تشکیل حکومة الثورة الاسلامیة فی ایران وابرز التحدیات
لم یکن تحقق وعود الإمام الخمینی (قدس سره) وانتصار الثورة الإسلامیة فی إیران، مجرّد حادثة داخلیة قادت الى تغییر النظام السیاسی، بل کانت الثورة الإسلامیة زلزالاً مدمراً للعالم الغربی، کما وصفها کثیر من المسؤولین الأمیرکیین والإسرائیلیین والأوروبیین فی مذکراتهم التی نُشرت فیما بعد. وهکذا، ومنذ صبیحة الحادی عشر من شباط (فبرایر) 1979 م، بدأ عداؤهم للنظام الإسلامی الفتیّ، بشکل سافر وواسع وشامل.
کانت أمیرکا تقود جبهة الأعداء، التی ساهم فیها بشکل فاعل کلٌ من الحکومة الإنکلیزیة والعدید من الدول الأوروبیة الأخرى، جنباً الى جنب مع کافة الأنظمة العمیلة للغرب. کما انضم الإتحاد السوفیاتی السابق والبلدان الدائرة فی فلکه (بسبب امتعاضهم من سیادة الدین فی إیران) الى الأمیرکیین، وناصروهم فی الکثیر من مواقفهم العدائیة ضد إیران.
وکان الإمام الخمینی (قدس سره) یطمح، من خلال إعلان التعبئة العامة للشعب الإیرانی لإعمار البلاد، الى تجسید مثال المجتمع الدینی السلیم والمتطور. وبوحی من ذلک، أعلن عن تشکیل مؤسسة جهاد البناء التی هیّأت الأرضیة لحضور الکوادر المتخصصة والطاقات الثوریة فی المناطق المحرومة والقرى والأریاف، لتبدأ خلال فترة وجیزة عملیات شق الطرق، وإنشاء المراکز الصحیة والعلاجیة، وتأسیس شبکات المیاه والکهرباء على نطاق واسع.
ولم یمضِ سوى شهرین على انتصار الثورة، حتى أعلن الشعب الإیرانی، فی واحدة من أکثر الإنتخابات حریةً فی تاریخ إیران، عن تأییده بنسبة 98.2 بالمئة لإقامة نظام الجمهوریة الإسلامیة فی إیران. وتلت ذلک الإنتخابات السیاسیة لتدوین الدستور والمصادقة علیه، وإقامة انتخابات الدورة الأولى لمجلس الشورى الإسلامی.
فی هذا الظرف بالذات إشتد تصعید أمواج الفتن ووتیرة الضغوط الخارجیة. وکانت أمیرکا تسعى عن طریق طابورها الخامس، الى إنهاء النظام الإسلامی بمشکلاته الداخلیة، والتمهید لإسقاط النظام عبر إثارتها للفتن والإختلافات.
ومن أُولى الحروب التی لجأ إلیها أعداء الثورة لإضعاف نظام الجمهوریة الإسلامیة: إغتیال وجوه الثورة وشخصیاتها المهمة. وخلال فترة وجیزة غُیِّبت وجوه بارزة، فی طلیعتها العلامة الشهید آیة الله مرتضى المطهّری (عضو مجلس قیادة الثورة)، والدکتور محمد مفتّح، والفریق قرنی (رئیس هیئة الأرکان)، والحاج مهدی عراقی وآیة الله قاضی الطباطبائی.
إنّ أمیرکا لیست فقط لم تستجب لمطالب الشعب الإیرانی المشروعة، الداعیة الى تسلیم الشاه، وإعادة الأموال والودائع الإیرانیة المجمّدة فی أمیرکا، والتی بلغت اثنتین وعشرین ملیار دولار، بل وضعت إمکانات واسعة تحت تصرّف مسؤولی نظام الشاه الفارین، لتمکینهم من تنظیم تشکیلاتهم فی الخارج، وإشهار عدائهم للنظام الإسلامی.
ونتیجة للعداء الأمیرکی الصارخ دفع غضب الشعب الإیرانی مجموعة من الطلبة المسلمین الإیرانیین الى اقتحام السفارة الأمیرکیة فی طهران، واعتقال الجواسیس الأمیرکان بعد القضاء على مقاومة حراس السفارة من الأمیرکیین.
أید الإمام الخمینی (قده) الخطوة الثوریة للطلبة، ووصفها بأنها ثورة أعظم من الثورة الأولى. وقام الطلبة السائرون على نهج الإمام بنشر الوثائق التی عثروا علیها فی السفارة بالتدریج فی أکثر من سبعین کتاباً حملت عنوان وثائق وکر التجسس الأمیرکی فی إیران .
وقد کشفت هذه الوثائق، المسلَّم بصحتها، النقاب عن أسرار التجسس والتدخل الأمیرکی الذی لا حدود له فی کلٍّ من إیران وبلدان العالم، وأظهرت للعیان الکثیر من عملاء أمیرکا وأدواتها وجواسیسها، وأسالیب التجسس والتحرکات السیاسیة الأمیرکیة فی مناطق العالم المختلفة.
مثّل احتلال السفارة الأمیرکیة، التی عُرفت فی ثقافة الثورة الإسلامیة بـ "وکر التجسس" ، فضیحة کبرى للحکومة الأمیرکیة، وحقق للشعب الإیرانی مکاسب عدیدة لعل أبرزها - فضلاً عن ضمان استمرار الثورة - تحطیم الغرور الأمیرکی، وبث الأمل فی نفوس شعوب العالم الثالث بإمکانیة مواجهة القوى الکبرى وإلحاق الهزیمة بها.
إنّ هزیمة المخططات الأمیرکیة التی استهدفت الإطاحة بنظام الجمهوریة الإسلامیة، بدءاً بالحظر الإقتصادی والعزلة السیاسیة التی فُرضت على إیران، ومروراً بعملیة صحراء طبس ، وانتهاءاً بمحاولات تجزئة البلاد عن طریق دعمها للتنظیمات المعادیة للثورة؛ کل ذلک دفع الحکومة الأمیرکیة للتفکیر فی اختیار الخیار العسکری.
وهکذا، بدأ الجیش العراقی فی 22/9/1980 م، بإیحاء من الحکومة الأمیرکیة ودعم القوى الکبرى، عدوانه العسکری الواسع على امتداد 1289 کم من الحدود المشترکة مع إیران. وتزامناً مع تقدّم هذه القوات، قامت الطائرات العراقیة، فی الساعة الثانیة من عصر ذلک الیوم، بقصف مطار طهران والعدید من المدن الأخرى.
قوبل خبر شن العراق للحرب ضد إیران، رغم أهمیته القصوى، بصمت مطبق من قِبل المحافل الدولیة والقوى العالمیة کافة. بید أنّ ما یثیر الإعجاب ویبعث على التأمل الى حد کبیر، ردود الفعل الأولیة التی صدرت عن الإمام الخمینی (قده)، التی عکستها بیاناته وخطاباته التی تطرّقت الى اعتداء الجیش العراقی من أبعاد مختلفة. إلاّ أنه لا یتّسع المجال هنا للحدیث عن دقائقها وخصوصیاتها.
أصدر الإمام على الفور أمر المقاومة. وفی أول تحلیل له خلال خطاب ألقاه، إعتبر أمیرکا المسبّب الأساس لهذه الحرب والمحرّک لنظام صدام حسین فی العراق والداعم له، وطمأن الشعب الإیرانی بصریح العبارة بأنه إذا ما هبّ لردّ العدوان من أجل رضى الله، بوصفه واجباً شرعیاً، ستکون هزیمة العدو حتمیة، رغم کل العوامل الظاهریة التی کانت تشیر الى عکس ذلک.
حدّد الإمام الخمینی (قده) فی الیوم التالی من بدء الهجوم العراقی، عبر بیان وجّهه للشعب الإیرانی ضم سبعة بنود مقتضبة إلاّ أنها دقیقة وشاملة، حدّد الخطوط العامة للطریقة التی ستدار بها الحرب وشؤون البلاد فی ظروف الحرب. وفی الوقت ذاته، أتم الحجة على الشعب العراقی وجیشه، عبر بیانات عدیدة أصدرها. ومن یومها مارس إشرافه وقیادته لدفاع الشعب الطویل الشاقّ على مدى ثمانی سنوات، بحکمة نادرة.
إستقبل الشباب الإیرانی الثوری أمر الإمام الداعی الى التعبئة العامة، وتشکیل جیش العشرین ملیوناً، بحفاوة بالغة. ویومها أوجدت صور تدریب قوات التعبئة وإرسالهم الى جبهات القتال فی إیران أجواء مفعمة بالمعنویات. کما أنّ الإنتصارات المتلاحقة التی حققها مقاتلو القوات الإسلامیة قد أظهرت للعیان الضعف والإرباک الذی دبّ فی صفوف العدو.
وشیئاً فشیئاً أسفرت أمیرکا وحلفاؤها الأوروبیون عن وجوههم المتسترة وراء الحرب، وبدأت أنواع الأسلحة المتطورة - التی کانت عملیة الحصول علیها، حتى فی ظروف السلم، شاقةً للغایة وتستغرق وقتاً طویلاً من المباحثات والتنازلات - بدأت تنهال على العراق بسرعة مدهشة وتوضع تحت تصرّف صدام. ونتیجة لذلک، لم یتوانَ العراق عن ارتکاب أفظع الجرائم الوحشیة، من قبیل القصف الجوی المکثّف للمدن والقرى، وتدمیر المراکز الإقتصادیة، وإطلاق الصواریخ المدمرة بعیدة المدى على المناطق السکنیة، التی کانت تخلّف وراءها مئات الضحایا من النساء والأطفال. وکل ذلک یتم على مرأى ومسمع من المنظمات الدولیة التی تدّعی الدفاع عن حقوق الإنسان، دون أن تنبس ببنت شفة.
ولم تتمکن المساعدات الواسعة والشاملة التی کانت تقدّم لصدام، من تغییر مجرى الحرب والموقف فی جبهات القتال لصالحه، بل کان الموقف فی جبهات القتال لصالحه، بل کان الموقف یسیر بوتیرة متسارعة لصالح القوات الإسلامیة.
وتزامناً مع تصعید وتیرة قصف المناطق السکنیة وإطلاق الصواریخ البعیدة المدى، لجأت أمیرکا الى التدخل المباشر فی الحرب، إذ توجهت حاملات الطائرات الأمیرکیة والإنجلیزیة والروسیة باتجاه الخلیج الفارسی للتواجد على مقربة من مسرح العملیات.
وکانت أمیرکا تعتقد بأنّ الخیار الوحید المتبقی هو تدویل الحرب ودفع البلدان الأخرى للتدخل المباشر. ولهذا لجأت الى ما عُرف فیما بعد بحرب الناقلات، وکانت مهمة القوات الأجنبیة الموجودة فی میاه الخلیج الفارسی، تتلخص فی منع تصدیر النفط الإیرانی وتوقیف السفن التجاریة وتفتیشها، ومن ثم الحؤول دون وصول السلع الأساسیة الى الجمهوریة الإسلامیة. وخلال هذه الأحداث، تعرّضت العدید من السفن التجاریة وحاملات النفط الإیرانی الى القصف الصاروخی والحملات الجویة الأمیرکیة. کما أضرمت القوات الأمیرکیة النیران فی العدید من آبار النفط الإیرانیة ومنصاتها فی میاه الخلیج الفارسی. وفی آخر ممارساتها العدوانیة أقدمت الحکومة الأمیرکیة على ارتکاب جریمة یندى لها جبین الإنسانیة، إذ قامت حاملة الطائرات الأمیرکیة وینسن فی تموز عام 1988 م بإطلاق صاروخین باتجاه طائرة مدنیة إیرانیة کانت تحمل على متنها 290 راکباً من النساء والأطفال والرجال، وإسقاطها فی میاه الخلیج الفارسی وقتل جمیع رکابها.
ومن الحوادث المؤلمة التی شهدتها هذه المرحلة، المذبحة التی ارتکبها أفراد النظام السعودی بحق الإیرانیین من حجاج بیت الله الحرام. ففی یوم الجمعة، السادس من ذی الحجة 1407 للهجرة (2/8/1987 م)، وفیما کان أکثر من مئة وخمسین ألف حاج یسیرون فی شوارع مکة للمشارکة فی مراسم البراءة من المشرکین، هجم علیهم فجأة من کل حدب وصوب أفراد الشرطة السعودیة بلباسهم العسکری والمدنی، بعد أن تم إغلاق جمیع المنافذ، هجموا علیهم بمختلف أنواع الأسلحة، وأمعنوا فی قتلهم وجرحهم وضربهم والإنتقام منهم، وقد استُشهد فی هذه الواقعة ما یقارب 400 حاج من الحجاج الإیرانیین واللبنانیین والفلسطینیین والباکستانیین والعراقیین وحجاج بقیة البلدان، والذی قدّر بأکثر من خمسة آلاف حاج، کما أُلقی القبض على العدید من الأبریاء.
إنّ حشود القوات الغربیة فی الخلیج الفارسی، وما شهدته الشهور الأخیرة من حرب الثمانی سنوات، لم یأتِ اعتباطاً، إنما جاء فی وقت أظهرت القوات الإسلامیة تفوّقها التام، مما أجبر العدو على الإنسحاب الى ما وراء الحدود فی معظم المناطق التی کان یحتلهما من قبل، وبعد أن شارفت الحرب على اجتثاث جذور الفتنة من المنطقة، وکاد سقوط صدام على أیدی القوات الإسلامیة أن یعلن للعالم هزیمة قوى عالمیة عدیدة فی مواجهتها للثورة الإسلامیة،ترکّزت مساعی أمیرکا ومجلس الأمن خلافاً لما کان علیه موقفهما فی السابق بسدّ الطریق أمام تقدّم المقاتلین الإیرانیین، والحؤول دون سقوط صدام.
وجاء بیان الإمام الخمینی، الذی عُرف ببیان قبول القرار 598 (20 تموز 1988 م) لیجسّد حکمة الإمام وقیادته الفذة بأبهى صورة. إذ تطرّق الى نتائج الحرب المفروضة وأبعادها بصراحة ووضوح، وحدّد الخطوط العامة لمستقبل النظام والثورة الإسلامیة فی مختلف المجالات، بما فیها المواجهة مع القوى الکبرى والتمسک بأهداف الثورة وتطلعاتها.
وهکذا تنتهی حرب الثمانی سنوات دون أن یظفر مشعلو فتیلها فی تحقیق أی واحد من أهدافهم. ومرة أخرى یبرهن الشعب الإیرانی النبیل فی ظل قیادة الإمام الحکیمة، على حقّانیّته وسلامة مسیرته، وأن یجعل أمنیة تجزئة إیران الإسلامیة وهزیمتها حسرة فی قلوب أعدائها.
إنّ أخطر جرائم صدام وأعظم خیاناته مع البلدان التی تتستّر برداء العروبة والإسلام، التی شجّعته على العدوان وقدّمت له مختلف أنواع الدعم والمساعدة، فضلاً عن هدر الطاقات العظیمة الإنسانیة والإقتصادیة لکلا البلدین، هو أنه بشنّه لهذه الحرب المقیتة تنفیذاً لأوامر أسیاده، قد قضى على الجهود التی بُذلت على طریق توحید الأمة الإسلامیة، وتحقق ثورة الإسلام العالمیة، إذ کانت الظروف قد تهیّأت تماماً لتحقیقها بعد سقوط الشاه.
وما أن استتبّ السلام نسبیاً، أصدر الإمام الخمینی بیاناً فی 3/10/1988 م من تسعة بنود، حدّد فیها لمسؤولی الجمهوریة الإسلامیة النهج الذی ینبغی اتّباعه فی مسیرة إعادة بناء البلاد وإعمارها. وتکفی القراءة المتأنیة لهذه البنود لاستشفاف عمق نظر الإمام وأصالة القیم التی یؤمن بها.
ومن المواقف المهمة الأخرى التی صدرت عن الإمام الخمینی (قده) فی الأشهر الأخیرة من عمره المبارک، والتی تستحق التأمل، الرسالة التی بعث بها سماحته الى غورباتشوف ، آخر رؤساء الإتحاد السوفیاتی السابق. ففی هذه الرسالة التی بعث بها فی 1/1/1989 م أشار الإمام، ضمن تحلیله للتحولات التی شهدها الإتحاد السوفیاتی، الى عجز النظام المارکسی الإلحادی عن إدارة المجتمع، وأعلن بأنّ مشکلة الإتحاد السوفیاتی الأساسیة تکمن فی عدم إیمان قادته بالله؛ وحذّرهم من الإنقیاد الى النظام الرأسمالی الغربی، وأن لا تخدعهم أمیرکا.
وفی جانب آخر من الرسالة، وضمن تطرّقه الى المسائل الفلسفیة والعرفانیة العمیقة، وإشارته الى فشل الشیوعیین فی سیاساتهم المعادیة للدین، طلب الإمام الخمینی (قده) من السید غورباتشوف أن یؤمن بالله وبالدین بدلاً من عقد الآمال على التوجهات المادیة للغرب.
ومن الحوادث المهمة والمؤلمة التی شهدتها الشهور الأخیرة من عمر الإمام، طباعة ونشر کتاب الآیات الشیطانیة من قِبل إحدى دُور النشر الغربیة. وإذا ما نظرنا الى حقیقة التأیید الغربی الرسمی لمؤلف هذا الکتاب سلمان رشدی ندرک أنّ هذا الدعم مثّل بدایة فصل جدید من الهجوم الثقافی الغربی ضد القیم والمقدسات الإسلامیة، إذ إنّ الکتاب استهدف الطعن بالأصول الإسلامیة، والإساءة الى المقدّسات، التی کان التحمس للذود عنها سبباً فی توحد نهج الحرکات الإسلامیة التی ظهرت فی العقود الأخیرة وانسجام أهدافها وتطلعاتها.
أصدر الإمام الخمینی (قده) بتاریخ 14/2/1989 م بیاناً، إنطلاقاً من الحقائق المسلّمة بها، وعلى ضوء المعتقدات الإسلامیة التی تحظى بتأیید مذاهب المسلمین، واستلهاماً من فتاوى علماء الإسلام الکبار التی تحتفظ بها الکتب الفقهیة للفرق الإسلامیة، أکد فیه ارتداد سلمان رشدی والحکم علیه، وعلى ناشری الکتاب المطّلعین على محتواه، بالقتل.
ومع صدور حکم الإمام، وقف المسلمون، بشتى مذاهبهم ولغاتهم وقومیاتهم، بصفوف مرصوصة فی مواجهة الهجوم الغربی، الذی أعدّ له مسبّقاً.
وقد أظهرت هذه الحادثة للعیان، تماسک المجتمع الإسلامی ووحدة الأمة الإسلامیة تجاه الأخطار التی تهدّدها، وأوضحت بأنّ المسلمین رغم اختلافاتهم الداخلیة متى ما توفرت لهم القیادة الحقیقیة بإمکانهم بأن یضطلعوا بدور مصیری فی رسم مستقبل العالم بوصفهم طلیعة حرکة الإحیاء الدینی - .
کما استطاع الإمام الخمینی (قده) فی السنوات التی أعقبت انتصار الثورة الإسلامیة، رغم المؤامرات المتلاحقة لأعداء الإسلام، وفی مقدّمتهم أمیرکا، التی استهدفت إسقاط الحکومة الإسلامیة فی إیران، وفرضت حرب الثمانی سنوات على الشعب الإیرانی المسلم، إستطاع الإمام، عبر توجیهاته وقراراته، بتشکیل المؤسسات الثوریة والمراکز الحیویة، وإعادة تنظیم التشکیلات الموروثة عن النظام السابق، أن یمهّد الأرضیة لخدمات واسعة وقیّمة للشعب الإیرانی.
إنّ تشکیل مؤسسات من قبیل مؤسسة جهاد البناء و لجنة الإمام الخمینی للإغاثة و مؤسسة 15 خرداد و مؤسسة الإسکان و مؤسسة شهداء الثورة الإسلامیة و مؤسسة المستضعفین و نهضة محو الأمیة والتی شملت بخدماتها أقصى نقاط إیران وأکثر القرى والأریاف المحرومة، هی من جملة الإنجازات التی تحققت فی حیاة الإمام الخمینی (قده).
کما أنّ تشکیل کلٍّ من لجان الثورة الإسلامیة و قوات حرس الثورة الإسلامیة ، وإعادة تنظیم جیش الجمهوریة الإسلامیة فی إیران ، ودور هذه الکیانات فی المحافظة على الأمن، وردّ عدوان النظام البعثی، وإحباط مؤامرات الأعداء، تعدّ من الإنجازات المثیرة والباهرة للثورة الإسلامیة.
ومن جملة الأمور التی تحققت بتأکید سماحة الإمام ومتابعته لها شخصیاً، التحول الذی شهدته الحوزات العلمیة، وإعادة النظر فی مناهج المدارس والجامعات، وإقامة دورات جامعیة جدیدة بمستویات مختلفة، وإنشاء الجامعات ومراکز التعلیم العالی فی المناطق المحرومة، وتوسیع مدى بث مؤسسة الإذاعة والتلفزیون الى أقصى نقطة فی البلاد، وتقدیم خدمات الإتصالات الى أبناء هذه المناطق.. علماً أنّ تشکیل المجلس الأعلى للثورة الثقافیة وتولّیه مسؤولیة الإشراف على برامج الدورات الجامعیة وتدوین المناهج الدراسیة للجامعات، وإعداد الأساتذة الجامعیین، وتنظیم القبول فی الجامعات، هی من جملة الخطوات التی تمّت المباشرة بها منذ أوائل انتصار الثورة الإسلامیة.
وبعد عشرة أعوام من تجربة نظام الجمهوریة الإسلامیة فی إیران، بعث سماحة الإمام الخمینی (قده) بتاریخ 24/4/1989 م رسالة الى رئیس الجمهوریة انذاک (سماحة آیة الله الخامنئی) أوکل فیهما الى لجنة من أصحاب الرأی والخبراء مسؤولیة دراسة وتدوین التعدیلات اللازمة فی الدستور على أساس محاور حدّدها فی الرسالة، وذلک بدافع إصلاح وتکمیل تشکیلات النظام الإسلامی.
إنّ مثل هذا القرار ونظائره یشیر بوضوح الى أی حدّ کان هاجس ترسیخ وتقویة أرکان الحکومة الإسلامیة یشغل فکر الإمام (قده)، وکیف أنه کان ینتهز کل فرصة لیمهّد الأرضیة ویعبّد الطریق أمام تطبیق الأحکام الإسلامیة على أحسن وجه.
المصدر: قناة العالم الإخباریة
م/24
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS