الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

هکذا تتنفس غزة عبر الأنفاق

 

هکذا تتنفس غزة عبر الأنفاق !!!

 

فقط تعلیقات رکاب سیارة الأجرة الساخرة جعلته یدرک أنه کان یرتدى قمیصه بالمقلوب، فقام بخلعه ولبسه من جدید. فصلاح النعیمی ( 43 عاماً  )، الذی یقطن مدینة " دیر البلح "، وسط قطاع غزة أصیب  بالتوتر والإنفعال الشدید عندما اتصل به أحد أصحاب الصیدلیات فی مدینة " رفح " أقصى جنوب القطاع وأبلغه أن الدواء المخصص لعلاج مرض الأعصاب الذی تعانی منه بنته أصبح متوفراً لدیه، فارتدى الرجل ملابسه على عجل دون أن یعی أنه لبس قمیصه بالمقلوب. ویقول النعیمی ل " ویکلی " أن شعوراً بالسعادة لا یوصف سیطر علیه عندما عاد الى المنزل ومعه الدواء الذی حاول عبثاً العثور علیه فی جمیع أرجاء قطاع غزة. النعیمی یرجع الفضل فی عثوره على هذا الدواء الى أنفاق التهریب التی تربط بین قطاع غزة ورفح المصریة والتی أصبح یتم عبرها تهریب المواد الحیویة التی یحتاجها الناس هنا فی ظل الحصار الخانق المفروض على القطاع والذی معه أصبح من المستحیل العثور على معظم المواد الأساسیة، مع العلم أن سریان اتفاق التهدئة لم یغیر کثیراً من الواقع البائس الذی یحیاه الفلسطینیون هنا. غسان حسین ( 44 عاماً )، المدرس الذی یقطن فی مخیم " المغازی " للاجئین وسط قطاع غزة أبلغ " ویکلی " أن الأنفاق وضعت نهایة لمعاناته الشدیدة فی هذا الصیف حیث أنه لم یکن ینام إلا قبیل ساعات الفجر الأولى بفعل الحر الشدید، حیث یستیقظ من النوم وقد تصبب عرقاً لأنه لا یملک هوایة،مشیراً الى أنه لم یعثر على أی هوایة فی قطاع غزة بسبب الحصار، لکنها عثر علیها فی إحدى المحال التجاریة فی " رفح " بعد تهریبها عبر أحد الانفاق.  الإنطباع الذی تحاول إسرائیل تسویقه بأن الإنفاق مخصصة لتهریب السلاح والوسائل القتالیة مضلل وغیر حقیقی، فی حین یؤکد صاحب أحد الأنفاق ( والذی یرفض الکشف عن اسمه لدواعی امنیة )، ل " ویکلی " أن 90% من الأنفاق مخصصة لتهریب المواد والبضائع الأساسیة وذات الإستخدام المدنی. ویضیف أن النفق الذی یملکه متخصص بشکل أساسی فی تهریب الأدویة، بالإضافة الى بعض المواد الغذائیة، حیث یقوم شرکاؤه فی الطرف الثانی من الحدود بتأمین هذه المواد وإرسالها عبر النفق، حیث یستقبلها هو، ویقوم بتوزیعها. ویضیف أن آلیة العمل التی یتبعها بسیطة، حیث أنه یتصل بأصحاب بعض مستودعات الأدویة فی قطاع غزة ویطلب منهم تحدید الأدویة المصریة التی یفضلونها لکی یقوم شرکاؤه بشرائها وإرسالها الى زبونه. وینوه الى أنه یتفق مع أصحاب المستودعات على أن یتلقى هو وشرکاؤه قدر محدد من المال لقاء کل ارسالیة. ویشیر الى أن بعض اصحاب المستودعات یقومون بالتنسیق مع مصانع الأدویة المصریة التی تقوم بإرسال الأدویة الى رفح ویتسلمها شرکاؤه ویرسلوها له. ویؤکد أن عدد الأنفاق زاد بشکل کبیر بعد تشدید الحصار اثر سیطرة حماس على القطاع، ویقدر عدد الأنفاق حالیاً بحوالی 900 نفق. وأکثر المواد التی یتم تهریبها عبر الأنفاق بالاضافة للدواء حلیب الأطفال والمواد الغذائیة وقطع غیارات للسیارات والوقود والملابس.

ویقول أن أکثر من 1100 شخص یعملون فی مجال حفر الانفاق، منوهاً الى أن کل شخص من هؤلاء یحصل على مبلغ 2400 دولار فی الشهر. ویضیف أن هؤلاء العمال " یحملون أرواحهم على أکفهم " بسبب امکانیة انهیار الأنفاق اثناء عملیة الحفر. ویذکر أن سبعة الأشخاص الذین یعملون فی مجال حفر الأنفاق قتلوا اثناء انهیار الانفاق علیهم بینما هم فی ذروة عملیة الحفر. فی نفس الوقت فأن معظم الأنفاق مملوکة لعائلات من مدینة رفح التی تعتبر عوائدها المالی مصدر رزقها الوحید.

لکن بعض المواد الأساسیة لا یمکن تهریبها عبر الأنفاق، مثل الأدوات المصنوعة من الزجاج، الأمر الذی جعل المعاناة الناجمة عن النقص فی هذا المواد کبیر. صاحب أحد الأنفاق قال ل " ویکلی " أنه من یستطیع تهریب الزجاج فکأنما یهرب الذهب، لکن هذا شبه مستحیل لأن هناک خطر أن یتحطم الزجاج أثناء نقله فی النفق. ویؤکد أنه منذ فرض الحصار لم تدخل أی کمیة من الزجاج للقطاع الأمر الذی فاقم اسعار أدوات المطبخ المصنوعة من الزجاج بشکل جنونی، منوهاً الى أن سعر ستة من الکؤوس من النوع الردیئ یبلغ 25 شیکل، مع العلم أن سعرها کان قبل الحصار لا یتجاوز الخمسة شواکل. وقد انعکس النقص فی الزجاج على الحیاة الاجتماعیة للفلسطینیین فی القطاع.

بشئ من المزاح حاول محمد أبو مساعد ( 27 عاماً ) مدرس الفن الذی یقطن فی دیر البلح تبریر تقدیمه العصیر لزملائه المدرسین الذین قدموا لتهنئته بالمولود الجدید فی کؤوس مختلفة الشکل والنوعیة، قائلاً : " هذا تذکیر بالحصار ". محمد قال ل " ویکلی " أن کل ما تملکه عائلته ست کؤوس زجاجیة، وأنه سیشعر بالحرج شدید فیما لو زاره عدد أکبر من الزملاء إذ أنه لن یکون بوسعه تقدیم الضیافة لهم. لکن محمد هو أفضل حالاً من عبد الرحمن العواد ( 46 عاماً )، التاجر الذی یعیل عائلة من 11 شخص، الذی قال ل " ویکلی : " أنه لم یعد فی بیته أی کأس زجاجی وأنه وأفراد عائلته اضطروا فی الآونة الاخیرة لاستخدام کؤوس بلاستیکیة، کما أنهم یقدمون الضیافة لضیفوهم فی هذه الکاسات. نقص الکؤوس الزجاجیة وکل المصنوعات الزجاجیة باتت تشکل أهم مظاهر الحصار على قطاع غزة بعد مرور اکثر من شهر على سریان اتفاق التهدئة الذی ینص على سماح إسرائیل بمرور کل المواد لقطاع غزة بإستثناء المواد التی تشک إسرائیل فی أنها تستخدم فی تصنیع القذائف الصاروخیة والمتفجرات. بعض المحلات التجاریة التی لاتزال تحتفظ ببعض المصنوعات الزجاجیة وتبیعها بمبالغ جنونیة قیاساً مع سعرها الحقیقی وأوضاع الناس الإقتصادیة، الأمر الذی دفع الأغلبیة الساحقة من الناس للتنازل عن شرائها، على الرغم من الأضرار الصحیة الناجمة عن استخدام المواد البلاستیکیة فی الشرب تحدیداً. واقع الحصار یدفع الفلسطینیون للإتجاه قصراً لحفر أنفاق التهریب.

فبعد أکثر من شهر على التهدئة لازل هناک نقص شدید فی الوقود والمحروقات والغاز المعد للطهو. کمیة الوقود المحدود التی تسمح إسرائیل بوصولها الى قطاع غزة جعلت الحکومة المقالة فی غزة تصدر کوبونات خاصة لتمکین أصحاب سیارات الأجرة من الحصول على کمیة من الوقود تترواح من 30 لتر الى 40 لتر من السولار کل یومین. أحد سائقی سیارات الأجرة الذی یعمل على خط غزة المنطقة الوسطى ل " ویکلی " أن هذه الکمیة لا تکفیه لیوم واحد من العمل، الأمر الذی یضطره لشراء السولار الذی یتم تهریبه عبر الانفاق من مصر فی السوق السوداء بأسعار کبیرة. سائقو سیارات الأجرة تذرعوا بإرتفاع تکلفة الوقود وقاموا من جانب واحد برفع أسعار نقل الرکاب، الى جانب قیامهم بإستیعاب عدد من الرکاب أکبر من العدد الذی یسمح به القانون. میدان فلسطین بغزة الذی یضم أکبر محطة لسیارات الأجرة یشهد مؤخراً جدل بین رجال الشرطة وسائقو سیارات الأجرة بسبب رفع الاسعار واستیعاب عدد أکبر من الرکاب، لکن هذا الجدل ینتهی فی الغالب بإنسحاب عناصر الشرطة الذین یشعرون بالحرج لأن حجج سائقی السیارات تبدو مقنعة. أصحاب السیارات الخاصة لا یحصلون على بنزین إلا فی حال کانوا یدفعون مستحقات ترخیص سیاراتهم بإنتظام، فهؤلاء یحصل کل واحد منهم على 10 لتر من البنزین کل اسبوعین. لکن معظم السائقین لایدفعون  مستحقات الترخیص السنویة، وبالتالی لا یحصلون على بنزین، الأمر الذی یضطرهم الى استخدام غاز الطهو کوقود لسیاراتهم. استخدام الغاز الطهو کوقود للسیارات الخاصة فاقم المشکلة الناجمة عن النقص فی الغاز. وزارة الداخلیة فی الحکومة المقالة التی ادرکت خطوة تداعیات النقص فی الغاز عشیة حلول شهر رمضان و أصدرت تعلیماتها للسائقین بعدم استخدام الغاز الطبیعی، لکن لا یوجد أی أمل أن یتم احترام هذه التعلیمات لعدم وجود بدیل أمام السائقین. فی نفس الوقت فقد تهاوت آمال الغزیین فی أن تؤدی التهدئة الى السماح بدخول مواد البناء. الکمیة المحدودة من الاسمنت التی تسمح اسرائیل بدخولها للقطاع أبعد من أن تکون کافیة لسد الحاجة الهائلة لهذه المادة. اسامة دعابسة ( 49 عاماً )، الذی یقطن حی " برکة الوز "، غرب معسکر المغازی فی المنطقة الوسطى من القطاع قال ل " ویکلی " أنه کان یأمل أن یقوم بإتمام بناء الطابق العلوی فی المنزل الذی خصصه لأحد اولاده، لکنه الیوم خائب الأمل بعد أن تبین أنه لیس فقط کمیة الأسمنت قلیلة، بل ان الاسمنت الذی سمحت اسرائیل بدخوله لا یصلح للاستخدام فی عملیات التسلیح.

 قصارى القول أنه بخلاف ما تحاول إسرائیل تکریسه من إنطباع فأن حفر الإنفاق هو الرد الفلسطینی على الحصار الذی جلب المعاناة والموت للفلسطینیین فی القطاع.

(ترجمة تحقیق نشره صالح النعامی فی صحیفة " Ahram Weekly" )

ن/25


| رمز الموضوع: 142849







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)