دلالات جدیدة لهزیمة إسرائیل فى لبنان
دلالات جدیدة لهزیمة إسرائیل فى لبنان
هذا أولا.. وثانیا فى الحفاظ على سلاح المقاومة وعدم الانجرار وراء المطالب الأمریکیة الإسرائیلیة فى نزعه أو تدمیره، حیث ثبت للجمیع أنه بدون هذا السلاح سوف یصبح لبنان وطنا مستباحا أمام إسرائیل ومخططاتها فى المنطقة، وأن الحجج التى تساق من قبل البعض من المتأمرکین العرب عن التناقض المزعوم بین "سیادة الدولة" وسلاح المقاومة، سقطت من خلال التجربة المباشرة، بل لقد ثبت العکس، وهو أن سیادة الدولة اللبنانیة الفعلیة "ولیس کما یتصورها بعض المرتبطین بالمشروع الأمریکی" لا تکتمل ولا تصان من غیر سلاح المقاومة، وأضحى السؤال المهم بعد "اتفاق الدوحة" لیس: هل ینزع سلاح المقاومة أم لا؟ ولکن کیف یوظف هذا السلاح فى إطار "منظومة دفاعیة وطنیة لبنانیة" تحمى لبنان وتحافظ على استقلاله وأمنه واستقراره الداخلی؟.. ونحسب أن اللبنانیین قریبون جدا من تحقیق هذه الأهداف.
على أیة حال ووسط الانتصارات المتتالیة للبنانیین ولمقاومتهم الباسلة وآخرها تحریر بعض الأسرى اللبنانیین، نحتاج إلى إعادة فتح الملفات المغلقة، وقراءة ما بداخلها، خاصة فى ما یتصل بهزیمة إسرائیل فى العام 2006، وهى الهزیمة التى یحاول عدد من "کتاب المارینز العرب" أن یجعلوها هزیمة وکأنهم أکثر إسرائیلیة من الإسرائیلیین أنفسهم والذین اعترفوا فى وثائقهم وصحافتهم وتقاریرهم وأحدثها وأهمها تقریر "فینوجراد" بهذه الهزیمة المرة وتکرر لفظ "فشل وهزیمة" 60 مرة فى التقریر الأول، وأکثر من 50 مرة فى التقریر الثانی، ومع ذلک یصر المارینز العرب على هزیمة لبنان!!
هؤلاء فى ظنى لا یحتاجون فقط إلى مناقشة علمیة استراتیجیة بل یحتاجون إلى علاج نفسى یبرئهم مما علق بعقولهم من هوى أو مرض أمریکى عضال!.
على أیة حال وإلى أن یتم العلاج النفسى نقدم -وبتلخیص کبیر- أبرز ما احتواه تقریر حدیث نسبیا نشر خلال شهر یولیو 2008 لمرکزیْ أبحاث أمریکى وفرنسى یکشفان فیه حقائق مذهلة وخطیرة عن أبعاد وأسرار الهزیمة الإسرائیلیة فى لبنان، لعل مثل هذه التقاریر والتى تأتى من العدو ما یمثل أدلة جدیدة تؤکد "للمارینز العرب" أن بإمکان هذه الأمة أن تنتصر إذا ما امتلکت الإرادة والإدارة العاقلة والمضحیة والشریفة کما هو الحال بالنسبة للبیئة اللبنانیة الحاضنة للمقاومة، والآن إلى أبرز ما أورده التقریر:
تحدثنا الحقائق الجدیدة والمنشورة حدیثا أن مرکز axis of logic فى ماساشوستس بالولایات المتحدة کشف عن تقریر رسمى فرنسى حول الحرب الإسرائیلیة على لبنان الصیف الماضى وأسبابها المباشرة وغیر المباشرة.
وقال موقع المرکز فى الملخص الذى نشره عن الموضوع، إن الباحث والصحفى الأمریکى الشهیر المتخصص فى الشؤون الأمنیة، برایان هارینغ braian harring، حصل على نسخة من التقریر الفرنسى الرسمی، الذى یقع فى حوالى 300 صفحة ویتضمن صورا وخرائط ومخططات بیانیة، خلال مروره مؤخرا على باریس فى طریقه إلى موسکو فى رحلة عمل.
وبحسب الملخص الذى ترجمه الباحث هارینغ نفسه عن التقریر الفرنسى الأصلى فإن جهاز المخابرات الإسرائیلى "موساد" هو الذى اغتال رئیس الوزراء اللبنانى الأسبق رفیق الحریری.
ویتضح من التقریر، کما ظهر لاحقا فى تقاریر إعلامیة عدیدة، لعل أشهرها ما کتبه سیمور هیرش أن الحرب الإسرائیلیة الأخیرة على لبنان لم تکن رد فعل مباشر على إقدام حزب الله على أسر جندیین إسرائیلیین فى 12 تموز/یولیو 2006 بقدر ما کانت ولیدة خطة إسرائیلیة مدبرة وتفاهم أمریکی-إسرائیلى مسبق.
ویشیر التقریر فى هذا الإطار إلى أن الولایات المتحدة أخبرت إسرائیل بأنها لن تکون قادرة على مدها بالقوات الأرضیة نظرا لورطتها فى العراق، وإنما ستزودها بالتأکید "خلال حملتها القاصمة على حزب الله" بمختلف أنواع السلاح والذخائر، بما فى ذلک القنابل التقلیدیة والعنقودیة والذخائر الحربیة اللازمة للعملیة المخطط لها.
وفى ما یتعلق بوقائع الحرب، وبعد أن یقدم التقریر ملخصا یومیا لوقائعها، یشیر إلى أن خسائر إسرائیل الحقیقیة هى أقرب إلى الخیال إذا ما قورنت بما صرحت عنه الحکومة الإسرائیلیة رسمیا.
حیث یؤکد فى هذا السیاق، بالاستناد إلى مصادر إسرائیلیة رسمیة، على أن خسائر إسرائیل من العسکریین بلغت 2300 "ألفین وثلاثمائة قتیل"، ولیس 119 فقط، منهم 600 توفوا فى المشافى نتیجة إصاباتهم البلیغة، أما عدد الجرحى العسکریین ذوى الجروح البالغة، والذین ظلوا على قید الحیاة، فقد بلغ 700 جریحاً، کما أن 65 منهم قتلوا بطریقة مرعبة تحت الأنقاض من خلال تدمیر البیوت اللبنانیة التى لجؤوا إلیها على رؤوسهم بالصواریخ المضادة للدبابات. ویظهر التقریر فى هذا السیاق أن حزب الله استهدف مشفى عسکریا إسرائیلیا فى صفد خلال الحرب ویعتقد أن ذلک تسبب فى مقتل العدید من الجنود الجرحى المصابین.
أما خسائر حزب الله، بحسب التقریر الذى یستند فى معلوماته إلى مصدرین هما الأمم المتحدة والحکومة اللبنانیة المناهضة لحزب الله، فبلغت 50 مقاتلا "حسب مصدر الأمم المتحدة" و49 مقاتلا "حسب مصدر الحکومة اللبنانیة".
وأشار التقریر إلى أن مجموع الدبابات وناقلات الجنود الإسرائیلیة التى دمرت تدمیرا کاملا فى الحرب بلغ 65 دبابة وناقلة جنود دمرت بشکل کامل، منها 38 من طراز میرکافا دمرت بالصواریخ المضادة للدروع، بینما دمرت 15 دبابة بالعبوات الناسفة المزروعة فى الأرض.
أما عدد الدبابات وناقلات الجنود التى کانت إصاباتها بالغة جدا فبلغ 93 دبابة وناقلة جنود.
وفى الوقائع التفصیلیة لبعض مجریات الحرب، یشیر التقریر إلى أن حزب الله قتل 18 جندیا دفعة واحدة فى بنت جبیل بتاریخ 27 تموز/یولیو 2006.
وفى 27 من الشهر نفسه، ومن خلال کمین محکم نصبه مقاتلو حزب الله، قتل 41 جندیاً إسرائیلیاً فى بنت جبیل، بالإضافة إلى تدمیر 12 مدرعة وثلاث ناقلات جنود و8 أصیبت بشکل بالغ.
وفى 9 آب/أغسطس تمکن مقاتلو الحزب من قتل 23 جندیا من خلال تدمیر المنزل الذى لجؤوا إلیه على رؤوسهم.
وفى 12 آب/ أغسطس تمکنوا من قتل 24 جندیا خلال اشتباک واحد، فضلا عن خمسة آخرین فى طائرة الهلیکوبتر التى أسقطها الحزب فى الیوم نفسه.
وبشأن المدمرة البحریة ساجر5 التى أصابها مقاتلو الحزب بتاریخ 14 تموز/ یولیو، فقد ذکر التقریر أن عدد الضباط والجنود الذین قتلوا فیها بلغ 14 ضابطا وجندیا، ولیس أربعة فقط کما ذکر فى حینه.
أما بشأن الغارات التى قامت بها إسرائیل خلال الحرب، فکشف التقریر عن أن الطیران الإسرائیلى نفذ 12 ألف غارة جویة.
أما القوات البحریة الإسرائیلیة فقد استخدمت 2500 قذیفة وصاروخ، بینما استخدمت القوات البریة منه ألف قذیفة.
وأشار التقریر إلى أن خسائر لبنان کانت فى أغلبیتها الساحقة ذات طبیعة مدنیة، حیث بلغت نسبة الأطفال الذین قتلوا ممن هم دون سن الـ13عاما 30 بالمئة من مجموع الضحایا.
ودمرت إسرائیل أیضا ما مجموعه 400 میل "حوالى 600 کم" من الطرق، و73 جسرا، و31 هدفا مدنیا مثل مطار بیروت والموانئ ووحدات معالجة المیاه العادمة "الصرف الصحی"، و25 محطة وقود، و900 محل تجاری، و350 مدرسة ومشفیین و15 ألف منزل، بینما تضرر 130 ألف منزل بأشکال مختلفة.
وبعد: هذه الحقائق التى کشفها تقریر دولى أصحابه غیر متعاطفین أصلا مع المقاومة اللبنانیة "الفرنسیون والأمریکیون"، یؤکد وبشکل حازم أن بإمکان هذه الأمة أن تنتصر، وأن هذا العدو لیس قوة جبارة غیر قابلة للإنکسار والهزیمة، فبداخله نقاط ضعف، وإذا ما واجهته قوة مدربة ومؤمنة ولدیها ترتیب صحیح للأولویات، وقیادة واعیة مضحیة، فإنها حتما ستنتصر علیه وستقلب موازین القوى ومعادلاتها رأسا على عقب، وهو تحدیدا ما جرى فى لبنان من قبل حزب الله، وهو عین ما تحتاجه بلادنا العربیة الأخرى بدل أحادیث الهزیمة والانحناء لکل ما هو أمریکى أو إسرائیلی.
( للدکتور رفعت سید أحمد )
ب/ن/25