شعب الشیطان المختار(4)
شعب الشیطان المختار(4)
کتب البروفیسورعبد الستار قاسم فی مقال استلمته وکالة قدسنا :
أبین فی هذه الحلقة مسألة توظیف الصهاینة الغزاة لربهم الخاص فی منح الأراضی والأطیان لهم، وتخصیصهم دون الشعوب الأخرى، وکأن الرب یعمل بتجارة الأراضی أو توزیع الحصص ومحاباة قوم على أقوام آخرین.
بدایة أشیر إلى أن الصهاینة یعتبرون سیدنا إبراهیم أبا لهم وحدهم و وریثه فقط إسحق ابن سارة، وهم یتعاملون مع هذا الأمر فی التوراة کحقیقة مطلقة ویبنون علیها تنظیرهم الدینی. یقول الرب لإبراهیم: "ارفع عینیک وانظر من الموضع الذی أنت فیه شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، لأن جمیع الأرض التی ترى لک أعطیها ولنسلک إلى الأبد، وأجعل نسلک کتراب الأرض، حتى إذا استطاع أحد أن یعد تراب الأرض فنسلک أیضا یعد. قم امش فی الأرض طولها وعرضها أنی لک أعطیها. (تکوین، 13: 14-17) ما هی هذه الأرض؟ الجواب "لنسلک أعطی هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الکبیر نهر الفرات." (تکوین، 15: 19) وتشیر التوراة إلى هذا الوعد فیما یخص یعقوب فتقول: "فخرج یعقوب من بئر سبع وذهب نحو حاران، وصادف مکانا وبات هناک لأن الشمس کانت قد غابت، وأخذ من حجارة المکان ووضعه تحت رأسه فاضطجع فی ذلک المکان، ورأى حلما وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها یمس السماء، وهو ذا ملائکة الرب صاعدة ونازلة علیها، وهو ذا الرب واقف علیها فقال أنا الرب إله إبراهیم أبیک وإله إسحق. الأرض التی أنت مضطجع علیها أعطیها لک ولنسلک، ویکون نسلک کتراب الأرض وتمتد غربا وشرقا وشمالا وجنوبا ویتبارک فیک وفی نسلک جمیع قبائل الأرض، وها أنا معک وأحفظک حیثما تذهب وأردک إلى هذه الأرض، لأنی لا أترکک حتى أفعل ما کلمتک به." (تکوین، 28" 10-15) وقد أکدت التوراة هذا الحلم عندما قال الرب لیعقوب: "والأرض التی أعطیت إبراهیم وإسحق لک أعطیها، ولنسلک من بعدک أعطی الأرض." (تکوین 25: 12)
تذکر الرب عهده مع بنی صهیون بعدما خرجوا إلى مصر وخضعوا لفرعون. تقول التوراة: "وحدث فی تلک الأیام الکثیرة أن ملک مصر مات وتنهد بنو إسرائیل من العبودیة وصرخوا، فصعد صراخهم إلى الله من أجل العبودیة، فسمع الله أنینهم فتذکر الله میثاقه مع إبراهیم وإسحق ویعقوب، ونظر الله إلى بنی إسرائیل وعلم الله." (خروج، 2: 23-25) ولهذا قرر الرب أن یخرج بنی صهیون من أرض مصر وأن یبعثهم إلى الأرض الموعودة وبقدرته هو. یقول الرب: "أرسل هیبتی أمامک وأزعج جمیع الشعوب الذین تأتی علیهم وأعطیک جمیع أعدائک مدبرین، وأرسل أمامک الزنابیر فتطرد الحویین والکنعانیین والحثیین من أمامک، لا أطردهم من أمامک فی سنة واحدة لئلا تصیر الأرض خربة فتکثر علیک وحوش البریة. قلیلا قلیلا أطردهم من أمامک إلى أن تثمر وتملک الأرض. واجعل تخومک من بحر سوف إلى بحر فلسطین ومن البریة إلى النهر، فإنی أدفع إلى أیدیکم سکان الأرض فتطردهم من أمامک، لا تقطع معهم ولا مع آلهتهم عهدا، لا یسکنوا فی أرضک لئلا یجعلوک تخطئ إلی." (خروج، 23:27-33) وتضیف التوراة: "وقال الرب لموسى اصعد من هنا أنت والشعب الذی أصعدته من أرض مصر إلى الأرض التی حلفت لإبراهیم وإسحق ویعقوب قائلا لنسلک أعطیها، وأنا أرسل أمامک ملاکا وأطرد الکنعانیین والأموریین والحثیین والفرزیین والحویین والیبوسیین." (خروج، 33:1-2)
حدد الرب لموسى الأرض التی هم ذاهبون إلیها بعد خروجهم من مصر وذلک کالتالی: "وکلم الرب موسى قائلا أوصی بنی إسرائیل وقل لهم إنکم داخلون إلى أرض کنعان، هذه الأرض التی تقع لکم نصیبا، أرض کنعان بتخومها تکون لکم ناحیة الجنوب من بریة صین على جانب أدوم، ویکون لکم تخم الجنوب من طرف بحر الملح إلى الشرق ویدور لکم التخم من جنوب عقبة عقر ویعبر إلى صین وتکون مخارجه من جنوب قادش برنیع ویخرج إلى حصر ادار ویعبر على عصمون، ثم یدور التخم من عصمون إلى وادی مصر وتکون مخارجه عند البحر. وأما تخم الغرب فیکون البحر الکبیر لکم تخما. هذا یکون لکم تخم الغرب. وهذا یکون لکم تخم الشمال من البحر الکبیر ترسمون لکم إلى جبل هور، ومن جبل هور ترسمون إلى مدخل حماة وتکون مخارج التخم إلى صدد. ثم یخرج التخم إلى زفرون وتکون مخارجه عند حصر عینان. هذا یکون لکم تخم الشمال. وترسمون تخما لکم إلى الشرق من حصر عینان إلى شفام، وینحدر التخم إلى ربلة شرقی عین. ثم ینحدر التخم ویمس جانب بحر کنارة إلى الشرق، ثم ینحدر التخم إلى الأردن وتکون مخارجه عند بحر الملح. هذه تکون لکم الأرض بتخومها حولها." (عدد، 34: 1-12) هذه الأرض مخصصة فقط لتسعة أسباط ونصف وهی تشمل المناطق التالیة: تمتد من جنوب طرابلس بقلیل إلى العریش ووادی سیناء جنوبا. یخرج التخم من جنوب طرابلس إلى الشرق لیضم أغلب أرض لبنان حالیا والجنوب الشرقی من سوریا الصغرى حالیا، ومنطقة إربد شمال شرقی الأردن، ثم ینحدر جنوبا لیأخذ بحر الملح، ولا یترک من فلسطین الانتدابیة القائمة حالیا إلا الطرف الجنوبی من النقب.
ماذا عن السبطین والنصف المتبقین؟ هؤلاء أخذوا "نصیبهم فی عبر أردن أریحا شرقا نحو الشروق." (عدد، 34: 15) هذه الأرض تکون غور الأردن الشرقی وجبال السلط حتى تخوم ربة عمون، والتی هی عمان حالیا. ثم یقسم الرب الأرض بین أسباط بنی إسرائیل دون مراعاة بتاتا للشعوب الموجودة على الأرض، ویطلب من شعبه ألا ینجسوا الأرض التی هو "ساکن فی وسطها، إنی أنا الرب ساکن فی وسط بنی إسرائیل." (عدد، 35: 34) ویوصی الرب: "متى قرض الرب إلهک من أمامک الأمم الذین أنت ذاهب إلیهم لترثهم وورثتهم وسکنت أرضهم فاحترز من أن تصاد وراءهم بعدما بادوا من أمامک ومن أن تسأل عن آلهتهم." (تثنیة، 13: 29-30)
یوسع الرب دائرة الأرض التی یعطیها لبنی صهیون إذ یقول لیشوع: "فالآن قم اعبر هذا الأردن أنت وکل هذا الشهب إلى الأرض التی أنا معطیها لهم أی لبنی إسرائیل. کل موضع تدوسه بطون أقدامکم لکم أعطیته کما کلمت موسى، من البریة ولبنان هذا إلى النهر الکبیر نهر الفرات، جمیع أرض الحثیین وإلى البحر الکبیر نحو مغرب الشمس یکون تخمکم. لا یقف إنسان فی وجهک کل أیام حیاتک." (یشوع، 1: 1-5)
تبرز فی کتاب الصهاینة المقدس مسألة مغارة المکفیلة التی بالخلیل، والتی دفن فیها إبراهیم زوجته سارة. تقول التوراة إن سارة قد ماتت ولم یجد إبراهیم مکانا یدفن میته فیها، فتوجه نحو عفرون الحثی الذی کان یملک حقلا على طرفه مغارة لیبیعه الغار. لم یتردد عفرون فی وهب الغار لإیراهیم قائلا له: "لا یا سیدی اسمعنی. الحقل وهبتک إیاه، والمغارة التی فیه لک وهبتها. لدى عین بنی شعبی وهبتک إیاها ادفن میتک. فسجدک إبراهیم أمام شعب الأرض وکلم عفرون فی مسامع شعب الأرض قائلا بل إن کنت أنت إیاه فلیتک تسمعنی. أعطیک ثمن الحقل، خذ منی فأدفن میتی هناک. فأجاب عفرون إبراهیم قائلا له: یا سیدی اسمعنی، أرض بأربع مائة شاقل فضة ما هی بینی وبینک. فادفن میتک. فسمع إبراهیم لعفرون ووزن إبراهیم لعفرون الفضة التی ذکرها فی مسامع بنی حث. أربع مائة شاقل فضة جائزة عند التجار." (تکوین، 33: 8-16)
هناک ملاحظتان وهما أن إبراهیم لم یکن یملک مکان قبر فی فلسطین على الرغم من أن الرب قد ملکه من البحر الکبیر إلى نهر الفرات، وأن منطقة الحرم الإبراهیمی القائم حالیا والذی یقوم جزئیا على غار المکفیلة قد تم شراؤها قبل 4000 عام. إذا ترجمنا هذا الأمر إلى مفاوضات فذلک یعنی أن الصهاینة لن یفاوضوا على منطقة الحرم الإبراهیمی لأنها أرض قد تم شراؤها من قدیم الزمان، وهذا ما یفسر الهجمة الاستیطانیة الکبیرة على منطقة البلدة القدیمة فی الخلیل ومنطقة شرق الحرم. مسألة الخلیل أکثر تعقیدا من القدس من الناحیة التفاوضیة.
هناک قصص کثیرة فی التوراة تشکل مبررات للصهاینة لامتلاک الأرض، وعلیها یستندون فی کثیر من جدلیاتهم حول ملکیة الأرض الآن. فمثلا تقول التوراة: "فاستیقظ یعقوب من نومه وقال حقا إن الرب فی هذا المکان وأنا لم أعلم. وخاف وقال ما أرهب هذا المکان. ما هذا إلا بیت الله وهذا باب السماء. وبکر یعقوب فی الصباح وأخذ الحجر الذی تحت رأسه وأقامه عمودا وصب زیتا على رأسه. ودعا اسم ذلک المکان بیت إیل. ولکن اسم المدینة أولا کان لوز." (تکوین، 28: 16-19) هذا المکان تقوم فیه الآن مستوطنة بیت إیل بالقرب من مدینة البیرة. أما قبر راحیل الذی یشکل مشکلة کبیرة فی مدینة بیت لحم الیوم فهو ناجم عن موت راحیل، حسب التوراة، فی المکان. "فماتت راحیل ودفنت فی طریق أفراتة التی هی فی بیت لحم. فنصب یعقوب عمودا على قبرها وهو عمود قبر رحیل إلى الیوم." (تکوین، 35: 16-19) کذلک الأمر بالنسبة لمستوطنة راحوفوت، وبیر شیبع (بئر السبع) وشیلو وأدومیم وغیرها.
واضح فی التوراة أن کاتبها کان ضلیعا فی الجغرافیا، وکان قادرا على حبک القصص المتناسبة مع التمنیات العبرانیة والرغبات فی امتلاک الأرض وقتل الناس وطردهم. المتابع لحلقات هذه السلسلة من المقالات یرى عملیة التناغم بین الرغبة فی التملک والتحریض على القتل الجماعی والطرد، وتغلیف کل شیء بغلاف دینی مقدس وبنصوص منسوبة مباشرة إلى الرب الذی یعیش بین شعب إسرائیل.
فی کل هذا یتضح الاستعلاء والشعور بالتفوق على الآخرین، ویتضح فکر الانعزال واحتقار الآخرین والتخلص منهم. إنهم لا یستطیعون العیش مع أحد، ویحذرهم ربهم باستمرار من العیش مع الآخرین الذین یشکلون نجسا ودنسا.
إذا کان لعربی أن یفکر فی مسألة التعایش مع الصهاینة الغزاة فإن علیه أن یقرا کتبهم المقدسة أولا، وأن یقرأ فقه حکماء الیهود الصهاینة، وکتب التفسیر الدینی. وإذا کان لا یرید القیام بذلک فالأفضل له وللأمة أن یبقى فی بیته مجنبا الأمة الویلات.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS