الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

العداء بین یهود العالم و الکیان الصهیونی

العداء بین یهود العالم و الکیان الصهیونی

فی حزیران الماضی اعترف إیهود أولمرت فی جلسة عقدها مجلس حکام الوکالة الیهودیة فی إسرائیل أن عصر «الهجرة بشکل جماعی للیهود إلى إسرائیل انتهى ولم یعد قائماً الآن» وکان هذا التصریح یجمل معانی کثیرة لا لأنه صدر عن رئیس الحکومة الإسرائیلیة بل لأنه قیل أمام أهم هیئة عالمیة یهودیة صهیونیة تأسست عام 1905 لتهجیر الیهود إلى فلسطین وتولت إدارة الحکم على الیهود المستوطنین فی فلسطین حتى إعلان دولة إسرائیل عام 1948.

 فإسرائیل تعتمد على ثلاثة عوامل أو عناصر قوة أساسیة فی وجودها واستمرارها وهی: الدعم الأمیرکی بجمیع أشکاله لسیاستها وأهدافها، والهجرة المستمرة للقوى البشریة من یهود العالم وخصوصاً القوى البشریة ذات الخبرة والتحصیل العلمی وقوة الجیش وتماسک المجتمع الإسرائیلی معه.

وإذا ما توقف أحد هذه العوامل عن العمل فمن الطبیعی أن ینعکس ذلک سلباً على العاملین الآخرین وخصوصاً أن الولایات المتحدة تسعى من خلال دعمها لإسرائیل إلى تحقیق مصالحها فی المنطقة وعلى حساب شعوبها وعندما تتضاءل إمکانیة تنفیذ إسرائیل للدور المنوط بها من قبل واشنطن فإن ذلک سیخلق مشکلة أو معضلة فی قلب العلاقة الأمیرکیة- الإسرائیلیة ویبدو أن أولمرت تجنب الإعلان أمام الصحافة فی تلک الجلسة التی عقدتها الوکالة الیهودیة عن الهجرة المعاکسة من إسرائیل إلى الأوطان الأصلیة التی جاء منها عدد کبیر من الإسرائیلیین فقد لوحظ زیادة فی عدد ونوعیة من ینفذ هذه الهجرة المعاکسة إلى أوروبا وأمیرکا وکندا وخصوصاً من الشباب فی سن 25 عاماً إلى 45 عاماً.

وکشفت صحیفة هآرتس أمس أن إسرائیل بدأت تعانی فی السنتین الماضیتین من نسبة نقص مقلقة فی عدد الأطباء الذین تحتاجهم لأن الهجرة المعاکسة للأطباء لم تتوقف وزاد هذه المشکلة تعقیداً تهدید الأطباء الموجودین فی إسرائیل باللجوء إلى الإضراب إذا لم ترفع المشافی والهیئات الطبیة رواتبهم بقیمة 50%. والطریف أن وزارة الصحة ووزارة المالیة لا تریدان زیادة رواتبهم إلا بنسبة 5% فقط کما لوحظ أن قیادة الجیش الإسرائیلی اشتکت قبل أسابیع قلیلة من نقص فی عدد الأطباء الذین یحتاجهم الجیش الإسرائیلی فی المشافی والمؤسسات الصحیة العسکریة.

وکان معظم المفکرین والمحللین المختصین بالشؤون الإستراتیجیة فی إسرائیل قد حذروا من الأخطار التی تحیق بمستقبل إسرائیل فی السنوات العشر المقبلة إذا لم تسارع القیادة الإسرائیلیة إلى وضع البرامج العملیة للتغلب على هذه الأخطاء والتخلص من أسبابها. واعترف أحد کبار المفکرین فی إسرائیل یحزقیل درور قبل فترة بأن استمرار وجود إسرائیل یعتمد على تحقیقها لمستوى دخل ورعایة صحیة وطمأنینة أمنیة یفوق المستوى السائد فی الخارج لأن معظم الیهود لن یفکروا بالهجرة إلى إسرائیل إذا لم یتحقق لهم فیها مستوى أعلى من الأوطان التی یعیشون فیها.

والحقیقة أن یهود العالم کانوا ینتقلون ویهاجرون من بلد لآخر بحسب زیادة مستوى الدخل والأمان فیه وهذا ما جعل نصفهم تقریباً یهاجر إلى الولایات المتحدة خلال القرن الماضی.

وفی تحلیل نشره فی صحیفة جیروزالیم بوست أمس یقول البروفیسور یحزقیل درور الذی کان عضواً فی لجنة فینوغراد المکلفة التحقیق فی أسباب هزیمة إسرائیل فی حرب تموز 2006 والذی یعد من أهم العقول الإسرائیلیة فی التخطیط والإدارة: إن مستقبل یهود العالم لا یبشر بالخیر لإسرائیل وإن الضرورة تستلزم الآن ابتکار أفضل الأفکار لدرء الأخطاء المحدقة على مستقبل إسرائیل أیضاً. والمعروف أن درور صاحب خبرة واسعة فی عالم الإستراتیجیة والتخطیط فقد عمل مع المجموعة الأمیرکیة راند فی التسعینیات وکان مستشاراً للشؤون العسکریة لدى شمعون بیریس حین کان وزیراً للدفاع فی أواسط السبعینیات ومستشاراً سابقاً عام 1989 وعام 1991 للاتحاد الأوروبی فی شؤون البنیة السیاسیة الجدیدة للاتحاد الأوروبی وعمل فی عدد من هیئات الأمم المتحدة.

وترأس درور «معهد التخطیط السیاسی للشعب الیهودی» (JPPPI) الذی أسسته الوکالة الیهودیة عام 2002 لوضع الخطط الإستراتیجیة الهادفة إلى مواجهة التحدیات التی تهدد مصیر ومستقبل إسرائیل وضعف تأیید یهود العالم للمشروع الصهیونی ثم استقال منه فی نهایة الشهر الماضی تموز.

یقول درور: إنه استقال من هذا المعهد لقلة التمویل وخصوصاً أن معداً کهذا یحتاج إلى ملیار دولار لتنفیذ برامجه فی أماکن وجود الیهود الأمیرکیین ویهود العالم وخصوصاً فی میدان التعلیم والتربیة والیهودیة للمحافظة على الیهود کیهود وعدم تحولهم إلى الزواج المختلط والانصهار بالمجتمعات التی یعیشون فیها.

یبدو أن درور واجه صعوبة خلال ترؤسه لمعهد «التخطیط الیهودی العالمی» فاستقال وهذا ما یشیر إلیه تصریحه لصحیفة جیروزالیم بوست حین قال: «إن المطلوب الآن التفکیر بحلول سحریة لربط یهود العالم بإسرائیل ویعترف درور أن قادة الیهود فی أمیرکا لا یقدمون عوناً مؤسساتیاً کبیراً لحل هذه المشکلة ویعزو أحد أسباب هذه المشکلة إلى الانقسام بین یهود العالم أنفسهم وخصوصاً فی الولایات المتحدة الأمیرکیة. أما إسرائیل فیرى درور أنها أحبطته من ناحیة دوره فی التخطیط السیاسی والإداری منذ تکلیفه من قبل (لیفی أشکول) رئیس الحکومة عام 1967-1969 بتأسیس مرکز تخطیط وبنک معلومات فی إسرائیل.

ویبدو أن درور یشبه من یسعى إلى تحقیق المستحیل حین یدعو إلى ابتکار حلول تفوق القدرة على التفکیر لإنقاذ دور الخزان البشری الذی تستند إلیه إسرائیل ومشروعها الصهیونی لأنه یدرک أن الأسباب والمسوّغات والدوافع التی اجتمعت فی بدایة القرن العشرین وجعلت من السهل العمل على إنشاء دولة إسرائیل بعد حربین عالمیتین وتضافر مصالح استعماریة فی تسهیل تهجیر الیهود کقوى بشریة إلى فلسطین لم تعد قائمة بنفس التأثیر والوزن والسهولة فی هذا القرن الجدید.

فإذا کانت معظم الأسباب التی دفعت إلى النجاح النسبی للمشروع الصهیونی فی فلسطین خارجیة فی القرن الماضی فإن ظروف العالم الخارج الآن فی أوروبا وأمیرکا والعالم أصبحت تشکل جاذباً للیهود للبقاء فیها أو الهروب من إسرائیل باتجاهها بعد أن أصبحت توفر حیاة أفضل ودخلاً أکبر وأمناً لا یتوافر فی إسرائیل بسبب المقاومة وإصرار الشعب الفلسطینی على التمسک بحقوقه.

والمفکر الإسرائیلی درور أدرک هذه الحقیقة ولذلک دعا إلى استنفار کل ما یمکن من جهد عند العقل الصهیونی ومؤسساته لابتکار أی بدعة أو فبرکة تؤدی إلى المحافظة على «إسرائیل» وعلاقة الدعم المباشر لها من یهود العالم الذین أصبح 50% منهم فی أمیرکا غیر مبالین بالمشروع الصهیونی ولا یجدون ما یسوّغ لهم مغادرة أمیرکا نحو إسرائیل.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 142773







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)