أسرار أمریکا النوویة فی قبضة الکیان الصهیونی

بعد شهر واحد من الاعتراف الرسمی الأمریکی بدولة “إسرائیل” وفی یونیو/ حزیران من عام 1948 کانت “إسرائیل” تؤسس لأول شبکة تجسس داخل الولایات المتحدة الأمریکیة عندما نشط أول ملحق عسکری “افرایم بن ارتزی” فی تشکیل مجلس یضم أربعة أفراد هم بن ارتزی ذاته إضافة لدبلوماسی فی بعثتها للأمم المتحدة، وعمیل محترف کان یتنقل بین تل أبیب ونیویورک، إضافة إلى محام أمریکی.
کان هدف الشبکة هو تدریب العملاء المجندین على أسالیب التجسس کالمراقبة الالکترونیة والبشریة، واستخدام الأدوات السریة کالحبر والشفرة فی المراسلات، ثم التنصت على الوفود العربیة فی الأمم المتحدة، فی حین بقی الهدف الأکبر هو التجسس على الولایات المتحدة ذاتها للحصول على أدق أسرارها العسکریة والتکنولوجیة ومقایضة العالم علیها، وقد کان الهدف الأول فی ذلک الوقت هو الحصول على نموذج أولی لرادار أمریکی صغیر متحرک للإنذار المبکر وشحنه إلى تشیکوسلوفاکیا مقابل أسلحة ترسل إلى عصابات الهاجاناه فی فلسطین.
بین یونیو/ حزیران 1948 وما نشرته التایمز البریطانیة منذ أیام عن تجسس “إسرائیل” على برامج أمریکا النوویة جرت قصص وأحادیث تدعو المرء للتوقف طویلا عند طبیعة العلاقات الأمریکیة “الإسرائیلیة” والسر الذی یدعو “الإسرائیلیین” للتجسس على الأمریکیین.
جاءت تصریحات “سیبل ادموندز” العمیلة الاستخباریة الأمریکیة السابقة الوثیقة الصلة بما یجری فی القنوات الخلفیة والسریة للتایمز البریطانیة مثیرة للجدل بشأن وجود مسؤول رفیع المستوى فی وزارة الخارجیة الأمریکیة تحت المراقبة المکثفة بعد الشک فی أنه یسرق معلومات بالغة الحساسیة عن ترسانة الولایات المتحدة الأمریکیة النوویة وعلاقته ب”إسرائیل” والثانی ومن خلال حدیثها کذلک عن شبکة واسعة الامتداد التی زرعها “الإسرائیلیون” فی کل موقع نووی بالولایات المتحدة الأمریکیة وفی المعاهد العسکریة المسؤولة عن تطویر وصیانة الشبکة النوویة الأمریکیة.
هذه القضیة مرشحة لأن تکون من اکبر فضائح التجسس “الإسرائیلیة” على الداخل الأمریکی إذا تم الکشف عن أبعادها الحقیقیة ولم تتدخل الحکومة الأمریکیة الخفیة الفاعلة فی البلاد لطمس معالمها کما جرى فی العدید من القضایا المشابهة من قبل والتساؤل.. لماذا؟
بحسب التایمز البریطانیة فإن اتهاما وجه لمکتب التحقیقات الاتحادیة FBI بإخفاء ملف رئیسی یتضمن أدلة على فساد مسؤولین حکومیین ویمیط اللثام عن تعاملهم مع شبکة تجسس تعمل فی سرقة أسرار أمریکا النوویة.
وبحسب ما أشارت إلیه “سیبل ادموندز” والتی توصف تارة بأنها ترکیة وتارة أخرى بأنها یهودیة تتکون کذلک من أتراک و”إسرائیلیین” قاموا بدفع رشى لمسؤولین أمریکیین کبار لسرقة أسرار أسلحة نوویة، وقد أکدت “سیبل” أن من بین المستندات المتعلقة بهذه القضیة وثیقة سجلت تحت رقم 203 IWF 210023، غیر أن مکتب ال FBI رد على طلب الحصول على ملف یحمل نفس الرقم بأنه لا وجود له، غیر أن صحیفة التایمز کانت قد حصلت على الوثیقة ممهورة بتوقیع مسؤول ال FBI تدل على وجود الملف.. ماذا یعنی هذا الحدیث؟
باختصار غیر مخل یعنی أن مکتب التحقیقات الفیدرالیة قد تم اختراقه “إسرائیلیا” وأنه یخشى من الفضیحة غیر المسبوقة التی تتهدده بزلزال رهیب ولهذا یخفی تلک الملفات والتی ستقود إلى ذلک المسؤول الرفیع فی وزارة الخارجیة الأمریکیة والذی ساعد الأتراک و”الإسرائیلیین” من خلال منح جواسیسهم ومعظمهم من طلبة الدکتوراه تصاریح أمنیة للعمل فی منشآت بحث نووی حساسة من بینها مختبر لوس الاموس النووی فی نیومکسیکو المسؤول عن أمن الرادع النووی الأمریکی.
والمؤکد أن الحدیث عن مختبر لوس الاموس یعود بنا إلى واحدة من اشهر علائق وقصص التجسس الصینیة “الإسرائیلیة” على ما یحتویه من أسرار وقد اکتفت أمریکا وقتها باتهام الصینیین وصمتت عن توجیه حتى اللوم ل”الإسرائیلیین” فی حین روجت بعض دوائر المحافظین الجدد لأقوال تتسق وما ذهب إلیه هنتنجتون فی نظریته عن صراع الحضارات من خلال قیام تحالف کونفوشیوسی إسلامی بمعنى أن الصین قد باعت تلک الأسرار للعرب والمسلمین مثل إیران والمملکة العربیة السعودیة وباکستان. والشاهد کذلک أن التعاون العسکری والاستخباری الترکی “الإسرائیلی” لا یخفى على أحد غیر أن التساؤل هذه المرة من ستقایض “إسرائیل” وماذا ستحصل فی المقابل؟
فی ثمانینات القرن الماضی أقنع إسحق شامیر الاتحاد السوفییتی بأن لدیه معلومات فائقة الحساسیة والسریة عن القدرات العسکریة الأمریکیة فی الشرق الأوسط کان جواسیس “إسرائیل” فی أمریکا قد استطاعوا الحصول علیها عبر محلل مخابرات البحریة الأمریکیة الشهیر جوناثان بولارد، وبالفعل عقدت تل أبیب صفقة مع موسکو سمحت الأخیرة بموجبها بهجرة الآلاف من الیهود الروس إلى “إسرائیل”، والیوم یتصاعد التساؤل هل من صفقة خفیة بین “إسرائیل” والصین على سبیل المثال بوصفها القطب الدولی القادم تستبق بها “إسرائیل” تغیرات وتقلبات الأجواء الدولیة وقبل أن یخفق نجم الولایات المتحدة وبخاصة إذا اعتبرنا أن القرن الحادی والعشرین سیضحى قرنا صینیا؟
تساؤل مفتوح تثیره الأحداث غیر أن هناک ما هو أخطر منه فی واقع الأمر ضمن الأسئلة الحرجة التی تزلزل بناء أمریکا الاستخباری.. ماذا عن ذلک؟
فی أعقاب الکشف عن فضیحة جوناثان بولارد تبین أن هناک معلومات ووثائق أکثر حساسیة تخص الأمن القومی الأمریکی قد وصلت إلى أیدی السوفییت، هذه المعلومات لم یکن مصدرها جوناثان بولارد ووقتها تأکد الأمریکیون من أن مصدر تلک الوثائق هو شخصیة أمریکیة مسؤولة رفیعة بات یرمز إلیها کثیرا بحرف ال X. ولم یتمکن الأمریکیون من الوصول إلیه حتى الآن وإن کان جورج تینت مدیر الاستخبارات المرکزیة الأمریکیة CIA السابق قد رفع شکوى بشأنه إلى جورج بوش وأثار الحدیث عنه فی حضور ارییل شارون الذی أنکر وجود علاقة “إسرائیلیة” بهذا العمیل، غیر أن القبض على لاری فرانکلین منذ أکثر من عام والکشف عن علاقته ب”الایباک” یبدو أنه بدأ یمهد الطریق للکشف عن ذلک المسؤول الذی تعرف التایمز البریطانیة اسمه والذی فاق فی منصبه ومهارته کل جواسیس “إسرائیل” داخل أمریکا من قبل. والحاصل أنه منذ الستینات استطاعت “إسرائیل” وعبر رجل مخابراتها الشهیر “رفائیل ایتان” الذی جند لاحقا جوناثان بولارد اختراق مؤسسة المواد والطاقة الذریة NUMEC فی بلدة ابولو بولایة بنسلفانیا والحصول على وثائق وأسرار نوویة غایة فی الأهمیة وهو ما تکرر لاحقا فی السبعینات والثمانینات وهاهو یطل من جدید.
لماذا تتجسس “إسرائیل” على أمریکا؟ عند أرنست رینان لان “الیهود لا یهمهم مصیر البلد الذی یقیمون فیه” وعند الیهودی برنارد لازار فی کتابه “اللاسامیة” “یحتقر الیهود روح القومیات التی یعیشون فی ظلها” فی حین تبقى الإجابة الأقرب للدقة وبحسب النص الأصلی لإعلان الرئاسة السریة للحکومة الیهودیة العالمیة العلیا کما أعلنها أدولف کریمیو الصدر الأعظم لمحفل الشرق العظیم فی فرنسا سنة 1860 “فلننتفع من کل الظروف، قدرتنا عظیمة فتعلموا استخدامها من أجل أهدافنا، مم تخافون؟ الیوم الذی یمتلک فیه أبناء “إسرائیل” کل ثروات العالم وموارده لیس ببعید”.
م/ن/25