qodsna.ir qodsna.ir

إسرائیل وأمیرکا أس البلاء فی المنطقة

 لا اکتب من أجل التحریض ضد الولایات المتحدة الأمیرکیة ولا ضد دولة الاحتلال الإسرائیلی الغاصب للأرض الفلسطینیة والعربیة فی سوریا ولبنان،لأن أمر تلک الدولتان بما تقومان به من ممارسات لا یحتاج إلى تحریض، فممارساتهما کفیلة بأن تحرض الناس بدونی وبدون غیری، وسواء کتبت محرضا أم لم أکتب، فهما أصبحتا دولتان مکروهتان وغیر مرغوب بهما ولا بسیاستهما ویتم النظر إلیهما على أنهما من أسباب التوتر فی العالم.

 وعلى أی حال وبرغم أننی لو فعلت، فان هذا مبرر ومقبول ومسوغ بسبب کل ما سببته ولا زالتا هاتان الدولتان لشعوب المنطقة من قهر وتخلف ودمار ودم وقتل وإرهاب، حیث أن نظرة واحدة تکفی لکی یرى من یرید أن یرى أن سبب ما یجری فی هذه المنطقة من العالم لیس إلا بسبب سیاسة الولایات المتحدة وبسبب الدولة العبریة التی یتصادف هذه الأیام ذکرى تأسیسها على أنقاض الشعب الفلسطینی الذی قامت العصابات الصهیونیة بذبحه قبل أن تجبره على مغادرة أراضیه التی ورث عن الآباء والأجداد منذ مئات وآلاف السنین فی عملیة تطهیر عرقی لم یحدث مثلها من قبل إلا عندما قامت الإمبراطوریة الأمیرکیة على أنقاض الهنود الحمر أصحاب الأرض الأصلیین وتم قتل ملایین منهم على أیدی المهاجرین الجدد إلى تلک البقعة من العالم.

فلو نظرنا إلى هذا الذی یحدث فی لبنان على سبیل المثال، فلا یمکن عزله عن وجود دولة الاحتلال ولا عن السیاسة الأمیرکیة فی المنطقة التی من خلالها ترغب الإدارة الأمیرکیة فی ترکیع شعوب المنطقة والاستیلاء على ثرواتها وتحویلها إلى تابع من خلال أنظمة وقادة کل همهم البقاء فی کرسی الحکم بغض النظر عن أی شیء آخر وهم جاهزون للتعاطی مع الإدارة الأمیرکیة بالشکل الذی ترید وترغب طالما هم فی عروشهم ولا خطر علیهم ولیکن بعد ذلک الطوفان.

 الأحداث التی تجری فی لبنان لیس لها علاقة بالمذاهب والطوائف ولا بأی شیء آخر بقدر ما هو  ارتباط جهات معینة بالأجندة الأمیرکیة والإسرائیلیة -والغربیة بشکل عام – هذه الأجندة التی لا ترید أن یکون فی هذا البلد أی شکل من أشکال من أشکال المقاومة التی من الممکن أن تقف فی وجه الهجمة الصهیوأمیرکیة والتی ترغب فی السیطرة التامة على الأمة – یعنی بدون ولا نفس حر.

الادعاء بأن الموضوع له علاقة بالطوائف والملل والمذاهب لیس صحیحا خاصة فی ظل اصطفافات صارت معروفة فی لبنان، فنحن بإمکاننا أن نرى القوى الوطنیة السنیة تقف مع الشیعیة وان نرى القوى المسیحیة والدرزیة وغیرها کذلک إلى جانب هذا الطرف السنی أو الشیعی، إذن محاولات صبغ ما یحدث هناک بالصبغة الطائفیة هی محاولات بائسة لا یمکن أن تمر على کل ذی بصیرة ولا یمکن لأی کان أن یقنع حتى الإنسان العادی سواء هنا فی فلسطین أو فی غیر فلسطین بان القضیة هی مذهبیة أو طائفیة.

القضیة الأساسیة الأخرى التی کثیرا ما تغیب عن مثقفینا هی أنه وقبل أن تقوم الولایات المتحدة الأمیرکیة بغزو العراق واحتلاله وفعل کل هذا الذی فعلته هناک لم یکن أحد یسمع بقضیة هذا شیعی وهذا سنی، وإن حدث فقد کان ذلک یتم على أضیق نطاق، إلا أن الغزو الأمیرکی  ومن ثم احتلاله للعراق هو الذی رسخ هذا المفهوم وقسم البلد إلى ملل ومذاهب وطوائف أراد من خلالها تفتیت البلد والناس لیتمکن من السیطرة على العراق، إن قراءة أولیة لما کتبه بریمر فی کتابه عن العراق یدلل منذ اللحظة الأولى على هذا التوجه حیث یشیر إلى التقسیمة الطائفیة ویتحدث عن النسب السکانیة بحسب الطوائف علما أن أحدا لا یستطیع أن یحدد ما هی نسبة هذه الفئة أو تلک فی العراق لأنه لم یحصل أبدا أن قام تعداد سکانی فی العراق  یستند على أساس الطائفة أو العرق أو غیره.

 فی هذا السیاق یمکننا أن نتذکر أنه وخلال التبعیة التی کان یمثلها شاه إیران وعندما کانت إیران تشکل أحد القواعد الأساسیة للولایات المتحدة الأمیرکیة المتقدمة فی المنطقة، لم نکن نسمع ولا حتى کلمة واحدة عن خطر إیرانی مزعوم، کما لم نکن نسمع عن أن دولة إیران فی حینه هی دولة شیعیة أو سنیة، أما وقد 'طار الشاه' وقامت الثورة الإیرانیة فإننا نلاحظ الهجمة الشرسة التی تمارسها أمیرکا وإسرائیل على هذا البلد وتحاول تخویف العرب وغیر العرب من الخطر الإیرانی المحتمل وتتحدث عن خطر شیعی یمتد من إیران عبر سوریا إلى لبنان وربما غزة وکأن أمیرکا حریصة على المسلمین السنة وأنها تخشى على المذهب السنی من الاندثار- غریب هذا الذی یحدث-.

 إن مجرد قراءة سریعة لمذکرات بول بریمر  تکفی لمن یقرأ لأن یستدل بلا أدنى معاناة أو حصافة أو ذکاء أن الرجل یکرر فی تلک المذکرات ما یبعث على الغثیان من محاولاته تعمیق الحس الطائفی والإثنی البغیض، فهو وعند ذکر أی من أسماء – القادة الجدد- الذین أتوا إلى العراق على ظهور الدبابات الأمیرکیة لا بد من أن یشیر إلى طائفة أو عرق هذا أو ذاک عدا عن الإیحاءات الکثیرة التی تصب فی هذا الاتجاه، فهو عندما یتحدث مثلا عن الحصة التموینیة یقول بأن الکثیر من أبناء الشیعة لم یحصلوا علیها – زمن النظام السابق- لأنهم شیعة فی کذب مفضوح یتنافى مع الحقیقة التی کانت سائدة وهنا لست أدافع عن صدام حسین بقدر ما أحاول أن اذکر الحقیقة التی کنت أعیشها خلال وجودی هناک لمدة طویلة.

إن مراجعة کل ما کان یقال أو یکتب قبل العام 2003 عندما قامت الولایات المتحدة باحتلال العراق سوف تبرهن لمن یرغب، بأن هذا الموضوع – العرقی والطائفی- لم یکن یتردد فی الکتابات والصحف ووسائل الإعلام ، والمشکلة التی یمکن أن نلمسها هی أن هنالک الکثیر من الذین لا یعرفون شیئا عما یعنی مفهوم الشیعة أو من هم  الشیعة أو ما هی أو من هم السنة صارت تتردد بشکل آلی على کثیر من الألسنة هکذا بدون إدراک أو وعی، وهذا ما یدلل على أن أمیرکا  قد نجحت إلى حد بعید فی إیجاد الشرخ الذی أرادت إیجاده منذ فترة طویلة، وقد انطلقت فضائیات ووسائل إعلام کثیرة منذئذ لتکون جزءا رهیبا من هذه المعرکة أو الحرب الطاحنة التی أرادتها أمیرکا فی هذا الاتجاه.

وإذا ما انتقلنا إلى الموضوع المصری والإخوة الأقباط هناک فان الید الأمیرکیة  - والحنو الأمیرکی المفاجئ على هؤلاء- امتدت إلیهم  وصار الصوت الأمیرکی ینادی بضرورة التحرر لهؤلاء حیث أنهم 'یلاقون على أیدی المسلمین فی هذا البلد ما لا یوصف'، علما بان هؤلاء یعیشون هناک فی أمن وطمأنینة منذ آلاف السنین، وهذا ینطبق تماما على إقلیم دار فور الذی تحاول الولایات المتحدة ومن معها إثارة موضوعه بشکل أصبح فیه الکثیر المبالغة والمغالاة غیر المقبولة.

وهنا فی فلسطین فان الولایات المتحدة وإسرائیل هما السبب فی عدم حصول الشعب الفلسطینی على حقوقه المشروعة منذ قیام الدولة العبریة فی العام 1948، حیث تقوم الولایات المتحدة الأمیرکیة بالتغطیة على کل ما تفعله إسرائیل ضد أبناء الشعب الفلسطینی کما توفر الغطاء لهذا الکیان فی مجلس الأمن وفی کل المحافل الدولیة وتمنع حتى مجرد إدانة ما تقوم به قوات هذا الکیان ضد أبناء الشعب الفلسطینی من مجازر شبه یومیة.

وإذا ما نظرنا إلى حالة الانقسام السائدة بین الدول العربیة فإننا لا بد سنصل إلى نتیجة واحدة هی أن إسرائیل وقیامها ومن خلفها أو أمامها الولایات المتحدة هی السبب فی هذا الانقسام، فلقد عمقت أمیرکا الشرخ ولا زالت تعمل على تعمیقه بین الدول العربیة، وبالعودة مثلا إلى القمة العربیة الأخیرة یمکن ملاحظة أن أمیرکا تعاملت مع بعض الدول العربیة على أنها احد أرکان السیاسة الخارجیة الأمیرکیة ومنعت من منعت من الحضور بعد أن قسمت الأمة إلى من هو مع ومن هو ضد السیاسة الأمیرکیة فی المنطقة.

الدول العربیة منقسمة لیس لان شعوبها ترغب فی هذا الانقسام، لا أبدا، إن هذا الانقسام هو نتیجة تبعیة أنظمة الدول العربیة للولایات المتحدة الأمیرکیة، هذه الأنظمة التی تحاول تعمیق الانقسام وتعمیمه لیصل إلى الشعوب العربیة من خلال الدس ومن خلال تعمیم الأنا الوطنیة الإقلیمیة البغیضة حتى تتلاشى حالة التضامن التی من الممکن أن تحدث بین هذه الشعوب وکل ذلک یأتی بحسب اعتقادنا ضمن سیاق ترسیخ التقسیم بین أبناء الأمة الواحدة.

قد تکون الأمة تمر بحالة من السبات – الشتوی- والذی نعتقد بأنه طال بشکل غیر مقبول لکن هذا – البیات- لا یمکن أن یکون سرمدیا، وعلى أمیرکا وإسرائیل ألا تراهنا على ذلک – البیات أو السبات- وعلى الولایات المتحدة التی تدعی بأنها حامٍ للقیم والحریات أن تدرک حرکة التاریخ، وأنها إذا ما أرادت أن تکون غیر – مکروهة – فی الوطن العربی أن تغیر من نهجها، کما أن على الدولة العبریة أنها إذا ما أرادت أن تکون – جسما طبیعیا – ولیس غریبا أو سرطانیا فی المنطقة، أن تعرف أن للشعوب العربیة حقوقا لا بد من الاعتراف بها، وأن الذهاب بعیدا فی غیها لن یکون هو الحل الأمثل، ذلک لأن سیاق التاریخ لن یستمر کما هو علیه الآن أو قبل الآن.

 لقد أثبتت الحرب الأخیرة مع لبنان أن إسرائیل لیس سوى کیان هش یمکن أن یهزم ویمکن أن تهتز أرکانه، وان الحروب الخاطفة التی کانت تمارسها إسرائیل ضد الأمة العربیة وتنتهی بهزیمة للأنظمة واحتلال للأرض خلال فترة محدودة دون مقاومة أو ثمن غال  انتهت إلى غیر رجعة، وانه إذا ما توفرت إرادة القتال لدى مجموعة من المقاتلین الذین آمنوا بعقیدتهم وقضیتهم  سوف تؤدی إلى إیقاع ضربات – حتى لا نقول هزیمة- موجعة بهذا الکیان، کما أثبتت تلک الحرب بأن مقولة جیش إسرائیل الذی لا یقهر لم تعد سائدة، وهی وإن سادت فی فترة ما فی الماضی، فذلک عندما کانت هناک جیوش عربیة لا تملک سوى فن الهرب من ساحة القتال، أما وقد قام مجموعات من مقاتلی حزب الله خلال حرب تموز بإخلاء کل الشمال الإسرائیلی وهرب عشرات الآلاف من سکانها إلى الخارج فهذا یفرض على قادة دولة الاحتلال أن یعیدوا حساباتهم لان المعادلة تغیرت بشکل لا یمکن نکرانه أو التعامی عنه.

إن قیام إسرائیل باستعراضاتها العسکریة خلال ذکرى تأسیسها لن یخیف من لدیه إرادة القتال، وعلى الذین نظموا وأمروا بتنظیم تلک الاحتفالات أن یدرکوا بأن کیانهم أنما قام على أنقاض شعب یأبى النسیان، شعب لا زال یتذکر کل المآسی والمجازر والویلات التی تعرض لها على ید العصابات الصهیونیة، وأنه سوف یظل برغم الألم والمعاناة مقیما على هذه الأرض التی ورثها عن الآباء والأجداد وأنه لم یعد هو ذلک الشعب الذی یمکن أن یتخلى أو أن یغادر أرضه مهما کانت الممارسات الإسرائیلیة ومهما کان الثمن. کما وأن على الولایات المتحدة الأمیرکیة إذا ما أرادت أن تکون دولة غیر مکروهة من قبل أبناء شعوب هذه المنطقة من العالم أن تغیر من مواقفها ومن سیاستها وإلا فإن الکراهیة قد تتعمق ضد أمیرکا لتمتد إلى کل ما هو أمیرکی بما فی ذلک أبناء الشعوب الأمیرکیة وهذا ما لا نتمناه.

( للکاتب والباحث الفلسطینی رشید شاهین )

ن/ 25


| رمز الموضوع: 142874