إسقاط حق العودة.. لعبةٌ صهیوأمریکیة جدیدة
فقد استطاع اللوبی الیهودی فی أمریکا مؤخراً أن یستصدر قراراً من مجلس النواب الأمریکی (ووفق علیه بالإجماع)، یطالب الرئیس الأمریکی أن یؤکد – حین التحدث مع الدول العربیة بشأن حق العودة للاجئین الفلسطینیین - على ضرورة معاملة الیهود الذین هاجروا من الدول العربیة بمثل ما نص علیه القرار الأممی 194 الذی صدر بشأن اللاجئین الفلسطینیین عام 1947 .. أی أن الیهود المهجرون یستحقون التعویض عن ممتلکاتهم التی ترکوها (طوعا) فی مواطنهم العربیة، شأنهم شأن المهجرین الفلسطینیین (قسراً) عام 48.
وعلى الرغم من أن هذا القرار المضلل غیر ملزم للرئیس الأمریکی، غیر أنه یعد تطوراً خطیراً فی مدى الانحیاز الذی تمارسه واشنطن ضد القضیة الفلسطینیة، کما یمکن أن یعد تمهیداً عملیاً لاعتماده فی مرحلة لاحقة من مجلس الشیوخ الأمریکی، ما یعنی فی النهایة إلزام الإدارات الأمریکیة اللاحقة باتخاذه أساساً مرجعیاً، حین یتم تناول موضوع حق العودة للاجئین الفلسطینیین فی المفاوضات السلمیة التی تجری حالیاً فی المنطقة.
والإسرائیلیون یدرکون أن حق العودة من الرکائز المحوریة التی لا یمکن للقضیة الفلسطینیة أن تحل بشکل یرضی الفلسطینیین، إلاّ بعودة المهجرین عام 48 والنازحین من الضفة والقطاع عام 67 لقراهم ومدنهم، والتعویض عن الخسائر التی لحقت بهم وفقاً للقرارات الأممیة التی صدرت بهذا الشأن، وهذا ما یحاول الإسرائیلیون إفشاله بکل الطرق.
فالصهاینة لم یکتفوا بالأرض الفلسطینیة التی اغتصبوها عام 48 وأقاموا علیها الکیان العبری، بل تمادوا فی جرائمهم وفجرهم، حتى أنهم راحوا یساوون بین أوضاع الفلسطینیین الذین هُجِّروا قسراً من قراهم ومدنهم، وبین الیهود الذین ترکوا مواطنهم فی الأقطار العربیة بکامل حریتهم وملء إرادتهم، لیتملکوا أرضاً یعلمون أنها نزعت من أصحابها بالقوة بعد أن طردوا منها.
والجدیر بالذکر أن القرار الأممی الصادر بشأن الفلسطینیین الذین هَُّجروا عام 48، یقضی بعودتهم والتعویض عن الممتلکات والأضرار التی لحقت بهم ، ولیس توطینهم وإعادة تأهلیهم کما یدعی الصهاینة والأمریکان. کما ینص القرار على تعویض من لا یرید العودة منهم عن ممتلکاتهم، وعن کل شخص فقد أو أصیب بضرر نتیجة تهجیره وفقاً لمبادئ القانون الدولی.
ولتأکید مبدأ الربط بین شرعیة قیام الکیان العبری وبین التزامه بتنفیذ هذا القرار ، أصدرت الهیئة الأممیة القرار رقم 302 عام 1949 الخاص بإنشاء جهاز "الأونروا"، لیتولى مهمة إغاثة وتشغیل اللاجئین الفلسطینیین بالتعاون مع الدول المضیفة، لحین تطبیق القرار 194 الخاص بحق العوجة للاجئی عام 48. ویبدو حتى هذه اللحظة - على الأقل - أن هذا الجهاز، سیظل قائماً طالما لم تف إسرائیل بالتزاماتها نحو تنفیذ القرار المذکور.
حقاً إن إسرائیل لم تغفل خطورة استمرار مشکلة اللاجئین، فهی تدرک جیداً أن وضعها "کدولة یهودیة" فی المنطقة، لن یستقر طالما استمرت مشکلة اللاجئین قائمة. لذلک بادرت - منذ قیامها - بطرح العدید من المشروعات التی تستهدف حل هذه المشکلة، وجمیعها تدعو إلى توطین اللاجئین فی البلدان التی یقیمون حالیاً فیها، وإعادة تأهیلهم بحیث یستطیعون التعایش مع عملیة التوطین هذه. غیر ان کل هذه المشروعات کانت دائما تصطدم بالقرارات الأممیة التی ربطت شرعیة قیام دولة إسرائیل، بتنفیذها للقرار الخاص بحق عودة المهجرین الفلسطینیین عام 48 کما ذکرنا.
وهنا لا بد من الإشارة لأمرین نعتقد أنهما لعبا دوراً کبیراً لصالح إسرائیل فیما یتعلق بهذه القضیة :
الأول- أن بعض الدول العربیة ساهمت بقدر کبیر فی ترسیخ مفهوم التوطین، حین منحت الجنسیة للفلسطینیین الذین هاجروا إلیها (قسراً) عام 48، ما أوجد سابقة خطیرة یتکئ علیها الکیان العبری فی ادعائه، بأن عملیة التوطین وإعادة التأهیل الذی ینادی بها، أمر یمکن تحقیقه.
الثانی: نجاح إسرائیل فی اعتماد أسلوب المفاوضات الثنائیة مع الأطراف المعنیة بالقضیة الفلسطینیة، عقب طرد الجیش العراقی من الکویت وانعقاد مؤتمر مدرید، إضافة (للآفة الکبرى) وهی اتفاق أوسلو الذی لم ینفذ منه سوى إنهاء الانتفاضة الأولى، وإلغاء خیار المقاومة المسلحة لمقاومة الاحتلال، والمماطلة فی استرجاع الحد الأدنى من الحقوق الفلسطینیة المسروقة، وتسریح أعداد کبیرة من العناصر المناضلة، ، وأخیراً إطلاق شارون رصاصة الرحمة على هذا الاتفاق المشئوم، حین اجتاح الضفة الغربیة وأعاد احتلال مدنها وقراها فی عملیة الجدار الواقی عام 2002.
هذان الأمران أوجدا لإسرائیل ومؤیدیها الحجة فی المطالبة بإبطال القرارات الأممیة الخاصة بحق العودة. وحجة إسرائیل فی ذلک، أن أی حل للقضیة الفلسطینیة یجب أن (یتناول کل جوانبها)، کما أن التفاوض حول حلها أصبح من اختصاص الطرفین الإسرائیلی والفلسطیننی، طالما ارتضیا اسلوب المفاوضات الثنائیة المباشرة طریقاً وحیداً لحل المشکلات العالقة بینهما. وهکذا تنتفی – فی تصور إسرائیل وأمریکا - مبررات تفعیل القرارات الأممیة الصادرة بهاذا الشأن.
والأخطر من ذلک، أن رئیس السلطة محمود عباس وقادة "فتح أوسلو"، ما زالوا یصرون على جعل المفاوضات الخیار الاستراتیجی الوحید لإنهاء الاحتلال الإسرائیلی، وحل القضیة الفلسطینیة، وقیام دولة فلسطین فی الضفة والقطاع، کما وعد بوش فی مبادرته "خریطة الطریق"، وکما جاء فی توصیات مؤتمر أنا بولیس بشأن استئناف المفاوضات، التی تنتهی بقیام الدولة الفلسطینیة قبل نهایة هذا العام 2008. ومع ذلک فإن التصریحات التی صدرت عن الفریقین المتفاوضین، قد شککت فی إمکانیة التوصل لإعلان الدولة الفلسطینیة فی الموعد المذکور.
وعودة للذین نزحوا "قسراً" عن دیارهم ومدنهم وقراهم فی الضفة الغربیة وقطاع غزه بعد حرب 67، فقد أصدرت الهیئة الأممیة القرار 237 الذی یقضی بعودتهم لدیارهم واستعادة أملاکهم. لکن الیهود الصهاینة - کعادتهم - لم یأبهوا بهذا القرار، وضربوا به (کعادتهم) عرض الحائط ، شأنه شأن القرارات الأممیة الأخرى الخاصة بالقضیة الفلسطینیة.
وعلى الرغم من أن حل مشکلة النازحین التی نجمت عن حرب67 ، تعد (فی هذه المرحلة) أقل صعوبة من مشکلة المهجرین عام 48 ، غیر أن حلها لیس بتلک السهولة التی یتصورها قادة السلطة الفلسطینیة و"فتح أوسلو" الذین یتخذون من المفاوضات خیاراً استراتیجیاً وحیداً لحل القضیة الفلسطینیة.
صحیح أن الظروف الموضوعیة لم تمکن إسرائیل وحلفائها بعد، من إیجاد حل لمشکلة الاحتلال الإسرائیلی للضفة الغربیة وفق الأجندة الصهیوأمریکیة، لکن هذا لا یعنی أنها قد استسلمت لتلک الظروف، وإنما ستبذل کل ما فی وسعها (کما عودتنا وعودت المجتمع الدولی)، لإیجاد ظروف مواتیة تعینها فی قضم المزید من أراضی الضفة الغربیة. ولا یهمها أن یتم ذلک على المدى المنظور أو البعید، فجلَّ ما یشدُّها، أن تصل لغایاتها فی قضم أکبر جزء من تلک الأرض وضمها إلیها، إذا ما واتتها الفرصة المناسبة (وما أکثر الفرص المواتیة فی وطننا العربی).
حقاً أن معظم سکان الضفة الغربیة وقطاع غزه، قد استوعبوا حجم المأساة التی نجمت عن عملیة التهجیر عام 48، فقرر القسم الأعظم منهم البقاء فی بیوتهم ومدنهم وقراهم، رغم الأخطار والضغوط الإسرائیلیة التی کانوا یتوقعونها وتعرضوا لها بالفعل، والتی ألحقت بهم وبممتلکاتهم أضراراً جسیمة ...
لکن ما هو حق أیضاً، أن الهدف الاستراتیجی لإسرائیل، هو الاستیلاء على کامل التراب الفلسطینی من البحر إلى النهر کما ذکرنا مراراً، لتصبح فلسطین التاریخیة وطنا قومیاً خالصاً للیهود لا یشارکهم فیها أحد. وهذا یعنی أنه من غیر المستبعد أن تحاول إسرائیل الوصول مع عباس لعملیة مقایضة، یتم بموجبها طرد نحو ملیون ومائتی ألف فلسطینی یعیشون فی إسرائیل منذ عام 48 .. من مدنهم وقراهم وأرضهم داخل الخط الأخضر، مقابل تخلى الکیان العبری عن عدد من المستوطنات الیهودیة التی أقاموها فی الضفة الغربیة والانسحاب من أجزاء منها. فإذا لم ینجح هذا السیناریو، فمن المحتمل أن یحاول الإسرائیلیون المساومة على إبقاء المستوطنات الهامة المقامة حالیاً فی الضفة، نظیر تخلی المستوطنین الیهود عن المستوطنات التی یسمونها بالعشوائیة، والتی لا یقطن البعض منها سوى أفراد قلائل یعدون على أصابع الید.
وفی إطار هذه المحاولات والمراوغات، نجد أن مشروعات الاستیطان التی نفذتها إسرائیل فی الضفة الغربیة بالذات، أوجدت واقعاً دیمغرافیا وجغرافیا على الأرض (مغایراً لما کان قبل الاحتلال) .. من شأنه أن یعینها فی قضم المزید من أراضی الضفة وضمها للکیان العبری عام 48.
وهذا ما حدث بالفعل، حیث شیدت عشرات المستوطنات الیهودیة فی المواقع الحیویة فی الضفة الغربیة، کما شیدت مئات الأمیال من الطرق الالتفافیة التی تربط تلک المستوطنات بعیداً عن التجمعات السکنیة الفلسطینیة، حتى بات الفلسطینیون یعیشون فیما یشبه الکانتونات المعزولة .. لا یربطها رابط جغرافی أو اقتصادی أو حتى اجتماعی، ولا تسمح بإقامة دولة فلسطینیة مستقلة قادرة على الحیاة والبقاء، کما یزعم الرئیس الأمریکی بوش واللجنة الرباعیة المکلفة برعایة مبادرة "خریطة الطریق" التی طرحها لحل القضیة الفلسطینیة.
ومما زاد من حدة المأساة، أقامة الجدار العازل بین الضفة والکیان العبری، والذی یقتطع أجزاء کبیره من الضفة الغربیة. وتدعی إسرائیل أن إقامته لدواعی أمنیة محضة، بینما تشیر جمیع الوقائع على الأرض وکذلک التجارب الماضیة، إلى أن الأرض التی استولت علیها - بحجة إقامة هذا الجدار - إضافة لما اقتطعته لإقامة المستوطنات الیهودیة والطرق الالتفافیة .. تصل نسبتها لنحو 48% من مجمل أراضی الضفة الغربیة، ما یعنی أن نسبة ما تبقى منها للفلسطینیین (أصحاب الأرض) لا تزید عن 42% فقط، أی ما یعادل نحو 7% من مساحة فلسطین التاریخیة، حیث لا تزید نسبة أراضی الضفة الغربیة وقطاع غزه عن 22% من مجمل أرض فلسطین التاریخیة.
ومع ذلک، لا یرید الصهاینة والأمریکان ودول أوروبا الغربیة أن یفهموا، (أو لنقل ما زالوا یتجاهلون)، أن الشعب الفلسطینی ومن ورائه الشعوب العربیة (ولیس الأنظمة العربیة)، لا یمکن أن یتنازلوا عن کامل حقوقهم، وبخاصة عدم الاعتراف بشرعیة قیام الدولة العبریة على أرض فلسطین العربیة المسروقة مهما طال الزمن.
فالعرب یدرکون أکثر من غیرهم، أن أعمار الشعوب والأمم واستمرارها، لا تقاس بسنوات أو عقود معدودة، وإنما قد تمتد لعشرات السنین والعقود بل والقرون. لکن فی النهایة لا یصح إلا الصحیح، وهو انتزاع الحقوق المسروقة من اللصوص الذین اغتصبوها بالقوة. ولقد أدرک الزعیم الراحل جمال عبد الناصر هذه الحقیقة بعید هزیمة 67حین أطلق مقولته الشهیرة: "ما أخذ بالقوة لا یسترد بغیر القوة".
فحق العودة للفلسطینیین سواء المهجرین منهم عام 48 أو النازحین عام 67 ، هو "حق مقدس"، لا یستطیع أی فرد أو کیان أو دولة، وعلى أی مستوى، أن یأتی بسیناریو یناقضه. فالقول بأن العقلانیة فی التفکیر، تقتضی التعامل مع واقع قیام الکیان العبری على الأرض التی اغتصبها الصهاینة عام 48.. وإن هذه الواقعیة لا تتفق مع عودة (جمیع الفلسطینیین فی الشتات) لبیوتهم ومدنهم وقراهم التی مضى على احتلال الیهود لها أکثر من ستین عاماً، وکذلک التلمیح أو التصریح بأن عدداً من الدول المضیفة، تقبل بتوطین الفلسطینیین الذین یعیشون على أرضها وإعادة تأهیلهم .. کل ذلک لن یثنی الشعب الفلسطینی عن التمسک بحقه فی العودة، برغم صعوبة تحقیق هذا الهدف فی ظل الواقع العربی والإقلیمی والدولی القائم.
والدلیل على ذلک أن أعنف مستویات المقاومة الفلسطینیة الیوم، یقوم بها مناضلون ولد معظمهم وعاشوا فی ظل الاحتلال الیهودی، ولم یسبق لهم أن رأوا مدنهم وقراهم التی دمرها الاستعمار الاستیطانی الیهودی. ومع ذلک نراهم یصرون على مقاومة الاحتلال بکل ما یملکونه من وسائل.
وهنا لن نمِلِّ أبداً من ذکر حقیقتین دامغتین:
الأولى- أن الخلاف بین قادة السلطة و"فتح أوسلو" الذین یعتمدون المفاوضات خیاراً إستراتیجیاً وحیداً، وبین "الفصائل الفلسطینیة" وعلى رأسها حماس التی تعتمد المقاومة المسلحة فی مقاومة الاحتلال .. لا یعنی أن الشعب الفلسطینی بکل أطیافه السیاسیة، منقسم على نفسه بالدرجة التی تؤثر فی إیمانه بالثوابت الفلسطینیة، وأولها حق العودة، وعدم الاعتراف بالکیان العبری الذی استولى على الأرض بالقوة والإرهاب.
ویقیناً، إنه لو تتاح للفلسطینیین حریة التعبیر عن هذا الواقع، لالتزمت جمیع الألسنة الرسمیة وغیر الرسمیة فی العالم العربی والغربی الصمت المطبق، ولما وجدت ذریعة تعین من یرید منها الإساءة لنضال هذا الشعب، الذی بات یتولى (عملیاً) الدفاع عن شرف هذه الأمة ومقدساتها.
فالنزاع القائم حالیاً بین السلطة وحماس، هو (بأخف توصیف) نزاع بین قادة سلطة یجهلون تماما أو یتجاهلون القواعد السلیمة والوطنیة فی إدارة الصراع مع العدو الإسرائیلی وکیفیة التعامل معه من جهة، وبین مناضلین یعملون على إعادة القضیة الفلسطینیة لجذورها وإحیاء ثوابتها الأصیلة، التی لا تعترف بالکیان العبری الذی قام على أنقاض القرى والمدن الفلسطینیة التی اغتصبها عام 67 من جهة أخرى. هذا على الرغم من أن الذین یتخذون من المفاوضات خیاراً إستراتیجیا وحیدا، یدرکون تماماً أن العبرانیین لا یخفون أطماعهم فی الاستیلاء على ما تبقى من أرض فلسطین التاریخیة، ویعملون صباح مساء على "تهوید" الأرض الفلسطینیة (وبخاصة القدس الشریف)، وطرد الفلسطینیین أصحاب الأرض منها.
بل من المستحیل أن یغیب عن ذهن شخص مثل عباس ومؤیدیه، أن الکیان العبری قد أقام العدید من المستوطنات الیهودیة التی یسمیها بالعشوائیة لا لشیء، إلاّ لیساوم على إزالتها مقابل الإبقاء على التجمعات الضخمة من المستوطنات التی اقامها فی الضفة الغربیة، وبخاصة فی القدس العربیة ومحیطها، وفی أراضی الضفة المجاورة لما یسمى بالخط الأخضر على ما ذکرنا.
ومهما یکن من أمر، فإن التفریط فی حق العودة، أو التهوین من أمره بدعوى صعوبة التطبیق، وکذلک القول بأن الکثیر من الفلسطینیین فی الشتات لا یرغبون فی العودة، سیقابل بمزید من غضب الفلسطینیین، وسیزید من تمسکهم بهذا الحق، لأنهم یدرکون بأن تخلیهم عنه، یعنی تفریطاً بشعاً ومخجلاً منهم بالقضیة الفلسطینیة. ومن یشارک فی هذه الجریمة البشعة أو یساعد على ارتکابها، فلن یجد من أهله وذویة ومن أمة محمد صلوات الله وسلامه علیه، سوى اللعنات التی سوف تلاحقه حتى آخر یوم فی حیاته.
کلمة أخیرة یجب أن تقال : إن على الجمیع عرباً ومسلمین أن یتذکروا دائماً، أن إسرائیل قامت لتکون وطناً قومیاً للیهود فقط، ولا مکان لأحد غیر الیهود فیها. وهذا ما أکدته مؤخراً وزیرة الخارجیة الإسرائیلیة "تسیبی لیفنی" حین صرحت من عاصمة قطر، بأن حق العودة الذی تُطالب إسرائیل الالتزام بتطبیقه نحو اللاجئین الفلسطینیین عام48، یجب أن یطبق بالمثل على الیهود الذین هُجروا من بیوتهم فی البلدان العربیة. بل بلغ بها الصلف والعجرفة حد القول بکل وضوح ودون مواربة: إن عرب 48 الذین یقدر عددهم بملیون ومائتی ألف مواطن فلسطینی، ینبغی أن یعودوا هم أیضاً إلى الدولة الفلسطینیة المرتقبة، أی أن یطردوا من موطنهم الأصلی فلسطین.
فهل بقیت ذرة من شک لدى العرب، بأن ما أصاب الفلسطینیین سیطال – بصورة أو بأخرى – العرب جمیعهم، إن آجلاً أو عاجلاً ؟. ذلک أن إقامة الدولة الیهودیة الخالصة على کامل التراب الفلسطینی من البحر إلى النهر، لیست سوى المرحلة الأولى من ثلاثة مراحل، تستهدف الثانیة منها إقامة إسرائیل الکبرى من الفرات إلى النیل. أما المرحلة الثالثة فهی التی تنتهی بإقامة الدولة الیهودیة العالمیة التی یکون فیها "الأغیار" من غیر الیهود، عبیداً لسادتهم العبرانیین یفعلون بهم ما یشاؤون.
(تحلیل موسى راغب )
م/ن/25