلى تقلیص الأهداف إلى مجرد زیادة عدد قوات الأمم المتحدة فی الجنوب اللبنانی، الأمر الذی لم یکن ضمن الأهداف الأولى المعلنة. لقد دفعت إسرائیل ثمن عماها المعلوماتی، واستطاع حزب الله أن یحافظ على عناصر المفاجأة بسبب حرصه الشدید على العمل سرا تحت الأرض.

ذات المشکلة ما زالت قائمة بالنسبة لإسرائیل، إذ هی کارهة لرؤیة عدو قوی فی الشمال، ویزداد قوة وفق تقدیراتها، لکنها مترددة جدا فی شن حرب تدمره لأنها لیست واثقة من تحقیق ذلک. إسرائیل تبحث جاهدة بکافة الوسائل عن سبل للتعرف على التطورات العسکریة والأمنیة لدى حزب الله، وربما استطاعت استخباراته جمع بعض المعلومات، لکن تحرشها الیومی المسعور بالجنوب اللبنانی یشیر إلى ضائقة معلوماتیة شدیدة تعیشها. لا تتوقف إسرائیل عن استفزاز حزب الله فی الجنوب أملا منها أن یرد الحزب ویستعمل بعض أسلحته الجدیدة فیوفر لها معلومات ثمینة تمکنها من اتخاذ إجراءات وقائیة. تنتظر إسرائیل من الحزب القیام بعمل ما یکشف بعض أسلحته، وهی فی سبیل ذلک تتحمل تقریع قوات الأمم المتحدة والاتهامات المستمرة ضدها بخرق قرار مجلس الأمن 1701.

واضح أیضا أن الدول الغربیة وعلى رأسها الولایات المتحدة لا تحمل عصا لإسرائیل لوقف طلعاتها الجویة فوق لبنان، أو لوقف انتهاکها للخطوطالاستعماریة بین لبنان وفلسطین لأنها هی أیضا ترید أن تعرف حول تسلیح حزب الله، وحول آخر ما أنتجته الصناعات العسکریة الإیرانیة والسوریة. الدول الغربیة لا تهمها الانتهاکات ولا قرارات الأمم المتحدة، وإنما یهمها التعرف على المیزان العسکری الاستراتیجی لما فی ذلک من أهمیة فی مسألة التخطیط والتدبیر. ومن المحتمل أن استخبارات الدول الغربیة، وقطعا بعض البلدان العربیة تتعاون مع إسرائیل لاستجلاء ما یجری فی الجنوب البنانی، والتعرف على آخر الاستحداثات العسکریة.

واضح أن إسرائیل باتت تتشکک حول فعالیة قواتها الجویة فی أی حرب قادمة لأنها تتشکک بأن حزب الله قد بات یمتلک مفاجأة خاصة بالطیران الحربی، وهی تعی تماما أن نصرها فی أی معرکة لا یمکن أن یتأتى فی حالة شلل قواتها الجویة. لکنها أیضا تتشکک بالنسبة للمستقبل حیث أن عدم شن الحرب سیؤدی إلى زیادة قوة حزب الله وارتفاع منسوب التهدید الاستراتیجی الذی یمثله. أی هی کبالع المنجل الذی لا یستطیع قذفه ولا یستطیع إبقاءه.

إسرائیل مستمرة فی الإعداد للحرب القادمة، ومن الصعب معرفة ماذا تعد بالضبط لأنها متکتمة أیضا. فهی لا تفصح عن التسلیح الجدید الذی لدیها، ولا عن التدریب الذی تقوم به، ولا عن التکتیک العسکری الذی یمکن أن تتبعه فی الحرب القادمة. لکن جهودها منصبة على أسالیب ووسائل اکتشاف وتدمیر مکامن حزب الله. هی مهتمة بالتأکید فی تجنیب مدنییها ویلات الحرب، لکن هذه مسألة تأتی فی الدرجة الثانیة من ناحیة الاهتمام لأن النصر هو الهدف الأول، وهی تعی تماما أن مهمتها الأولى تکمن فی سیطرة جیشها على الأرض ومنع اندحاره ولیس فی وقف إطلاق الصواریخ، وسترکز أساسا على الأهداف التی تشکل خطورة کبیرة على آلیاتها العسکریة سواء على الأرض أو فی الجو.

من المتوقع أن تمیل إسرائیل فی أی حرب قادمة نحو المزید من الاعتماد على الحرب الإلیکترونیة. ستستخدم طائرات إلیکترونیة بکثافة، والإنسان الآلی أیضا کمجسات متقدمة، ومن المحتمل أنها طورت قنابل ذات قوة ارتجاجیة ضخمة تؤثر على مخابئ حزب الله. ستشهد الحرب القادمة ترکیزا إسرئیلیا على تحت الأرض ولیس فوق الأرض، وقناعتی أن حزب الله قد طور أسالیب ووسائل قتالیة جدیدة تختلف عن تلک التی استعملها فی حرب تموز.

هل الافتراض بأن إسرائیل هی التی ستهاجم صحیحا؟ طبعا لا، لکن حزب الله یفضل الحرب الدفاعیة على الهجومیة لأن الهجومیة تعنی الخروج إلى سطح الأرض. لقد ضاعف حزب الله عدید جنوده بعدة مرات، مما یشیر إلى نوایاه بالتقدم البری. الجبهة اللبنانیة لا تحتاج لأکثر من عدة آلاف فی حرب دفاعیة مخندقة، وعشرات الآلاف من القوات تشیر إلى نوایا هجومیة. لکن المسألة غیر الواضحة تتعلق فیما إذا کان حزب الله ینوی التقدم بقوات أرضیة فی حرب دفاعیة أم فی حرب هجومیة. الحرب الدفاعیة هی بالتأکید المفضلة، ونتائجها هی التی تمکن حزب الله من التقدیر الصحیح لنجاح أی تقدم بری باتجاه المستوطنات الصهیونیة فی الشمال. إذا نجح الحزب فی شل الطیران الإسرائیلی ودحر المدرعات الإسرائیلیة فإن الطریق ستصبح سالکة أمامه للتقدم إلى الشریط المحاذی للحدود الاستعماریة. هذا أمر خاضع للتقدیرات المیدانیة، على الرغم من أن الاحتمال وارد بأن قوات حزب الله قد تدربت جیدا فیما یخص هذا الاحتمال.

أما فکرة الحرب الهجومیة من قبل حزب الله، فمن الصعب أن یقوم بها الحزب دون استعداد جیش نظامی قوی للمساندة.

تدخل الجبهة الداخلیة فی کلا الطرفین فی المیزان العسکری. إسرائیل تعانی الآن من غنج أناسها وجنودها. الجیل المؤسس قد انتهى، وأتى جیل الإنترنیت والکیت والکات، ولم تعد تلک الروح القتالیة التی سادت موجودة. أما حزب الله فیواجه أزمة داخلیة أکبر متمثلة بتآمر جزء من جبهته الداخلیة ومن العرب علیه. حزب الله قوی بإعداده واستعداده، ومهموم بخیانة بعض أبناء جلدته. قوى الاعوجاج (ما یسمى بالاعتدال) العربی واللبنانی ستقف ضده، وستعمل على دعم إسرائیل بما أمکن.

الملاحظة الکبیرة فی کل المسألة أن إسرائیل قد توقفت منذ حین عن المرجلة والزمجرة على العرب. کانت یدها فی السابق تسبق کلامها، أما الآن فکلامها کثیر وفعلها قلیل، ولا تستعرض عضلاتها إلا على حلفائها المسمون بالمعتدلین العرب. / شا / 24