جاسوس یخترق مکتب رئیس الوزراء الإسرائیلی
جاسوس یخترق مکتب رئیس الوزراء الإسرائیلی ... و رئیس الوزراء یصرخ : کنت مغفلاً!!
فى یونیو 1961 بدأت محاکمته ولم تتمکن المخابرات الإسرائیلیة من معرفة الطریقة التى استطاع بها نقل المعلومات والأسرار الحربیة الى موسکو. وبالتالى الى المخابرات المصریة عن طریق ریناتا التى عاشت فى باریس واقتربت من الرجل الغامض للحصول على مافى جعبته من أوراق ومستندات عسکریة . إنه إسرائیل بییر الذى اختاره بن غوریون رئیس الوزراء الإسرائیلى مستشاراً للأمن القومى بعد ان ظل یخدم لفترة فى الجیش الإسرائیلى، وبعد اکتشاف دوره مع المخابرات السوفیتیة صرخ بن غوریون: ألهذه الدرجة کنت مغفلاً! اطلع الرجل الغامض على الخطط العسکریة وحصل على أدق الأسرار وکان یلقى بها بمجرد دخوله شقة صدیقته ریناتا التى کانت تقدم له الخمور لیسکر حتى الثمالة فتبدأ فى تصویر المستندات ونقل الأسرار الى المخابرات المصریة، من بینها قوائم المنشأة العسکریة الإسرائیلیة والأسلحة وحجم المساعدات الأمریکیة لـ إسرائیل بل ومفکرة بین جوریون الشخصیة التى حصل علیها بییر من صدیقه بحجة کتابة مسیرة بن غوریون! ولنقرأ التفاصیل: فى رکن من ارکان الملهى اللیلى الشهیر بباریس جلس رجل اصلع الرأس طویل القامة، ذو ملامح أوروبیة یشرب الخمر بنهم شدید وبین الفینة والاخرى ینظر حوله کمن یبحث عن شى محدد لکنه لا یعرف عن اى شیء یبحث بالضبط وان کان یبدو انه ینتظر أحدا حیث لفت انتباهه حرکة اولئک الذین کانوا یتوافدون على الملهى بین وقت وآخر. وکان رغم سکره الشدید ثابتا فى مکانه ولا یتحدث کثیرا ولا یأتى بحرکات کذلک التى یقوم بها السکارى الثملون وعلى مقربة منه جلست امرأتان بدت احداهما کما لو کانت فتاة لیل وقد انشغلت بالحدیث مع السیدة الاخرى التى کانت شدیدة الجمال تشى ملابسها وهیئتها بأنها احدى سیدات الاعمال الثریات اللاتى یفدن على باریس لعقد صفقاتهن. کانت فتاة اللیل تحاول ان تلفت نظر الرجل الاصلع الغامض الذى یجلس على مقربة منهما مع حرصهما على ان یبدو الامر بصورة طبیعیة لا توحى بسعیها الى التعرف الیه أو مجالسته.. لذلک ارتفع صوتها لیسمعها الرجل المقصود ماذا تقولین؟! ثلاثة ملایین فرنک! نعم وماذا فى ذلک؟ انها اقل صفقة عقدتها هذه السنة. - وهل هذه التجارة مربحة الى هذا الحد. - نعم... انها تعادل تجارة المخدرات ولکنها بالطبع لیست مثلها بل اکثر امنا. - وأین ستذهب هذه الصفقة؟ إلى إسرائیل. التفت الرجل الاصلع فجأة نحو السیدتین.. وقال عفوا هل نادیتمانى؟ ردت فتاة اللیل: یسعدنا ان ننادیک ولکن کنا نتحدث عن عملیة تجاریة ستتم فى إسرائیل ضحک الرجل السکران وقال لم تذهبا بعیدا.. فانا اسمى إسرائیل واعیش فى إسرائیل. صرخت المرأة و وجهت حدیثها إلى صدیقتها هل تصدقین هذا یاریناتا.. یالها من مصادفة؟! اقترب إسرائیل بییر او بارائیل کما یطلق علیه فى إسرائیل من السیدتین قائلا... اذا لم تمانع سیدتاى فیسعدنى ان استضیفکما اللیلة. کان هذا الرجل هو الهدف المحدد لعملیتى المخابرات المصریة لانه ببساطة کان مستشار بن غوریون للأمن القومى، ولکن قبل هذا اللقاء الحمیم الذى تم بین العمیلة ریناتا وصدیقتها بسنوات وتحدیدا فى خریف العالم 1950 کان مجلس وزراء الدولة الیهودیة الولیدة قد دعا من قبل رئیس الوزراء دیفید بن غوریون لاجتماع عاجل حضره ایسر هاریتل رئیس جهاز الموساد وبقیة اعضاء مجلس الوزراء بما فیهم موشیه دیان وزیر الحرب فی الکیان الصهیونی وکان ضمن الذین شملتهم الدعوة المحلل السیاسى والضابط السابق إسرائیل هارنیل وکان هذا امرا غریبا استنکره بشدة موشیه دیان عندما مال على ایسر هارئیل قائلا له: ما الذى اتى بهذا الرجل إلى هنا؟! نظر الجمیع لبعضهم بعضا یستطلعون الحدث قبل وقوعه وقطع نظرات الدهشة احد الوزراء عندما هم بالکلام وقبل ان یکمل کلمته الاولى اکمل بن غوریون قائلا: انه لیس تعارفا بالمعنى الذى فهمتموه ولکنى اود ان اقول لکم اننى أصدرت صباح الیوم قبیل هذا الاجتماع مباشرة قرارا بتعیین السید إسرائیل بییر مستشارا للامن القومى الإسرائیلى ومساعدا فى الشئون الامنیة. وصرخ دیان: تقول من یاسیدى الرئیس؟ قال بن غوریون فى حزم: صدیقى ومستشارى إسرائیل بییر. لم یخجل دیان من الوقوف منتصبا وکأنه یهم بالخروج من المجلس قائلا لبن غوریون: سیدى هذا الرجل الذى ترید ان تسلمه خزائن امن إسرائیل، مجهول الهویة تماما کیف یحدث هذا.. انا غیر موافق على تعیینه فى هذا المنصب. ضحک بن غوریون ورد على دیان وهو ینظر باتجاه الرجل الاصلع بییر قائلا: هذه مشکلتک دیان اذا لم تکن تعرفه. اما انا فأعرفه جیدا وأثق فیه تماما. لقد خدم هذا الرجل إسرائیل بجدیة ونشاط منذ ان هاجر الیها من النمسا عام 1935، ورأیته فى جیش الهاغانا السرى ورأیته وهو یخدم فى جیش الدفاع الإسرائیلى بنشاط فائق کما انه متمیز سیاسیا ولدیه قدرات تفتقر انت شخصیا إلیها.. ارجوک اصمت ولست هنا بصد أخذ رأیک.. ثم اردف: انا اعلم تماما ان الغیرة لها مکان فى صراخک هذا..
لم یکن بن غوریون مصیبا فى کل المعلومات التى ذکرها عن صدیقه الحمیم إسرائیل بییر فهو بالفعل رجل مجهول السیرة وصل إلى فلسطین فى اعقاب الحرب العالمیة الثانیة وقدم اوراقه على انه یهودى نمساوى ثم التحق بالجیش السرى للحرکة الصهیونیة واستمر یترقى فى هذه الحرکة حتى قام الکیان الصهیونی عام 1948 فانضم للجیش بصفته إسرائیلیا یهودى الاصل، وقدم اوراقا تفید انه تدرب تدریبا عسکریا عالیا طیلة اقامته فى النمسا وظل یترقى فى الجیش الاسرائیلى حتى وصل الى رتبة عقید وتم اختیاره فى اعقاب حرب 1948 التى اطلق علیها الاسرائیلیون حرب التحریر لرئاسة قسم العملیات والتخطیط من مقر قیادة الجیش ومنذ هذا الوقت توطدت صلته برئیس الوزراء الاسرائیلى دیفید بن غوریون شخصیا، ولکن بعد عامین اخرجه بن غوریون من الجیش وعقد اجتماعه الوزارى لیعلم الوزراء بقراره تعیین بییر مستشارا للأمن القومى الإسرائیلى.
بعد انتهاء الاجتماع العاصف الذى شهد اعلان تعیین اسرائیل مستشارا للامن القومى الإسرائیلى خرج دیان من مکتب رئیس الوزراء لیسیر بمحاذاة أیسر وکل منهما ینظر نحو الاخر نظرات صامتة ذات مغزى. وفى المساء طلب ایسر من دیان ان یزوره فى مکتبة أو ان ینتظره لیحضر هو الیه، ودون ان یسأله دیان عن سبب اللقاء ادرک ان ایسر یرید ان یتحدث معه بشأن المستشار الجدید للأمن القومى للإسرائیل. فى الثامنة مساء کان ایسر یستقبل دیان بمکتبه بمبنى الموساد فى تل ابیب و الذى فاجأه بسؤال حاسم وحازم: أیسر ارید ان اعرف کل شیء عن هذا الرجل. نظر الیه ایسر نظرة استخفاف وقال له: الیوم وبعد کل هذه السنوات تأتى لتسألنى من هو هذا الرجل؟! قال دیان: فى الماضى لم یکن مهما ان یلتحق بالجیش ولکن الیوم سیضطلع بمهام تمس أمن إسرائیل فى الصمیم. خرج بییر من قاعة الاجتماعات منتشیا بالنتائج التى حصل علیها خلال هذا الاجتماع فقد کان هذا المنصب هو أکبر مما کان یطمح الیه فى هذا الوقت وفى مثل هذه الظروف خاصة بعد ان عمد موشیه دیان الى الاساءة لسمعته فضلا عن ملاحقة ایسر هارئیل له ومتابعته متابعة حثیثة اثناء لقائه بإحدى عشیقاته. وخلال الطریق الذى قطعه من غرفة الاجتماعات وحتى الباب الخارجى کان یتلقى التهانى من کل العاملین بمجلس الوزراء وقبیل ان یخرج من بوابة المجلس لیستقل سیارته فوجئ بأحد الحراس یعدو خلفه طالبا موافاة بن غوریون فى مکتبه. عاد بییر منزعجا لهذا الاستدعاء السریع بعد هذا الاجتماع الصاخب ودخل مکتب رئیس الوزراء.. سیدى ماذا هناک لقد کنت خرجت بالفعل من المقر رد بن غوریون عزیزى بییر.. أرجو ان تسمعنى جیدا.. الیوم بالطبع ادرکت کم یکرهک دیان وکم یکرهک ایسر ایضا وهما اخطر شخصیتین فى المجلس، فکن حذرا ولا تفسح لهما المجال لان یمسکا علیک موقفا یحسب علیک لانک انت إسرائیل بییر محسوب على. فى المساء کان لابد لاسرائیل بییر ان یحتفل بهذه المناسبة فاتصل بإحدى عشیقاته وکان اسمها حنه وطلبها ان تلتقیه فى حانة أتوم فى شارع بن یهودا الصاخب فى تل ابیب وقال لها لا تتخلفى فلدى هدیة رائعة لک ومفاجأة ستسعدک بلا شک؟ .
فى التاسعة مساء کان إسرائیل بییر یقدم هدیته لعشیقته - وهى زوجة لاحد ضباط وزارة الحرب الإسرائیلیة وکان زوجها شدید الغیرة علیها ودائم الشک فیها لشدة جمالها. وبعد نصف ساعة بالضبط من وصولها لحانة أتوم ولقائها بییر فوجئ الاثنان بشالوم زوجها یقف على رأسیهما وقبل ان ینطق احدهما بکلمة إنهال الضابط بالکلمات والصفعات الشدیدة على وجه إسرائیل ببیر حتى وقع سنان من اسنان بییر واخذ ینزف وقام بعض العاملین بالحانة بنقله لمستشفى تل ابیب. وبعد ایام عندما سأله بن غوریون عن اسنانه المفقودة قال له: لقد فقدتها یا سیدى فى حادث سیارة.. بینما ضحک کل من دیان وایسر عندما وصلهما الخبر. واصل دیان بأیسر قائلا له: لا اعتقد انک بعید عما حدث لهذا المارق. فى إسرائیل یطلق الاسرائیلیون على حرب عام 1948 حرب الاستقلال وهى تسمیة شائعة فى إسرائیل حتى یومنا هذا ولا یعرف احد ماذا یعنون بکلمة استقلال فمن الذى کان یحتلهم؟ وهل کانت فلسطین فى الاصل موطنهم ام وطن وهب لهم ممن لا حق له فى الهبة، المهم ان بن جوریون استدعى مستشاره الأمین عام 1955 وطلب منه کتابة التاریخ الرسمى والتأریخ لحرب الاستقلال وخصص له من أجل ذلک غرفة بوزارة الدفاع لیقوم بأبحاثه فیها.. وکان هذا التاریخ الذى کتابه من الأعمدة الرئیسیة فى تعزیز مرکز وموقف بییر لدى المجتمع الإسرائیلى وبن جوریون شخصیا. لم یترک ایسر هارکیل بییر بعد قرار تعیینه بعیدا عن عینیه او بعیدا عن اعین رجاله ورصد فى السنوات التى تلت هذه الواقعة حرکة إسرائیل بییر رصدا دقیقا فقد اکتشف انه کثیر العلاقات الغرامیة یعیش حیاته على هواه وینفق ببذخ شدید على عشیقاته وبنات الهوى کما توصل الى ان علاقته بزوجته رفقه سیئة للغایة وان الخصام بینهما یدوم ایاما واسابیع طویلة، کما لاحظ انه یقوم بجمع معلومات عسکریة لا تتصل بعمله فى شیء وانه زار موسکو وبرلین ووارسو وبوخارست اکثر من مرة وهذه عواصم دول شیوعیة لیست على وفاق کبیر مع إسرائیل الدولة الحدیثة، کما جاءته تقاریر تفید بأنه على علاقة وثیقة بکثیر من الدبلوماسیین الروسى العاملین فى تل ابیب ویلتقى بهم کثیرا. کان ایسر یرى فى هذا الرجل الفساد کله، فهو على عکسه حیث ان ایسر کان یهودیا متدینا ومتشددا بعکس إسرائیل بییر ولذا فإنه کان یخشى على إسرائیل الدولة من وجود رجل کهذا یسهل تجنیده بأبسط الطرق حتى ولو کان عن طریق امرأة غانیة. ذات مساء رن هاتف بییر فى مکتبه، کانت المکالمة من خارج إسرائیل وکان الصوت المتصل من الأصوات المحببة لبییر ولذلک عندما سمع صوت المتصلة هلل فرحا کفرحة طفل صغیر بلعبة، فقد کانت المتصلة صدیقة باریس التى التقاها مؤخرا. وبعد أسبوع بالضبط کان إسرائیل بییر وصدیقته ریناتا یلهوان فى کل ملاهى باریس ولم یترکا شیئا لم یفعلاه حتى نفدت أموال بییر تماما وقرر العودة إلى إسرائیل وعندها طلب من صدیقته أن تستعد للعودة معه. ترکته ریناتا بحجة ترتیب أمورها وتوجهت على الفور إلى محل للعطور المشهورة فى باریس وکانت مدیرته فتاة مصریة وأخبرتها بأنها ترید مقابلة الضابط ف من المخابرات المصریة.. أقول له من أنت أخبریه بأننى صدیقة بییر کانت هاتان الفتاتان من العاملات مع جهاز المخابرات المصرى وهما اختان من الأب وکانت التى تمتلک محل العطور أمها فرنسیة بینما الأخرى وهى تعمل مضیفة بالشرکة الوطنیة، من أم مصریة. وکانت المضیفة تتولى توصیل المعلومات والوثائق التى تطلبها المخابرات إلى مصر أو إلى الضابط ف. طلب ف من ریناتا السفر مع بییر إلى إسرائیل والحصول منه على کافة الوثائق التى توجد بحوزته وتصویرها وتسلیمها لصاحبة محل العطور والباقى تعرفه هذه بدورها.. سافرت ریناتا مع إسرائیل إلى تل أبیب وعاشت معه قرابة شهر فى بیت استأجره لها بییر بعیدا عن تل أبیب.. وکان یقضى أیاما طویلة معها بعیدا عن زوجته، فهذا الرجل شدید الثقة بنفسه وشدید الاهتمام فى نفس الوقت رغم أنه موظف مهم فى الکیان.. وکان بحکم عمله یطلع على وثائق ومستندات مهمة خاصة بالخطط العسکریة الإسرائیلیة إلا أنه کان یلقى بمجرد دخوله شقة صدیقته، بالأوراق دونما اهتمام ویترک أهم وأخطر المستندات العسکریة قریبة من یدى ریناتا التى اعتمدت طریقة ذکیة فى الحصول على ما ترید حیث کانت تجعله یسکر تماما فلا یستطیع أن یرى ما یحدث أمامه ثم تجذبه إلى غرفة النوم فتجهز على ما تبقى منه وتقوم بعد تأکدها من استغراقه فى نوم عمیق إلى غرفة المکتب وتفتح حقائبه وتجمع المستندات وتصورها تصویرا دقیقا وتحتفظ بالأفلام لحین موعد سفرها. واستمرت على هذه الحال قرابة الشهرین وهى تعیش معه وتحصل منه على کل المستندات التى یحوزها بصفته الوظیفیة فتأخذ نسخا منها ومن تلک التى یحتفظ بها فى خزانة خاصة فقد استطاعت أیضا أن تصل إلیها وإلى ما فیها وتأکدت من خلال هذه الوثائق والمذکرات التى کتبها بخط یده أنه عمیل لجهاز الکى جى بى السوفیتى!.
بعد هذین الشهرین سافرت ریناتا إلى باریس وهناک سلمت الفتاة المصریة الباریسیة الأفلام التى وصلت فى النهایة إلى المخابرات المصریة التى تمکنت من أن تخدع إسرائیل وجهاز الموساد باستخدام عمیل للسوفیت لیعمل لصالحها دون أن یدرى العمیل ودون أن تدرى المخابرات السوفیتیة وبطبیعة الحال دون أن یدرى الموساد ورجاله. کانت من ضمن الأوراق والمستندات التى حصلت علیها ریناتا المفکرة الشخصیة لدیفید بن غوریون شخصیا وکان بییر حصل على هذه الفکرة من صدیقه بحجة أنه سیکتب کتابا عن سیرته وسیحتاج لمعرفة بعض الأمور الخاصة عن حیاة بن جوریون لیستکمل کتابه وکم کانت مفاجأة ضابط المخابرات المصرى عندما وجد بین یدیه مفکرة تضم أخطر أسرار إسرائیل والموساد ومکتوبة بخط ید بن غوریون نفسه، وهکذا توصلت مصر إلى حقائق ومعلومات خطیرة کثیرة من تلک التى کانت تدور فى کوالیس وأروقة مجلس الوزراء الإسرائیلى والموساد والقوات العسکریة الإسرائیلیة. کانت الساعة قد جاوزت الثامنة مساء فى الثامن والعشرین من مارس عام 1961 وفى الثامنة ودقیقتین تحدیدا خرج رجل من شقته فى 67 شرع براندیس فى تل أبیب وهو یزر أزرار معطفه وبیده حقیبة جلدیة تضم مجموعة ضخمة من الأوراق. أسرع الرجل الذى کان یسیر وحیدا تقریبا فى الشارع الخالى وأخذ یتلفت حوله کمن یرید التأکد من أن أحدا لا یراقبه واستدار نحو شارع جانبى ثم دخل کابینة هاتف من هواتف الشوارع وکانت لا تبعد عن منزله أکثر من ثلاثمائة متر وتوقف یلتقط أنفاسه اللاهثة ثم تلفت حوله مرة أخرى وعندما اطمأن أنه غیر مراقب انطلق متجها إلى شارع منخفض قلیلا نحو مقهى صغیر یقبع فى إحدى زوایا الشارع. طلب الزبون زجاجة خمر وأخذها وانزوى فى رکن بعید من المقهى لیتحاشى أضواء الشارع الشدیدة ووضع الحقیبة التى کانت بیده جانبا ثم اشعل سیجارة وأخذ ینظر بقلق لساعته یتابع الوقت بین دقیقة وأخرى. بعد خمس دقائق أخرى دخل المقهى رجل آخر وکان یرتدى بدلة سوداء وقبعة ذات حافة عریضة وأشار بیده نحو الجالس فى زاویة المقهى ثم اقترب منه وجلس على المقعد المواجه له.. وبعد لحظات جلس الرجلان صامتین تناول الضیف الحقیبة ومضى خارجا وکأن شیئا لم یحدث.. وبعد دقائق قلیلة نهض الرجل ذو المعطف ودفع الحساب وخرج صامتا کأنه میت بعث لتوه إلى الحیاة!. عندما ظهر فى الشارع أخذ یتفحصه مرة أخرى ثم مضى فى طریقه ولکن کانت یداه خاویتین هذه المرة.. وبعد أن صعد الدرج متجها إلى شقته اتجه إلى مکتبته العامرة بالکتب بکل اللغات وجلس وکأنه ینتظر شیئا ما.. لعله کان ینتظر هاتفا أو زائرا!!. فى حوالى الساعة الثانیة عشرة وقفت سیارة أمام البنایة رقم 67 وصعد الرجل الذى تسلم الحقیبة إلى شقة لم یکن بابها موصدا وترک السیارة تعمل، وعندما دخل لم یمکث طویلا حیث وضع حقیبة الأوراق التى کانت بحوزته. فى هذه اللحظة دق هاتف منزل أیسر هارئیل الذى کان قریبا من الهاتف ویتوقع مکالمة فى هذا التوقیت رغم بدء مراسم عید الفصح. قال المتحدث على الجانب الآخر.. التقى صاحبنا برجل المخابرات الروسى للمرة الثانیة هذه اللیلة وسلمه حقیبة الأوراق ثم افترقا، وبعد ساعات عاد إلیه فى بیته وهو الآن بالداخل معه.. هل أنت متأکد من العنوان والشخص؟. نعم أنا الآن بالضبط أمام 67 شارع براندیس، نعم هذا هو محل إقامة بییر. طلب أیسر من محدثه استخراج أمر من النیابة بتفتیش شقة إسرائیل بییر ثم أغلق السماعة لیطلب بن غوریون مرة أخرى.. لم تستغرق المحادثة أکثر من عشر دقائق وفى نهایة المکالمة قال السیر ل بن غوریون سألقى القبض الیوم على إسرائیل، رد بن غوریون علیه وهو شبه مصدوم؟ قم بواجبک!! عندما هم ضیف بییر بالانصراف بعد أن أدى مهمته دخلت ریناتا من الخارج بینما کان الضیف قد تجاوز المنطقة ما بین غرفة مکتب بییر والباب الخارجى حیث تبادلت النظرات مع ضیفه وأومأت إلیه بتحیة سریعة وبعدها ألقت نفسها بین ذراعى صدیقها وسألته فى براءة من هذا یا بییر؟. أجاب إجابة مقتضبة وسریعة توحى بأنه لا یرید الدخول فى تفاصیل ما دار بینه وبین صدیقه.. أدرکت ریناتا أن بییر لیس فى حالة طبیعیة فلم تشأ أن تواصل أسئلتها لکنها لاحظت أن هناک کومة کبیرة من الأوراق والمستندات إضافة إلى الحقیبة التى أحضرها الزائر منذ قلیل. وبعد حوالى ساعة کان بییر قد أکمل رحلة السُکر الیومیة وبدأ یترنح حیث ساعدته ریناتا حتى وصل إلى السریر وترکته على الفور لتبدأ مهمتها حیث استطاعت تصویر أفلام خبأتها على الفور وتظاهرات بالنوم بجواره وعند الساعة الرابعة فجرا أفاق بییر لما سمع صوت اصطدام شدید فهب مذعورا لیجد عشرة عناصر من الموساد داخل شقته وقد خلعوا باب الشقة بضرباتهم وأصبحوا فى لحظات داخل غرفة نومه. کان کل شیء فى مکانه الأوراق والحقیبة التى ترکها ضیفه فى زیارته الثانیة ولم یزد على الشقة شیئا سوى وجود ریناتا فى غرفة نومه. تحدث کبیر القوة التى هاجمت شقة بییر وقال له: أنت معتقل الآن ولدینا تعلیمات بتفتیش الشقة. عقدت الصدمة لسان بییر الذى تجمد فى موضعه ولم یقل أکثر من نفس العبارة التى قالها منذ قلیل بن غوریون لأیسر.. قم بواجبک..! فتح الضباط ورجال الموساد الحقیبة التى کانت تضم عددا من الوثائق السریة جدا ومن ضمنها وثیقة لقائمة مفصلة لمصانع الأسلحة الکبرى فى إسرائیل والأخطر من هذا کانت مفکرة بن غوریون ضمن المستندات والأوراق التى عثروا علیها بشقة إسرائیل بییر منذ أن استعارها المحلل الکبیر من صدیقه رئیس الوزراء لتساعده فى کتابة عدد من المقالات ومؤلف خاص عن فلسفة بن غوریون فى الحکم وقیادة إسرائیل..! تم القبض على إسرائیل وصدیقته ریناتا التى وجهت إلیها التهمة نفسها، ولکنها دافعت عن نفسها بأنها لا تعلم عنه أکثر من کونه موظفا کبیرا بوزارة الدفاع وأنها کانت مجرد صدیقة لا علاقة لها بأعماله الأخرى کما برأها إسرائیل نفسه وبالتالى خرجت بعد أیام قلیلة من السجن لتطیر إلى باریس وتسلم الأفلام التى صورتها فى تلک اللیلة للمصریة الباریسیة التى سلمتها لشقیقتها المضیفة التى سلمتها بدورها للمخابرات المصریة. وظل الموساد زمنا طویلا لا یعلم أن المرأة التى قبض علیها مع إسرائیل کانت عمیلة للمخابرات المصریة وأنها حصلت على کل الوثائق والمستندات التى حصل علیها السوفییت عن طریق إسرائیل بییر.
ن/25