هل وعت الحرکات الإسلامیة الدرس
تزعم الإدارة الأمریکیة أنها تسعى لإرساء الدیمقراطیة فی منطقتنا لتحقیق الاستقرار، ولکنها فی الحقیقة لم ترس دیمقراطیة ولم تحقق استقراراً، فالدیمقراطیة الحقیقیة تؤدی إلى وصول "الإسلام السیاسی" إلى الحکم والسلطة، الأمر الذی یتعارض مع المخططات الصهیوأمریکیة ویفسر السیاسة الأمریکیة العدوانیة تجاه حرکة حماس.
یعتقد الأمریکیون أن منطقتنا العربیة "مصدر مذهل للتفوق الاستراتیجی" وأداة للسیطرة على العالم، وتؤمن الولایات المتحدة أن تحقیق أمنها القومی یعتمد على نهبها لما فی باطن أرضنا العربیة، وهذا هو سبب الحروب الغربیة (الصلیبیة) المتکررة عبر التاریخ على المنطقة العربیة، فقد هدفت تلک الحروب إلى الاستیلاء على منطقتنا الغنیة بالثروات والموارد الطبیعیة.
ولما کان الإسلام یحرِّم على أتباعه الذل والهوان والخضوع، رکزت تلک الحروب على إخماد جذوة الإسلام فی نفوس العرب والمسلمین، بإبعادهم عن الإسلام بالقوة والتنصیر تارة، وبالحیلة والخداع تارة أخرى. ولذلک شهد العالم العربی حملات الاستشراق والغزو الفکری وحرب العقول والقلوب، لتحقیق حلم الغربیین بتشویه الإسلام وتحریفه واجتثاثه من وجدان المسلمین وأذهانهم.
ولا تختلف الحرب الصلیبیة التی أعلن عنها مجرم الحرب جورج بوش الصغیر عن الحروب الصلیبیة السابقة، فقد کان واضحاً منذ اللحظة الأولى لانطلاق هذه الحرب – عقب أحداث 11 سبتمبر 2001م – أنها لن تقتصر على محاربة ما سمَّاهم بوش "المتطرفین والإرهابیین"، وإنما ستطال أیضاً حرکات الإسلام السیاسی الفاعلة، وأن هذه الحرب الصلیبیة ستتسع ساحتها لتشمل کل البلاد العربیة والإسلامیة وتستمر لعشرات السنین.
وتأتی حرکات الإسلام السیاسی فی بؤرة اهتمام الحرب الصلیبیة الجدیدة التی یقودها الصهاینة والمحافظون الجدد الأمریکیون، فالولایات المتحدة وحلفاؤها الغربیون ینظرون إلى هذه الحرکات على أنها مصدر "الإرهاب الإسلامی" فی المنطقة، وأنها العائق الوحید الذی یحول دون دمج الکیان الصهیونی فی المنطقة وتطبیع علاقاته مع الدول العربیة والإسلامیة. ویرى الأمریکیون وحلفاؤهم الغربیون أن امتدادات حرکات الإسلام السیاسی فی الغرب وأمریکا بات یهدد بشکل جدی الهویة القومیة الأمریکیة والحضارة الغربیة.
وبصرف النظر عن سعی الولایات المتحدة الأمریکیة الدؤوب للتفاهم مع حرکات الإسلام السیاسی واسعة الانتشار فی العالم العربی، فإن السیاسة العدوانیة الأمریکیة تجاه حرکة المقاومة الإسلامیة "حماس" تبدد کل الشکوک حول النوایا الأمریکیة لاحتواء هذه الحرکات وترویضها وتحویلها إلى النموذج الترکی، حیث الاعتراف بما یسمى (إسرائیل) وتطبیع العلاقات معها فی کل المجالات!
ولذلک فإن الولایات المتحدة الأمریکیة ترفض وصول حرکات الإسلام السیاسی إلى الحکم والسلطة ما لم تکف هذه الحرکات عن مقاومة الهیمنة الأمریکیة على منطقتنا وتعترف بحق (إسرائیل) فی الوجود والاندماج الطبیعی فی المنطقة. فإن رفضت هذه الحرکات الخضوع للسیاسة الأمریکیة الظالمة، لن تجد من الولایات المتحدة سوى حرب وحشیة، وعقاب جماعی للشعوب، وحصار وتجویع، تماماً کما یحدث الیوم فی فلسطین، حیث تحشد الولایات المتحدة والکیان الصهیونی العرب والعجم ضد حرکة حماس..!!
وفی تلک السیاسة العدوانیة الأمریکیة تجاه حرکة حماس – والشعب الفلسطینی – درس یجب على الحرکات الإسلامیة أن تعیه جیداً، فإن حاولت تلک الحرکات أن تحکم البلاد والعباد، أو أن تقوم بدور سیاسی حقیقی وفاعل، فستحشد الولایات المتحدة کل العالم لمحاربة النظام السیاسی الذی تقوده حرکات الإسلام السیاسی أو تساهم فیه مساهمة حقیقیة مؤثرة.
والسؤال الذی یؤرق کل مخلص وغیور على مصیر أمتنا ووجودها: ما هو دور حرکات الإسلام السیاسی فی مقاومة الغول الأمریکی والثعلب الصهیونی ومخططاتهما الشریرة فی منطقتنا؟!! إن حالة الجمود التی تعیشها تلک الحرکات ومحاولتها تأجیل المعرکة مع الغول الأمریکی والثعلب الصهیونی لن تساعدها على أن تنأى بنفسها عن شرهما، وإن التعذر بقمع أنظمة الحکم التی تدور فی الفلک الأمریکی هو استزلال مرفوض لهذه الحرکات، ولن یحول هذا التعذر والاستزلال دون إنجاز المخططات الصهیوأمریکیة.
فعلى حرکات الإسلام السیاسی، وعلى رأسها حرکة الإخوان المسلمین، أن تکون على قدر المسؤولیة وتواجه الأخطار العظیمة التی تتعرض لها أمتنا، وعلیها أن تضع استراتیجیة مناسبة لمقاومة المخططات الصهیوأمریکیة، وأن توظف صمود حرکة حماس والشعب الفلسطینی فی النیل من الغول الأمریکی والثعلب الصهیونی. إننا نعیش لحظة تاریخیة حاسمة بددت فیها حرکة حماس کل الأوهام التی خدرت العرب والمسلمین لزمن طویل ومنعتهم من القیام بواجبهم، فمتى تتعامل حرکات الإسلام السیاسی بجدیة وفاعلیة مع هذا المنعطف الخطیر الذی تمر به أمتنا..!!
إن المسؤولیة التاریخیة، القومیة والدینیة والإنسانیة، تجاه أمتنا العربیة والإسلامیة توجب على الحرکات الإسلامیة الفاعلة خوض مقاومة شاملة وواعیة لا هوادة فیها ضد الولایات المتحدة الأمریکیة وحلفائها وعملائها، وتوجب على العلماء المسلمین وقادة الحرکات الإسلامیة النزول إلى ساح الوغى فی الخطوط الأولى للمعرکة، لیقودا المقاومة والجهاد ضد العدوان الصهیوصلیبی.
فالشعوب العربیة والإسلامیة مستعدة لبذل حیاتها فی سبیل الدفاع عن الأمة والتصدی للغول الأمریکی والثعلب الصهیونی ومن تحالف معهما، وقد أثبتت ذلک فی مواطن کثیرة شهدت معارک ضاریة – ولا تزال – ضد الصلیبیین والصهاینة وعملائهم، ولکن هذه الشعوب تحتاج إلى من یقودها ویأخذ بیدها، خاصة أولئک الذین ینتمون إلى الحرکات الإسلامیة ولا یستطیعون الإقدام على أی عمل مقاوم دون أوامر من قیادتهم فی تلک الحرکات.
ولذلک یتحمل علماء الأمة وقادة الحرکات الإسلامیة مسؤولیة المصائب التی تتعرض لها أمتنا، الذین علیهم أن یکونوا قدوة لشعوبنا فی التضحیة والمقاومة والجهاد والاستشهاد.
( للدکتور محمد اسحاق الریفی استلمته وکالة قدسنا )
ص /ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS