qodsna.ir qodsna.ir

إسرائیل فی عیون العرب....... مخاطر التهویل والتهوین

للأسف الشدید فأن التعاطی العربی مع إسرائیل فی الأعم ینطلق من أحد منطلقین متناقضین وخطیرین فی آن معاً، وهما التهویل والتهوین. فهناک قسم من العرب یتعامل مع إسرائیل من منطلق التهویل، وتصویرها وکأنها بعبع لا قبل لأمة العرب به، وأن أفضل صور التعاطی مع هذا البعبع یتمثل بالتوافق معه وقبول ما یتفضل به على اعتبار أن أی مواجهة مع هذا الکیان ستنتهی بخسارة محققة. وأولئک الذین یتبنون مثل هذه المقاربات هم دعاة الحلول الإستسلامیة وأرباب الفکر الإنهزامی، الذین لا یتوانون فی تبریر کل تنازل لإسرائیل وتقدیمه على أنه " أفضل ما یمکن احرازه " فی ظل موازین القوى القائمة، ولسان حالهم یقول " لیس بالإمکان أفضل مما کان ".  والذی یلاحظ السجالات الفکریة على صدر صفحات بعض الصحف العربیة یلمس بسهولة وجود نخب متخصصة فی تکریس هذه الصورة لإسرائیل ومهاجمة أولئک الذین أخذوا على عاتقهم التصدی لوجودها السرطانی فی قلب الأمة، والإستهزاء بهم والتقلیل من شأنهم والتشکیک فی دوافعهم.

نظریة " بیت العنکبوت "

أما خطاب التهوین، فهو قائم على الشعبویة والتسطیح، عبر التهوین من قوة إسرائیل وتقدیمها على أساس أنها مجرد " بیت عنکبوت " واهن. وأهل هذا الخطاب الذین ینتمون فی الغالب للتیارات الإسلامیة والقومیة لا یقدمون تفسیرات مقنعة وموضوعیة لحقیقة بقاء إسرائیل فی قلب المحیط العربی ومراکمتها لعوامل القوة وأسباب المنعة العسکریة والإقتصادیة بشکل جعل الدول العربیة تخفق فی معظم حروبها مع هذا الکیان. واضح تماماً أن مثل هذا الشکل من أشکال التعاطی خطیر لأنه لا یساعد على إعمال العقل والفکر، ویدفع نحو توفیر المتطلبات الضروریة لحسم المواجهة مع هذا الکیان. لذا فأنه یفترض بنا أن نسلک نفس الطریق التی سلکته إسرائیل فی تعاطیها معنا، والقائم على اعتبار معرفة الطرف الأخر متطلب ضروری لتحقیق النصر علیه. فنحن مطالبون بمعرفة عدونا بشکل موضوعی ودقیق قائم على الدراسة والبحث والتمحیص وإعمال الفکر ولیس عبر الرکون الى فیض العواطف والمواقف المسبقة. ففی إسرائیل تستند عملیة صنع القرار تجاه کل القضایا وتحدیداً تلک المتعلقة بالتعاطی مع العرب أولاً وقبل أی شئ على المعرفة والمعلومة المجردة. لذا فأن کل من یرصد الجهد الاسرائیلی فی مجال تأمین أسباب التمکین للمشروع الصهیونی یفاجأ بالحرص الصهیونی الفائق على معرفة کل ما یدور فی العالم العربی عبر رصد علمی موضوعی ومحاولة تحلیله وفق آلیات تحلیل منطقی تتولاه مراکز بحث ودراسات متخصصة فی مجال رصد المعلومات وتحلیلها واستقرائها واستنباط نتائج تؤسس لتحقیق فهم أکبر لما یدور فی العالم العربی من تطورات وأثر ذلک على اسرائیل. وفی نفس الوقت تقوم فرق بحث أخرى بوضع خطط لمواجه هذه التطورات فی العالم العربی بما یخدم مصالح الکیان الصهیونی.

مکتباتهم وتراثنا

اللافت للنظر أنهم فی إسرائیل یولون اهتمام کبیر بکل ما یتعلق بالعرب والمسلمین وثقافتهم وتراثهم وأدبهم. أننی أذکر أن إحدى زمیلاتنا فی الجامعة کانت تعد رسالة الماجستیر فی الشریعة الإسلامیة، فاحتاجت الى أحد المراجع، وعبثاً حاولت العثور على هذا المرجع فی الضفة الغربیة وقطاع غزة، لکنها فوجئت عندما وجدت هذا المرجع فی مکتبة الجامعة العبریة فی القدس المحتلة. وأذکر أن أحد الباحثین العرب المقیمین فی لندن کان معنیاً بإعداد بحث حول المشاکل التی تواجهها إحدى الدول الخلیجیة ، فلم یجد من المراجع ما یکفی باللغة العربیة، لکنه وجد مراجع وکتب حول ذات القضیة فی مکتبة جامعة تل ابیب. وللأسف الشدید فأن المرء یذهل من عدد مراکز البحث الاسرائیلیة التی تتخصص فی دراسة مختلف القضایا فی العالم العربی. فهم لا یترکون صغیرة ولا کبیرة فی العالم العربی الا ویشبعونها بحثا ودراسة حتى یخلصوا فی النهایة الى تقدیم استنتاجات بشأنها لصناع القرار.

الاستشراق الصهیونی

ویلعب المستشرقون الصهاینة دوراً أساسیاً فی عملیة صنع القرار المتعلقة بالتعاطی مع العالم العربی سواءاً فی زمن الحرب والمفاوضات. فکل الوفود الإسرائیلیة التی تفاوضت مع المصریین والفلسطینیین والأردنیین والسوریین تم تطعیمها بأکادیمیین مستشرقین، وهناک من المستشرقین من قاد الوفود التفاوضیة مثل دانی رایبونفیتش المستشرق المختص بالشؤون السوریة، والذی یرأس جامعة تل أبیب حالیاً، والذی رأس الوفد الإسرائیلی المفاوض مع سوریا فی محادثات " شبیردستاون " فی العام 2000. للأسف الشدید، فأنه فی الوقت الذی لا یوجد فیه ولو مرکز أبحاث عربی جدی متخصص فی الشؤون الإسرائیلیة، فأننا نجد فی المقابل العشرات من مراکز الأبحاث الإسرائیلیة المتخصصة فی الشؤون العربیة والإسلامیة، بحیث أن کل مرکز من هذه المراکز یضم وحدات متخصصة تعنى بالقضایا التفصیلیة فی العلاقة مع العالم العربی. ومن الأهمیة بمکان هنا أن نشیر الى ما تم الکشف عنه مؤخراً فی إسرائیل من أن قسم الابحاث التابع لشعبة الاستخبارات العسکریة الإسرائیلیة المعروفة ب " أمان " تضم وحدات متخصصة بدراسة شخصیة لقادة الدول العربیة وزعماء فصائل المقاومة. ولعل من أهم هذه الوحدات کانت الوحدة المختصة بدراسة ملف الرئیس العراقی السابق صدام حسین التی کان یرأسها ضابط برتبة عقید متخصص فی علوم الاستشراق ویساعده مستشرقون اخرون وعلماء نفس.

ومن أخطر مصادر التهویل والتهوین عدم وجود حرکة ترجمة نشطة من العبریة للعربیة، مع العلم أن هناک حرکة إصدارات ضخمة باللغة العبریة فی کل المجالات. من هنا فمن الضرورة بمکان أن یتم التصدی لهذا الجهد لخدمة الأمة وقضایاها ولتحسین قدرة الأمة على مواجهة اعدائها بلا تهویل ولا تهوین.

( للکاتب  صالح النعامی )

ن/25

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 142897