کیف تفکک إسرائیل قنبلتها الدیموغرافیّة !؟
"الهیئة الإستشاریة الأرض- إسرائیلیّة" (المصطلح الصهیونی لفلسطین قبل النکبة) التی کانت حول بن غوریون بأعضائها الأحد عشر کانت وضعت خطّة لطرد ملیون فلسطینی، وفی اجتماعها الأول الموثق من حزیران 1947 أخبر بن غوریون الحاضرین أن المجتمع الیهودی سیضطر أن یحمی لیس فقط المستوطنات بل البلد بأسره ومستقبل الشعب الیهودی القومیّ. وفی خطاب له فی کانون الأول من السنة نفسها کرر استخدامه لعبارة "مستقبلنا القومیّ" کإشارة مشفّرة إلى المیزان الدیموغرافی فی الدولة.
فی شباط 1947 حینما أعلن البریطانیون عن نیتهم ترک فلسطین وحتى تشرین الأول عند احتدام النقاشات فی الأمم المتحدة ، أدرک أعضاء الهیئة الاستشاریة أنهم لن یقرروا فقط مصیر فلسطینیی الجزء الیهودی من فلسطین إنما کذلک فی الجزء الذی خُصّص للدولة الفلسطینیّة فجاءت خطة طرد الملیون.
على الرغم من ذلک بقی فی ال-78% من فلسطین التی استولت علیها الهجناة وصارت دولة إسرائیل، 156 ألف فلسطینی "قنبلة دیموغرافیّة" فی القاموس الصهیونی. وراء هذا البقاء أسباب عدة لا مجال للدخول بکلها ولکن لا بدّ من ذکر حقیقتین تاریخیتین وهما: أن الغالبیّة من فلسطینیی البقاء هؤلاء هم من سکان الجزء الذی خُصّص للدولة العربیّة حسب قرار الأمم المتحدة للتقسیم تشرین ثانی 1947 ومن الذین الحقوا فی منطقة المثلث طبقا لاتفاقات رودوس بین إسرائیل والمملکة الأردنیّة الهاشمیّة.
الأمر الطبیعی أن هذه الحقیقة وضعت عرب البقاء هؤلاء والدولة المستجدة فی سباق على ترکیب وتفکیک هذه الأقلیّة- القنبلة وتصغیر حجمها الکمیّ وتأثیرها الکیفیّ، فالأجزاء ستعید أو على الأقل ستعمل على ترکیب نفسها لما فیه بقاؤها وشکل هذا البقاء، والمؤسسة ترید هذه الأجزاء ال156 ألف مفککة لما فیها من خطر أو خوف من احتمال انفجارها ما دامت لا تستطیع الخلاص منها کلیّة وعلى الأقل على ضوء قبول طلبها وتسلمها مناطق إضافیّة لم تسقط بالحرب کالمثلث لحاجتها به معبرا بین الشمال والوسط.
کیف عملت وتعمل إسرائیل على بقاء أجزاء هذه القنبلة مفکّکة ؟!
تقلیدیا :
أولا : ضرب مواطن القوى الکامنة فی هذه الأقلیّة وأولها ضرب وحدتها وفی هذا حالفها النجاح الکلّی بدایة والمتناقص مع الزمن إلا أنه ما زال یفعل فعل السوس فی الخشب طائفیا وحمائلیا وانتهازیا. وضرب ثانی موطن قوة بسلخها عن رکیزتها الأقتصادیة الاستقلالیّة أرضها، وفی هذا أیضا حققت نجاحا بمصادرة حوای 80% من أراضی هذه الأقلیّة لیس بالسهل وإنما بحکم القوی على الضعیف والذی أبدى حالات مقاومة دافعا ثمنها من دماء أبنائه کما حدث یوم الأرض 1976.
ثانیا : تضییق سبل العیش والحیاة وهنا "حدّث ولا حرج" فأعلى مستویات البطالة هی عند الأقلیّة الفلسطینیّة، ولکن الأهم وإن توفرت فرص العمل فهی فی سیاق إبقاء لقمة عیش الغالبیة رهنا فی ید الدولة بمؤسساتها المختلفة ومصانعها ومزارعها أو مزارع ومصانع الیهود، وفی هذا نجحت إیّما نجاح رغم نسبیة تنازله الطردی مع السنین بین بعض القطاعات، ولکن الغالبیّة منها ما زالت لقمة عیشها رهنا بید الدولة.
ثالثا : المأوى بیت السکن هو حق طبیعیّ إنسانیّ قبل أن یکون قانونیّا فی کل دولة متحضرّة، وفی إسرائیل کان وما زال بناء البیت العربیّ نوعا من التهدید الدیموغرافی. فالأزمة السکنیّة الخانقة لدى الأقلیّة الفلسطینیّة والبناء غیر المرخّص کنتیجة ولیدا سیاسة وتخطیط یصبان فی النهج والتوجه أعلاه ولیس ولید غیاب حلّ للمشکلة فالحل سهل وفی متناول الید لو وجدت النیّة، فإبقاء البلدات العربیّة دون مخططات بناء ولعشرات السنین ودفع آلاف الشباب للبناء مخالفین القانون ومن ثمّ هدم هذه الأبنیّة أو فی أضعف الإیمان سجن وتغریم أصحابها بمبالغ طائلة هو نهج لإبقاء هؤلاء "بقرة حلوب" وأجزاء غیر فاعلة وکی لا تستطیع أن تکون کذلک فی القنبلة الدیموغرافیّة.
رابع أشکال التفکیک تقلیدیّا، وربما أهمها:
سلاح الأقلیات عادة وکم بالحریّ فی مثل حالنا هو العلم وهذه حقیقة وعتها الأقلیّة الفلسطینیّة ویدفع الأهل الغالی والرخیص فی سبیل ذلک، وهذا یقض مضاجع المؤسسة فلا یغیب عن بالها هذا الخطر والذی لا تستطیع وقفه لکنها تعمل على أن تحدّ منه وبطرق جهنمیّة بإبقائها المدارس العربیّة لیس فقط بأمس الحاجة للوسائل اللوجستیّة المؤهلة الطالب مواجهة التحدیات الحیاتیّة الحدیثة، وإنما تملی علیه وعلى المدرسة وعلى المعلم مناهج تدریسیّة، وهی المسیطرة ولها القول الفصل فی ذلک، لا تؤهل الطالب التأهیل المطلوب خوفا من خطرمثل هکذا تأهیل.
یظهر ذلک سنویأ فی نتائج التحصیل الثانوی ، التوجیهیّ وحسب التقاری الرسمیّة للوزارة المختصة وزارة التربیّة والتعلیم. فمعدّل الحاصلین على شهادات تخرج مؤهلة لدخول الجامعات والمعاهد العلیا المختلفة بین الیهود هو حوای ال-60% ولو لم نأخذ الیهود المتشددین الذین لا یتقدمون أصلا بغالبیتهم لهذه الامتحانات کونهم أصحاب مؤسسات تعلیم دینیّة، فالنسبة تقارب ال-75%. بینما النسبة بین العرب هی حوالی ال-30% بتفاوت بین شریحة وشریحة من أبناء الأقلیّة الفلسطینیّة. ولا نستطیع طبعا أن نعزو ذلک لخلل جینیّ عند العرب !
غیر تقلیدی:
عندما أصدر أوائل السبعینیات حاکم لواء الشمال یسرائیل کینج وثیقته العنصریّة والتی وضع فیها أسس خنق العرب دیموغرافیا واقتصادیا وتعلیمیا کمقدمة لرحیلهم الطوعی أو ترحیلهم قامت علیه القیامة لمباشریتها، لکن المؤسسة الإسرائیلیة نفذت وتنفذ ما جاء فی الوثیقة ک"أفعى التبن" وقد نجحت بسحب غالبیّة البساط فعلا من تحت أرجلنا وما زلنا نعتقد أننا ننام علیه هانئین. فکیف کان ذلک ؟!
أولا : لیس حبا فینا رفعت مستوى الحیاة لیصیر الرفاه أساسها ولتصیر السیارة والدار الفخمة والترفیه جزء من حیاة الیهود حتى لا یترکوا البلاد وبطبیعة الحال من حیاة جزء کبیر منّا على الأقل القادر جارا وراءه وبحکم التقلید کذلک غیر القادر، وصار الرفاه فی متناول الید لدى الکثیرین مبدئیا أو ظاهریا وهذا ما یجری والمناظرة على أشدّها، ورغم ذلک لا تسمع أحدا لا یضجّ من صعوبة الحیاة وغلاء تکلفتها.
ثانیا : هذا الرفاه سرابیّ لدى الغالبیّة وما کان لیتأتى لولا أن أصاب البنوک داء "الکرم الحاتمیّ" حتى غدا الطائی بخیلا أمامها. فالسیارة بقرض ضمان والدار بقرض ضمان والرحلة بقرض على حساب الراتب وبالسحب الزائد المعادل فی الکثیر من الأحیان أضعاف الراتب.
وإن کان العرب وبغیاب مواطن قوة اقتصادیّة معیشیة مستقلة ارتبطت لقمة عیشهم بالمؤسسات المشغّلة، جاءت المؤسسات المستعبدة –البنوک لتکمل السلسلة لدرجة إذا أقرت البنوک فرضا الیوم إیقاف السحب الزائد، سیلقى الکثیرون جدا أنفسهم فی الغداة دون أکل فی البیوت ولیس هذا من باب المبالغة فکلنا نعرف ذلک حقّ المعرفة.
ثالثا : لکن الأهم وجاء هذا الأهم ودون أن ندری وبمحض الإرادة على حساب أمر آخر وهو "ضربة معلم" ومن "تحت الزنار" من قبل المؤسسة، لقد جاء على حساب تحدید للنسل، المرکّب الأهم فی القنبلة الدیموغرافیّة. المؤسسة خططت وبإحکام أن نمتلک السیارة بقرض والدار بقرض والرحلة على السحب الزائد من البنک لتصیر هذه جزءا من حیاتنا وعلى حساب دیموغرافیتنا فالحاصل فی هذا السیاق لیس تحدید نسل اختیاری طوعیّ تقدمیّ تنویری إنما تحدید إجباریّ طوعیّ، فإمّا السیارة والدار ذات الأبواب المشرعة وشرم الشیخ وأنطالیا وإمّا أطفال یملأون دارا متواضعة.
المعطیات التی نشرتها "مؤسسة صندوق أبراهام" مؤخرا لا تبق مجالا إلا للخلاصة التی جئنا بها وهی أن التراجع الکبیر فی الولادة عند العرب غیر نابع من تحدید نسل اختیاری تقدمیّ إنما " مجبرون أخوتک لا أبطال" فی غالب الأحایین.
الأرقام تشیر :
العائلات السنیّة من معدل 9.3 للعائلة سنة 1960 إلى 4 سنة 2006 وإذا سرنا على نفس الوتیرة التراجعیّة فإلى 3.5 فی ال-2010. (من المهم أن نشیر هنا إلى حقیقة لولاها لکانت النسبة أخفض من ذلک. تضاعف الشعب الفلسطینی منذ النکبة وحتى الآن وفی کل أماکن تواجده بین 7إلى 8 أضعاف لکنه بین البدو وبالذات فی النقب تضاعف 17 مرّة. إذ کان عددهم بعد النکبة فقط 11000 نسمة والیوم 180000 نسمة).
العائلات الدرزیّة: من معدل 7.9 إلى 2.6 سنة 2006 وإلى 2.3 سنة ال-2010.
العائلات المسیحیّة : من 4.6 إلى 2.6 وإلى 1.9 توالیا.
هذه النسب عملیا هی قریبة جدا من نسب الولادة عند العائلات الیهودیّة فحسب المصدر أعلاه فالمعدل بین 2.6 إلى 2.8 للعائلة.
وأخیرا: فی لیل 4/1/06 أغارت وحدات النخبة الأمنیّة على قریة جلجولیة فی المثلث لإخراج 36 امرأة متزوجة فی القریة (وأصولهن من الضفة) فاصلة أیاهن عن أزواجهن وأولادهن، وبهذا برهان أنه عندما توشک الأقلیّة الفلسطینیّة على التحول من "مشکلة دیموغرافیّة" إلى "خطر دیموغرافیّ" فإن الدولة الیهودیّة ستتحرک بسرعة وبدون رحمة.
* سعید نفاع عضو عربی فی الکنیست الاسرائیلی یمثل التجمع الدیمقراطی الوطنی العربی·
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS