الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

من أوسیتیا .. هدیة لإیران وصفعة لبوش

من أوسیتیا .. هدیة لإیران وصفعة لبوش 

 

المواجهات الدامیة التی بدأت فی أوسیتیا الجنوبیة منذ 8 أغسطس 2008 هى رسالة قویة لکل من یهمه الأمر فی الغرب بأن تهدیدات روسیا بالرد العسکری على توسع الناتو ونشر المنظومة الصاروخیة الأمریکیة بالقرب من حدودها ، لم تکن مجرد کلام وإنما هى حقیقة واقعة .

صحیح أن الظاهر على السطح أن جورجیا هى من استفزت روسیا عندما شنت غارات جویة على عاصمة أوسیتیا الجنوبیة فی 8 أغسطس ، أودت بحیاة 1400 شخص بینهم 10 من قوات حفظ السلام الروسیة ، إلا أن رد الفعل الروسی الغاضب والتدخل العسکری الفوری إنما یؤکد أن هناک نیة مبیتة من جانب موسکو لخوض تلک المواجهة بهدف تحذیر الغرب وتأدیب نظام الرئیس الجورجی میخائیل ساکاشفیلی الذی یحاول منذ وصوله للسلطة فی  عام 2003 عقب "ثورة الورود" المدعومة من الغرب ، الابتعاد عن هیمنة روسیا على الجمهوریات السوفیتیة السابقة واستعادة السیطرة على إقلیمی أبخازیا وأوسیتیا الجنوبیة اللذین کانا قد أعلنا استقلالهما من جانب واحد بدعم من موسکو فی بدایة التسعینیات من القرن الماضی ، بجانب استفزازه الدائم لروسیا عبر مساعیه للانضمام للناتو.

وردود الأفعال التی خرجت من داخل موسکو تدعم صحة ما سبق ، فقد أعلن وزیر الخارجیة الروسی سیرجی لافروف أن هناک أدلة على وجود تطهیر عرقی فی قرى تقع بأوسیتیا الجنوبیة ، وأن الوضع مستمر فی التدهور, ولا یزال المدنیون یلقون حتفهم ، ولم یکتف بذلک بل إنه اتهم أوکرانیا بتشجیع جورجیا على القیام بالتطهیر العرقی عبر مساعدتها بالأسلحة .

أیضا رئیس الوزراء الروسی فلادیمیر بوتین الذی وصف الهجوم الجورجی على تسخینفالی عاصمة أوسیتیا بـ "المغامرة الجورجیة القذرة" ، مشیرا إلى أن متطوعین روس مستعدون للقتال فی أوسیتیا وسوف یکون من الصعب إیقافهم ، کما توعد الرئیس الروسی دیمتری میدفیدیف بمعاقبة المسئولین عن مقتل مواطنیه فی أوسیتیا الجنوبیة ، ووصف الوضع هناک بأنه "کارثة إنسانیة" ، مؤکدا أن قواته تشن عملیة عسکریة هناک من أجل إرغام الطرف الجورجی على السلام .

وسائل الإعلام الروسیة هى الأخرى وجهت أصبع الاتهام إلى الولایات المتحدة واتهمتها بإمداد جورجیا بأسلحة حدیثة وتحریضها منذ فترة على مهاجمة أوسیتیا الجنوبیة ، الأمر الذی یؤکد أن ما یحدث یتجاوز الصراع الجورجی الأوسیتی إلى المواجهة بین موسکو والغرب ، فروسیا لن تتسامح مع مساعی أوکرانیا وجورجیا للانضمام للناتو.

ویبقى رد فعل أبخازیا هو الدلیل الأقوى ، فقد سارعت إلى الإعلان عن مساندة أوسیتیا عسکریا عبر الهجوم على قواتها المتمرکزة فی أراضیها ، ورغم أنها عزت هذا القرار إلى اتفاقیة الدفاع المشترک بینهما ولاستباق أی هجوم جورجی مماثل ، إلا أن تلک الخطوة ما کانت لتحدث بدون الضوء الأخضر من روسیا ، بهدف توسیع مساحة المعارک وإیقاع هزیمة سریعة بجورجیا تکون بمثابة الرادع لکل من تسول له نفسه مناطحة الدب الروسی.     

وهذا ما حدث بالفعل فلم تستطع جورجیا الصمود أمام القوة العسکریة الروسیة وأجبرت بعد یومین فقط من دخولها تسخینفالی على الانسحاب منها ، بل وقام الطیران الحربی الروسی أیضا بقصف قاعــدة فازیانی ومطار مارنیولی العسکری قرب تبلیسی.

ورغم أن جورجیا أعلنت التعبئة العامة فی صفوف قواتها ، إلا أنها بحسب کثیر من المراقبین  لن تجرؤ على الدخول فی مواجهة عسکریة شاملة وطویلة الأمد مع روسیا لاستعادة السیطرة على إقلیمی أوسیتیا وأبخازیا اللذین یسعیان للانفصال عنها وذلک لعدة أسباب منها: میزان القوة العسکریة الذی یمیل لصالح روسیا ، فموسکو تمتلک جیشا یبلغ حجمه 395 ألف جندی و23 ألف دبابة  و9900 ناقلات جند مدرعة ، و26000 قطع مدفعیة و1809 مقاتلات جویة وطوافات 1932 ، فیما یبلغ حجم الجیش الجورجی 32 ألف جندی ، و128 دبابة و 44 ناقلات جند مدرعة و109 قطع مدفعیة  ، و18 مقاتلة جویة ، و37طوافات.

هذا بالإضافة إلى أن الغرب لن یستطیع عمل أی شیء فی حال اندلاع حرب واسعة بین جورجیا وروسیا فی ضوء غرق الناتو فی أفغانستان وغرق بوش فی العراق ، ولذا دعت واشنطن جمیع أطراف النزاع فی أوسیتیا الجنوبیة للتوصل إلى حل سلمی ، وقال المتحدث باسم البیت الأبیض جوردن جوندرو إن على جمیع الأطراف إنهاء العنف فورا والدخول فی محادثات مباشرة لحل هذه القضیة سلمیاً.

 

کما أعلن المتحدث باسم القیادة الأمریکیة فی أوروبا الکولونیل جون دوریان أن القوات الأمریکیة المنتشرة فی جورجیا لیست ضالعة بأیة طریــقة فی النزاع، فیما أشارت وزارة الخارجیة الأمریکیة إلى أنها سترسل مبعوثا للمساعدة على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار.

وهناک أمر آخر یصب فی صالح موسکو وهو أن جورجیا نفسها غیر مستعدة لتطور الأحداث وفق سیناریو النزاع المسلح ، وذلک بعد أن تصاعدت حدة المعارضة الشعبیة ضد نظام حکم ساکاشفیلی ، الذی یتهمه کثیرون بسحق المعارضین ونقض وعوده إبان ثورة الورود عام 2003 والتی وصل على إثرها للحکم ، حیث لا یزال الفقر متفشیا بین أبناء الشعب الجورجی.

ویبدو أن إیران هى المستفید الأکبر من أحداث أوسیتیا بعد روسیا ، فالتطورات الأخیرة جاءت بمثابة طوق النجاة لها ، خاصة وأن أمریکا کانت تعد العدة لفرض عقوبات جدیدة علیها ، إلا أن استمرار دعم أمریکا لجورجیا من شأنه أن یدفع روسیا لعرقلة تلک العقوبات على الأقل فی الأمد المنظور ، وذلک سعیا منها للحصول على تنازلات من الغرب فیما یتعلق بدعم استقلال أوسیتیا وأبخازیا من جهة ، والحلیولة دون ضم جورجیا وأکرانیا للناتو من ناحیة أخرى.

وهناک تطور آخر لم یکن یتوقعه بوش ، وهو أن رد فعل روسیا العنیف جعل جورجیا تقرر إعادة قواتها بالکامل من العراق وقوامها ألفا جندی ، وهو الأمر الذی أربک خططه فی العراق ووضع عقبات جدیدة أمام التفکیر فی شن هجوم عسکری على إیران.

ویتوقع البعض أن لا تقف خسائر بوش عند ما سبق ، فهناک من یرجح انتهاء مواجهات أوسیتیا بهزیمة نکراء لحلیفه میخائیل ساکاشفیلی، قد تطیح به سریعا من السلطة وبالتالی انتهاء صداع طالما أرق مضاجع روسیا وإضعاف نفوذ واشنطن فی القوقاز.

ویمکن القول إن روسیا أصبحت أقوى من السابق بمراحل وتلک هى الرسالة التی تحاول إیصالها للغرب عبر إشارات متعددة حیث کانت أوسیتیا کلمة السر هذه المرة .

وتاریخ تلک الجمهوریة الانفصالیة یعود إلى عام 1878 عندما ضمتها روسیا لحدودها وقامت بعد الثورة البلشیفیة بتقسیمها إلى کیانین، ألحق الشمالی بالاتحاد الروسی والجنوبی بجورجیا .

ومنذ أن استقلت تبلیسی عن الاتحاد السوفیتی فی بدایة التسعینات وهى تسعى لفرض اللغة الجورجیة على کل الإدارات الأوسیتیة، ولذا سرعان ما تکونت جماعات مسلحة تسعى للاستقلال عن تبلیسی والانضمام لروسیا ، خاصة وأن معظم سکانها البالغ عددهم 70 ألفاً یحملون الجنسیة الروسیة ، فیما تشکل نسبة الجورجیین 25 فی المائة فقط . 

وفی 28 نوفمبر 1991 ، أعلنت استقلالها عن تبلیسی ولکنها  لم تحظ باعتراف دولی ، وإثر تلک الخطوة ، اندلعت مواجهات مسلحة بین القوات الجورجیة والانفصالیین انتهت عام 1992 بتوصل الجانبین إلى اتفاق سلام تضمن نشر قوات حفظ سلام روسیة فی منطقة الحدود بینهما ، إلا أنه فی عام 2004 ، زج الرئیس الجورجی میخائیل ساکاشفیلی بقواته فی معرکة طاحنة ضد هذه الجمهوریة الانفصالیة لتندحر قواته بعد أشهر وتسود هدنة جدیدة .

وفی عام 2006 ، أجرت أوسیتیا استفتاء لتقریر المصیر ، وجاءت النتائج بالموافقة على الاستقلال ، وأجرت انتخابات رئاسیة فی السنة نفسها، ویتولى مقالید السلطة حالیا الرئیس ادوارد کوکویتی .

ولأوسیتیا وأبخازیا أهمیة استراتیجیة لروسیا ، حیث یذکر خبیر معهد التحلیلات السیاسیة والعسکریة الروسیة الکسندر خرامتشیخین أن الکرملین ینطلق من أنه إذا کان انضمام جورجیا لحلف الناتو حتمیا فلتنضم بدون أبخازیا وأوسیتیا الجنوبیة ، الأمر الذی یتیح لروسیا الحفاظ على تواجدها فی منطقتی البحر الأسود وجنوب القوقاز. 

( المقال لجهان مصطفى فی موقع محیط )

م/ن/25


| رمز الموضوع: 142771







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)