الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

ماذا فعلت إدارة بوش على مدى ثمانى سنوات؟

ماذا فعلت إدارة بوش على مدى ثمانى سنوات؟

 

 فقد العرب المزید من السنوات فى عهد ادارة الرئیس الامریکى بوش، بل اصبحوا فى حالة اسوأ بکثیر مما کانوا علیه قبل أن یدخل البیت الأبیض. فقد تم تدمیر واحتلال العراق، وتحطیم البنیة الأساسیة لدولة لبنان، والقضاء على مقومات الحیاة فى فلسطین واستکمال عملیات الاستیطان والتهوید.

ورغم أن العرب اعتادوا الاستماع إلى وعود امریکیة طوال ستین سنة لم یتحقق منها أى شیء حتى الآن سوى الدعم المطلق للتوسع الاسرائیلى وکان أحدث المواقف هو رفض مطالبة اسرائیل بوقف الاستیطان فى الاراضى العربیة المحتلة.

قبل ثلاثة أعوام – بالتحدید فى یوم 9 یونیو عام 2005- کتب المحلل الامریکى جون ماکنیل فى صحیفة "نیویورک تایمز" یقول إن عشرات الملایین من الدولارات التى وافق مجلس العلاقات الخارجیة –الامریکی– على اعتمادها للدعایة والاعلان من أجل کبح جماح العداء للولایات المتحدة فى منطقة الشرق الاوسط ونشر اعلانات وشعارات عن المساعدات الاجتماعیة والانسانیة الامریکیة للعرب قد فشلت فى تحقیق الهدف منها.

وقد أتیحت للرجل فرصة القیام بزیارات لبعض العواصم العربیة – منها القاهرة – حیث اکتشف أن العناوین والشعارات المغریة والبراقة لا تثیر اهتمام الجماهیر العربیة.

کان جون ماکنیل یرید التعرف على نتائج حملة کسب قلوب وعقول العرب المسلمین وصدى الجهود الهادفة الى تحسین صورة الولایات المتحدة فى العالم العربی.

کتب ماکنیل فى "نیویورک تایمز" یقول: مشاعر العداء والخیبة من سیاسات الولایات المتحدة هى الاقوى حتى الآن وقد عبرت الاجابات وردود الفعل لدى الناس عن حقیقة واحدة ووحیدة وهى أن زمن الکلام قد انقضى وآن الآوان للبدء بالفعل والانجاز.

وقد أثار انتباه وانزعاج المحلل الامریکى أن الشبان العرب – وبعضهم من اصحاب الثقافة الغربیة کما أن بعضهم یعمل فى شرکات امریکیة – بلغوا حالة من الآسى والیأس من الادراة الامریکیة یصعب وصفها، وهم یلجؤون الى السخریة السوداء ویتهمون واشنطن بتطبیق المعاییر المزدوجة.

ومن هنا، وجه جون ماکنیل النصح بالکف عن القیام بحملات دعایة جدیدة، لأنه لا فائدة من ورائها، وخاصة إذا صدرت من مؤسسات اعلامیة متحیزة حتى لو کانت تملک المال الوفیر والامکانیات التقنیة. والغریب أن هذا المحلل لم یخطر على باله بعد ذلک کله – البحث عن الاسباب الحقیقیة وراء الموقف الشعبى المناهض للولایات المتحدة فى العالم العربی. ولذلک فإن البدائل التى قدمها تدل على أنه لم یضع یده على الحقائق خلال جولته أو انه لم یفهم شیئا أو لا یرید أن یفهم.

قال الرجل إن نسبة الذین تقل أعمارهم عن 15 سنة فى المنطقة تبلغ 65 فى المائة فى المتوسط، وأن الوسیلة الأفضل لکسب قلوب وعقول هؤلاء هى المنح التعلیمیة ودعم المدارس والجامعات، وبرامج محو الامیة ومؤسسات التدریب المهنی. وهذا یشکل، فى رأى جون ماکنیل، الالتزام الحقیقى من جانب الولایات المتحدة بمستقبل شعوب الشرق الاوسط "قصد العالم العربی".

ومن الواضح أن ماکنیل لا ینفرد بهذا الرأی، ولا ینفرد أیضا بهذا العلاج لمشکلات العرب فهناک کیث راینهارت الذى یترأس مؤسسة امریکیة للعمل الدیبلوماسی، مهمتها حشد طاقات القطاعات المدنیة والخاصة لخدمة الجهود الدیبلوماسیة ویرى أن مؤسسات الأعمال الامریکیة تستطیع المساهمة فى ذلک بحیویة عن طریق توفیر المهارة وأفضل السلوکیات والموارد للعاملین فى العالم العربى لکسب ثقة العرب. ویؤکد راینهارت أن الشرکات تستطیع أن تزود المنطقة بالاشیاء التى ترغب فى تزویدهم بها، ویمکن لهذه المبادرات أن تشمل تبادل البرامج للمتدربین الشبان من المنطقة وإقراض المال لرجال الأعمال الشبان المبتدئین لتطویر مشروعات خاصة بهم وقضاء فترة فى امریکا أو خارجها فى مکاتب وادارات ومواقع عمل الشرکات أو اعطاء منح دراسیة فى افضل معاهد اعداد رجال الاعمال.

ویعتقد جون ماکنیل أن هذه هى أفضل طریقة مع العرب حتى لا ینفق دافعو الضرائب فى أمریکا اموالا على مشاریع غیر مجدیة.

وخلال السنوات الثلاث الماضیة لم یطرأ أى تعدیل على هذه الطریقة الامریکیة فى التفکیر. فما تفعله الولایات المتحدة هو العسکرة الکاملة لاسرائیل، سواء فى مجال دعم التکنولوجیا الحربیة أو تقدیم أحدث الاسلحة المتطورة لجیشها أو المال اللازم لتطویر الصناعة الحربیة الاسرائیلیة.

أما نصیب العرب، فإنه یقتصر على تقدیم رشاوى للشبان ورجال الأعمال سواء فى صورة ترتیب قضاء العطلات فى منتجعات جمیلة أو أموال للشبان الذى یطمحون فى أن یکونوا رأسمالیین.

اسرائیل یجب أن تملک اسلحة الدمار الشامل، وتتوسع فى الاراضى الفلسطینیة المحتلة وتجعل الحیاة جحیما لا یحتمل للفلسطینیین حتى یترکوا أرضهم وبلادهم. أما العرب فیمکن أن یحصلوا على منح تعلیمیة کى یعرفوا أن طریقة الحیاة الامریکیة هى الجنة بعینها.

الولایات المتحدة لا تکتفى بتحدى الشرعیة الدولیة بل تدمرها، وتتولى تفکیک شبکة العلاقات الدولیة التى عرفها العالم منذ أیام الرئیس الأمریکى ودرو ویلسون.

إذا کانت الولایات المتحدة الامریکیة منذ اعترضت مؤخرا على مشروع قرار فى مجلس الأمن یطالب اسرائیل بوقف الاستیطان، فإن هذا الاعتراض لم یکن الأول، ففى 14 ابریل عام 2005 ادانت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة سیاسة الاستیطان الاسرائیلیة فى الضفة وغزة والقدس الشرقیة وهضبة الجولان السوریة المحتلة. وطالبت اللجنة بوقف بناء المستوطنات ولم تعترض على قرار اللجنة سوى دولتین هما الولایات المتحدة واسترالیا.

واعتبر المندوب الامریکى فى اللجنة ان القرار منحاز.

موقف الولایات المتحدة من العرب واضح کل الوضوح منذ سنوات طویلة، ولکن الحکومات العربیة تتجاهل عن عمد الحقائق وتقدم صورة لامریکا مغایرة للواقع وشارک فى هذه التجاهل کتّاب عرب.

کتب کاتب عنها یوم 31 مارس عام 2005 فى صحیفة عربیة یقول: "مع دخول الولایات المتحدة مرحلة الولایة الثانیة للرئیس الامریکى جورج دبلیو بوش باتت کل المؤشرات المتوافرة تشیر إلى أن الأداء الامریکى على المسار التفاوضى الفلسطینى الاسرائیلى سیکون مختلفا إلى حد بعید عن طریقة الأداء السلبیة والمنحازة کلیا إلى اسرائیل، التى اتبعتها ادارة بوش على امتداد سنوات ولایته الاولی.. " بل إن الکاتب أکد – دون ان یقدم المؤشرات المتوافرة المقنعة – جازما جدیة الولایات المتحدة على صعید القیام بدور فعال على المسار التفاوضى الفلسطینى الاسرائیلى والتزامها بتنفیذ خریطة الطریق، وقیامها باجبار الفریقین المتصارعین الفلسطینى والاسرائیلى على الوفاء بالتزاماتهما المنصوص علیها فى الخریطة المذکورة.

فهل یمکن أن یتأخر ادراک النخب العربیة لمخاطر المشروع الصهیونى وتوظیفاته البریطانیة ثم الامریکیة لأکثر من قرن؟

ألم یتابع العرب تحویل مشروع اسطورى إلى واقع على الارض منذ دعوة نابلیون بونابرت للیهود إلى الاستیطان اثناء حملته على مصر، ثم الخطط البریطانیة فى منتصف القرن التاسع عشر، والمحاولات مع العثمانیین والالمان لفتح الطریق أمام الاستیطان الیهودى فى فلسطین؟

المفترض أن المشروع قد اتضح مع وعد بلفور ورعایة بریطانیا للمشروع الصهیونى مع احتلالها لفلسطین.

والمفترض أن النخب العربیة استیقظت على حجم المخاطر التى تحیق بالعرب، ولیس بفلسطین وحدها. ومع ذلک، فإننا نجد حتى الآن من ینتظرون الحل الامریکى والتسویة العادلة الشاملة على ایدى الوسیط "النزیه".

کانت حرب البلقان قد اسفرت عن ظهور مشکلة ملیون لاجئ ألبانى فى عام 1999 وعلى الفور طرح المجتمع الدولى قضیة إعادة هؤلاء اللاجئین الى دیارهم، واعتبر القادة الدولیون أن الحرب لم تنته ما دام هؤلاء اللاجئون خارج دیارهم.

وقالوا ان تکلفة إعادتهم ملیارات الدولارات وأن هذه الإعادة کانت الهدف من التدخل العسکرى لحلف الاطلنطى ضد جمهوریة الصرب التى مارست التطهیر العرقى ضدهم. وتم اعادة اللاجئن الالبان الى دیارهم.

ولکن، ألم یتعرض الشعب الفلسطینى للاضطهاد والتنکیل وللتطهیر العرقى باعتراف مؤرخین اسرائیلیین کبار؟ ألم تتم مصادرة أرضه وتدمیر قراه؟ هل فکر المجتمع الدولى فى قصف تل ابیب کما قصف بلجراد، لاجبار جیوشها على الانسحاب من الاراضى العربیة کما حدث مع صربیا لاجبارها على سحب جیشها من اقلیم کوسوفو الذى کان جزءا لا یتجزأ من دولة یوغوسلافیا وارض یوغوسلافیة ولیس دولة اخرى کما هو الحال عندنا.

عندما فتح الرئیس بوش ابواب البیت الأبیض أمام الرئیس الفلسطینى محمود عباس بعد أن أغلقها طویلا فى وجه یاسر عرفات، توقع البعض أن تتحرک القضیة الفلسطینیة وطلب بوش من اسرائیل مساعدة محمود عباس.

حدث هذا فى وقت کانت اسرائیل تحاول فیه احتواء اجواء التفاؤل الدولیة التى اشاعها فوز عباس فى انتخابات الرئاسة الفلسطینیة، بل إن تل ابیب اعلنت انها لا تستبعد أن تصل معه الى طریق مسدود سریعا جدا کان انتخاب محمود عباس قد استحضر معه مصطلحات من نوع محادثات وآفاق جدیدة وعملیة السلام وقال کثیرون فى العالم العربى وأوربا وأمریکا إن مهندسى اتفاقیات اوسلو وانصارهم عادوا للعمل.

ولکن ما حدث بالفعل هو أن حملات التحریض والإسرائیلى بدأت بالفعل ضد الرئیس محمود عباس حتى قبل ادائهم الیمین الدستوری، ووجهت الیه اسرائیل الاتهام بالتراخى فى محاربة ما تصنفة بالارهاب.

وعندما توقف العمل الفدائى من الضفة الغربیة، واصلت اسرائیل حملات القمع والاعتقال والمداهمات والاجتیاحات والاغتیالات للنشطاء الفلسطینیین هناک.

ایهود اولمرت یمینى متطرف من تلامیذ رئیس الوزراء الاسرائیلى السابق شارون، ویتمتع بدعم کامل من بوش ولا یؤمن بأن للفلسطینیین حقوقا قومیة وارضا مغتصبة ویعتبر أن الاستیلاء على القدس بکاملها قضیة حیاة أو موت وثم اشیاء مشترکة کثیرة بینه وبین بوش، ومن أهم العلامات الممیزة والفارقة فى عهد بوش خطاب الضمانات الذى قدمه لشارون ویتعهد فیه بالموافقة على ضم الکتل الاستیطانیة الکبرى لاسرائیل وإلغاء حق العودة وعدم العودة الى خطوط 4 یونیو 1967 وهذه اول مرة یقف فیها رئیس امریکى هذا الموقف.

أما عن التهدئة فقد سبق الاتفاق على تهدئة فى عام 2005 وقامت اسرائیل بانتهاکها 18 الف مرة. وذلک أن اسرائیل ومعها بوش – یؤمنان بان التهدئة لا تعنى سوى شیئ واحد: ان یستسلم الفلسطینیون للضربات الاسرائیلیة بلا مقاومة.

وسیغادر بوش البیت الابیض بعد أن اطمأن الى ان اسرائیل قطعت الطریق على اى تسویه حقیقة وبأنها اقامت ما یکفى من المستوطنات فى الاراضى المحتلة واستکملت ما ترید من عملیات التهوید أما الولایات المتحدة نفسها فلم یعد یهمها فى شیء کسب قلوب وعقول العرب.

( للصحفی والکاتب نبیل زکی )

ن/25


| رمز الموضوع: 142824







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)