qodsna.ir qodsna.ir

'إسرائیل' إذ تخشى على العراق...ومنه!؟

أضحى الربط بین دوافع الإدارة الأمریکیة وبواعثها لشن الحرب على العراق، فی ضوء افتضاح أکاذیب امتلاکه لأسلحة الدمار الشامل المزعومة، وبین ملفات الشرق الأوسط الرئیسیة، وبالذات الصراع مع العدو الصهیونی، بادیاً وواضحاً فی ظل حثّ الکیان الصهیونی للولایات المتحدة وتشجیعها على غزو العراق، وتعزیز نفوذ الدولتین فی المنطقة على حساب شعوبها وحکوماتها.

إلا أنه وعلى الرغم من فشل الحرب على العراق من تحقیق الأهداف الأمریکیة (والصهیونیة) بشکل کامل، فإن مسألة الوجود الأمریکی فی المنطقة، وإن کان یحقق المصالح الإسرائیلیة، ببسط مزید من الهیمنة والاستعلاء على دول المنطقة، فإنه لم ینجح فی التقلیل من المخاطر الوجودیة التی باتت تتهدد کلاً من الحلیفتین الإستراتیجیتین (أمیرکا وإسرائیل).

ومع اقتراب موسم الانتخابات الرئاسیة فی الولایات المتحدة، وشعور الحزب الجمهوری ببوادر معاقبة الشعب الأمریکی له على غزو العراق أولاً، واستمراره تالیاً، فإن دوائر صنع القرار فی الحزب الجمهوری الحاکم باتت تراهن على تعدیل خطط الحزب لضمان تکرار إنجاز بات فی مهب الریح، بسبب الانسیاق الأعمى وراء أطروحات المحافظین الجدد وحلیفتهم "إسرائیل".

وقد تبدت تلک "التعدیلات" التکتیکیة فی إثارة التکهنات حول إمکانیة الانسحاب من العراق، وتوقیتها الذی "قد" یتزامن الإعلان عنه مع اقتراب جولة الانتخابات الخریف القادم، الأمر الذی أثار من الهلع والذعر فی الکیان الصهیونی، خشیة فقدان المکاسب الإستراتیجیة التی حققها، ولو حساب الولایات المتحدة ذاتها، فتعالت الأصوات لبحث آثار مثل هذه الخطوة ومنعکساتها على "إسرائیل".

فالدراسة الصادرة عن مرکز بیغن – السادات للأبحاث الإستراتیجیة، على سبیل المثال، تندرج فی هذا السیاق وتروج له، إذ تبین المؤلفة (عوفرا بنجو) فی مستهل بحثها، أهمیة العراق الإستراتیجیة، بوصفه واحداً من أکبر دول المنطقة وأغناها، وعلیه، فإن خروج الولایات المتحدة منه سوف یقرب العراق من المحور الإیرانی – السوری، الذی عملت الدوائر الغربیة المقربة والحلیفة من الکیان الصهیونی، على حد سواء، على تضخیم خطره على المصالح الغربیة، مما یعنی بدرجة تالیة تقویة الجانب الفلسطینی – اللبنانی (المقاوم منه على وجه الخصوص)، وتفاقم المخاطر التی قد یواجهها الکیان الصهیونی بناء على ذلک.

وفی نزعة لا تکاد تخلو من "طرافة"، تنهمک الدراسة فی تعداد المخاطر التی سوف یواجهها (العراق) نفسه فی حال انسحبت جحافل الولایات المتحدة منه، وکأن بقاءها فیه بات العامل الضروری لضمان عدم تمزق وانهیار العراق، ولو على حساب حریته وسیادته واستقلاله؟!

وترى الباحثة أن هناک ستة أخطار تحیق بالعراق فیما لو تحقق انسحاب أمیرکی مبکر منه، أولها: نشوب حرب أهلیة تجر العراق والمنطقة بأسرها إلى حالة من الفوضى، وتقسیم العراق إلى ثلاث دول: سنیة، وشیعیة، وکردیة متناحرة فیما بینها، استناداً إلى ما بثه الاحتلال خلال فترة وجوده من عوامل التشاحن والبغضاء، وتزاید احتمال هرب العراقیین الجماعی للدول المجاورة وارتفاع أعداد اللاجئین منهم داخل العراق وخارجه، أما الخطر الرابع، فیتمثل بدخول الدول المجاورة للعراق أو غزوها للعراق واحتمال نشوب حرب إقلیمیة، فضلاً عن تصدیر ما سمته بـ"الإرهاب" وعدم الاستقرار من العراق إلى الدول المجاورة الموالیة لأمیرکا، أما الخطر السادس فهو الإضرار بصورة أمریکا فی العالم بوصفها راعیة الحریات وحاملة لواء الدیمقراطیة.

والغریب أن الباحثة تؤکد أن الأخطار التی تتوقع حدوثها قد باتت ماثلة للعیان منذ زمن، إذ تقول فی دراستها "تبین لنا نظرة خاطفة فی السنین الخمسة الأخیرة، أن هذه الأخطار قد أصبحت منذ زمن حقیقة کاملة، على رغم وجود الولایات المتحدة المعزز، وربما بسبب ذلک". ومع ذلک، فإنها لا تفتأ "تهول" من شأن هذه المخاطر بجانب أخطار أخرى یومیة، تتعلق ببقاء القوات الأمیرکیة فی العراق، رادة إیاها إلى احتکاک الجنود الأمیرکیین بالسکان مما یفضی إلى زیادة المقاومة للولایات المتحدة، وتحول صورتها فی نظر الشارع العراقی من "محررة" إلى "محتل" جدید تجب مقاومته.

ولإبعاد "شبهة" تحقیق أی مکاسب من غزو العراق، لا تتورع الباحثة عن الدفاع عن فکرة عدم استفادة "إسرائیل" من هذا الغزو أصلاً، بل على العکس، فإن "إسرائیل" کانت واحدة من المتضررین المباشرین منه!؟ إذ أدى ذلک إلى تصدیر "الإرهاب" إلى لبنان وغزة ومناطق أخرى فی المنطقة.

وعلى الرغم من سمة الحرص على مصالح کل من الولایات المتحدة والشعب العراقی على حد سواء، البادیة فی ثنایا الدراسة، إلا أن الباحثة تتوقع استمرار عدم الاستقرار فی العراق لمدة طویلة، وأنه سیواصل تصدیر الاضطراب إلى جیرانه، الأمر الذی یمنح الولایات المتحدة، ویفرض علیها فی الوقت نفسه، أن تستمر فی إبقاء جنودها فی العراق للحفاظ على الأمن والتمهید لتحقیق الاستقرار، وهو ما یعنی الدولة العبریة فی نهایة المطاف، وتحرص علیه قبل کل شیء.

( للکاتب هشام منور )

م/ن/25


| رمز الموضوع: 142786