اسرائیل وصراع الحضارات
اسرائیل وصراع الحضارات
"ترى من هو المسؤول عن الحرب الأهلیة والکارثة الإنسانیة فی العراق؟ الجواب یأتی من تشاندراسیکاران ، الصحافی فی الواشنطن بوست ، "إننی لا القی باللوم على الولایات المتحدة فی نشوب الحرب الأهلیة فی العراق ، لکننی أعتقد أن العدید من القرارات المریعة التی اتخذها بول بریمر ، أول حاکم أمیرکی للعراق ، قد ساعدت فی إذکاء نار عدم الاستقرار الذی نراه الیوم". إننی هنا أحاول القول أن هذا الکلام خاطئ بصورة جذریة ، وأن الحرب الأهلیة وتقسیم العراق کانت النتائج المرجوة من الاجتیاح ، وکانت تعتبر فی مصلحة الأمیرکیین ، أو على الأقل مصلحة جماعة صغیرة منهم ، مثل المحافظین الجدد الذین سیطروا على البیت الأبیض فی عهد الرئیس بوش. لقد کانت جمیع الإدارات الأخرى تعمل على إحکام السیطرة على النفط فی الخلیج والحفاظ على أمن إسرائیل ، وقلب الأنظمة التی لا تتناسب وهذا الهدف ، لکن ما میز إدارة بوش هو الاستراتیجیة التی استخدمتها للقیام بذلک.
فی هذا الکتاب ، "اسرائیل وصراع الحضارات" ، یبرز جوناثان کوک الاستراتیجیة التی اتبعتها الحرکة الصهیونیة ، والتی تعتبر اسرائیل إحدى افرازاتها ، فیدرس هذه الاستراتیجیة بالتفصیل وکیف تطورت وأججت الصراعات العرقیة والمذهبیة ، وکیف تمکنت من اقامة تحالفات بلغت الذروة عندما التقت رؤیتها وفکرتها عن المنطقة مع تطلعات المحافظین الجدد ومخططاتهم للسیطرة على الشرق الأوسط ، ولعبت الدور الأکبر فی السیاسة المتبعة هناک. الدستور ، ونظرا لأهمیة الکتاب ، یسرها أن تقدم ملخصا لأهم ما جاء فیه على حلقتین.
الإطاحة بالنظام فی العراق
عندما بدأ الغرب الحملة لاجتیاح العراق ، کان التبریر الرسمی للاجتیاح ، الذی قادته الولایات المتحدة ، هو ضرورة نزع أسلحة الدمار الشامل التی یفترض ان صدام حسین کان یمتلکها. ذکرت أیضا أسباب عدیدة تبرر محاولات العراق تجنب المفتشین کی یحتفظ بهذه الأسلحة. أحد هذه الأسباب هو حاجة صدام حسین الملحة لاستعمال القوة لإبقاء بلده ، الذی یضم غالبیة شیعیة وسنة وأکراد ، موحدا. أما السبب الثانی فهو بث الرعب بین الشیعة والأکراد لمنعهم من الإنتفاض علیه ، بالإضافة إلى خوفه من إیران التی یحکمها رجال الدین الشیعة ، واحتمال تحالفهم مع الشیعة فی العراق. کان صدام یعتقد أن حیازته لأسلحة نوویة سوف یجعله قادرا على أن یصبع قائدا للوطن العربی بأسره. ولذا عمل الغرب على ترسیخ صورته باعتباره دیکتاتورا متوحشا ، وکان من ضمن الجهود التی بذلت لترسیخ هذه الصورة هو ذلک الافتراض الواسع بأن صدام ، الذی کان یدعم قضیة الفلسطینیین بشدة ، سوف یستخدم تلک الأسلحة ضد إسرائیل.
بعد حرب الکویت عام 1991 ، والزیارات العدیدة التی قام بها مفتشو الأمم المتحدة ، أظهرت التقاریر أن التهدید النووی الذی یمثله العراق قد تم "تحییده" ، وأنه لم تعد هناک أی قضیة عالقة بهذا الخصوص. ونظرا لانتفاء الدلیل على امتلاک العراق لأسلحة نوویة ، وبالتالی انتفاء النیة لاستخدامها ضد الغرب ، کانت قلة من الخبراء تعتقد أنه لا یمکن تبریر أی هجوم على العراق طبقا للقانون الدولی. لکن البیت الأبیض أعطى تبریرا آخر للهجوم ، فقد ادعى بوش أن الهدف هو تحریر الشعب العراقی من حکم صدام. وفی شباط 2003 ادعى بوش أن "نظاما جدیدا فی العراق سوف یکون مثالا یلهم دولا أخرى فی المنطقة کی تسعى للتحرر".
عدید الجثث یتصاعد
لم یکن تقییم أعداد الضحایا العراقیین بالأمر السهل ، ففی نهایة العام 2005 أقر الرئیس الأمیرکی بأن عدد الضحایا الذین سقطوا منذ بدایة المعارک ، وبسبب العنف المتواصل فی کافة أنحاء البلاد ، وصل إلى حوالی ثلاثین ألفا ، وفی عام 2007 قدرت مجموعة "أرقام الضحایا" الرقم بسبعین ألفا. ویلاحظ أن هناک أسبابا کثیرة تدعو إلى الشک بصحة هذه الأرقام واعتبارها متدنیة ، فالإعلامیون الأجانب ، الذین لا یتحرکون من المنطقة الخضراء ، لا یمکنهم تقدیر أعداد الضحایا بشکل دقیق ، کما أن الأعداد المتداولة لم تکن تتضمن أولئک الذین سقطوا فی الأحداث التی وقعت فی مناطق نائیة من العراق ، ولم تشمل حالات الوفاة الناتجة عن تدهور الأوضاع الصحیة وصعوبة الحصول على میاه الشرب والکهرباء وإغلاق المستشفیات. بالإضافة إلى أن هناک ما یدعو إلى الشک بأرقام ضحایا التفجیرات الضخمة.
الزیادة المأساویة فی عدد الضحایا بین عامة الشعب العراقی یمکن تفسیرها بسهولة ، فالمواطن العراقی وجد نفسه عالقا بین نار التمرد ضد قوات الاحتلال ونار الجنود الأمیرکیین ، ومعهم المرتزقة. وقد أقر الجیش الأمیرکی أنه لجأ إلى القصف الجوی ، للقضاء على التمرد والتخفیف من أعداد الضحایا بین الجنود الأمیرکیین ، وهو ما أدى إلى ارتفاع عدد الضحایا فی صفوف المدنیین. وکما قال الجنرال إدوین بارجویل فإن فلسفة الجیش الأمیرکی فی العراق تتلخص بما یلی: "حیاة المدنی العراقی لیست مهمة مقارنة بحیاة الأمیرکی ، فوقوع ضحایا بین المدینیین العراقیین هو نتیجة للقیام بالعمل ، والمارینز یریدون انهاء هذا العمل مهما کانت الوسیلة".
بالإضافة إلى ذلک تزایدت باضطراد أرقام الضحایا نتیجة الصراع القائم بین الشیعة والسنة. فالحرب الأهلیة سدت فراغ السلطة الذی حصل نتیجة الاطاحة بنظام صدام حسین. وحاول البیت الأبیض تحویل الأنظار عن فشله فی إعادة النظام ورفضه أنهاء الاحتلال ، بإشاعة أن التمرد لم یکن ظاهرة محلیة بل قام به مخربون تسللوا إلى العراق من الخارج. وذکر فی هذا السیاق الأصولیون المتشددون ، کالقاعدة وإیران بأغلبیتها الشیعیة. غیر أن أیا من الإثنین لم یکن هو المتهم الرئیسی بما یحصل. فقد أشار الباحث المرموق حسین أغا بأن مجموعات المقاومة استفادت کثیرا من الوجود الأمیرکی ، إذ أخذت هذه الجماعات تسلح نفسها وترسخ قوتها من خلال تحالفات محلیة فی انتظار لحظة خروج الأمیرکیین الذی کانوا مشغولین بإعادة النظام وتهدئة الأوضاع .
لقد برر بوش استمرار الاحتلال بمحاولة إحلال الدیموقراطیة ولا یبدو أنه کان مهتما بالرغبات الحقیقیة للعراقیین. فالاستفتاءات أظهرت باستمرار رغبة العراقیین بخروج قوات الاحتلال ، وحسب استفتاء أجری عام 2003 وجد C من العراقیین أن الأمیرکیین جاءوا لسرقة البترول وکان 5% فقط یعتقدون أن الهدف من الغزو هو مساعدة الشعب العراقی.
حرب من أجل النفط
إن شکوک العراقیین حول دوافع الولایات المتحدة للبقاء فی بلدهم قد تأکدت بعیدا عن التبریرات. فبعد شهور من زیادة عدید القوات مطلع العام 2007 ، صرح وزیر الدفاع الأمیرکی روبرت غیتس أن الولایات المتحدة تتطلع "لوجود طویل وثابت" فی العراق بترتیب مع الحکومة العراقیة. وفی الوقت نفسه تقریبا صرح تونی سنو ، الناطق الرسمی باسم البیت الأبیض ، أن الرئیس بوش یرغب فی وجود دائم للقوات الأمیرکیة فی العراق قائلا "إن الوضع فی العراق وبالتأکید الحرب على الإرهاب ، أمران سیستغرقان وقتا طویلا".
فی عام 1978 أصدر رئیس هیئة الأرکان مذکرة تضمنت ثلاثة أهداف استراتیجیة للولایات المتحدة فی الشرق الأوسط هی "ضمان الوصول لمصادر النفط ، منع القوى المعادیة من السیطرة على المنطقة ، وضمان بقاء إسرائیل دولة مستقلة ضمن علاقات مستقرة مع الدول العربیة المجاورة" وهذه النقاط الثلاث ظلت تقود سیاسة الولایات المتحدة منذ ذلک الوقت.
کان وضع قانون للنفط فی صلب الخطة الأمیرکیة ، وقد وضع المسؤولون العراقیون مسودة لهذا القانون بصورة سریة بإشراف الحکومة الأمیرکیة وخبراء فی صناعة النفط. القانون منح مؤسسات النفط الأجنبیة عروضا فی غایة السخاء وعقودا طویلة الأجل تحت مسمى اتفاقیات تقاسم الإنتاج ، وقد اعتبرت هذه الاتفاقیات مکافأة لشرکات النفط. ولدى نشر الاتفاق فی نهایة العام 2006 ، عارض الرأی العام العراقی تسلیم السلطة على النفط إلى الشرکات الأجنبیة ، ورأوا أنه یقوض سیادة الدولة وکرامة العراقیین. ولتجنب الاحتجاجات الداخلیة المتزایدة ضد قانون النفط ، قام المالکی ، فی النسخة التی اعتمدتها الحکومة العراقیة ، بإسقاط الفقرة المتعلقة بتقاسم الإنتاج لصالح "عقد مخاطر الاستکشاف". وقد اعتبرت إدارة بوش أن الاتفاق علامة هامة یمکن أن تخلق ظروفا ملائمة للمصالحة الوطنیة ، کونها ستتیح للمجموعات العرقیة والدینیة المشارکة فی عائدات النفط السیاسة الامیرکیة واحتواء صدام.
سیاسة استعماریة مختلفة
الإطاحة بصدام حسین وما تلاه من احتلال مباشر للعراق لضمان النفط ، کان تغیرا حاسما فی سیاسة الولایات المتحدة ، وانحرافا واضحا عن السیاسة الاوروبیة الاستعماریة فی المنطقة التی کانت تفضل تنصیب رجل قوی ، یضمن الا یحصل ما یعرقل استغلالهم لموارد الدولة مثل النفط ، عادة ما یستبدل إذا فکر بتحدى الدولة التی نصبته ، ولهذا لم یکن أمام شاه إیران خیار سوى توقیع اتفاقیات مع شرکات النفط الأوروبیة والسوفیاتیة. وفی عام 1979 ، أطاحت الثورة الإسلامیة بالشاه ، وکان ذلک ضربة للسیطرة الغربیة لم تتمکن الإدارات الأمیرکیة المتعاقبة من غفرانها. التعامل الأمیرکی مع دول النفط الأخرى فی الخلیح ( الفارسی ) کان أکثر غموضا. فالمکانة الرئیسیة للسعودیة برزت مطلع الستینات مع إنشاء اتحاد للنفط ، أوبک ، التی کانت السعودیة تسیطر علیها ، وکان الهدف من إنشائها إبقاء سعر النفط فی مستوى یحقق أفضل عائد للمنتجین وشرکات النفط الکبرى.
فی صیف عام 1990 ، حوّل صدام حسین أنظاره باتجاه الکویت ، الدولة الصغیرة والغنیة بالنفط. کان صدام قد اشتکى للجامعة العربیة من انخفاض سعر النفط بسبب وفرة انتاج الکویت والإمارات للنفط الخام ، مما ألحق خسائر جسیمة بالعراق ، وجعل صدام یجتاح الکویت فی آب ,1990 فی ذلک الوقت کانت الولایات المتحدة تخشى من أن سیطرة صدام على حقول النفط الکویتیة سوف یجعله ینافس السعودیة فی حجم الإنتاج ، وبالتالی یسیطر على أسعار النفط الخام. کانت الجامعة العربیة ترى أن صدام یمکن أن یتراجع عن احتلاله دون اللجوء للحرب ، لکن الولایات المتحدة رأت عکس ذلک ، وأنه بدون حرب سیظل نظام صدام قادرا على التحکم بالنفط ویشکل تهدیدا لجیرانه ، وهکذا تحول صدام من صدیق للولایات المتحدة إلى العدو رقم واحد الذی یجب التخلص منه. فی کانون الأول 1991 ، أعد بوش الأب حملة من نصف ملیون جندی وقام بقصف جوی طال أجزاء کبیرة من العراق ، قبل شن حملة "عاصفة الصحراء" ، التی دمرت البنیة التحتیة للعراق وأدت إلى ترکیع الجیش العراقی. إدارة کلینتون ، التی خلفت بوش الأب تابعت سیاسة الاحتواء ، وکانت تتضمن مناطق یحظر فیها الطیران ، وعقوبات من الأمم المتحدة خلقت معاناة مروعة طالت المدنیین العراقیین ، وخصوصا الأطفال. وکانت مادلین اولبرایت ، وزیرة الخارجیة لدى کلینتون ، قد اوضحت أن الهدف هو تغییر النظام وأن العقوبات ستستمر حتى تحقیق ذلک الهدف.
العثور على ذریعة للاجتیاح
مع هجمات 11 ایلول سنحت الفرصة أمام المحافظین الجدد لخلق واقع جدید فی الشرق الأوسط یناسب أهداف الولایات المتحدة وإسرائیل. وقد ترکز الاهتمام الرئیسی للإدارة الأمیرکیة بالبحث عن مبرر لخوض حروب وقائیة فی الشرق الأوسط ، غیر أن المعرکة الحاسمة بالنسبة للمحافظین الجدد لم تکن قد بدأت بعد.
احتل المحافظون الجدد مناصب حساسة فی وزارة الدفاع ، التی ترأسها دونالد رامسفیلد ، وکانت تدعمهم مجموعة من الصحافیین المحافظین احتلوا مناصب رئیسة فی وسائل الاعلام. کان هؤلاء یقفون بشکل علنی وواضح وراء غزو العراق باعتباره الخطوة التالیة بعد أحداث أیلول. وکان المحافظون الجدد مستعدین للقیام بای شیء لإیجاد مبرر للهجوم على العراق ، وهو ما کشفت عنه بعد خمسة أعوام مذکرة وجهها وزیر الدفاع دونالد رامسفیلد إلى دوغلاس فایث ، الذی کان یترأس حینذاک مکتب الخطط الخاصة التابع للبنتاغون. هذه المذکرة أوضحت أن فایث نسج الأکاذیب للحصول على مبررات للهجوم المرتقب على العراق.
بوب وودوارد ، الصحافی الذی أتیحت له فرصا لا نظیر لها لمقابلة موظفی البیت الأبیض والاستفادة من ذلک فی کتابه "بوش والحرب" ، کتب یقول أن البنتاغون کان یخطط لغزو العراق منذ أشهر قبل أحداث أیلول ، وعندما ضرب مرکز التجارة العالمی والبنتاغون کان رامسفیلد "مستعدا لطرح امکانیة الاطاحة بنظام صدام حسین على الفور". وفی الیوم التالی لهجمات أیلول ، قال جورج تینیت ، مدیر وکالة الاستخبارات المرکزیة ، لریتشارد بیرل عندما رآه عرضا فی الجناح الغربی للبیت الأبیض: "على العراق أن یدفع ثمن ما حصل أمس".
لم یکن المحافظون الجدد هم الوحیدون الذین أرادوا الاطاحة بصدام حسین. وزیر المالیة السابق ، بول أونیل ، کان یصرح علنا ، منذ الأیام الأولی لتولی بوش لمنصب الرئاسة ، بوجود مذکرة لقلب النظام فی العراق ، أی قبل 11 أیلول بوقت طویل. وتبعا لما کتبه الصحافی الأمیرکی جورج بالاست کانت هناک شرکات نفط کبرى تورطت بشکل کبیر فی مخططات الاطاحة بصدام حسین. فمن وجهة نظر الصناعة النفطیة لم یکن بالامکان التنبؤ بسیاسة صدام حسین ، فی حین کان الانتاج النفطی الفوضوی لهذا البلد یخلق تقلبات حادة فی سوق النفط. بالاضافة إلى أن التدابیر العقابیة المفروضة على العراق قیدت من حرکة شرکات النفط الأمیرکیة ، فی حین کانت الشرکات فی أوروبا والصین وروسیا والهند تنتظر لحظة رفع العقوبات حتى تقوم بتوقیع اتفاقیات نفطیة مع العراق.
خطة وزارة الخارجیة لغزو العراق کانت ترمی إلى تغییر النظام واحتلال البلد بأقل عدد من القوات الأمیرکیة. وقد اختطف هذه الخطة المحافظون الجدد فی البنتاغون أمثال دونالد رامسفیلد وبول ولفوویتز. الذین کانوا یطمحون إلى السیطرة على ثروات العراق لفترات طویلة وبشکل خاص البترول. لهذا جاء غزو العراق عام 2003 مطابقا لرؤیة المحافظین الجدد ، إذ عین بول بریمر کرئیس "سلطة الائتلاف المؤقت". ووقفت هذه السلطة بشدة ضد تعیین رئیس قوی مکان صدام حسین ، وهو ما کانت تریده شرکات النفط العملاقة. وعین بریمر مجلسا ترأسه أحمد الجلبی ، وهکذا ، وبدلا من أن تعین الولایات المتحدة دیکتاتورا یمکن الاعتماد علیه ، اتبعت سیاسة أغرقتها فی مستنقع العراق.
کانت شرکات النفط تحبذ تأسیس شرکة نفطیة تدیرها الدولة لضبط الانتاج حتى یبقى ضمن مستویات معقولة للحد من تلاعب السعودیة بمبیعات النفط. أما المحافظون الجدد فکانوا یریدون خصخصة الصناعة النفطیة لتحطیم الکارتیل السعودی.
کان المستفید الأکبر من خطط المحافظین الجدد هو إسرائیل ، فهی لم تتخلص من منافس عسکری محتمل فی العراق وحسب ، بل أیضا من نفوذ العربیة السعودیة على واشنطن وعلى لوبی النفط الأمیرکی ، لهذا لم یکن مستغربا أن الشعار المفضل للمحافظین الجدد کان "الطریق إلى القدس یمر عبر بغداد".
دور إسرائیل خلف الکوالیس
تماشت خطط المحافظین الجدد تجاه العراق مع أهداف الحکومة الإسرائیلیة ، التی کان یرأسها آنذاک أرییل شارون المعروف بمغامراته العسکریة القاسیة وتمسکه بمبدأ الحروب الوقائیة. وکما سنرى فی الفصول القادمة فإن تقسیم العراق إلى کیانات ثلاثـــة ، کردیـــة وسنـــیة وشیــــعیة ، کـــــــان طموحا صهـــیونیا منذ عشــــــــرات العقود. تومـــاس نویمـــان ، رئیــــس المنظــمة الصـــهیونیة المعـــروفة باســـم "المعهد الیهودی لشؤون الأمن القومی" (جینسا) ، وصف إدارة بوش بأنها أفضل الإدارات لإسرائیل منذ رئاسة هاری ترومان" ، الرئیس الأمیرکی الذی اعترف بإسرائیل عام ,1948شارون استغل إلى حد بعید المعلومات التی انتشرت فی الغرب بأن صدام حسین یمتلک کمیات کبیرة من الأسلحة البیولوجیة والکیمائیة. لهذا أظهرت الاستطلاعات فی شباط ، 2003 أن w من یهود إسرائیل کانوا مع الهجوم على العراق. دعم الرأی العام الإسرائیلی وقیادته غزو العراق بقوة ، وعندما تحول الرأی العام الأمیرکی ضد الاستمرار باحتلال العراق ، أخذت إسرائیل تتنصل من موقفها السابق کما یستدل من تصریحات دانی أیالون سفیر إسرائیل إلى الأمم المتحدة آنذاک.
کان لإسرائیل مصلحة فی إعادة رسم خریطة الشرق الأوسط ، فبذلک لن تنافسها أی دولة فی المنطقة ، وسوف تستمر بالحصول على ملیارات الدولارات کل عام لتواصل سیاستها التطهیریة فی الأراضی المحتلة.
حملة ضد إیران ومخاوف إسرائیلیة
کان مؤتمر هرتسلیا یعقد بشکل دوری فی إسرائیل ویناقش مواضیع أمنیة ، کصراع إسرائیل ضد الفلسطینیین ، وإزدیاد عدد السکان الفلسطینیین الذی کانت إسرائیل ترى فیه تهدیدا وجودیا لها. غیر أن المؤتمر الأخیر الذی عقد فی نهایة کانون الثانی 2007 اختلف عن سابقیه فی نقطتین. الأولى: دعوة شخصیات من خارج إسرائیل ، من ضمنهم مسؤولین سابقین وحالیین من السیاسیین والمفکرین وصناع القرار. النقطة الثانیة أن المؤتمر خُصص لمناقشة خطر "الهلال الشیعی". وقد اتفق الجمیع على أن إیران على وشک امتلاک الأسلحة النوویة والهدف هو تدمیر إسرائیل ، وربما العالم بأسره. بکلمات أخرى ، کانت إسرائیل والولایات المتحدة قلقتان من أنهما ربما لم تعودا قادرتین بمفردهما على رسم سیاسة الشرق الأوسط.
تعود المخاوف الإسرائیلیة من إیران إلى تسعینات القرن الماضی. ففیما أدت حرب الخلیج ( الفارسی )الأولى إلى إضعاف العراق ، خرجت إیران من حربها مع العراق أقوى من قبل وبدأت تتعافی إقتصادیا وعسکریا وأخذت تدعم حزب الله فی لبنان ویشتبه بأنها کانت تقوم بدعم حماس فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة.
فی ذلک الحین أطلقت إسرائیل حملة دعائیة ضد إیران تذکر بما قامت به الولایات المتحدة بعد عقد من الزمان. وقیل أن أمام إیران بضعة أعوام أو حتى أشهر لتطور أسلحة نوویة. وحقیقة الأمر أن إیران کانت تبحث عن شریک أوروبی لتطور برنامجها النووی السلمی ، غیر أن الدول الأوروبیة رفضت التعاون بضغط من الولایات المتحدة الأمیرکیة.
لقد تمثلت الحملة الدعائیة الإسرائیلیة ضد إیران فی أصوات مختلفة من الجهاز الحاکم والمؤسسة العسکریة ، فعلى سبیل المثال قال الجنرال المتقاعد دانییل لیشیم أنه ینبغی استدراج إیران إلى مغامرة عسکریة للحصول على مبرر للرد عسکریا بشکل شامل. بمعنى آخر کانت إسرائیل تخشى أن تصبح إیران منافسا عسکریا حقیقیا لها بحیث تفقد مکانتها کقوة وحیدة ترسم خریطة الشرق الأوسط. ومنذ التسعینات کانت إسرائیل تحث الولایات المتحدة للهجوم على إیران ، وکان شارون یأمل أن یشکل غزو العراق نموذجا لغزو إیران.
کانت إسرائیل تخشى من تأثیر التهدید الإیرانی على عملیة السلام بحیث تکون النتیجة إیجابیة للفلسطینیین وتضع حدا لعقود من الإحتلال. اللوبی الإسرائیلی فی واشنطن دفع تل أبیب للتأثیر على السیاسة الأمیرکیة تجاه إیران. فقد قام لاری فرانکلین ، أحد الموظفین فی مکتب دوغلاس فیث فی البنتاغون ، بتسریب معلومات سریة تتعلق بسیاسة واشنطن تجاه إیران لإثنین من أعضاء أیباک ، المنظمة الرئیسیة للوبی الإسرائیل ، ولدبلوماسی إسرائیلی. وقد حوکم فرانکلین فی بدایة عام 2006 وسجن. ومع هذه القضیة تکشفت أسماء العدیدین فی الإدارة الأمیرکیة ممن سربوا معلومات لآیباک ، ومن بینهم کوندولیزا رایس ، وزیرة الخارجیة: وأنتونی زینی ، المبعوث الخاص للشرق الأوسط.
الراغبون بضرب إیران فی أمیرکا
ضعفت طبول الحرب ضد إیران نهایة عام 2003 نظرا لانشغال الإدارة الأمیرکیة بحرکة التمرد المتزایدة فی العراق ، وموافقة طهران على أن تقوم وکالة الطاقة النوویة بإجراء عملیات تفتیش على منشآتها النوویة. وردا على ذلک قالت إسرائیل بأنها قد تنفرد بضرب المواقع النوویة الإیرانیة کما فعلت بالنسبة للمفاعل العراقی عام ,1981
ومع إعادة انتخاب بوش بدایة العام 2005 عادت الولایات المتحدة إلى الترکیز على إیران. ففی کانون الثانی صرح نائب الرئیس ، دیک تشینی: "فی ضوء الموقف العلنی لإیران بتدمیر إسرائیل قد یقرر الإسرائیلیون المباشرة بالهجوم وترک المجتمع الدولی یتولى أمر ترتیب الفوضى الناتجة عن هذا الهجوم". وأخذت إدارة بوش تعمل على خلق إطار قانونی یبرر الهجوم على إیران کما فعلت مع العراق. إلى جانب ذلک ، أشارت التقاریر إلى أن البیت الأبیض یحضر لضربة عسکریة مفاجئة. وصرح سکوت ریتر ، کبیر مفتشی الأمم المتحدة السابق لأسلحة العراق ، أن رئیس الولایات المتحدة أمر البنتاغون بأن یکون جاهزا للهجوم على إیران بحلول حزیران عام ,2005 ودعمت أقوال ریتر مجموعة من المقالات لسایمور هیرش فی النیویورکر ، اعتمدت على مصادر من وزارة الدفاع الأمیرکیة وأخرى استخباراتیة. وکان من بین الخیارات المطروحة ضرب مفاعل ناتانز( نطنز ) ، الذی کان المسؤولون الأمیرکیون یعتقدون بأنه المرکز السری للأبحاث النوویة. وحسب هیرش فإن الکثیر من عملیات التجسس على إیران کان یقوم بها یهود إیرانیون یقیمون فی إسرائیل لدى زیارتهم أقارب لهم فی إیران. ویشار إلى أن حوالی 30 ألف یهودی یعیشون فی إیران ویرفضون الهجرة إلى إسرائیل ، بالرغم من کل الحوافز التی تقدمها إسرائیل والمجموعات الیهودیة الأمیرکیة ، وهو ما یسبب الإحراج الشدید لأولئک الذین یتهمون الحکومة الإیرانیة بمعاداة السامیة.
إعادة عقارب الساعة عشرین عاما فی لبنان
فی 24 أیار 2006 دعی رئیس الوزراء الإسرائیلی لإلقاء خطاب فی الکونغرس الأمیرکی قال فیه أن إیران على وشک اقتناء أسلحة نوویة. وهو تطور یشکل تهدیدا وجودیا على إسرائیل. وبعد أقل من شهرین ، فی 12 تموز ، شنت إسرائیل حربا على حزب الله فی لبنان ، ذلک الحزب الذی کانت إسرائیل والولایات المتحدة تعتبرانه وکیلا لإیران.
کان لدى إیران وحزب الله کل المبررات للاعتقاد أن الهجوم على لبنان کان مدبرا قبل وقوعه بفترة طویلة. وهناک ما یدعم اعتقاد الشیخ نعیم قاسم نائب الأمین العام حسن نصر الله من أن إسرائیل کانت تطبق خطة قامت باعدادها ولو بشکل سری مع الولایات المتحدة ولیس مجرد هجوم دبر على عجل کرد على خطف الجندیین الإسرائیلیین.
وفی مقابلة أجریت مع المحلل السیاسی المرموق سایمور هیرش ، مباشرة بعد وقف اطلاق بین إسرائیل وحزب الله النار ، قال فیها أن دیک تشینی وطاقمه کانوا على صلة وثیقة بالحرب. وکانت مصادر حکومیة قد أخبرت هیرش أن مسؤولین عسکریین کانوا فی واشنطن فی الصیف ذاته للحصول على الضوء الأخضر بالهجوم على لبنان.
وأشار سایمور هیرش أن الخوف فی المرتبة الأولى فی إسرائیل کان من صواریخ حزب الله: "لا یمکن ضرب إیران قبل التخلص من الصواریخ... إذا ضربت إیران ، فسیقصف حزب الله تل أبیب وحیفا. هذا ما علیک أن تتخلص منه قبل أی شیء". وکما یرى هیرش فإن للمحافظین الجدد أسبابا أخرى لدعم الهجوم على حزب الله. فهم کانوا یریدون لحکومة فؤاد السنیورة الموالیة لواشنطن أن تصبح قویة بعد اضعاف حزب الله ، وکذلک اختبار فعالیة القنابل الأمیرکیة بالقصف الجوی لتحصینات الحزب تحت الأرض ، قبل استخدامها فی إیران.
فما هی الخطوة التالیة بعد هزیمة حزب الله؟ الجواب کما یبدو هو قصف جوی لسوریا. وحسب تقاریر وسائل الاعلام العربیة کانت تلک مخاوف إیران وسوریا فی الأیام الأولى من الحرب. کذلک کشفت میراف وورمسر ، مدیرة إحدى منظمات الدراسات الأمیرکیة الیمینیة ، أن المحافظین الجدد فی إدارة بوش ، عملوا على تأخیر فرض وقف اطلاق النار إلى أبعد حد ممکن لافساح المجال أمام إسرائیل فی التوسع فی هجومها لیشمل سوریا. وما تقوله وورمسر یبدو منطقیا فی ضوء تقاریر وسائل الإعلام الإسرائیلیة من أن أمیرکا ستکون مهتمة بأن تضرب إسرائیل سوریا. ومع وقف اطلاق النار فی آب 2006 کانت کل الدلائل تشیر إلى أنه ستکون هناک جولة قادمة ضد سوریا ولبنان ، على أن تکون هذه المرة جولة ناجحة کما أملت إسرائیل.
صراع على السلطة فی واشنطن
مع الفشل العسکری الإسرائیلی فی لبنان ، وتراجع الجمهورییین فی انتخابات الکونغرس النصفیة فی تشرین الثانی 2006 ، بدأت تظهر علائم تزعزع سطوة المحافظین الجدد. ففی نهایة 2006 أصدرت لجنة بیکر - هامیلتون توصیاتها بانسحاب الولایات المتحدة تدریجیا من العراق ، والتفاوض مع سوریا وإیران للتوصل إلى استقرار فی العراق ، الدولة التی اتضح فشلها.
لکن ردة فعل المحافظین الجدد کانت مزیدا من الانخراط فی المنطقة. وعللوا ذلک بأن طهران تحاول تهدید هدف أمیرکا فی العراق بالتدخل فی سیاساته الداخلیة. واتهمت إیران بتحریض شیعة العراق ضد الأمیرکیین وبأنها تقوم بدعم التمرد السنی. غیر أنه لا یوجد ما یدفع على تصدیق ذلک کونها تذکر بإدعاءات سابقة تقول بأن العراق کان یمنح القاعدة ملجأ آمنا. وفی أواخر 2006 وفی الوقت الذی کان البیت الأبیض یبحث عن المزید من الأسباب للعدوان على إیران ، أعلن أن النظام الشیعی کان وراء تزوید الأصولیین الأفغان بالأسلحة. وفی أیار 2007 انتشرت أنباء تقول أن طهران کانت وراء الکثیر من الهجمات ضد القوات الأمیرکیة.
احمدی نجاد: هتلر جدید
وفی بدایة عام 2007 قال أولمرت فی مؤتمر هیرتسلیا "عندما یعلن رئیس دولة أن بلاده تهدف إلى محو دولة أخرى من الخریطة ، ویقوم بصنع الوسائل التی تسمح له بتحقیق هذا الهدف ، فإنه لا توجد أمة لا تأخذ هذا التهدید على محمل الجد ، هذه ضرورة قصوى تدفع للعمل بکل ما یمکن ضد هذه الخطط". بالرغم من هذا التصریح ظلت بضعة أصوات ترتفع قائلة بأن طهران لیس قادرة على تدمیر إسرائیل نظرا للترسانة النوویة الإسرائیلیة الضخمة. وحسب یتسحاق رافید ، الذی ترأس مرة قسم الدراسات فی شرکة رافائیل للصناعات العسکریة ، فإن إیران لیست بعیدة عن تطویر قنبلة ذریة فحسب ، بل ما زالت لا تملک سیطرة على تکنولوجیا الصواریخ بعید المدى.
غیر أن هذه الأصوات وغیرها أهملت فی أمیرکا وإسرائیل. ففی آذار 2007 کان الرأی العام الیهودی إلى جانب حکومته فی موقفها من إیران ، إذ قال
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS