qodsna.ir qodsna.ir

التدلیس والتضلیل فی الملف الفلسطینی ممنوع

 

التدلیس والتضلیل فی الملف الفلسطینی ممنوع

افهم ان تتآمر اسرائیل لتصفیة القضیة الفلسطینیة، لکن الذى ینبغى ان نستغربه ونستنکره هو یتوازى ذلک مع التدلیس والتفریط الذى تمارسه بعض الاطراف الفلسطینیة والعربیة، الذى یمکن اسرائیل من تحقیق اهدافها.

 

(1)

خذ ذلک الاحتجاج المستمر بمسألة الشرعیة والالتزامات الدولیة فی تبریر استمرار اغلاق معبر رفح وإحکام الحصار على أهالی غزة. فالتصریحات الدبلوماسیة والأبواق الرسمیة تتحدث عن ان شروط اتفاق إدارة المعبر الذی عقد بین السلطة الفلسطینیة والإسرائیلیین فی عام 2005 لم تعد متوافرة الآن. فالسلطة الفلسطینیة لاسلطان لها علیه. کما أن بعثة الاتحاد الأوروبی انسحبت من موقعه، والمراقبة الإسرائیلیة له لم تعد قائمة. ورغم أن مدة الاتفاقیة کانت سنة، وقیل انه تم تمدیدها، إلا أن استخدام مصطلح "الشرعیة" لاغلاق المعبر یعد نموذجاً للتدلیس والتزویر الذى نتحدث عنه لأسباب عدة.

 فقد سبق أن أشرت إلى الرأی القانونی الذی أبداه الدکتور صلاح عامر، أحد کبار فقهاء وأساتذة القانون الدولی المصریین، وقرر فیه أنه فی ظل استمرار اخلال اسرائیل بمقتضى الاتفاقات الثنائیة المبرمة مع منظمة التحریر وحکومة السلطة الفلسطینیة، فإن أحکام القانون الدولی تخول الفلسطینیین الحق فى إنهاء تلک الاتفاقات من جانب واحد، أو إیقاف العمل بها استناداً إلى المادة 60 فى إتفاقیة فیینا بشأن قانون المعاهدات. من ناحیة ثانیة، فإن اساتذة القانون متفقون على أنه على فرض أن الاتفاقیة مازالت ساریة، إلا أن استخدام أحکامها لاغلاق المعبر وحصار الفلسطینیین ومنع وصول مقومات الحیاة الأساسیة إلیهم یفقدها شرعیتها، لیس فقط استناداً الى المنطق الذى لایجیز الاحتجاج بقانونیة أی اتفاق دولی لارتکاب جریمه عزل البشر وقتلهم، ولکن أیضاً لان القانون الدولی الانسانى، الذى هو أقوى من أیة اتفاقیات ثنائیة أو دولیة، لایمنع ذلک فحسب, وإنما یعتبره عملا غیر أخلاقی وجریمة إبادة للجنس. وللعلم فإن الفقرة الثانیة من المادة السابعة للنظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة، تعتبر أن جرائم الإبادة تشمل " تعمد فرض أحوال معیشیة من بینها الحرمان من الطعام والدواء".وذلک بالضبط الحاصل فی قطاع غزة. وهوما نصت علیه أیضاً المادة الثانیة (فقرة ج) من میثاق الإبادة البشریة لعام 1948.

 

فوق هذا کله وذاک، فإن الذین یتعللون بشرعیة اتفاقیة المعابر. یبدون صمتا مدهشا ومریبا إزاء انتهاک إسرائیل لکل القرارات الدولیة التى تتحدث عن حقوق الفلسطینیین، بدءاً بقرار مجلس الأمن بحق اللاجئین فى العودة وانتهاءً بقرار محکمة العدل الدولیة الذى یمنع إقامة الجدار العازل، ومروراً بالقرارات الدولیة التى تمنع تهوید القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائیل.

لا یذکر العرب المحدثون شیئاً عن هذه الشرعیة، ویتمسکون بشرعیة مطعون فیها لاتفاقیة المعابر، فى حین أنهم لو تمتعوا بقدر من الانصاف- ولا أقول الغیرة – لوجدوا أن الشرعیة القانونیة الحقیقیة لاتدعوهم الى إغلاق معبر رفح، ولکنها توجب علیهم فتحه وعدم المشارکة فى فرض التعاسة على فلسطینیی القطاع، وتحویل حیاتهم جحیماً.

 

(2)

خذ أیضاً اقتراح إرسال قوات عربیة الى غزة، الذی یبدو أنه مأخوذ على محمل الجد. وأن هناک ترتیبات وتمهیدات لتنفیذه بقوات تمثل ثلاثاً من دول " الاعتدال " هى مصر والسعودیة والاردن. وهو فیما یبدو تطویرا وتهذیبا للفکرة التى طرحها أبو مازن فى وقت سابق، ودعا فیها إلى إرسال قوات دولیة إلى القطاع. وهو اقتراح خطیر لأسباب عدة، منها أن تلک القوات یفترض أن توجه إلى غزة ولیس إلى رام الله، الأمر الذی یعنى أنها موجهة ضد حرکة حماس تحدیداً، ویعنى فی الوقت ذاته أنها ذهبت للاشتباک مع حماس واخضاعها لسلطة أبو مازن فی رام الله. کذلک یعنى أنها موجهة إلى قمع فصیل فلسطینى یحتل أغلبیة المجلس التشریعى، ولیس للدفاع عن الشعب الفلسطینى أو تحریر فلسطینى. وهو تطور لم یخطر یوماً ما على أکثر الناس تشاؤماً وإساءة للظن بالموقف العربى، حیث لایتصور أى مواطن عربى أن توضع القوات العربیة فى موقف تقاتل فیه الفلسطینیین، مدیرة ظهرها للإحتلال الاسرائیلى.

 

 

من ناحیة أخرى، فهذه القوات لن تدخل إلا بموافقه اسرائیلیة، باعتبارها السلطة المحتلة وصاحیة الید العلیا، الأمر الذى یضعنا بإزاء مفارقة أخرى مذهلة، تبارک فیها اسرائیل دخول قوات عربیة لقمع أکبر فصیل للمقاومة الفلسطینیة.

من ناحیة ثالثة، فإن تلک القوات ستوضع فى موقف حرج للغایة إذا ما قامت إحدى فصائل المقاومة بإطلاق صاروخ أو قامت بأى عملیة ضد الإسرائلیین، أو إذا قامت إسرائیل بالعدوان على الفلسطینیین فى الضفة، ذلک أنها سترتکب جریمة إذا تدخلت فى الحالة الأولى، وسترتکب جریمة أخرى إذا سکتت ووقفت متفرجة فی الحالة الثانیة.

 

(3)

خذ کذلک مسألة " تبادل الأراضى "، التى اعلن أبومازن فى أکثر من مناسبة موافقته علیها، بعد أن تم التفاهم علیها مع الإسرائیلیین فی مباحثات البحر المیت وجنیف. وهى التى أصبحت رکیزة مشروع الیمینى الإسرائیلی المتطرف افیغدور لیبرمان نائب رئیس الوزراء ومؤسس حزب "إسرائیل بیتنا". وللعلم فإن المحرک والمخطط الأساسی للفکرة هو جدعون بیجر أستاذ الجغرافیا بجامعة تل أبیب الذى یقوم بدور المستشار السیاسى للیبرمان، وهو یدعو صراحة إلى ضرورة التخلص من الفلسطینیین لإبعاد شبح تفوقهم السکانى، الذی یهدد أغلبیة الإسرائیلیین. وکان الرئیس السابق بیل کلینتون قد عرض الفکرة أثناء مؤتمر کامب دیفید الثانى ( أواخر عام 1999) لکن أبوعمار رئیس السلطة الفلسطینیة آنذاک رفضها، معتبراً أن الأوطان لاتخضع للمقایضة والاستبدال، فى حین أن خلفه وبعض مساعدیه قبلوا بها واعتبروها مبدأ قابلا لمناقشة والمساومة، وهو ما کشفت عنه القناة الثانیة للتلفزیون الإسرائیلى التى ذکرت ( فى 22-11-2007) أنه خلال المباحثات التى أجراها الوفدان الفلسطینى والإسرائیلى عشیة الذهاب إلى مؤتمر انابولیس، تم الاتفاق بین الجانبین على أن فکرة تبادل الأراضی یمکن أن تکون أحد الحلول المقبولة للصراع. وجرت صیاغة الفکرة بصورة ملتویة تدعو إلى إقامة دولة فلسطینیة غیر مسلحة، حدودها مبنیة على خرائط عام 1967. ویجرى الاتفاق على تلک الحدود بدقة، بناء على الاحتیاجات الأمنیة (الإسرائیلیة بطبیعة الحال) والتطورات الدیموجرافیة والمستلزمات الإنسانیة. وهذا الشق الأخیر من الکلام الذی یتحدث عن الاحتیاجات الأمنیة، یجعل الکلمة الأخیرة للإسرائیلیین فی ترسیم الحدود، ویفتح الباب لتبادل الاراضى. وإخراج ما لایقل عن 200 الف عربى من إسرائیل. وضمهم إلى "الدولة الجدیدة" فى فلسطین، بحیث تصبح اسرائیل دولة عنصریة خالصة للیهود. وهذا الکلام لیس استنتاجا من جانبنا، ولکنه مؤید بتصریح أدلى به البروفیسور جدعون بیجر الى صحیفة هاآرتس (16-12-2005) قال فیه ان مشروعه یتضمن خطة لتفریغ القرى الفلسطینیة من سکانها. ولایقف الأمر عند المسألة السکانیة وحدها، لأن الکتل الإستیطانیة المطلوب ضمها إلى إسرائیل تتمدد فوق الخزان المائى الغربی فی الضفة، التی تضم أکبر 3 خزانات، تضخ إسرائیل منه 90% من مخزونه، الذى یصل إلى 550 ملیون متر مکعب من المیاه سنویاً. وهى خلفیة تدل على أن فکرة تبادل الأراضى لیست سوى قناع للتطهیر العرقى ونهب الثروة الزراعیة والمائیة للفلسطینیین.

 

(4)

خذ أخیراً مسألة الخداع الذى یمارسه الإسرائیلییون لغش الطرف العربى وتنویمه، من خلال التلاعب بالألفاظ والمعلومات. ذلک أن إسرائیل حین فشلت فى القضاء على المقاومة الفسطینیة فإنها لجأت إلى تفکیک القضیة والعبث بملفاتها. فقد استخدم عنوان "مفاوضات السلام" غطاء لتوسیع المستوطنات وإضفاء الشرعیة علیها وتهوید القدس. وفکرة "الدولة ذات الحدود المؤقتة" ظل هدفها المرکزی هو انتزاع تنازل فلسطینى فورى عن حق العودة وعن الاراضى التى اقیمت علیها الکتل الاستیطانیة والسماح بالتنازل عن القدس فى الوقت الذى یستمر فیه تهویدها وتطبیق القانون الاسرائیلى علیها. وبعدما کانت إسرائیل تعارض فکرة الدولة, فإنها أدعت قبولاً بها مع تفریغها من مضمونها السیادی. وفى حین کانت ترفض إزالة الاستیطان، فإنها أصبحت تقبل فی العلن بإزالة بعض البقع الاستیطانیة التى لا قیمة لها، وبعضها یقطنه ما بین اثنین وخمسة اشخاص، ولایزید مجموع مستوطنی تلک البقع على 3 آلاف شخص، مقابل اضفاء الشرعیة على الکتل التى تضم 450 ألف مستوطن.

فی حالة القدس فإنهم یریدون تغییر مضمونها المتعارف علیه (الحرم الشریف وکنیسة القیامة والبلدة القدیمة وجبل الزیتون والعیسویة وسلوان وغیرها) لینصرف إلى أحیاء محیطة بالقدس کالعزیریة وأبودیس وربما بیت حنانینا. والهدف من ذلک خداع الرأى العالم العربى، الذى تحتل القدس لدیه موقعا خاصا، وایهامه فى اى تسویة بانه استعاد القدس لتکون عاصمة للدولة الفلسطینیة، فى حین ان الذى یقدم الیهم هو قریة صغیرة مجاورة للقدس الحقیقیة.

أما التلاعب بالمعلومات والأرقام، فقد کشف عنه خلیل التفکجى خبیر شئون الاستیطان. ومدیر دائرة الخرائط فى جمعیة الدراسات العربیة بالقدس، حیث ذکر أن إسرائیل کذبت حین اعربت عن استعدادها للقبول بإقامة دولة فلسطینیة على 93% من اراضى الضفة (السبعة فى المائة المتبقیة یفترض أن تخضع لتبادل السکان).والحقیقة أن إسرائیل تعرض 50% فقط من الضفة. ذلک أنها حین تحدثت عن الضفة دون ان تقدم للطرف الفلسطینى أیه خرائط، فإنها أخرجت من العرض مدینة القدس التی أصبحت تمثل الآن 10% من مساحتها کما أنها أسقطت غور الأردن الذى یشکل 22% من المساحة. وهذا التلاعب فى الأرقام حدث أیضاً فى معلومات الجدار العازل، الذى اثبت معهد البحوث التطبیقیة (اریج) أنه یصادر 13% من أراضى الضفة، بخلاف ما تملکه تعلنه التى ما برحت تتحدث عن انه یقتطع فقط ما بین 6و9% من الضفة.

إن أصابع الاتهام فی کل ما سبق لاتشیر فقط إلى طرف إسرائیلى متآمر، لکنها تشیر أیضاً إلى أطراف فلسطینیة وعربیة إما مفرطة أو متواطئة، وتلک نکبة أخرى تدعونا الى اعادة النظر فى خریطة جبهة المواجهة التى باتت اوسع کثیرا مما نظن.

) للکاتب المصری فهمی هویدی ومنع المقال من النشر فی الاهرام المصریة ونشر فی الشرق القطریة  و الوطن الکویتیة )

ن/25


| رمز الموضوع: 142838