شعب الشیطان المختار(6)
شعب الشیطان المختار(6)
کتب البروفیسورعبد الستار قاسم فی الجزء السادس من موضوع شعب الشیطان المختار :
قصة النبی یوسف علیه السلام معروفة لدى المسلمین، ومعروفة عبرها التاریخیة والدینیة والتی تتلخص فی الفضیلة وإقامة العدل بین الناس بغض النظر عن أصولهم وأعراقهم وألوانهم. تأتی التوراة على قصة یوسف بتفصیل واسع، وتتحدث عن دقائق الأمور مثل الأحادیث الجانبیة بین أخوة یوسف، والمبالغ الفضیة التی دفعها الأخوة مقابل القمح. لکن عرضها للقصة یجعلها ذات أبعاد شخصیة لا علاقة لها بالرسائل السماویة أو الحکمة الإلهیة. أی أن القصة لا تتعدى حیز یوسف کشخص وأخوته وأبیه، وهی تدلل على الکرامات الإلهیة التی تمتع بها یوسف دون أن یکون لها انعکاسات إیجابیة على جمهور الناس من فقراء ومساکین. تبدو القصة فی التوراة على أنها رعایة إلهیة للمستغلین والجشعین والطماعین الذین لا یتقون الله، ولا یرأفون بعباده من المحتاجین. وواضح أن الرب الذی من المفروض أن یکون رب الجمیع ویفرّج عن الجمیع غیر مهتم إلا بملک یوسف وخزائن یوسف وراحة أقارب یوسف وذویه المقربین.
بعدما أتت القصة على سجن یوسف وتفسیر الأحلام ورحلة إخوته إلى مصر، ومعرفة إخوته بأمره ووضعه الممیز فی مصر، أسرعوا إلى أبیهم یعقوب بعدما جهزهم بالدواب والبهائم المحملة بالأغذیة لیزفوا إلیه الخبر ویصطحبوه إلى مصر على عجلات زودهم بها فرعون. تقول التوراة: "فصعدوا من مصر وجاءوا إلى أرض کنعان إلى یعقوب أبیهم وأخبروه قائلین یوسف حی بعد، وهو متسلط على کل أرض مصر." (تکوین، 45: 25) یلاحظ هنا التعبیر "متسلط" فی حین أن الرب قد مکنه فی الأرض لینشر عدل السماء لا لیتسلط على أرض أو ناس. هذا تعبیر یعکس غرور بنی إسرائیل وعنصریتهم التی تحدثت عنها فی حلقات سابقة.
سافر یعقوب مع أبنائه وأحفاده إلى مصر، وتعدد التوراة أسماء الذین رافقوه، وتقول بأن عدد نفوس یعقوب التی حلت فی مصر کان سبعینا. وصل الجمع إلى مکان یدعى جاسان، وأخبر یوسف فرعون بوصول ذویه. "وأخذ من جملة إخوته خمسة رجال وأوقفهم أمام فرعون. فقال فرعون لأخوته ما صناعتکم، فقالوا لفرعون عبیدک رعاة غنم نحن وآباؤنا جمیعا. وقالوا لفرعون جئنا لنتغرب فی الأرض إذ لیس لغنم عبیدک مرعى، لأن الجوع شدید فی أرض کنعان، فالآن لیسکن عبیدک فی أرض جاسان." (تکوین، 47: 1-4) وافق فرعون على سکن یعقوب وذریته فی جاسان، وقال لیوسف إنه بإمکانه أن یجعل القادر منهم رئیسا على مواشی فرعون. "أسکن یوسف أباه وإخوته وأعطاهم ملکا فی أرض مصر فی أفضل الأرض فی أرض رعمسیس کما أمر فرعون. وعال یوسف أباه وإخوته وکل بیت أبیه بطعام على حسب الأولاد." (تکوین، 47: 11-12)
بدأ یوسف یبیع القمح للناس مقابل الفضة وذلک بسبب القحط الشدید الذی أصاب أرض مصر وأرض کنعان، وبعدما استهلک الناس ما معهم من فضة، أخذ یبیعهم مقابل مواشیهم. تقول التوراة: "ولم یکن خبز فی کل الأرض. لأن الجوع کان شدیدا جدا. فخورت أرض مصر وأرض کنعان من أجل الجوع. فجمع یوسف کل الفضة الموجودة فی أرض مصر وفی أرض کنعان بالقمح الذی اشتروا، وجاء یوسف بالفضة إلى بیت فرعون. فلما فرغت الفضة من أرض مصر ومن أرض کنعان أتى جمیع المصریین إلى یوسف قائلین أعطنا خبزا، فلماذا نموت قدامک لأن لیس لنا فضة أیضا. فقال یوسف هاتوا مواشیکم فأعطیکم بمواشیکم إن لم یکن فضة أیضا. فجاءوا بمواشیهم إلى یوسف فأعطاهم خبزا بالخیل وبمواشی الغنم والبقر والحمیر، فقاتهم بالخبز تلک السنة مقابل جمیع مواشیهم." (تکوین، 47: 13-17)
وتتابع التوراة: "ولما تمت تلک السنة أتوا إلیه فی السنة الثانیة وقالوا له لا نخفی عن سیدی أنه إذا فرغت الفضة ومواشی البهائم عند سیدی لم یبق قدام سیدی إلا أجسادنا وأرضنا. لماذا نموت أمام عینیک نحن وأرضنا جمیعا. اشترنا وأرضنا بالخبز فنصیر نحن وأرضنا عبیدا لفرعون. وأعط بذارا لنحیا ولا نموت ولا تصیر أرضنا قفرا. فاشترى یوسف کل أرض مصر لفرعون إذ باع المصریون کل واحد حقله لأن الجوع اشتد علیهم، فصارت الأرض لفرعون." (تکوین، 47: 18-21) لکن الکهنة لم یبیعوا أرضهم لأن فرعون کان قد اقتطعها لهم. خاطب یوسف المصریین قائلا بأنه اشتراهم لفرعون، وهو یقدم لهم البذار مقابل الخمس یدفعونه لفرعون.
واضح من التوراة أن یوسف لم یکن رجلا صالحا وإنما کان سمسارا لفرعون مقابل مصالحه ومصالح إخوته وأزواجهم وأولادهم. هذا الرجل الذی من المفروض أنه نبی الله عبارة عن ظالم متجبر استغل الجفاف والقحط لیأخذ أموال الناس وکل ما یعتاشون منه من مواش وأراض وحولهم إلى مجرد عبید فی أرض فرعون. لم یراع هذا النبی،وفق التوراة، حرمة أو ذمة أو أخلاقا، ولم یدع الناس إلى التکاتف والتضامن خلال سنی الجوع. کان من المتوقع أن یعمل النبی على التفکیر فی کیفیة توزیع المؤن والمواد الغذائیة حتى لا یجوع أحد فی أرض مصر، وبذلک یؤمن المصریون أن الرجل صالح ویضع تقوى الله أمام عینیه. باع یوسف، وفق التوراة، أهل مصر وأهل کنعان من أجل أن یتربع سبعون من أقاربه على ثروة مصر.
ن/25