"هایتی دمرها زلزال، أما معاناة غزة فمن فعل الإنسان"
عبرت الامم المتحدة امس، عن "قلقها الشدید" ازاء تدهور الخدمات الصحیة فی قطاع غزة الناجم عن الحصار الاسرائیلی بعد سنة على العملیة الواسعة النطاق التی شنها الجیش الاسرائیلی على القطاع. وقال منسق الشؤون الانسانیة للاراضی الفلسطینیة المحتلة لدى الامم المتحدة ماکس غایلارد: "نحن قلقون جداً ازاء الخدمات الصحیة فی غزة".
واضاف: ان "الاغلاق المستمر لقطاع غزة یقوض عمل نظام الرعایة الصحیة ویعرض للخطر صحة ملیون و400 الف نسمة فی غزة، ویسبب تدهوراً مستمراً فی المحددات الاجتماعیة والاقتصادیة والبیئیة للصحة، ویعیق اتاحة الامدادات الطبیة وتدریب العاملین فی الصحة ویمنع المرضى الذین یعانون من ظروف طبیة خطیرة من الحصول على علاج متخصص خارج غزة فی الوقت المناسب".
وقال غایلارد خلال مؤتمر صحافی فی غزة: ان "الوضع لیس مشابهاً للوضع فی هایتی" مضیفاً، "هایتی دمرت من جراء زلزال، لکن هنا الظروف ناجمة کلیاً عن الأمم الـمتحدة تحذر افعال الانسان ویمکن بالتالی ان یتم اصلاحها تماماً". والحصار الاسرائیلی المشدد على قطاع غزة المفروض منذ حزیران 2007 یمنع شهریاً مئات المرضى من غزة من مغادرة القطاع لتلقی العلاج المنتظم. وقد تسمح اسرائیل بمرور بعض المرضى فی حالات طارئة لدوافع انسانیة.
وفی کانون الاول 2009، طلب 1103 اشخاص من السلطات الاسرائیلیة اذناً للتمکن من الخروج من غزة لتلقی العلاج فی اماکن اخرى. وتم رفض 21% من الطلبات بحسب منظمة الصحة العالمیة التی تفید سجلاتها ان 27 مریضاً من غزة توفوا العام 2009 فی انتظار تصاریح خروج اسرائیلیة.
وتقول منظمة الصحة، ان الحصار الاسرائیلی ادى الى نقص فی بعض الادویة وأخرّ او منع تسلیم معدات طبیة وقطع غیار کما الحق ضرراً بالتدریب المهنی للعاملین فی القطاع الصحی غیر القادرین على الخروج من قطاع غزة.
وعبر رئیس مکتب منظمة الصحة العالمیة فی الضفة الغربیة وغزة تونی لورنس عن اسفه لهذا الامر قائلاً: "لا یمکن الإبقاء على نظام فعال للرعایة الصحیة فی معزل عن المجتمع الدولی"، وشدد على ضرورة فتح الحدود لتوفیر الرعایة الصحیة لسکان غزة.
واضاف: "لو حصل فی بلادی فی بریطانیا او فی اوروبا او اسرائیل، ان یکون شخص ما بحاجة لعلاج طارئ ولم یتمکن من الخروج بسبب عراقیل بیروقراطیة لکان الامر اعتبر فضیحة". وقال: "هنا یحصل هذا الامر لحوالی 300 او 400 شخص شهریا".
وقالت منظمة الصحة العالمیة فی تقریر لها صدر أمس، ان "قطاع غزة عبارة عن محطة حاضنة للأزمات السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة طویلة الأمد" مشیرة الى ان "الأحداث الأخیرة أدت إلى تدهور خطیر فی ظروف المعیشة المتضعضعة أصلاً لسکان غزة، وزادت من انحسار النظام الصحی الضعیف".
واضافت: "إن الإغلاق المفروض على غزة منذ منتصف العام 2007 وحتى آخر هجمة عسکریة إسرائیلیة فی الفترة بین 27 کانون الاول 2008 و18 کانون الثانی2009 أدى إلى التدهور الحاصل حالیاً فی محددات الصحة البیئیة والاقتصادیة والمجتمعیة".
واشارت الى ان "کثیراً من العلاجات الطبیة الخاصة مثل عملیات القلب الجراحیة وعلاج بعض أنواع السرطان غیر متوفر فی غزة وعلیه فإن المرضى یتم تحویلهم للعلاج فی مستشفیات خارج غزة، ولکن قوبلت طلبات تصاریح السفر لکثیر من المرضى بالرفض أو التأخیر من قِبل السلطات الإسرائیلیة ما أدى إلى تفویت جلسات العلاج".
واضافت: مؤخراً توفی اثنان وهما ینتظران تحویلهما للعلاج، أحدهما توفی فی تشرین الثانی والآخر توفی فی کانون الأول ولقد توفی 27 مریضاً وهم بانتظار التحویل إلى الخارج منذ بدایة العام 2009". وضربت على ذلک مثالاً قصة فداء طلال حجی التی تبلغ من العمر 19 عاماً وقد تم تشخیص حالتها المرضیة فی العام 2007 على أنها مصابة بسرطان الغدد اللمفاویة وکانت تتلقى العلاج فی مستشفى الشفاء بغزة. ولکن صحتها تدهورت وتم إخبارها أنها بحاجة إلى عملیة زراعة نخاع عظمی.
وحیث إن إمکانیات هذه العملیة غیر متوفرة فی غزة. قام الأطباء المتابعون لحالتها بتحویلها للعلاج فی مستشفى تل هشومیر فی إسرائیل بتاریخ 20آب 2009 وتم تحدید تاریخ 23 أیلول 2009 موعداً لإجراء عملیة الزراعة لها بالمستشفى.
وقام مکتب الاتصال فی المنطقة بتقدیم طلب من أجل فداء لتعبر إیریز فی تاریخ موعد العملیة ولکن السلطات الإسرائیلیة لم ترد على طلبها وبذلک تغیبت عن موعد الحجز المحدد لها فی مستشفى تل هشومیر. وقامت بعدها بالحصول على موعد جدید وبالفعل تم تحدید 20 تشرین الأول 2009 لیکون موعداً آخر وتم تقدیم طلب آخر لعبور إیریز. ولکنها لم تحصل على رد من السلطات الإسرائیلیة، ولکن ظروفها الصحیة تدهورت بشکل أکبر. ثم تم تحدید 9 تشرین الثانی 2009 موعداً آخر لها فی مستشفى شنایدر فی إسرائیل وتقدمت بطلب عاجل لعبور إیریز. ولکن لم یصل أی رد.و توفیت فداء بتاریخ 11 تشرین الأول 2009، ووافقت السلطات الإسرائیلیة على طلبها بتاریخ 12 تشرین الأول 2009 أی بعد مضی 3 أیام على موعد المستشفى وبعد یوم واحد من وفاتها.
واشارت منظمة الصحة العالمیة الى ان إمدادات الأدویة والأدوات الطبیة التی تستخدم لمرة واحدة سمح بدخولها الى غزة بشکل عام ومع ذلک عادة ما یکون هناک نقص فی تلک المواد على أرض الواقع ویعود السبب الرئیس فی ذلک إلى النقص فی التوریدات.
وقالت: "تحدث فترة من التأخیر تصل إلى شهرین أو ثلاثة أشهر عند استیراد معدات طبیة معینة مثل جهاز الأشعة السینیة والأجهزة الکهربائیة. غالباً ما تفتقر الطواقم الطبیة إلى المعدات الطبیة اللازمة. الأجهزة الطبیة عادة ما تکون تالفة أو بحاجة لقطع غیار أو مستهلکة وخارج الخدمة بسبب التقادم".
وفی مجال تدریب الطواقم الطبیة تؤکد المنظمة ان المختصین فی المجال الصحی أصبحوا منقطعین عن العالم الخارجی" وقالت: "القلیل القلیل من الأطباء والممرضین والفنیین تمکنوا من مغادرة قطاع غزة منذ العام 2000 بهدف التدریب (لتحدیث مهارات التمریض أو لمعرفة المزید عن التکنولوجیا الطبیة الجدیدة)، وأثر هذا الانقطاع عن العالم الخارجی بشکل خطیر على قدرتهم فی تقدیم عنایة صحیة ذات نوعیة وجودة متمیزة. لا یمکن المحافظة على نظام صحی وفعّال فی عزلة عن المجتمع الدولی". واضافت: "خلال الاضراب الذی استمر فی الفترة من آب وحتى کانون الأول 2008 أحجم عن العمل ما یقرب من 1750 موظفاً موزعین بین طبیب وممرض وموظف عادی من المستشفیات والعیادات الصحیة حیث تم شغل أماکنهم بموظفین جدد تم توظیفهم بواسطة "حکومة الأمر الواقع" والکثیر من الموظفین الذین أحجموا عن العمل خلال الإضراب لم یعودوا لمزاولة أعمالهم".
وتابعت، "فی آب 2008، ثلثا المستشفیات فی غزة لم یکن لدیها موظفو صیانة. جمیع مستشفیات غزة، عدا المشفیین اللذین فی رفح، لدیها الآن مهندسون وفنیون على رأس عملهم. وفی مسح أجرته منظمة الصحة العالمیة فی الضفة الغربیة وقطاع غزة فی أیار تبین أن ثلاثة أرباع الفنیین یشغلون مناصبهم منذ أقل من عام. فی حین تدرب نصف المهندسین فی صیانة المعدات الطبیة 2009 إلا أن رُبع الفنیین فقط کانوا قد تلقوا تدریباً معیناً فی مجال ما. اما فی الکلیات الطبیة وبرامج الصحة العامة فلا تصل عملیات تطور المناهج مستوى المعاییر الدولیة".
من جهة ثانیة فقد اشارت الى ان البطالة فی قطاع غزة فی ازدیاد حیث بلغت بین القوى العاملة فی غزة ما نسبته 5ر41 % فی الربع الأول من العام 2009وقالت: "الفقر ایضاً فی ازدیاد حیث بلغت العائلات التی تعیش على دخل یصل إلى أقل من دولار فی الیوم للشخص الواحد وذلک فی شهر أیار 2008 ما نسبته من العائلات70 % " واضافت، "البطالة والفقر لهما على الأرجح آثار سلبیة طویلة المدى على الصحة البدنیة والعقلیة للسکان".
على صعید آخر فقد اکدت المنظمة إن ازدیاد الملوحة والمستویات المرتفعة للنترات فی المیاه التی تستخرج بشکل مفرط من المیاه الجوفیة بالاضافة إلى تسرب میاه البحر المالحة یشکل مصدر قلق کبیراً على مدى صلاحیة میاه الشرب خاصة بالنسبة للأطفال الذین یعتبرون من أشد المتأثرین بارتفاع مستوى النترات" وقالت: مستوى الملوحة فی أغلب آبار قطاع غزة یزید على حد 250 ملغم/لیتر وهو الحد المسموح به والذی وضعته منظمة الصحة العالمیة ومستوى ترکیز النترات یتجاوز مستوى 50 ملغم/لیتر وهو مؤشر منظمة الصحة العالمیة حیث تصل نسبة ترکیز النترات فی القطاع إلى 331 ملغم/لیتر.
الى ذلک فقد اکدت ان ندرة مواد البناء تؤثر على مرافق الصحة الأساسیة وقالت: "فمثلاً جناح العملیات الجراحیة الجدید فی المستشفى الرئیسی فی غزة (مستشفى الشفاء) لا یزال غیر مکتمل البناء منذ العام 2006" واضافت: المستشفیات ومرافق الرعایة الأولیة التی تضررت خلال الهجمة العسکریة "الرصاص المصبوب" لم یتم إعادة بنائها بسبب منع دخول مواد البناء إلى غزة.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS