فروانة یرصد أبرز ما أُرتکب بحق المعتقلین أثناء الحرب على غزة
أصدر الأسیر السابق ، الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة ، تقریراً فی الذکرى الأولى للحرب على غزة رصد فیه أبرز الجرائم التی اقترفتها قوات الإحتلال الإسرائیلی بحق المواطنین العُزل بعد اعتقالهم واحتجازهم . وقال فیه بان الحرب على غزة قد کشفت عن الوجه الحقیقی للاحتلال الإسرائیلی فی تعامله مع الأسرى ، وعن ممارساته التعسفیة وانتهاکاته الجسیمة وجرائمه البشعة متعددة الأشکال .
مضیفاً بأن قوات الإحتلال قد ارتکبت بحق المعتقلین خلال أیام وأسابیع الحرب البربریة على غزة ، کل ما کان یوصف فی المواثیق والأعراف والاتفاقیات والمعاهدات الدولیة على انه انتهاکات فظة وجسیمة ، بل وکل ما حذر المجتمع الدولی من اقترافه باعتباره جریمة حرب ، ولاحق وحاکم قادة وشخصیات وحکومات لاقترافهم جرائم مشابهة أقل حجماً وأقل بشاعة .
وفی هذا الصدد أعرب فروانة عن استهجانه من غیاب التحرک الدولی ( الخجول ) الذی ظهر فی حینه تجاه ما أُرتکب ، واستیائه من صمت المجتمع الدولی ومؤسساته المختلفة ولا مبالاته تجاه ما أُرتکب بحق الأسرى والمعتقلین ، وعدم تحرکه الجدی والفاعل لملاحقة مقترفی تلک الجرائم من قیادات الإحتلال بالرغم من مرور عام على الحرب ، مما یعکس مدى تخاذله مع الإحتلال .
وأشار فروانة بأن قوات الإحتلال الإسرائیلی ، کانت قد اعتقلت واحتجزت خلال حربها على غزة قرابة ( 1000 ) مواطن ، فی ظروف مختلفة ومتباینة ، واستخدم المئات منهم بشکل فردی وجماعی کدروع بشریة ، کما استخدمت عائلات بأکملها لهذا الغرض ، وأعدت العدید منهم بعد اعتقالهم ، وترکت الجرحى والمصابین ینزفون دون تقدیم الإسعافات لهم أو حتى السماح للطواقم الطبیة الفلسطینیة بالوصول إلیهم .
وبیَن بأن التصریحات الرسمیة التی کانت قد صدرت عن سلطات الإحتلال باعتبار کل من سیتم اعتقالهم " مقاتلون غیر شرعیین " ، وترجمة ذلک فی آلیة التعامل والتعاطی مع المعتقلین ، یفتح الباب على مصراعیه لاحتمالات کثیرة ربما أخطر وأکثر إجراماً مما وثق ونشر عبر وسائل الإعلام .
ولخص فروانة فی تقریره أبرز الإنتهاکات الجسیمة والجرائم التی ارتکبت بحق المواطنین بعد احتجازهم واعتقالهم خلال الحرب على غزة بالآتی :
الاعتقالات خلال الحرب
- کشف فروانة فی تقریره بأن قوات الإحتلال الإسرائیلی اعتقلت واحتجزت خلال فترة الحرب على غزة قرابة ( 1000 ) مواطن ومواطنة ، بینهم أطفال ونساء ، مرضى وجرحى وشیوخ ، ووضعتهم فی أماکن معرضة للخطر ، ولکن لیس کل من أعتقل بقیّ رهن الاعتقال ، فالمئات منهم قد أطلق سراحهم وسمح لهم بالعودة الى بیوتهم أو الى مناطق داخل القطاع بعد احتجاز دام لبضعة ساعات أو لأیام محدودة جداً ، بعد أن أخضعوا للاستجواب السریع والآنی فی أماکن عسکریة ، فیما نقل قرابة ( مائتی معتقل ) الى أماکن احتجاز خارج حدود قطاع غزة فی معسکرات عسکریة خاصة بالجیش ، ولیست معسکرات اعتقال ، وبعد أیام من التعذیب والتحقیق والضغط أعید غالبیة هؤلاء الى داخل حدود غزة ، فیما نُقل العشرات الى سجون ومعتقلات معروفة کالنقب وبئر السبع وعسقلان للتحقیق والاحتجاز فی ظروف مأساویة وأکثر قسوة من تلک التی یعیشها باقی الأسرى دون الإحتکاک بالآخرین، وفی وقت لاحق أطلق سراح بعضهم ، وأن البعض الآخر صدر بحقه أحکاماً مختلفة أو بانتظار المحاکمة ، وبعد عام من الحرب لم یتبقَ من هؤلاء فی سجون ومعتقلات الإحتلال سوى ما یقارب من ( 20 أسیراً ) فقط .
مقاتل غیر شرعی
- وعن کیفیة التعامل معهم أوضح فروانة بأن سلطات الإحتلال الإسرائیلی أعلنت منذ الیوم الأول لحربها على غزة بأنها ستتعامل مع کل من سیتم اعتقالهم أثناء الحرب وفقاً لقانون " مقاتل غیر شرعی " والذی یُحرمهم من حقوقهم الأساسیة المتعارف علیها وفقا لإتفاقیات جنیف ، وترجمت هذا الإعلان ، حیث رفضت وبشکل مطلق التعاون مع منظمة الصلیب الأحمر الدولیة ، أو الإستجابة لمطالب السلطة الوطنیة الفلسطینیة والمؤسسات الحقوقیة والإنسانیة بالکشف عن أعداد وأسماء کافة المعتقلین لدیها ، بالإضافة الى طریقة التعامل معهم من حیث أماکن الإحتجاز والمعاملة وتقدیم الخدمات والرعایة الطبیة ولقاء المحامین والأهل..الخ ..
القتل والإعدام بعد الاعتقال
- ولم تکتفی بالاعتقالات وسلب حقوقهم بل هناک شهادات وروایات کثیرة تفید بأن قوات الإحتلال مارست سیاسة القتل العمد والإعدام المیدانی لبعض المواطنین العُزل بعد اعتقالهم والسیطرة علیهم ، بأشکال عدة وفی أماکن مختلفة ، بشکل فردی وجماعی ، إما فی الشارع وأمام مرأى الآخرین أو داخل شققهم السکنیة دون السماح لطواقم الإسعاف بانتشال جثامینهم ، أو اعتقالهم واحتجازهم ومن ثم إطلاق سراحهم والسماح لهم بمغادرة المکان باتجاه مناطق تعتبر آمنة داخل القطاع ومن ثم إطلاق النار علیهم أو قذائف الدبابات مما أدى الى استشهادهم
بالإضافة الى ذلک فان رفضها التعاطی مع الصلیب الأحمر وتزویده بأسماء المعتقلین أو السماح لمندوبیه بزیارة أماکن الاحتجاز فی غزة أو على حدودها ربما یکون قد منحها الفرصة لإعدام بعضهم بشکل متعمد وإلقاء جثامینهم فی شوارع غزة التی کانت تحتلها قوات الإحتلال ووجدت ملقاة على قارعة الطریق بعد انسحاب قوات الإحتلال منها ، أو دفنها فی مناطق کانت قد شهدت قتالاً خلال الحرب والإیحاء وکأنهم قتلوا خلال الحرب.
هذا بالإضافة الى أن العشرات من المواطنین الغزیین لازالوا فی عداد المفقودین ، ویُجهل مصیرهم ، ویُخشى بأن تکون قوات الإحتلال قد أعدمت بعضهم خلال الحرب ودفنت جثامینهم فی مناطق القتال دون التمکن من انتشالها حتى اللحظة ، أو إقدامها على إعدام بعض من کانت تحتجزهم فی أماکن سریة ، بمعنى أنه لیس بالضرورة أن المفقودین هم شهداء لا تزال جثامینهم تحت الأنقاض ، فربما جثامینهم لدى الإحتلال .
لیس هذا فحسب ، بل وفی حالات أخرى تم إعدام عائلات بأکملها بعد هدم البیوت فوق رؤوس من فیها من بشر رغم علو صرخاتهم ونداءاتهم وظهور ما یؤکد وجود أناس بداخله .
السجون السریة ومقابر الأرقام وسرقة الأعضاء :
- إنکار " اسرائیل " أسماء من لدیها من أسرى ربما أتاح لها فرصة احتجاز بعضهم فی سجون سریة ، وهؤلاء کان یُعتقد أنهم شهداء وأن جثامینهم تحت الأنقاض ، وربما أیضاً نقلوا الى مقابر أرقام ، وربما أیضاً نقلوا الى معاهد التشریح وسُرقت أعضائهم ودفنت جثامینهم فی أماکن مجهولة .
التعامل مع الجرحى والمصابین ممن تم اعتقالهم واحتجازهم :
- شهادات کثیرة أکدت بأن قوات الإحتلال الإسرائیلی تعاملت بقسوة أثناء الحرب مع الجرحى والمصابین وحتى المرضى ، ممن تم احتجازهم واعتقالهم ، فهی لم تکتفِ بترک المصابین والجرحى ینزفون دماً ، وعدم تقدیم الإسعافات لهم ، بل استخدمتهم دروع بشریة ولم تسمح لطواقم الإسعاف الفلسطینیة الوصول إلیهم وتقدیم الإسعافات الأولیة لهم أو نقلهم للمستشفیات الفلسطینیة ، مما أدى لوفاة بعضهم .
وفی السیاق ذاته لم تکن قوات الإحتلال تسمح لوصول لسیارات الإسعاف للمنطقة المتواجدة فیها أو القریبة منها لغرض نقل مریض أو مریضة للمستشفى ، مما فاقم من معاناة هؤلاء المرضى داخل بیوتهم وشققهم السکنیة المحاصرة من قبل قوات الإحتلال .
استخدام المعتقلین دروع بشریة :
- قوات الإحتلال الإسرائیلی استخدمت المعتقلین کدروع بشریة بشکل فردی وجماعی ، وفی أماکن مختلفة ، فبعضهم وضعوا کجماعات ( ذکور وإناث ) فی أماکن متقدمة من ساحة القتال المباشرة ، وجماعات أخرى من الذکور وضعوا فی حفر کبیرة - أعدت خصیصاً لهذا الغرض- أمام بضعة أمتار من تمرکز الدبابات وعرضة لمرمى النیران المتبادلة ، بل وأن شهادات بعضهم أکدت وصول بقایا الرصاص لأجسادهم .
وجماعات أخرى بأعداد أقل وضعت أمام الدبابات مباشرة ، وفی بعض الأحیان تم اعتلاء البیت والسیطرة علیه وتحویله الى ثکنة عسکریة أو نقطة مراقبة وعمل فتحات فی جدار البیت لإطلاق الرصاص والقذائف منها ، فیما احتجزت الأسرة بأکملها فی غرفة واحدة مما عرضها للخطر ، وفی أحیان کثیرة اعتقل المواطنین بهدف استخدامهم کدروع بشریة بشکل فردی ووضعهم فی مقدمة الجنود أثناء اقتحامهم للأبراج والشقق والبنایات السکنیة أو لتمشیط واستکشاف المنطقة المحیطة بالبیت الذی حولوه لثکنة عسکریة ، بل وفی شهادات أخرى استخدموا المعتقلین لمعرفة اتجاه إطلاق النار الآتی إلیهم.
غیاب التوثیق یعنی ضعف الملاحقة وفقدان الأمل فی المحاسبة
- بعد انقضاء عام على الحرب ، وما تردد من روایات وشهادات عن ما تعرض له المواطنین العُزل بعد احتجازهم واعتقالهم من انتهاکات جسیمة ومعاملة قاسیة ولا إنسانیة ، وما أرتکبت بحقهم من جرائم عدیدة ، یوصفها ویعتبرها القانون الدولی على أنها جرائم حرب تستدعی ملاحقة ومحاکمة مقترفیها ، فان الباحث فروانة یعرب عن استغرابه الیوم لعدم توفر کتاب واحد یتناول ویوثق مجمل تلک الجرائم المتعلقة بالمعتقلین وما تعرضوا له أثناء الحرب ، کخطوة أولى باتجاه الملاحقة والمحاسبة .
ان غیاب التوثیق المنهجی ، یعنی ضعف الملاحقة ویعکس عدم جدیة فی الملاحقة ، مما یؤدی الى فقدان الأمل فی محاسبة مجرمی الحرب ، لا سیما وأن ( لا ) ملاحقة و( لا ) محاسبة دون توثیق علمی وممنهج .
وفی هذا الصدد دعا فروانة الى ما یلی :
- تشکیل لجنة وطنیة وإسلامیة من قبل المؤسسات المعنیة بالأسرى لجمع الشهادات والروایات والتحقیق فی کل ما تعرض له المواطنون العُزل من انتهاکات فظة وجرائم إنسانیة أثناء احتجازهم واعتقالهم وما بعد اعتقالهم أثناء الحرب على غزة ، وتوثیقها وفقاً لخطة ممنهجة متکاملة ، على طریق ملاحقة مقترفیها فی المحاکم الدولیة ومحاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم .
- العمل بشکل فوری وقانونی من أجل إلغاء التعامل بقانون " مقاتل غیر شرعی " مع معتقلی غزة الذی یشکل انتهاکاً جسیماً لقواعد القانون الدولی الإنسانی ، لما لذلک من أضرار خطیرة ، لا سیما وأن استخدام هذا القانون قد تزاید فی الآونة الأخیرة واستخدم بحق أسرى من غزة کانوا معتقلین منذ ما قبل الحرب و انتهت فترة محکومیاتهم ، وإلزام حکومة الإحتلال الإسرائیلی الى اعتماد القانون الدولی واتفاقیة جنیف فی تعاملها مع الأسرى الفلسطینیین والعرب المحتجزین فی سجونها ومعتقلاتها .
- التحقیق فی ظروف استشهاد کافة المواطنین الذین وجدت جثامینهم فی المناطق التی انسحبت منها قوات الإحتلال ، فلربما بعض هؤلاء قد قتلوا عمداً وألقیت جثامینهم فی أماکن القتال أو القصف .
- دعوة المؤسسات الحقوقیة لاسیما ذات الإمتدادات الدولیة الى تفعیل دورها على المستوى الدولی ومواصلة ضغطها على مؤسسات المجتمع الدولی لاسیما تلک التی تعنى بحقوق الإنسان والأسرى ، بهدف التأثیر علیها ودفعها للتخلی عن موقفها المتخاذل مع حکومة الإحتلال وعدم التعامل بمکیالین ، على اعتبار ان حقوق الإنسان جزء لا تتجزأ ، وان المجرم أیا کان موقعه وجنسیته ودیانته یجب محاسبته على جرائمه الإنسانیة ، وان " اسرائیل " هی لیست فوق القانون أو خارج المساءلة .
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS