ما ینشده الکیان الصهیونی من الحرب الیمنیة
تسارعت تطورات الأحداث والوقائع فی الساحة السیاسیة الیمنیة, لجهة تعدد بؤر الصراع, وتشیر التحلیلات السیاسیة إلى احتمالات کبیرة تفید معطیاتها إلى إمکانیة تحول بؤر الصراع الیمنی الثلاثة إلى حریق کبیر, تتنازع ضمنه کل الأطراف الداخلیة, وتتورط فیه القوى الإقلیمیة والدولیة, وعلى وجه الخصوص السعودیة والولایات المتحدة الأمیرکیة.
المسرح الیمنی: إشکالیات التصعید المستمر
شهدت منطقة محافظة صعدة الواقعة فی شمال غرب الیمن ستة جولات صراع مسلح بین الحوثیین والسلطات الیمنیة, وتضمنت جولة الصراع السادسة الحالیة دخول السعودیة کطرف داعم للسلطات الیمنیة, هذا, وفی منطقة جنوب الیمن, وتحدیدا رقعة جمهوریة الیمن الجنوبی السابقة, فقد حدثت أربعة انتفاضات انفصالیة, ثلاثة منها أخذت طابعا جماهیریا, وواحدة أخذت طابعا مسلحا.
والآن, وتحدیدا فی مناطق محافظة شبوه وجوارها, فإن مناطق وسط الیمن بدأت الدخول فی مرحلة المواجهات المسلحة بین عناصر تنظیم القاعدة والمتحالفین معه من الأصولیین الإسلامیین, لیس مع القوات الیمنیة وحسب, وإنما مع الولایات المتحدة الأمیرکیة التی لبت نداء السلطات الیمنیة سریعا, وجاءت طائراتها على عجل لکی تقوم بقصف بعض الأهداف فی مناطق محافظة شبوه.
الصراع وحملات بناء الذرائع:
فی مجرى الصراعات والنزاعات, تتلازم العملیات النفسیة مع العملیات العسکریة, بحیث تتلازم ظاهرتان. تسعى کل واحدة باتجاه مساندة الأخرى, ضمن ما یطلق علیه خبراء بروباغاندا الحرب النفسیة تسمیة لعبة "الضحیة والجلاد", فالحکومة الیمنیة تزعم بأنها "الضحیة" فی مواجهة مؤامرات "الجلاد" الممثل فی الحوثیین فی الشمال والانفصالیین فی الجنوب, وعناصر القاعدة والأصولیین فی الوسط, وإضافة لاتهام هذه الأطراف نجد أن الحکومة الیمنیة تتهم إیران بتقدیم الدعم لهذه الأطراف بهدف زعزعة استقرار الیمن, والسعودیة تزعم بأنها "الضحیة" فی مواجهة "الجلاد" الحوثی, وأمیرکا تزعم بانها "الضحیة" فی مواجهة "الجلاد" المتمثل فی تنظیم القاعدة المتمرکز فی الیمن, وإیران تزعم بأنها "الضحیة" فی مواجهة "الجلاد" المتمثل فی أطراف مثلث السعودیة-الحکومة الیمنیة-أمیرکا, وبالمقابل یزعم الحوثیون بأنهم یمثلون "الضحیة" فی مواجهة "الجلاد" المتمثل فی الحکومة الیمنیة والسعودیة والولایات المتحدة الأمیرکیة, أما تنظیم القاعدة, فیزعم بأنه "الضحیة" فی مواجهة "الجلاد" المتمثل فی أطراف مثلث أمیرکا-السعودیة-الحکومة الیمنیة.
الإجابة على السؤال القائل من هو الجلاد الحقیقی, ومن هی الضحیة الحقیقیة, لا یتوقف على ما یحدث حالیا من وقائع دامیة, وإنما یتوقف على نتیجة الصراع بین ما هو تکتیکی وما هو استراتیجی, وبکلمات أخرى, فإن الذی ینجح فی الإمساک بزمام المبادرة والسیطرة فی جبهة العملیات النفسیة والبروباغاندا الدعائیة, فإنه یکون الرابح مهما کان کاذبا ومخادعا ومضللا, أما "الحقیقة" فسوف تظل غامضة, بانتظار التاریخ لکی یکشف عنها لاحقا, ویوضح بجلاء من کان فی الصراع الیمنی یمثل الجلاد الحقیقی, ومن کان هو الضحیة الحقیقیة, وعندها یکون الوقت قد فات, ویصبح الأمر مجرد ملف تاریخی یعلوه الغبار.
الأبعاد غیر المعلنة للصراع الیمنی:
تقول المعلومات والتسریبات, بان إسرائیل قد استغلت الصراع الیمنی الحالی لجهة القیام بتنفیذ واحدة من أکبر عملیات ترحیل الیهود الیمنیین, والذین تم شحنهم على عجل إلى الولایات المتحدة الأمیرکیة, وبقدر أقل إلى إسرائیل, وعلى وجه الخصوص أصحاب الرتب الدینیة الیهودیة, أما السعودیة فقد نجحت فی ضم المناطق الحدودیة المتنازع علیها بین السعودیة والیمن, على غرار سیناریو ضم الأمر الواقع, فقد نفذت القوات السعودیة عملیاتها العسکریة فی هذه المناطق وزعمت السلطات السعودیة بأن قواتها تعمل ضمن النطاق السیادی للأراضی السعودیة, وبالمقابل لم تعترض الیمن رسمیا على ذلک, وهو أمر سوف یشکل قرینة تعمل بشکل حاسم لصالح السعودیة فی أی عملیة تحکیم دولیة, إضافة إلى أن السعودیة لن تقوم بسحب قواتها, وبالمقابل لن تستطیع الحکومة الیمنیة مطالبتها بالخروج.
أما بالنسبة لأمیرکا, فیبدو أنها فی طریقها لحسم الفوز ب"الجائزة الیمنیة" فقد سبق وأن وقعت واشنطن اتفاقیات تعاون أمنی-عسکری مع صنعاء, وتقول المعلومات بان هذه الاتفاقیات أعطت واشنطن الحق فی تنفیذ العملیات العسکریة داخل الأراضی الیمنیة لأغراض محاربة الإرهاب, ودون أخذ إذن مسبق من السلطات الیمنیة, واستنادا على ذلک فقد تحرکت الطائرات بدون طیار الهجومیة الأمیرکیة, وقامت بقصف بعض الأهداف فی محافظة شبوه الیمنیة, وذلک تماما على غرار ما ظلت تقوم به نفس هذه الطائرات الأمیرکیة فی مناطق القبائل الباکستانیة.
هذا, وتقول المزاعم الأمیرکیة, بان الیمن ظل ولفترة طویلة یمثل أحد الملاذات الرئیسیة لعناصر تنظیم القاعدة, ویأتی الیمن فی المرتبة الثانیة بعد أفغانستان, وإضافة لذلک, ویقول الأمیرکیون بان الیمن قدم ثانی أکبر عدد بعد السعودیة من العناصر الجهادیة التی شارکت فی الحرب الأفغانیة ضد القوات السوفییتیة, وأیضا فإن الیمنیین المعتقلین فی غوانتانامو بتهمة الانتماء لتنظیم القاعدة هو الثانی بعد عدد السعودیین.
هذا, وتجدر الإشارة إلى أن تسریبات أمیرکیة سابقة فی عام 2007م, أشارت إلى وجود اتفاق بین إدارة بوش والحکومة الیمنیة, لجهة تسهیل هروب العناصر الجهادیة المسلحة من أفغانستان وباکستان إلى الیمن, مع التزام الحکومة الیمنیة بعدم مضایقة هذه العناصر, وتقول التفسیرات, بأن هذه العملیة شکلت من الناحیة القصیرة الأجل تکتیکا أمیرکیا یهدف إلى تقلیل عدد العناصر الجهادیة الناشطة فی المسرحین الأفغانی والباکستانی, ولکن من الناحیة الطویلة الأجل, فهی تشکل تکتیکا أمیرکیا یهدف لتجمیع أکبر قدر ممکن من العناصر الجهادیة المسلحة فی منطقة واحدة, ثم التخلص بضربة واحدة, ضمن ما یعرف فی علم اقتصاد الحرب بـ"إنجاز أکبر ما یمکن بأقل جهد ممکن".
أما بالنسبة للسلطات الیمنیة, فإن التدخل الأمیرکی والسعودی سوف یتیح لها البقاء لفترة أطول فی الحکم, إضافة إلى تعزیز قدرة الحکومة الیمنیة وجیشها وأجهزة أمنها فی السیطرة على الجبال الیمنیة التی بدأت صخورها أشبه بالرمال المتحرکة.
الیمن واللعبة الاستراتیجیة الکبرى:
تقول المعلومات والتسریبات, بأن برنامج الهجرة الأمیرکی قد استوعب خلال الأعوام الماضیة الآلاف من الشباب الیمنی, والذین تتم حالیا عملیة استیعاب الکثیرین منهم فی الأجهزة الأمیرکیة, وعلى وجه الخصوص فی برنامج قوات مشاة البحریة الأمیرکیة, وذلک تمهیدا لتنفیذ مخطط استخدام هؤلاء الشباب على غرار سیناریو استخدام الشباب العراقیین الذین سبق وهاجروا إلى الولایات المتحدة الأمیرکیة.
تسعى أمیرکا إلى إحکام قبضتها على المسرح الیمنی والاستفادة من المزایا الـ"جیو-استراتیجیة" التی یتمیز بها موقع الیمن. فالتمرکز فی الیمن وجیبوتی یتیح لأمیرکا إطباق سیطرتها على المحیط الهندی, والذی سبق لأمیرکا وأن أطبقت سیطرتها على جانبه الشرقی من خلال التمرکز فی المناطق المطلة على مضیق "ملقه" البحری الاستراتیجی الذی یربط بین بحر الصین الجنوبی والمحیط الهندی, والآن فإن التمرکز فی الیمن وجیبوتی سوف یتیح لأمیرکا التمرکز فی المناطق المطلة على ممر "باب المندب" الاستراتیجی الذی یربط بین البحر الأحمر وغرب المحیط الهندی, هذا, بالنسبة للمزایا الـ"جیو-استراتیجیة".
أما بالنسبة للمزایا الـ"جیو-بولیتیکیة" فإن التمرکز فی الیمن سوف یتیح لواشنطن المضی قدما فی تطبیق خطتها الطویلة الأجل الرامیة إلى تقسیم المملکة العربیة السعودیة إلى أربعة دول صغیرة, بما ینسجم مع المشروع الإسرائیلی الهادف لتقسیم السعودیة وفقا لخارطة التقسیم التی وضعها الزعیم الصهیونی هرتزل خلال الحرب العالمیة الأولى.
ن /25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS